الأزمة الأوكرانية تجدد نقاش الأخلاقيات الإعلامية

الأزمة الأوكرانية تجدد نقاش الأخلاقيات الإعلامية
TT

الأزمة الأوكرانية تجدد نقاش الأخلاقيات الإعلامية

الأزمة الأوكرانية تجدد نقاش الأخلاقيات الإعلامية

في خطوة جدّدت التساؤلات حول معايير وأخلاقيات التناول الإعلامي خلال تغطية أحداث الحروب والنزاعات، أثارت طريقة متابعة بعض وسائل الإعلام الغربية للأزمة الروسية - الأوكرانية تباينات وانتقادات، بسبب بعض العبارات التي وردت على لسان بعض من مراسلي قنوات تلفزيونية كبرى، حملت في طياتها ما عدّه مراقبون «تحيزاً للغرب وأوروبا مقارنة بدول الشرق الأوسط».
ويرى متخصّصون وخبراء أن «بعض الصحافيين والمراسلين نقلوا عبارات غير موفقة تُظهر أن الحرب في أوروبا أكثر أهمية من تلك الدائرة في الشرق الأوسط، حتى إن بعضهم استخدم مقارنات غير لائقة». المتخصّصون والخبراء طالبوا المؤسسات الإعلامية بضرورة بذل مجهودات كبرى لتدريب الصحافيين والمراسلين على تغطية أحداث الحروب والنزاعات.
وتداول روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، وعدد من الإعلاميين العرب والأجانب مقاطع فيديو لمراسلين أجانب عن الأزمة الروسية - الأوكرانية. وانتقدوا ما حملته هذه المقاطع من «لهجة عنصرية»، من بينها - وفق المتداول - مقطع فيديو لمراسل قناة «سي بي إس» شارلي داغاتا، قال فيه عن أوكرانيا إن «هذا ليس مكاناً، مع كل احترامي، مثل العراق وأفغانستان، التي اعتادت وعرفت الصراعات الحادة لعقود، هذا بلد متحضر ومقرّب من أوروبا، مدينة لم تكن تتوقع أن تحدث فيها حرب».
وفي مقطع آخر، ذكر مراسل قناة «الجزيرة» بيتر دوبي متحدثاً عن الأوكرانيين الفارين من بلادهم بسبب الأزمة، أنه «من الأمور المثيرة للاهتمام أثناء متابعتهم، بالنظر إلى ملابسهم... إنهم من طبقة متوسطة، ومزدهرة، في الحقيقة إنهم ليسوا لاجئين يحاولون الهرب بعيداً عن الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا، إنهم يبدون كأي عائلة أوروبية تسكن بجوارنا». وفي مقطع ثالث قال مراسل تلفزيون «بي إف إم» فيليب كروب عن أوكرانيا: «نحن لا نتحدث هنا عن سوريين يهربون من القنابل في سوريا؛ بل نتحدث عن أوروبيين يغادرون في سيارات تشبه تلك التي نستخدمها لإنقاذ حياتهم». أيضاً ذكرت مراسلة قناة «إن بي سي» كيلي كوبيلا، أن «هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا؛ بل من أوكرانيا المجاورة، وبكل صراحة هم مسيحيون بيض».
هذا العبارات لم تقتصر على القنوات؛ بل امتدت للصحف، فكتب دانيال هنان في صحيفة «التلغراف»، واصفاً الأوكرانيين بأنهم «يبدون مثلنا، وهذا ما يجعل الأمر مثيراً للصدمة، أوكرانيا دولة أوروبية، يشاهد مواطنوها (نتفليكس) ولديهم (إنستغرام)، ويصوّتون في انتخابات حرة، ويطالعون صُحفاً لا تخضع للرقابة».
الدكتور يوتام أوفير، أستاذ الإعلام بجامعة ولاية نيويورك في بافالو، يرى أن «بعض الصحافيين أدلوا بتصريحات وعبارات غير موفقة أخيراً، تُظهر أن الحرب في أوروبا أكثر أهمية من تلك الدائرة في الشرق الأوسط، أو أي دول أخرى غير أوروبية، حتى إن بعضهم استخدم مقارنات غير لائقة بين الدول؛ مثل القول إن هذه دولة متحضرة أو أكثر تحضراً من غيرها». ويضيف أوفير لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه التصريحات تُثير الحرج، وتُعد علامة على العنصرية والتعصب والتجاهل»، مُعرباً عن أمله في أن «تبذل المحطات والمؤسسات الإعلامية جهداً أكبر في تدريب مراسليها، خصوصاً أولئك الذين يسافرون حول العالم، وتعريفهم كيف يكتبون عن الأحداث المأساوية بتعاطف واهتمام».
