مارسيلو بيلسا غيّر مسار ليدز يونايتد بالصبر والتواضع والعمل الشاق

رحيل المدرب الأرجنتيني سيترك فراغاً هائلاً ليس فقط لدى اللاعبين... لكن أيضاً في قلوب الجماهير

جماهير ليدز تحمل لافتة لمدربها السابق وهي متوجهة لمشاهدة المواجهة أمام ليستر التي انتهت بهزيمة الفريق (رويترز)
جماهير ليدز تحمل لافتة لمدربها السابق وهي متوجهة لمشاهدة المواجهة أمام ليستر التي انتهت بهزيمة الفريق (رويترز)
TT

مارسيلو بيلسا غيّر مسار ليدز يونايتد بالصبر والتواضع والعمل الشاق

جماهير ليدز تحمل لافتة لمدربها السابق وهي متوجهة لمشاهدة المواجهة أمام ليستر التي انتهت بهزيمة الفريق (رويترز)
جماهير ليدز تحمل لافتة لمدربها السابق وهي متوجهة لمشاهدة المواجهة أمام ليستر التي انتهت بهزيمة الفريق (رويترز)

بالنسبة لأي شخص بالخارج، قد يبدو عشق جمهور ليدز يونايتد للمدير الفني الأرجنتيني مارسيلو بيلسا أمرا غريبا، بل ويقترب من التعصب. لكن بالنسبة لأولئك الذين كانوا يتابعون كل تحركاته على مدار أربع سنوات مبهجة في ملعب «إيلاند رود»، فإن رحيله سيترك فراغا هائلا، ليس فقط في غرفة خلع الملابس، ولكن أيضا في قلوب عشاقه ومحبيه. هذا الفراغ الذي سيتركه رحيل المدرب الأرجنتيني ليس بسبب انتهاء أول مباراة يخوضها ليدز يونايتد في عصر ما بعد بيلسا بالخسارة 1-صفر أمام مضيفه ليستر سيتي السبت الماضي تحت قيادة المدير الفني الجديد الأميركي جيسي مارش، وإنما يعود إلى كل النجاحات التي حققها مارسيلو بيلسا مع النادي.
وفي تشيلي هناك من يُسمون أنفسهم «أرامل بيلسا». بل ويمكن العثور على المشاعر نفسها في ناديي مرسيليا وأتلتيك بيلباو، اللذين ينظران إلى الوراء إلى حقبة المدير الفني الأرجنتيني معهما بكل إعجاب وحنين واضح إلى الماضي. ولا يوجد أدنى شك في أن ليدز يونايتد هو الآخر أصبح في بداية هذه العملية المؤلمة، وسيجد صعوبة في التصالح مع الحياة في حقبة ما بعد بيلسا؛ نظرا لأن الحياة لن تعود كما كانت مرة أخرى. قد يبدو الحديث عن مدير فني في كرة القدم بمثل هذه المصطلحات المبجلة أمرًا مبالغًا فيه بعض الشيء، لكن الحقيقة هي أن ما فعله بيلسا للنادي والمدينة يتجاوز الرياضة في نواح كثيرة. إنه رجل يرى اللعبة الحديثة للشركات والجشع والغسيل الرياضي على ما هي عليه، لكنه نجح في شق طريقه وسط كل ذلك ولا يزال متمسكًا بمبادئه: الحشمة والتواضع وأخلاقيات العمل التي لا تتزعزع.


بيلسا والهزيمة أمام توتنهام بالرباعية التي أطاحته (رويترز)

