أزمات معيشية شرق الفرات تعصف بـ«السلة الغذائية» لسوريا

اتفاقات أميركية ـ روسية ـ تركية تضبط الانتشار العسكري

صورة أرشيفية لرجل على دراجة نارية أمام دورية أميركية في شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
صورة أرشيفية لرجل على دراجة نارية أمام دورية أميركية في شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

أزمات معيشية شرق الفرات تعصف بـ«السلة الغذائية» لسوريا

صورة أرشيفية لرجل على دراجة نارية أمام دورية أميركية في شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
صورة أرشيفية لرجل على دراجة نارية أمام دورية أميركية في شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

بعد مرور 5 سنوات على اتفاق منع التصادم بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية في شمال شرقي سوريا؛ تنتشر 6 جيوش وجهات عسكرية متناقضة، وتلعب القوات الأميركية الموجودة على الأرض دوراً محورياً في مكافحة تنظيم «داعش» وضبط إيقاع التوتر القائم بين الجهات المتصارعة شرقي الفرات، كما تدعم «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) العربية الكردية في ظل التعقيدات التي يفرضها لاعبون إقليميون على رأسهم تركيا وإيران، وانتشارها العسكري ودعمها لفصائل وميليشيات سورية مسلحة متصارعة فيما بينها في دولة باتت منقسمة عسكرياً إلى 3 مناطق نفوذ.
وتدعم روسيا القوات الحكومية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد وحليفتها تركيا عبر مسار آستانة، حيث تتمركز الشرطة العسكرية الروسية في نقاط التماس الساخنة والفاصلة مع الجيش التركي وتشكيلات سورية موالية في كل من بلدة تل تمر وناحية أبو راسين بريف محافظة الحسكة الشمالي، وفي بلدة عين عيسى التابعة لريف الرقة الشمالي، وفي بلدتي منبج والعريمة بريف حلب الشرقي وبلدات الشهباء بريفها الشمالي، ورغم دعمها للقوات الحكومية لكنها تراقب مناطق خفض التصعيد وتمنع احتكاك القوات التركية وفصائل موالية من جهة، وقوات «قسد» المدعومة من تحالف دولي تقوده واشنطن من جهة أخرى، وتحوّلت مدن وبلدات شرقي الفرات إلى مسرح للقاء الأطراف الخارجية والداخلية في الحرب السورية.
وفي 3 من الشهر الحالي، شنّت قوات حكومية سورية هجوماً بالأسلحة الرشاشة على نقطة عسكرية تابعة لـ«قسد» في قرية كوزلية بريف بلدة تل تمر، أسفرت عن مقتل ضابط وجندي من القوات الحكومية وسقوط اثنين من «قسد»، وتحوّلت مشادة كلامية إلى اشتباك وعراك مسلح بين قوات الحكومة و«قسد» بعد منع عناصر الجيش السوري مرور دورية أميركية من الطريق الرئيسية لقرية الكوزلية، التي تنتشر فيها قواتها الأمنية، تبعها تعزيزات أمنية استقدمتها قوات «قسد» إلى المنطقة خلال ساعات الليل وتبادل الطرفان النيران.
ورغم تعرض هذه المناطق لهجمات الجيش التركي وفصائل سورية موالية؛ فإن حادثة الاشتباك هي الأولى من نوعها بين هذه الجهات التي تجمعها غرفة عمليات مشتركة بقيادة وإشراف روسي، لمنع الاحتكاك والتصادم نظراً لانتشار مقاتليها وعناصرها في نقاط يفصلها بضعُ مئات من الأمتار، حيث تنتشر القوات الحكومية في ريف تل تمر وناحية أبو راسين ومنطقة زركان بريف الحسكة الشمالي على طول خطوط التماس، الفاصلة بين الجيش التركي وفصائل موالية لها من جهة، وقوات «قسد» من جهة ثانية منذ نهاية 2019، بحسب اتفاق أُبرم بين موسكو وأنقرة بعد عملية «نبع السلام» التركية، ونادراً ما تقع اشتباكات بين هذه الجهات.
وفي 28 من شهر فبراير (شباط) الماضي، نفّذت مروحيات روسية تحليقاً قريباً من مروحيات أميركية خلال تصادف تحليق دوريتين بريف مدينة القامشلي، وهذا الاحتكاك الجوي يعد المرة الأولى منذ دخول اتفاق منع التصادم بين القوات الأميركية ونظيرتها الروسية، واستمر تحليق الطيران الروسي حول المروحيات الأميركية لعدة دقائق لتعود أدراجها إلى مطارها الحربي بالقامشلي، أما القوات الأميركية و«قوات قسد» تكثف من دورياتها في أرياف الحسكة ودير الزور بهدف تثبيت الأمن والسلم الأهلي ومنع ظهور خلايا تنظيم «داعش» الإرهابي.
اقتصادياً، بات مشهد وقوف طوابير من السكان أمام أبواب محطات الوقود والمؤسسات الاستهلاكية والأفران العامة والخاصة والحجرية مألوفاً، للحصول على السكر أو الزيت اللذين فُقدا من المحال وصولاً لرغيف الخبز في منطقة تحتوي على 80 في المائة من المخزون الاستراتيجي لمحصول القمح، وتضاعف سعر ربطة الخبز المكونة من 700 غرام من 700 ليرة سورية إلى ألفي ليرة (تعادل 6 سنتات أميركية)، أما رغيف الخبز الحجري يباع حجم المتوسط بـ500 ليرة، أما الكبير يتراوح سعره بين 700 وألف ليرة.
ومنذ بداية الحرب الأوكرانية الروسية، ارتفعت معظم أسعار السلع الغذائية والأساسية وتضاعفت أسعارها، تزامناً مع مرور سنة ثانية من الجفاف لشح وقلة الأمطار الموسمية التي تعصف بعاصمة سوريا الغذائية، ورُفعت أسعار رغيف الخبز الواحد إلى 3 أضعاف، وشهدت المخابز العامة والخاصة والحجرية وقوف طوابير طويلة للحصول على قوتهم اليومي، الأمر الذي دفع سلطات الإدارة الذاتية إلى خلط 20 في المائة من دقيق الذرة مع عجينة القمح لإنتاج رغيف الخبز لسد احتياجات سكان مناطق نفوذها.
كما شهدت المنطقة أزمة خانقة بعد فقدان جرة الغاز المنزلي ومادة المازوت، واشتعلت احتجاجات في ريف دير الزور الشرقي، وتحجب الإدارة الذاتية و«قوات قسد» حجم العائدات المالية من استثمار آبار النفط والغاز وموازنتها، كما تغيب الأرقام الواضحة التي تتعلق بالمجالات التي تصرفها عليها، سواء الخدمية أو التي يحتاج المواطنون إليها بشكل يومي، وتعد مناطق شمال شرق البلاد الخزان الرئيسي لآبار النفط في سوريا، وتوجد فيها أكبر حقول النفط والطاقة في محافظتي دير الزور والحسكة، وهذه المناطق تسيطر عليها الإدارة الذاتية وجناحها العسكري «قوات قسد» المدعومة من تحالف دولي تقوده واشنطن.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.