ما عواقب فرض الولايات المتحدة منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا؟

من المحتمل أن تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة

74 % من الأميركيين يؤيدون فرض منطقة حظر طيران في أوكرانيا
74 % من الأميركيين يؤيدون فرض منطقة حظر طيران في أوكرانيا
TT

ما عواقب فرض الولايات المتحدة منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا؟

74 % من الأميركيين يؤيدون فرض منطقة حظر طيران في أوكرانيا
74 % من الأميركيين يؤيدون فرض منطقة حظر طيران في أوكرانيا

ناشد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فرض منطقة حظر طيران فوق بلاده، بينما تواصل الحرب مع روسيا، مما أثار جدلاً حول العواقب التي قد تترتب على مثل هذه الخطوة.
وحسب تقرير نشرته قناة «فوكس نيوز»، قال الرئيس السابق لمحطة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في موسكو دان هوفمان، «إذا كانت هناك منطقة حظر طيران، واضطررنا إلى فرضها، فذلك يعني أن تحلق الطائرات الأميركية بشكل متزامن مع الطائرات الروسية. وسنواجه خطر قيام الطائرات الأميركية بإسقاط الطائرات الروسية أو العكس».
تحظر منطقة حظر الطيران الطائرات من منطقة معينة، وتستخدم أحياناً فوق المباني الحكومية لأسباب أمنية. كما تم فرض هذه المناطق في أوقات النزاع لمنع الطائرات العسكرية من مهاجمة بعض المناطق.
وأضاف هوفمان: «خلال الحرب الباردة، لم تفرض استراتيجية الولايات المتحدة أي مشاركة مباشرة مع الاتحاد السوفياتي».
بدلاً من ذلك، خاضت الولايات المتحدة حروباً بالوكالة مع روسيا. ومع ذلك، يمكن لمنطقة حظر طيران أن تغير ذلك وتضع الجنود الأميركيين في صراع مباشر مع الروس.
أجرى زيلينسكي مكالمة هاتفية مع أكثر من 280 مشرعاً أميركياً، يوم السبت، وناشدهم تقديم دعم عسكري «عاجل» ومساعدات إنسانية، بما في ذلك «السيطرة على الأجواء» لمحاربة روسيا. كما دعا الرئيس الأوكراني، الأسبوع الماضي، حلف «الناتو» والرئيس الأميركي جو بايدن، إلى فرض منطقة حظر طيران فوق «أجزاء مهمة» من البلاد.
وقال زيلينسكي في مقطع فيديو نُشر على «تويتر» أول من أمس (الأحد)، «نكرر كل يوم: أغلقوا السماء فوق أوكرانيا!».
https://twitter.com/ZelenskyyUa/status/1500472014452273157?s=20&t=Yfx1-my1fZrnO9v5bYuNmQ
ونفى حلف شمال الأطلسي والبيت الأبيض فرض منطقة حظر طيران، بينما وصف بعض قادة الولايات المتحدة هذه الخطوة بأنها قد تأتي بعواقب وخيمة.
وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، «الطريقة الوحيدة لتطبيق منطقة حظر طيران هي إرسال طائرات مقاتلة تابعة للحلف إلى المجال الجوي الأوكراني، ثم فرض منطقة حظر الطيران تلك بإسقاط الطائرات الروسية»، مضيفاً: «يمكن أن ينتهي الأمر بحرب شاملة في أوروبا».
تهدد منطقة حظر الطيران بوقوع صراع عسكري مباشر مع روسيا، ومن المحتمل أن تتصاعد إلى حرب عالمية ثالثة.
وأظهر استطلاع حديث لوكالتي «رويترز» و«إبسوس»، أن 74 % من الأميركيين يؤيدون منطقة حظر طيران. لكن بعض قادة الولايات المتحدة يقولون إن القضية أكثر تعقيداً من مجرد حظر الطائرات فوق أوكرانيا.

ودق الديمقراطيون ناقوس الخطر بشأن فرض منطقة حظر طيران، بما في ذلك السيناتور كريس مورفي.
وقال مورفي: «أعتقد أننا بحاجة إلى أن نكون واضحين في أننا لن نخوض حرباً مع روسيا، فهذه ستكون بداية الحرب العالمية الثالثة، وستجر أوروبا كلها إلى حرب أوسع بكثير».
تناول زيلينسكي هذه المخاوف يوم الاثنين، وقال إن الطائرات الروسية التي تقصف بلاده، بما في ذلك المدارس، «يجب إسقاطها» من أجل «الحفاظ على الأرواح».
ومع ذلك، أشار بعض المشرعين الأميركيين، مثل السيناتور الديمقراطي جو مانشين، إلى أن خيار منطقة حظر الطيران يجب أن يظل مطروحاً على الطاولة، بينما قال القائد الأعلى المتقاعد لحلف شمال الأطلسي الجنرال فيليب بريدلوف، إن منطقة حظر الطيران الإنسانية يمكن أن تسمح بدخول قطارات الإغاثة إلى البلاد والاعتناء بالجرحى.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