كشف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن حلف شمال الأطلسي «الناتو» يفكر في إبقاء قواته بشكل دائم في منطقة البلطيق، في دلالة هي الأوضح حتى الآن على أن الولايات المتحدة والدول الحليفة تستعد لتعديل خطط انتشار القوات في أوروبا الشرقية في ضوء غزو روسيا لأوكرانيا.
وقبيل توقفه في كل من لاتفيا وإستونيا أمس الاثنين، وصل بلينكن إلى ليتوانيا لطمأنة الحلفاء هناك على الدعم القوي من الولايات المتحدة لدول البلطيق التي يطالب زعماؤها حلف الناتو ببذل المزيد للمساعدة في حماية هذه الدول على المدى الطويل. وقال: «لسوء الحظ، فإن الوضع الأمني المتدهور في منطقة البلطيق يشكل مصدر قلق كبيراً لنا جميعاً وحول العالم»، مضيفاً أن «العدوان الروسي المتهور ضد أوكرانيا يثبت مرة أخرى أنه يمثل تهديداً طويل الأمد لأمن أوروبا، وأمن تحالفنا». واعتبر أن «الدفاع الأمامي» مطلوب الآن لأن «الردع لم يعد كافياً، ونحن بحاجة إلى المزيد من الدفاع هنا»، محذراً من أنه يجب القيام بذلك «قبل فوات الأوان». وتوقع أن «بوتين لن يتوقف في أوكرانيا إذا لم يتم إيقافه». وأضاف: «من واجبنا الجماعي كأمة أن نساعد جميع الأوكرانيين بكل الوسائل المتاحة. وبقول كل شيء، أعني، في الواقع الكل يعني كل شيء، إذا أردنا تجنب الحرب العالمية الثالثة. الخيار في أيدينا».
وكذلك دعا وزير الخارجية الليتواني غابريل يوس لاندسبيرغيس إلى زيادة المساعدة لأوكرانيا، مشيراً إلى أن حلفاء الناتو «يفعلون الكثير، لكن لا يمكننا التوقف». كما دعا إلى الوقف الفوري لواردات الطاقة الروسية. وقال: «لا يمكننا دفع ثمن النفط والغاز بدماء أوكرانية».
- مخاوف دول البلطيق
وافتتح بلينكن جولته في البلطيق في فيلنيوس، حيث كان الدعم الليتواني لمقاومة أوكرانيا للغزو الروسي واضحاً، إذ تظهر علامات التضامن مع الأوكرانيين في العديد من الشركات وفي المباني العامة والحافلات. وكانت دول البلطيق الثلاث جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق. ولكنها انضمت إلى حلف الناتو عام 2004، وباتت الآن من أكثر الدول التي تعبر صراحة عن مخاوفها من الطموحات الإقليمية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ودعت الناتو مراراً وتكراراً إلى بذل المزيد من الجهد لحماية حدودها مع روسيا.
وقاومت الولايات المتحدة فكرة تمركز قوات على المدى الطويل في دول البلطيق وفي دول الناتو الأخرى قرب الحدود مع روسيا لتجنب استعداء موسكو. ولكن بلينكن قال إنه «عندما يتعلق الأمر بحلف الناتو، فإن الخط واضح للغاية، وسأكررها: إذا كان هناك أي عدوان في أي مكان على أراضي الناتو، فسنتخذ نحن الولايات المتحدة وجميع حلفائنا وشركائنا إجراءات للدفاع عن كل بوصة» من أراضي الدول التابعة للحلف، مشدداً على أن التزام الولايات المتحدة باتفاق الدفاع المشترك للناتو «مقدس».
ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة سترسل قوات إلى منطقة البلطيق بشكل دائم لحماية دول الناتو، قال بلينكن للصحافيين إن الحلف «يبحث في مسائل تتعلق بمزيد من عمليات الانتشار الدائمة». وأضاف: «نحن نراجع باستمرار داخل الناتو موقفنا الدفاعي، بما في ذلك النظر في مسائل تمديد انتشار القوات، والنظر في مسائل المزيد من عمليات الانتشار الدائمة». وأكد أن «كل ذلك يخضع لمراجعة منتظمة، ونحن منخرطون مع حلفاء الناتو في القيام بذلك».
ونشرت الولايات المتحدة الآلاف من القوات في بولونيا وألمانيا ورومانيا مع تزايد المخاوف من غزو روسي محتمل.