لقد جعل بيلسا الجمهور يتساءل عن سبب شعوره بالانزعاج وهم يشاهدون كرة القدم في المقام الأول. هل السبب في ذلك هو البحث المستمر عن الحصول على البطولات والألقاب؟ لا يكون الأمر كذلك إلا إذا كنت تشجع ناديا من أندية النخبة. فهل يتعلق الأمر بإحراز هدف والتشبث بتحقيق نتيجة إيجابية؟ أم أن الأمر يتعلق بالمتعة والهوية وتحدي كل من يصفونك بأنك متهور؟ هذا هو السبب في أن جمهور ليدز يونايتد لا يزال يتغنى باسم بيلسا حتى بعد الأداء السيئ الذي قدمه الفريق والذي أدى إلى إقالته من منصبه في نهاية المطاف. وهذا هو السبب في أن أنصار ليدز يونايتد سيواصلون التغني باسمه لفترة طويلة بعد رحيله. ولهذا كتب لاعب خط وسط إنجلترا كالفن فيليبس رسالة إلى بيلسا مؤخرا قال فيها: «لقد رأيتم ما في داخلي وهو ما لم أره في نفسي».
من نواحٍ عديدة، يجسد صعود فيليبس كل العمل الذي قام به بيلسا. فكما كان الحال مع معظم لاعبي الفريق الذي تولى بيلسا قيادته في عام 2018، كان فيليبس يترنح ويبحث يائسا عن دور حقيقي له مع الفريق الذي كان يقبع في النصف الثاني لجدول ترتيب دوري الدرجة الأولى. كان ستيوارت دالاس لا يقدم نصف المستويات التي يقدمها الآن، وكان يُنظر إلى ماتيوز كليتش على أنه غير مفيد للفريق لدرجة أن المدير الفني السابق كان قد تخلى عنه لنادي أوتريخت على سبيل الإعارة.
وفي غضون سبعة أسابيع من التدريب قبل بداية الموسم الجديد، حوّل بيلسا هذه المجموعة من اللاعبين إلى فريق جديد تمامًا قادر على اللعب بكل سهولة وأريحية، وأصبح الفريق يقدم كرة قدم ممتعة من لمسة واحدة أو لمستين على الأكثر في جميع أنحاء الملعب، ولم يكن اللاعبون يتوقفون عن الركض طوال المباريات. لقد كان الأمر يبدو وكأن شخصا ما قد نجح أخيرا في الوصول إلى كلمة السر في ملعب «إيلاند رود»، أو كأن شخصا ما قد عثر أخيرا على مصدر التيار الكهربائي وأرسل موجة من الجهد الكهربائي إلى أدمغة وأجساد اللاعبين حتى يمكنهم اللعب بهذه القوة والشراسة. صحيح أن النادي ضم لاعبين جددا، لكن الفريق الذي يحوم حاليًا فوق منطقة الهبوط في الدوري الإنجليزي الممتاز لا يزال يضم عددا من اللاعبين الأساسيين الذين شاركوا في أول مباراة تحت قيادة بيلسا أمام ستوك سيتي في أغسطس (آب) 2018. وإذا ثبت أن الولاء هو الصفة التي أدت إلى تراجع النتائج تحت قيادة بيلسا، فمن المؤكد أنه عيب يستحق الاحتفال والثناء.
وعلى الرغم من كل صفاته التي تبدو غريبة للبعض، فإن أكثر صفة برزت في شخصية بيلسا هو التواضع الشديد. فخلال فترة تفشي وباء كورونا، وهي الفترة التي فقد فيها ليدز يونايتد العديد من أساطير النادي وواجه العالم بأسره واقعًا جديدًا مروعًا، كان من دواعي ارتياح الكثيرين أن يقود النادي رجل نزيه. وطوال فترة توليه القيادة الفنية لنادي ليدز يونايتد، لم يوجه بيلسا أي انتقاد لأي حكم، ولم يوجه اللوم لتقنية حكم الفيديو المساعد (الفار)، أو يتحدث بعبارات سلبية عن أي فرد. وعندما اتهم بيلسا بالتجسس على تدريبات خصمه ديربي كاونتي، عاتب نفسه على الملأ ودفع الغرامة التي فرضت عليه من جيبه الخاص. لقد كان رجلاً رائعاً يريد أي فريق أن يكون لديه عندما كانت الحياة خارجة عن السيطرة بسبب هذا الوباء.
لقد كان بيلسا أفضل مدير فني ممكن لليدز يونايتد في أفضل وقت ممكن. وبعد سنوات عديدة من الركود وسنوات من الضياع والغضب، أثبت المدير الفني الأرجنتيني أنه الحل المثالي لهذا النادي. وفي الأيام الأولى لولايته، كانت هناك مخاوف مستمرة من أنه قد يرحل عن النادي ببساطة، لكنه واصل العمل وتمسك بمعتقداته وأفكاره حتى بعد نهاية كارثية لموسمه الأول بعد الخسارة في مباراة الدور نصف النهائي لملحق الصعود للدوري الإنجليزي الممتاز أمام ديربي كاونتي.
لقد تغير بيلسا كثيرا عما كان عليه في بداية مسيرته التدريبية عندما كان يعترض باستمرار وينزل إلى أرض الملعب. لقد كان رجلاً يعرف أن هذا قد يكون آخر اختبار لأفكاره وفلسفته، لكنه أظهر للعالم أجمع كيف يجب أن تُلعب كرة القدم. في الحقيقة، نادرًا ما يمكن أن نرى مثل هذه العلاقة القوية بين مدير فني وجمهور النادي الذي يتولى قيادته. والأكثر من أي شيء آخر هو أن بيلسا قد جعل جماهير ليدز يونايتد تحلم مرة أخرى. إن إقالته لا تعني مجرد خسارة مدير فني عبقري، بل فقدان صديق قديم!
ولعل ماقاله أندريا رادريتساني رئيس مجلس إدارة النادي يؤكد عبقرية المدرب الأرجنتيني: «كان هذا أصعب قرار اضطررت لاتخاذه خلال فترة وجودي مع ليدز يونايتد بالنظر إلى كل النجاحات التي حققها مارسيلو مع النادي». وحظي بيلسا بشعبية هائلة في ليدز بعد أن أعاد الفريق إلى دوري الكبار من خلال أداء هجومي فعال وممتع. وأضاف رادريتساني: «لقد غير (بيلسا) الثقافة في النادي ومنحنا جميعا فكر الانتصار وبالطبع ستبقى اللحظات التي صاحبت ذلك محفورة طويلا في أذهاننا أنا والجمهور... وخاصة ما حدث في موسم 2019-2020 عند الصعود للدوري الممتاز».
وأردف مسؤول النادي قائلا: «ورغم ذلك كان لابد لي من العمل من أجل حماية مصالح النادي بأفضل صورة وأعتقد أنه لابد من التغيير الآن من أجل الحفاظ على مكاننا في الدوري الممتاز. النتائج والأداء في الآونة الاخيرة كانا دون مستوى التوقعات. كان هذا أصعب قرار اضطررت لاتخاذه خلال فترة وجودي مع ليدز يونايتد بالنظر إلى كل النجاحات التي حققها مارسيلو مع النادي». وما أعلنه نادي ليدز أنه يخطط لتخليد ذكرى بيلسا في ملعبه إيلاند رود لهو خير دليل أيضا على النادي، وجماهيره ستظل تذكر بيلسا، كما فعلت أندية أخرى بجماهير مختلفة.



