«سبأ» للتمكين الاقتصادي يطلق 60 مشروعاً نسائياً في مأرب

ياسمين القاضي لـ«الشرق الأوسط»: الحوثيون يستغلون النساء ويجنّدونهن

ياسمين القاضي رئيسة مؤسسة فتيات مأرب (الشرق الأوسط)
ياسمين القاضي رئيسة مؤسسة فتيات مأرب (الشرق الأوسط)
TT

«سبأ» للتمكين الاقتصادي يطلق 60 مشروعاً نسائياً في مأرب

ياسمين القاضي رئيسة مؤسسة فتيات مأرب (الشرق الأوسط)
ياسمين القاضي رئيسة مؤسسة فتيات مأرب (الشرق الأوسط)

حتى سنوات قليلة، كانت المرأة المأربية أشبه بالمغيّبة عن قطاع التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية نتيجة لظروف مختلفة، لكن إرادة التحدي لدى النساء اليمنيات صنعت المستحيل في خضم حرب ضروس مستمرة لأكثر من سبع سنوات.
ولأول مرة في محافظة مأرب (وسط البلاد)، تفتتح فتاة مأربية مشروعاً لهندسة الهواتف المحمولة وصيانتها، في إشارة إلى حجم التحول النوعي الذي تعيشه المحافظة خلال السنوات الأخيرة. مشروع هندسة الهواتف لم يكن الوحيد الذي خاضت غماره فتيات مأرب، بل دخلن سوق العمل عبر عدة مشاريع للتمكين الاقتصادي، مولها بالكامل البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، عبر مؤسسة «فتيات مأرب».
وخلال زيارة «الشرق الأوسط» لمحافظة مأرب، وصفت ياسمين القاضي رئيسة مؤسسة «فتيات مأرب» العمل النسوي في المحافظة سابقاً بـ«الصعب». وأوضحت ياسمين القاضي التي تتحدر من مديرية الجوبة: «كان العمل النسوي في مأرب صعباً، وكان من الاستحالة أن تجد امرأة تعمل إلا نادراً في الدوائر الحكومية، لكن بعد النزوح أصبحت حركة المرأة أسهل نوعاً ما».
وتحدّثت ياسمين القاضي عن مشروع «سبأ» للتمكين الاقتصادي للمرأة الذي يموله البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، الذي بدأ منذ نحو عام وأربعة أشهر، وقالت: «قمنا بتأهيل 60 امرأة، عند الإعلان عن المشروع تقدمت نحو 300 امرأة وهو عدد لم نتوقعه، لكن تم قبول 60 فقط لأن البرنامج يخضع لمعايير وشروط معينة».
وبحكم أن مأرب تستضيف أكثر من مليوني نازح من مختلف أنحاء اليمن هجّرهم الحوثيون، لم يستهدف برنامج التمكين الاقتصادي للمرأة النساء المأربيات فقط، بل أي امرأة يمنية لديها مشروع في مأرب، بحسب ياسمين القاضي. وأضافت: «أهلنا نساءً في إدارة المشاريع والتسويق، ومشاغل خياطة. وفتحت سيدة مشروعاً لهندسة الهواتف في سابقة بمأرب، فيما أخريات فتحن مشاريع بخور وعطورات وغيرها».
وأشارت ياسمين القاضي إلى أن «المؤسسة لديها حاضنة سبأ للمشاريع، حيث إن بعض السيدات يمتلكن مشاريع بسيطة لكن تنقصهن الخبرة، وهو ما وفرناه لهن عبر دورات متخصصة عبر خبراء».
اللافت في الأمر، بحسب ياسمين القاضي، أن العديد من المنظمات الدولية طلبت تمويل برامج مماثلة بعد أن سمعت عن نجاح برنامج سبأ للتمكين الاقتصادي. وتابعت بالقول: «معظم المنظمات كانت تستهدف توعية فقط، وهذا أول مشروع تمكين للسيدات اقتصادياً. تواصل معنا صندوق المرأة للسلام والعمل الإنساني التابع للأمم المتحدة، وأبلغونا رغبتهم في تمويل برنامج مماثل لتمكين نازحات اقتصادياً وإشراكهن في صنع السلام».
المشاريع التي يمولها البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن لن تقتصر على صاحبات المشاريع فقط وفقاً لياسمين القاضي، «فكل سيدة توظف من أربع إلى خمس سيدات على الأقل، وهو ما يساعد في تمكين اقتصادي للعائلات، لا سيما في ظروف الحرب الذي تعيشها البلاد». وأضافت: «تحسن وضع المرأة المأربية، لكن الحرب شكلت ضغوطاً على النساء اليمنيات بشكل عام، خاصة الوضع الاقتصادي، فمعظم النساء يعيلن الأسر، لأن الأب أو الزوج متوفى».
* الحوثي كابوس المرأة اليمنية
تقول ياسمين القاضي إن المجتمع اليمني يُقدّر المرأة ويرفع من مكانتها واستقلاليتها، إلا أن الميليشيات الحوثية «قتلت هذه الأشياء الجميلة»، على حد قولها. وتابعت أن «المرأة اليمنية كانت تواجه صعوبات من قبل، المحظوظات من يسكن في المدن. كانت الصورة عن مأرب أنها مجتمعات قبلية، ولم يكن هناك مدارس في مأرب، لكن مع افتتاح جامعة إقليم سبأ، أصبحت نسبة الفتيات (في المدارس) كبيرة جداً. القبيلة لم تكن هي المانع، هناك احترام لمكانة واستقلالية المرأة لدينا».
وأضافت: «الحوثيون الآن قتلوا كل الأعراف اليمنية، بدأوا يستغلون النساء ويجندوهن، وهذا أمر دخيل علينا كيمنيين. وبسبب طول الحرب نخشى أن تندثر الأشياء الجميلة في اليمن. الصورة ليست وردية، وأكبر صعوبة نواجهها هي الحرب، وجود الحوثيين مرعب بالنسبة للنساء (...) الوضع سيكون مخيفاً إذا ما سيطر الحوثي على البلاد».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.