بعد 12 عامًا على سقوط نظامه.. شبح صدام لا يزال يخيم على العراق

أثر الرئيس الأسبق عكسته الضجة حول مقتل من يشتبه بأنه عزة الدوري

جندي عراقي يقف فوق سطح الضريح المهدم للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في قرية العوجة قرب تكريت (أ.ب)
جندي عراقي يقف فوق سطح الضريح المهدم للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في قرية العوجة قرب تكريت (أ.ب)
TT

بعد 12 عامًا على سقوط نظامه.. شبح صدام لا يزال يخيم على العراق

جندي عراقي يقف فوق سطح الضريح المهدم للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في قرية العوجة قرب تكريت (أ.ب)
جندي عراقي يقف فوق سطح الضريح المهدم للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في قرية العوجة قرب تكريت (أ.ب)

تعكس الضجة التي أثيرت حول مقتل من يشتبه بأنه عزة إبراهيم الدوري؛ أبرز الأركان المتوارين لنظام صدام حسين، الأثر الذي لا يزال الرئيس العراقي الأسبق يحتفظ به بعد 12 عاما من سقوط حكمه.
ويؤشر تحلق عشرات العراقيين قبل أسبوعين حول نعش الرجل الأصهب الذي لم يتم التأكد رسميا بعد من أنه الدوري، إلى محاولتهم طي حقبة نظام حزب البعث الذي حكم البلاد لعقود بقبضة من حديد، وأسقطه الاجتياح الأميركي في عام 2003.
في 20 أبريل (نيسان) الماضي، تسلمت الحكومة جثة الشخص الذي قتل قرب مدينة تكريت، من «كتائب حزب الله»، وهي فصيل شيعي يقاتل مع القوات الأمنية لاستعادة مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول الكتائب الشيخ جاسم الجزائري قوله: «هذا المنجز لا يقل أهمية عن المنجز السابق الذي تحقق من خلال إعدام صدام المقبور» عام 2006.
وخلال نقل النعش من شاحنة تابعة للكتائب إلى أخرى تابعة لوزارة الصحة، تدافع عشرات الشبان والصحافيين لرؤية الجثة وتصوير النعش. وبدا ابتعاد شاحنة وزارة الصحة ببطء على وقع صيحات «الموت للبعثيين»، أشبه بانفصال رمزي عن مرحلة أليمة لكثير من الحاضرين الذين حاول بعضهم ضرب النعش بحذائه.
إلا أن رحيل من يعتقد أنه الدوري، الذي كان بمثابة الرجل الثاني إبان حكم صدام، لا يعني حكما نهاية أثر الحزب الذي حكم لأكثر من ثلاثة عقود. ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري: «البعث ما زال نشطا، وكل من يقول بأن البعثيين انتهوا وبأن حزب البعث انتهى، يجافي الحقيقة». ويضيف: «قد يختفي الرمز صدام أو عزة الدوري، لكن كثيرا من القيادات لا تزال فاعلة وتحاول معاداة النظام السياسي الديمقراطي في العراق».
ويتحدث الشمري عن الأثر المستمر للحقبة النازية في ألمانيا بعد سبعة عقود على نهاية الحرب العالمية الثانية، ليقارن بينها وبين العراق. ويقول: «الوقت مبكر من أجل الانفلات من شبح صدام (...) نحن بحاجة إلى عقود من أجل التخلص من آثار صدام وما تركه في الداخل العراقي».
ويتهم البعثيون بأداء دور في أعمال العنف التي تضرب العراق بلا رحمة منذ 2003. كما يتهمون بالتعاون مع تنظيم داعش الذي سيطر على مناطق واسعة من البلاد إثر هجوم شنه في يونيو (حزيران) الماضي، لا سيما أن أبرز هذه المناطق كالموصل وتكريت، تعد نقاط ثقل بعثي تقليديا.
وما عزز هذا الاتهام كشف مجلة «دير شبيغل» الألمانية في 19 أبريل الماضي، وثائق تظهر أن ضابط الاستخبارات السابق سمير عبد محمد الخليفاوي، وضع استراتيجية تمدد تنظيم داعش. ويرى الشمري أن الوثائق أقنعت العراقيين بأن التنظيم «واجهة»، وأن الواقع «قد يكون محاولة لقلب نظام الحكم (...) وعودة البعث بصورة جديدة».
وحاولت السلطات منذ 2003 الحد من تأثير الحزب عبر قرارات عدة؛ أبرزها حل الجيش، وقانون «المساءلة والعدالة» الذي تلا «اجتثاث البعث». وشملت هذه القوانين نحو 130 ألف حالة، بينها أكثر من 17 ألف شخص تم «اجتثاثهم» نهائيا بحرمانهم الوظائف الرسمية والحقوق التقاعدية، بحسب رئيس هيئة «المساءلة والعدالة» باسم البديري. ويضيف البديري أن هدف هذه القوانين هو «تطهير» المؤسسات ممن «أوغلوا في جرائمهم بحق العراقيين»، لأن «الظهير المساند للإرهاب هم البعثيون».
ورغم عودة عدد من الضباط السابقين للخدمة في الجيش بعد 2003، فإن كثيرا من رفاقهم المبعدين يعبرون عن نقمتهم من الطريقة التي عوملوا بها. ويقول الفريق الركن السابق أبو مطلك (62 سنة): «لا يوجد ضابط في الجيش ممن لم يعودوا إلى عملهم (...) إلا وتعاطف أو عمل أو شارك مع الجماعات التي وقفت ضد الأميركيين». ويضيف الرجل الذي اضطر للعمل سائق أجرة لإعالة عائلته: «في قرار واحد تم تسريحنا.. وجدنا أنفسنا بلا عمل وعوائلنا بلا مال (...) كيف تريد أن أشارك ببناء نظام سياسي جديد طردني من كل شيء وحرمني كل شيء؟».
ولا يزال حضور الحقبة السابقة ينعكس من خلال المشاعر المتناقضة لعراقيين ما زالوا يعانون من دموية الحكم السابق، وآخرين يفاخرون بعاطفتهم تجاه صدام. ويقول الكردي أراس عابد (47 سنة): «ما زلت ارتجف عندما أسمع اسم صدام في التلفزيون أو الراديو. ليس خوفا، وإنما كرها وحقدا (...) أتألم كثيرا لشعوري بالوحدة من دون أهلي»، بعدما فقد 12 من أفراد عائلته في قصف القوات العراقية لمنطقة حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988.
أما محبو الرئيس الأسبق، فتسابق الدموع كلماتهم أثناء الحديث عنه، ومنهم أبو محمد، الرجل السبعيني الذي انتسب إلى البعث قبل نحو خمسين عاما. ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية في منزله بشمال بغداد: «الحزب موجود، أين يذهب؟ موجود في قلوبنا. عندما تحمل أي فكر، مستحيل أن تتخلى عنه». ويضيف: «حتى الآن المسؤولون يخافون من سيرة البعث (...) يخافون جدا من صدام لأنه لديه مبادئ وقيم». ويتابع بمزيج من السخرية والتأثر: «كلما أرى صورته يخفق قلبي.. أما عندما يظهر هؤلاء (المسؤولون)، فأرغب في أن أنزع حذائي وأضربهم به».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.