المآسي الإنسانية والكوارث الطبيعية تفرض تغطيتها على الصحافة البريطانية

أميركا: بداية باضطرابات بالتيمور.. ونهاية بمنافسات الخيول والملاكمين

المآسي الإنسانية والكوارث الطبيعية تفرض تغطيتها على الصحافة البريطانية
TT

المآسي الإنسانية والكوارث الطبيعية تفرض تغطيتها على الصحافة البريطانية

المآسي الإنسانية والكوارث الطبيعية تفرض تغطيتها على الصحافة البريطانية

الطبيعة والأحداث الدولية الأخرى تبدو متآمرة وللأسبوع الثاني على التوالي على الصحافة البريطانية، التي تحاول التركيز في تغطيتها على الانتخابات العامة البريطانية التي ستنظم يوم الخميس القادم ونتيجتها غير واضحة المعالم بسبب شدة التنافس التي قد لا تتمخض عنها حكومة أغلبية تحسم المعركة السياسية والآيديولوجية بين القوى المتصارعة. الصحف تدعم وبكل قوة الأحزاب، وأصبحت جزءا واضحا في حملاتها ومن دون أي خجل من هذا الانحياز، إلا أن الأحداث الأخرى فرضت نفسها وبقوة أيضا على الإعلام البريطاني.
عمليات غرق المهاجرين في عرض البحر الأبيض المتوسط فرضت نفسها قبل أسبوعين في التغطية بسبب حجم المأساة البشرية. وفي الأسبوع الماضي فرضت الطبيعة نفسها هي الأخرى على التغطية من خلال الزلزال المدمر الذي ضرب نيبال وتسبب في وفاة أربعة آلاف شخص، والتوقعات أن هذا العدد قد يرتفع إلى عشرة آلاف قتيل.
صحيفة «الغارديان» تميزت في تغطيتها لهذا الحدث الإنساني وبينت انحيازها لصالح الفقراء الأكثر عرضة في مثل هذه الكوارث. وفي كل يوم تنشر الصور على صفحتها الرئيسية مبينة حجم الدمار. في عدد يوم الاثنين كتبت تحت عنوان «الحزن والخوف في الدمار» تصف ما تعرض له ثلاثة أطفال كانوا يلهون في أزقة المدينة الفقيرة مثل غيرهم من أطفال العالم الفقراء خلال عطلة نهاية الأسبوع، مضيفة أن هشاشة البيوت واكتظاظها يزيدان من عدد الضحايا.
وفي يوم الثلاثاء نشرت الصحيفة صورة لطفل نيبالي جريح على صفحتها الأولى تحت عنوان «4000 قتيل والحبل على الجرار في نيبال - الفقراء هم الضحايا في المرتبة الأولى»، وصفت الصحيفة ولليوم الثالث على التوالي كيف أن الفقراء هم الأكثر تعرضا للموت في مثل هذه الكوارث الطبيعية، بسبب ظروف حياتهم ومساكنهم الهشة واكتظاظ مناطقهم. وقالت: إن رجال الإنقاذ يواجهون صعوبات في الاتصالات، ويبذلون جهودا شاقة للعثور على ناجين. كما تناولت الهزات الارتدادية في العاصمة كاتماندو التي سجلت فيها أضرار كبيرة واضطر عدد من سكانها ليمضوا الليل في العراء، في الشوارع أو في خيام.
وقالت الصحيفة بأنه يفترض أن ترتفع حصيلة الضحايا، بينما تواجه وكالات العمل الإنساني صعوبات في تقييم حجم الدمار والاحتياجات.
وعلى صعيد الانتخابات العامة تناولت الصحف ما قاله زعيم حزب الديمقراطيين الوحدويين في شمال آيرلندا، الذي انتقد قيادة حزب المحافظين التي تحاول إعطاء أعضاء البرلمان الإنجليز سلطات إضافية في التصويت على بعض القضايا في البرلمان في المستقبل. وتناولت الصحف هذه الانتقادات. «التايمز» كتبت يوم الثلاثاء تحت عنوان «كاميرون: 10 أيام من أجل الحفاظ على الاتحاد» وهي المقابلة التي خص فيها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الصحيفة. وفيها يهاجم كاميرون خصمه العمالي إيد ميليباند على أن الأخير سوف يشكل حكومة ائتلافية مع الحزب الوطني الاسكوتلندي، الذي نظم العام الماضي استفتاء من أجل انفصال اسكوتلندا عن المملكة المتحدة.
وبدأت التغطية الإعلامية الأميركية الأسبوع الماضي بالتركيز على مظاهرات واضطرابات في بالتيمور (ولاية ماريلاند، من كبرى المدن الأميركية، وقريبة من واشنطن العاصمة)، وأيضا زلزال نيبال، وانتهت باحتفالات الربيع، متمثلة في سباق الخيل السنوي في لويفيل (ولاية كنتاكي)، وبطولة الملاكمة في لاس فيغاس (ولاية ماريلاند)، وفرح أميركي بميلاد أميرة بريطانية (أميرة كمبردج).
في بداية الأسبوع، اهتزت الولايات المتحدة بمظاهرات واضطرابات وحرائق في واحدة من كبرى المدن الأميركية، بالتيمور (ولاية ماريلاند) ونقلت تقريبا كل القنوات الإخبارية التلفزيونية صور النيران ترتفع من وسط المدينة. جاء ذلك بعد يوم من تشييع جثمان الأسود فلريدي غراي، الذي توفي خلال اعتقاله في مركز شرطة المدينة.
ومثل الاهتمام ونقل الصور التلفزيونية المباشرة من بالتيمور، كان هناك اهتمام ونقل صور مباشرة من كاتاماندو، عاصمة نيبال، حيث وقع زلزال دمر أغلبية الآثار والمعابد البوذية. وزاد اهتمام الإعلام الأميركي بسبب قتل أميركيين في الزلزال الذي امتد إلى قمة جبل إفرست، إذ كان أميركيون يتسلقونه.
في منتصف الأسبوع، أعلنت مارلين موسبي، وزيرة العدل في ولاية ماريلاند، أن وفاة الأسود فريدي غراي كانت جريمة قتل، واشترك فيها ستة ضباط من قسم شرطة بالتيمور. وفي الحال، خرجت مظاهرات فرح، وكانت أغلبيتها من السود. ونقل تلفزيون «سي إن إن» خبر إن الجيش النيجيري أنقذ مزيدا من معتقلات ومعتقلي منظمة «بوكو حرام» الإرهابية، وذلك بإنقاذ 160 امرأة وطفلا من مخيم في أحراش شرق نيجيريا. وكان الجيش عثر على أكثر من هذا العدد قبل ثلاثة أيام. واهتمت قناة «فوكس» باحتمال مواجهة بحرية أميركية مع إيران في مضيق هرمز. وذلك رغم أن إيران قالت إن الاستيلاء على سفينة «دجلة ميرسك» في مضيق هرمز له صلة بديون غير مسددة، لكن البحرية الأميركية قالت إنها سوف ترافق السفن التي ترفع العلم الأميركي عبر مضيق هرمز. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست»، في عدة صفحات، صورا من كاتماندو، عاصمة نيبال، في أعقاب الزلزال العملاق الذي قضى على أغلبية آثار ومعابد البوذيين، والتي كانت قبلة السياح، خصوصا الغربيين.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.