بداية رائعة لليفربول... لكن القادم أصعب

سلوت رفض الخوض في تفاصيل مستقبل صلاح صاحب الهدف الثاني (أ.ب)
سلوت رفض الخوض في تفاصيل مستقبل صلاح صاحب الهدف الثاني (أ.ب)
TT

بداية رائعة لليفربول... لكن القادم أصعب

سلوت رفض الخوض في تفاصيل مستقبل صلاح صاحب الهدف الثاني (أ.ب)
سلوت رفض الخوض في تفاصيل مستقبل صلاح صاحب الهدف الثاني (أ.ب)

بدأت حقبة ليفربول تحت قيادة مديره الفني الجديد أرني سلوت، بشكل جيد للغاية بفوزه بهدفين دون رد على إيبسويتش تاون، الصاعد حديثاً إلى الدوري الإنجليزي الممتاز. كان الشوط الأول محبطاً لليفربول، لكنه تمكّن من إحراز هدفين خلال الشوط الثاني في أول مباراة تنافسية يلعبها الفريق منذ رحيل المدير الفني الألماني يورغن كلوب، في نهاية الموسم الماضي.

لم يظهر ليفربول بشكل قوي خلال الشوط الأول، لكنه قدم أداءً أقوى بكثير خلال الشوط الثاني، وهو الأداء الذي وصفه لاعب ليفربول السابق ومنتخب إنجلترا بيتر كراوتش، في تصريحات لشبكة «تي إن تي سبورتس» بـ«المذهل». وقال كراوتش: «كان ليفربول بحاجة إلى إظهار قوته مع المدير الفني والرد على عدم التعاقد مع أي لاعب جديد. لقد فتح دفاعات إيبسويتش تاون، وبدا الأمر كأنه سيسجل كما يحلو له. هناك اختلافات طفيفة بين سلوت وكلوب، لكن الجماهير ستتقبل ذلك».

لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى أظهر سلوت الجانب القاسي من شخصيته؛ إذ لم يكن المدير الفني الهولندي سعيداً بعدد الكرات التي فقدها الفريق خلال الشوط الأول الذي انتهى بالتعادل السلبي، وأشرك إبراهيما كوناتي بدلاً من جاريل كوانساه مع بداية الشوط الثاني. لم يسدد ليفربول أي تسديدة على المرمى في أول 45 دقيقة، لكنه ظهر أقوى بكثير خلال الشوط الثاني، وسجل هدفين من توقيع ديوغو جوتا ومحمد صلاح، ليحصل على نقاط المباراة الثلاث.

وأصبح سلوت ثاني مدرب يبدأ مشواره بفوزٍ في الدوري مع ليفربول في حقبة الدوري الإنجليزي الممتاز بعد جيرار أولييه، في أغسطس (آب) 1998 عندما تولى تدريب الفريق بالشراكة مع روي إيفانز. وقال سلوت بعد نهاية اللقاء: «لقد توليت قيادة فريق قوي للغاية ولاعبين موهوبين للغاية، لكنَّ هؤلاء اللاعبين يجب أن يفهموا أن ما قدموه خلال الشوط الأول لم يكن كافياً. لقد خسرنا كثيراً من المواجهات الثنائية خلال الشوط الأول، ولم نتعامل مع ذلك بشكل جيد بما يكفي. لم أرَ اللاعبين يقاتلون من أجل استخلاص الكرة في الشوط الأول، وفقدنا كل الكرات الطويلة تقريباً. لكنهم كانوا مستعدين خلال الشوط الثاني، وفتحنا مساحات في دفاعات المنافس، ويمكنك أن ترى أننا نستطيع لعب كرة قدم جيدة جداً. لم أعتقد أن إيبسويتش كان قادراً على مواكبة الإيقاع في الشوط الثاني».