ويقول زعماء دول البلطيق إنهم ظلوا يحذرون حلفاءهم في الناتو منذ أكثر من عقد من رغبة بوتين في الحرب، مشيرين إلى أنه عزز سلطته في الكرملين من خلال الحملات العسكرية الوحشية التي تسببت في عنف واسع النطاق، وعشوائي في كثير من الأحيان، ضد المدن والمدنيين، من دون عقاب كافٍ من المجتمع الدولي. وعام 1999 في واحدة من أول أعماله كرئيس، أمر بوتين بهجوم ضخم ضد المتمردين المنشقين في الشيشان، علماً بأنه أنكر في البداية أنه كان يستعد لغزو بري ودمر العاصمة غروزني وقتل الآلاف من المدنيين. وعام 2008 أمر بغزو جورجيا المجاورة، ما أدى إلى تشريد نحو 200 ألف شخص، وكان رد الفعل الدولي صامتاً. وعام 2014 غزا وضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وبعد عام، أرسل قوات إلى سوريا حيث لعبت الطائرات الحربية الروسية دوراً حاسماً في دعم نظام الرئيس بشار الأسد بضربات جوية غالباً في مناطق مأهولة بالسكان.
ودافعت موسكو عن عملياتها العسكرية، قائلة بشكل عام إنها تهدف إلى إبقاء المتحدثين باللغة الروسية في تلك المناطق آمنين. كما عارضت منذ فترة طويلة قوات الناتو المتمركزة على طول حدودها الغربية، بحجة أن ذلك سيمثل تهديداً لأمنها.
وتساءل أحد المسؤولين الإستونيين: «كم عدد التحذيرات الإضافية التي تحتاجون إليها؟». وأضاف أنه حتى الأيام الأخيرة قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كافح المسؤولون الأمنيون والسياسيون في منطقة البلطيق لإقناع نظرائهم في أوروبا الغربية بخطورة تهديدات بوتين.
وقالت رئيسة الوزراء الإستونية كاجا كالاس إنه خلال مؤتمر أمني في ميونيخ قبل الغزو الروسي، دخلت في جدال مع مسؤول استخباري أوروبي كبير رفض تصديق أن بوتين سيغزو أوكرانيا. قالت: «لم يروا ما رأيناه، وشاهده الأميركيون، أو لم يصدقوا ذلك».
- قوات إضافية
الآن يعيد الحلفاء الغربيون التفكير. وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ بعد اجتماع لوزراء خارجية الحلف أواخر الأسبوع الماضي: «أوجد العدوان الروسي حالة طبيعية جديدة لأمننا»، مضيفاً: «تغيرت علاقة الناتو بروسيا بشكل أساسي على المدى الطويل».
والآن حلف الناتو يتصرف على عجل، يهرع بالمعدات العسكرية إلى المنطقة. وأرسلت الولايات المتحدة طائرات مقاتلة من طراز «إف 35» الشبح مع طائرات هليكوبتر هجومية من طراز «أباتشي» وقوات ومواد أخرى. وتشمل مساهمة ألمانيا السفن الحربية والمدافع على المركبات. وأرسلت المملكة المتحدة عربات مدرعة ومعدات أخرى، بينما قام أعضاء آخرون في الناتو أيضاً بنقل القوات والمعدات إلى المنطقة لتعزيز الدفاعات.
من جانبها، قدمت دول البلطيق مساعدات عسكرية لأوكرانيا، على رغم الحجم المتواضع نسبياً لترساناتها الخاصة. وتشمل الشحنات الإستونية الألغام المضادة للدبابات ومدافع الميدان. وأعلنت لاتفيا أنها زودت أوكرانيا وليتوانيا بطائرات مسيرة، ومن بين أمور أخرى، صواريخ «ستينغر» المضادة للطائرات. وقال نوسيدا: «من واجبنا الجماعي كأمة أن نساعد الأوكرانيين بكل الوسائل المتاحة».
وكان بلينكن قد وصل إلى دول البلطيق في ساعة متقدمة الأحد آتياً من مولدافيا غير المنحازة، والتي تراقب أيضاً الحرب بحذر على أعتابها، ومن بولونيا، حيث زار الحدود مع أوكرانيا والتقى اللاجئين هناك.
وفي ريغا، اجتمع بلينكن مع كبار المسؤولين اللاتفيين، وكذلك مع وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، قبل أن يزور تالين في إستونيا. وكان مقرراً أن يتوجه بعد ذلك إلى باريس لإجراء محادثات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الثلاثاء.
دول البلطيق تطالب بـ«حماية أطلسية قبل فوات الأوان»
بلينكن يكشف عن خطط لانتشار دائم لـ«الناتو» في أوروبا الشرقية
دول البلطيق تطالب بـ«حماية أطلسية قبل فوات الأوان»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة