أنس بوخش يُنقّب في «حقيبة» لطيفة ويُبكيها

الإعلامي الإماراتي يُظهر الجوانب الإنسانية للنجمة

لطيفة خلال اللقاء
لطيفة خلال اللقاء
TT

أنس بوخش يُنقّب في «حقيبة» لطيفة ويُبكيها

لطيفة خلال اللقاء
لطيفة خلال اللقاء

يمكن لديكور من كرسيين فقط أن يحرّك ذكريات ويُشعل آهات. يسأل أنس بوخش ضيفته لطيفة التونسية سؤالاً يبدأ به حواراته: «كيف حالكِ؟»، فتُظهر رضا عن النفس وإيماناً بمشيئة الله. يعرفان بعضهما بعضاً منذ سبع سنوات عبر «السوشيال ميديا»، وللمرة الأولى يلتقيان. تمرّ على ضيفته تجارب، منها المُخيّب، فتُراكمها على شكل امتنان. تربط سعادتها بالانهماك في العمل، فهي بخير طالما أنها تُعطي. يُبكيها الحديث عن والدها الراحل وهي في الثالثة عشرة. وتدعو للأم بالصحة وتصفها بالسند الروحي. خلاصة كل الأشياء أنّ الحياة قصيرة، فلِمَ الأحزان؟
يبحث الإعلامي الإماراتي في برنامجه «ABtalks» («يوتيوب» و«نتفليكس») عن الإنسان خلف الضوء. يحلو للطيفة سؤالٌ يوجّهه إليها: «لنفترض أنّ لديكِ حقيبة تضعين شعوركِ في داخلها، ماذا نرى حين نفتحها؟». ظلّ مشهد الحقيبة راسخاً في مخيلتها طوال الحلقة. تعود إليه في محطات الحديث وحين يضعها محاورها أمام المشاعر الملتهبة. «تحتوي كل الأحاسيس إلا اثنين، الندم وعدم الرضا»، تختصر حياتها.

أنس بوخش الباحث عن الإنسان خلف الألقاب

تنقيب الأعماق يجيده قلة ويتألق به أنس بوخش. بعض الأسئلة يجعل المرء يستعيد شريط العمر، بشرط أن يُسأل بصدق واهتمام وإنسانية. لا يهتم المحاور لما تهتم به عادة الأكثرية. مهنته التنقيب وشغفه الحفر. الظاهر ليس مهمة شاقة لأنه يتراءى لكل الناس، أكان حقيقياً أم مخادعاً. الداخل هو الشقاء. ثمة مَن يستسلم أمام الطبقات الأولى، فيعود إلى السطح، وهناك مَن يرغب في مزيد من الاختراق. ليس شرطاً بأسئلة معقدة بل بأسئلة بسيطة: الطفولة، العلاقة بالأهل، اللون المفضل، الحيوان المفضل، مفاهيم الحب والزواج والأولاد. هذا الإنسان خلف الألقاب.
يكترث أيضاً للانفتاح العاطفي. فلا يهم إن بكى الرجل أم بكت المرأة، فالباكي هو الإنسان. يريد أنس بوخش بشراً حقيقيين أمام الكاميرا. تقريباً كما يكونون في لحظات الاختلاء بالنفس. يساعد ضيوفه على الكلام وحين يبوحون يرتاحون. الأهم أنّ برنامجه ليس «لأي ضيف». المعيار ليس ملايين «السوشيال ميديا» وأضواء النجومية. بل المستوى الفكري والتقبّل الاجتماعي وبلوغ مرتبة الإنسان.
بدأت لطيفة الغناء في سنّ الرابعة. أحاطتها عائلتها بالدعم، كما أحاطها مجتمعها التونسي بالتعرّف إلى ثقافات مختلفة. حين سألها محاورها اختصار الإنسانة التي أمامه بكلمة، فكرت وأجابت، «الحياة». تحمّلت انتكاسات صحية في الصغر، وبفضل الأم تعلّمت القوة. جميلة الطباع الوفية وهي تتصدّر لتصبح أحلى ما في المرء. وطبع لطيفة تقدير الأم والترحّم بحب على الأب.
لا نعتاد فراق الأحبة مهما بلغنا من العمر. سنوات تمر على موت والدها الفجائي، وأمام أنس، لم يهدأ الدمع. تصفه بالبطل، فقد بُترت أطراف أصابعه في الحرب، وخدم تونس بنقل محاربين من بلده بشاحنته لقتال الاحتلال. دلّعها بما يفوق دلعه لإخوتها، وأكثرَ من شراء الحلوى لها. جلست طويلاً في حضنه، تغني له وتشعر بالأمان.
تحاول اليوم إسعاد نفسها والآخرين بالفن. هو إحساسها بالجدوى. تتحدث عن قناعات الحياة وما يترسّب على هيئة مبادئ، فيصقل الشخصية: «أستمتع بالعمل لأنجزه، وإلا فلن أفعل. قد أكون من الأفقر مادياً بين فنانات، ولو أردتُ الثراء لوافقتُ على ما لا يتماشى وقناعاتي. أنا الأغنى في الحمد والتجارب الحلوة كالعمل مع منصور وزياد الرحباني، والناس الذين قابلتهم فأضافوا إليّ».
لم يكن كلاماً مثالياً لفنانة تبحث عن تلميع صورة. وبرنامج أنس بوخش ليس لغايات من هذا النوع. بدا عبراً تصلها لطيفة بعد مطبات وتكسبها بعد معارك. واليوم تتشاركها مع الناس كزوادة حياة. مجدداً، تربط دمعها بالحقيبة، حيث كل المشاعر. تدرك أنّ العمر طلعات ونزلات، والزهور لا تتفتح في جميع الفصول. هناك فصل للبراعم وآخر لاستراحة الأوراق الصفراء. فتُقبل بقناعة على ما ينتظرها وتتقبّل قدرها كهدية من السماء.
ترفض أن يكون عالم الفن قذراً وفق الانطباع الملاصق به. تجيب أنس على سؤاله حول الأوساخ في المجال، بالقول إنّ ذلك يتوقف على الفنان. تعطي أمثلة، بينها زياد الرحباني للتأكيد بأنّ المبدع الحقيقي عصي على الفساد. وتلخّص بجملة: «يكون الإنسان في المكان الذي يقرر وضع نفسه فيه». لا أكثر ولا أقل.
تزوجت مرة ولم تُعد الكرّة. ومع ذلك ترى الحب في ثلاثة: العطاء والإخلاص والالتزام. وإن كان لا بدّ من صفة تبحث عنها في جميع الخلق، فهذه ستكون الصدق. يساعدها أنس في توصيف الواقع: «كثيرون يستحقون أوسكار البراعة في الكذب. هؤلاء يعلموننا دروساً مهمة». توافقه ضيفته، ومن تجاربها مع الطبع البشري، تستخلص مواضيع الأغنيات. «يا أبيض يا أسود، لكن مش رمادي».
ليست مغامِرة في الحب بعد اصطدامها بجوانبه المظلمة. بدل الرجل، «كرّستُ عمري للفن». العلاقات طرفان، على أحدهما ألا يدفع الآخر نحو الهاوية ويضيف هموماً إلى همومه. «الأغلبية من هذا الصنف»، تتحسر وتخفي الحسرات. الشيء الأكيد أنّ أكثر ما تتوق إليه هي راحة البال: «أريد أن أفرح لأُفرح الناس. الحياة مش مستأهلة». هي على حق.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».