السلطة الفلسطينية تتحفظ على إصدار موقف في الأزمة الأوكرانية

أشتية: من سخريات السياسة أن تتحول إسرائيل إلى وسيط

TT

السلطة الفلسطينية تتحفظ على إصدار موقف في الأزمة الأوكرانية

سخر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية من الوساطة الإسرائيلية لحل الأزمة الأوكرانية، قائلاً في مستهل جلسة الحكومة الفلسطينية، أمس، إنه «من سخريات السياسة الدولية أن تحاول إسرائيل، الدولة المحتلة لفلسطين، أن تكون وسيطاً لحل الأزمة في أوكرانيا».
وأضاف أشتية: «نحن نتطلع أن تضع الحرب أوزارها هناك بما يكفل الأمن والسلام الدوليين، ويحافظ على سلامة المدنيين الذين هم ضحايا الحروب، ونتطلع أيضاً أن يقوم المجتمع الدولي بتطبيق القانون الدولي على إسرائيل وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة بفلسطين».
واتهم أشتية إسرائيل التي تتوسط في الأزمة، بتصعيد إجراءاتها واعتداءاتها في فلسطين وتنفيذ إعدامات ميدانية تستهدف الشباب، مستنكراً «جريمة الاحتلال بحق كريم القواسمي ويامن جفال، اللذين استشهدا الأحد في القدس». وتابع: «إن الاحتلال يواصل تكثيف الاستيطان في مساحات واسعة من أرضنا، مستغلاً انشغال المجتمع الدولي بالحرب الدائرة في أوكرانيا».
تصريح أشتية هو الأول من نوعه، لمسؤول رسمي كبير في السلطة الفلسطينية، حول الأزمة الأوكرانية، ويعكس تحفظ السلطة الشديد تجاه إصدار أي موقف. وقالت مصادر فلسطينية مسؤولة لـ«الشرق الأوسط»، إن القيادة الفلسطينية تمسكت بالصمت تجاه الأزمة ورفضت تصدير موقف. وأضاف المصدر: «طلب منا الأميركيون ودول أوروبية تصدير موقف يدين روسيا، لكن تم رفض ذلك». مؤكداً أنه «مورست الضغوط من أجل إدانة روسيا، لكن سمعوا كلاماً قاسياً، لأن مثل هذه الضغوط وهذه المواقف لم تتخذ منذ 70 عاماً تجاه إسرائيل التي تحتل أرضنا وشعبنا».
وأكد المصدر، أن السلطة لديها قرار بـ«التزام الصمت» وموقفها الوحيد هو عدم التدخل والدعوة لإنهاء الحرب. وتجد السلطة نفسها في موقف حساس، إذ يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حليفاً جيداً للفلسطينيين، ولا تريد السلطة خسارته، ومقابل ذلك لا تريد أي ضرر في العلاقات مع واشنطن، وهي علاقات تنمو ببطء شديد بعد سنوات عجاف.
ولم تصدر الرئاسة الفلسطينية أي تعليق على مجريات الحرب في أوكرانيا، كما امتنع المسؤولون الرسميون وحتى الكبار في حركة فتح القريبين من الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن تصدير أي موقف تجاه الحرب الدائرة.
واجتمعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الأحد، برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمناقشة الحرب الروسية الأوكرانية، في ظل أن الاهتمام الدولي قد تراجع تجاه القضية الفلسطينية، لكن أي بيان أو تصريح أو موقف لم يصدر. وهو موقف انتهجته كذلك فصائل المعارضة الكبيرة، مثل حماس والجهاد الإسلامي، اللتين آثرتا التزام الصمت، لكن الفصائل اليسارية القريبة من موسكو عبرت عن دعمها المطلق لروسيا.
وفي وقت سابق، أكد الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، بسام الصالحي، خلال اتصال هاتفي مع ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، «رفض مخططات الولايات المتحدة الأميركية وحلف «الناتو» التي قادت إلى هذه الحرب التي لا تخدم الشعبين الروسي أو الأوكراني». مضيفاً: «إننا وفي الوقت الذي نتضامن فيه مع روسيا ضد سياسات حلف «الناتو»، فإننا نؤكد الحاجة إلى الحل السلمي للأزمة الأوكرانية بما يخدم مصالح الشعبين الروسي والأوكراني وشعوب العالم واستقراره». ورفض ازدواجية المعايير التي تحكم سياسات الولايات المتحدة الأميركية، الداعم الأساسي للاحتلال الإسرائيلي والمعطل الأساس لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، عوضاً عن كونها عملت على الدوام لمنع اتخاذ هذه القرارات المتعلق بحقوق شعبنا الفلسطيني.
وقبل الصالحي، أكد أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، على دعم موقف روسيا الاتحادية المطالب بضمان أمنها ومنع تهديد حلف الناتو الذي يشكل تهديداً للأمن القومي الروسي. وقال، إنه آن الأوان لإنهاء التفرد والهيمنة الأميركية، التي تحاول فرض سيطرتها على النظام الدولي ومقدرات الشعوب وحقها في تقرير المصير.
وتظاهر فلسطينيون في بيت لحم في الضفة، الأحد، ورفعوا الإعلام الروسية وصوراً للرئيس بوتين الذي يحمل أحد مراكز المدينة الضخمة اسمه، وكان قد حضر شخصياً لافتتاحه قبل أعوام.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.