وأصبح صلاح أكثر مَن سجَّل في الجولة الافتتاحية للدوري الإنجليزي الممتاز، وله تسعة أهداف بعدما أحرز هدف ضمان الفوز، كما يتصدر قائمة الأكثر مساهمة في الأهداف في الجولات الافتتاحية برصيد 14 هدفاً (9 أهداف، و5 تمريرات حاسمة). وسجل صلاح هدفاً وقدم تمريرة حاسمة، مما يشير إلى أنه سيؤدي دوراً محورياً مجدداً لأي آمال في فوز ليفربول باللقب. لكن سلوت لا يعتقد أن فريقه سيعتمد بشكل كبير على ثالث أفضل هداف في تاريخ النادي. وأضاف سلوت: «لا أؤمن كثيراً بالنجم الواحد. أؤمن بالفريق أكثر من الفرد. إنه قادر على تسجيل الأهداف بفضل التمريرات الجيدة والحاسمة. أعتقد أن محمد يحتاج أيضاً إلى الفريق، ولكن لدينا أيضاً مزيد من الأفراد المبدعين الذين يمكنهم حسم المباراة».

جوتا وفرحة افتتاح التسجيل لليفربول (أ.ب)

لم يمر سوى 4 أشهر فقط على دخول صلاح في مشادة قوية على الملأ مع يورغن كلوب خلال المباراة التي تعادل فيها ليفربول مع وستهام بهدفين لكل فريق. وقال لاعب المنتخب الإنجليزي السابق جو كول، لشبكة «تي إن تي سبورتس»، عن صلاح: «إنه لائق تماماً. إنه رياضي من الطراز الأول حقاً. لقد مرَّ بوقت مختلف في نهاية حقبة كلوب، لكنني أعتقد أنه سيستعيد مستواه ويسجل كثيراً من الأهداف». لقد بدا صلاح منتعشاً وحاسماً وسعيداً في فترة الاستعداد للموسم الجديد. لكنَّ الوقت يمضي بسرعة، وسينتهي عقد النجم المصري، الذي سجل 18 هدفاً في الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي، خلال الصيف المقبل. وقال سلوت، الذي رفض الخوض في تفاصيل مستقبل صلاح: «يمكنه اللعب لسنوات عديدة أخرى». ويعد صلاح واحداً من ثلاثة لاعبين بارزين في ليفربول يمكنهم الانتقال إلى أي نادٍ آخر في غضون 5 أشهر فقط، إلى جانب ترينت ألكسندر أرنولد، وفيرجيل فان دايك اللذين ينتهي عقداهما خلال الصيف المقبل أيضاً.

سيخوض ليفربول اختبارات أكثر قوة في المستقبل، ويتعيّن على سلوت أن يُثبت قدرته على المنافسة بقوة في الدوري الإنجليزي الممتاز ودوري أبطال أوروبا. لكنَّ المدير الفني الهولندي أدى عملاً جيداً عندما قاد فريقه إلى بداية الموسم بقوة وتحقيق الفوز على إيبسويتش تاون في عقر داره في ملعب «بورتمان رود» أمام أعداد غفيرة من الجماهير المتحمسة للغاية. وقال كول: «إنه فوز مهم جداً لأرني سلوت في مباراته الأولى مع (الريدز). أعتقد أن الفريق سيتحلى بقدر أكبر من الصبر هذا الموسم وسيستمر في المنافسة على اللقب».

لكنَّ السؤال الذي يجب طرحه الآن هو: هل سيدعم ليفربول صفوفه قبل نهاية فترة الانتقالات الصيفية الحالية بنهاية أغسطس؟

حاول ليفربول التعاقد مع مارتن زوبيمندي من ريال سوسيداد، لكنه فشل في إتمام الصفقة بعدما قرر لاعب خط الوسط الإسباني الاستمرار مع فريقه. وقال كول: «لم يحلّ ليفربول مشكلة مركز لاعب خط الوسط المدافع حتى الآن، ولم يتعاقد مع أي لاعب لتدعيم هذا المركز. سيعتمد كثير من خطط سلوت التكتيكية على كيفية اختراق خطوط الفريق المنافس، وعلى الأدوار التي يؤديها محور الارتكاز، ولهذا السبب قد يواجه الفريق مشكلة إذا لم يدعم هذا المركز».