من جانبه، علق الصحافي ماثيوس إم. كرافتسك، مدير تحرير مجلة «شيستكو نايفازنيتش» (Wszystko co Najważniejsze) البولندية الشهرية لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً إن «التعليقات التي أدلى بها بعض الصحافيين والمراسلين، الذين ينظرون للمهاجرين واللاجئين ويقسمونهم بين جيد وسيئ، هي تصريحات غير مسؤولة وغير مقبولة على الإطلاق». وأوضح أن «هؤلاء المراسلين لم يتلقوا التدريبات والمعرفة المناسبة عن المناطق التي يتابعونها»، مشيراً إلى أن «قضية الهجرة في أوروبا كان ينظر لها لفترة طويلة من عدسة السياسة الأمنية، حيث استخدمتها بعض الحكومات كأداة للضغط السياسي، واليوم نرى الآثار المأساوية لهذا الأمر، بإضفاء الطابع الأمني على الهجرة، ومعاملة اللاجئين تحت اسم أزمة أو موجة، وتعرض بعض اللاجئين لانتهاكات لحقوق الإنسان».
في سياق متصل، أكد كرافتسك أن «استخدام مصطلحات مثل موجة اللاجئين، وأزمة، وتدفق، وفيضان يمكن أن يسهم في تجريد اللاجئين والمهاجرين من إنسانيتهم، وتعزز كراهية الأجانب والخوف منهم». وأعرب عن أمله في أن «تسفر الأزمة الحالية عن تغيير في سياسة الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي، لأن مساعدتهم التزام قانوني دولي، ولا يجب تقسيمهم إلى فئات جيدة وسيئة».
وحقاً قالت لورين ألي، في مقال نشرته صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية، إن «بعض المراسلين، سواء كان ذلك عن وعي أم لا، قاموا بتأطير المعاناة والتهجير باعتبارها أمراً مقبولاً لدى العرب والأفغان؛ لكنها ليست مقبولة في أوروبا، حيث يقطن سكان بعيون زرقاء وشعر أصفر، كما ورد على لسان أحد المراسلين».
ووفق إيزاك بيلي في مقال نشره موقع معهد «نيمان لاب» التابع لجامعة هارفارد، فإن «الطريقة التي يكتب بها الصحافيون عن الحروب والنزاعات المسلحة يجب ألا تكون مرتبطة بلون شعر أو بشرة أطرافها». ويشير إلى أن متابعة الأزمة الروسية - الأوكرانية أمر مهم؛ لكن ذلك غير نابع من كونهم مثلنا بعيون زرقاء وشعر أصفر، أو يشبهون العائلات التي تسكن بجوارنا، ولديهم (نتفليكس) وغيرها من العبارات العنصرية التي وردت على لسان المراسلين».
عودة إلى أوفير الذي يوضح أن «الكتابة من مناطق النزاعات تؤثر على الناس الذين يعيشون الحرب وعلى الجمهور في العالم، ومن الواضح أن الحرب في أوكرانيا تسبب حالة من القلق والضغط والشك والخوف من تصاعد الأحداث حول العالم، وهذا يحمل الصحافيين مسؤولية كبرى». وتابع: «على الصحافيين أن يكونوا حذرين ودقيقين للغاية، وأن يحرصوا على التحقق، وفلترة الإشاعات والمعلومات المغلوطة، وأن يتجنبوا الانحياز، وإثارة الصادمة، مع مراعاة الإنسانية والتعاطف في رواية قصصهم». وشدد على أن «هذا تحدٍ ضخم، خصوصاً أن تغطية الحروب في حد ذاتها أمر خطير ومخيف، يقوم به الصحافي وهو بعيد عن منزله وعائلته، ويسعى للحفاظ على سلامته، نعم هو تحدٍ لكنه يستحق العمل عليه».
أما في مسألة تدريب الصحافيين والمراسلين على تغطية أحداث الحروب، فيرى كرافتسك «ضرورة تلقي الصحافيين للتدريب الكافي لتغطية الحروب وأماكن النزاعات، ومراعاة الإجراءات الواجب اتباعها عند مقابلة ضحايا الحروب واللاجئين، حيث إن الدراسات تشير إلى أن المحادثات والمقابلات مع اللاجئين يمكن أن تكون لها قيمة علاجية، وتسمح لهم بالابتعاد عن المواقف التي يمرّون بها، وتمكنهم من فهم تجارب المرء والتحكم في المشاعر السلبية».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».