لبنانيون يبحثون عن أدويتهم المفقودة في السوق السوداء ودول المهجر

TT

لبنانيون يبحثون عن أدويتهم المفقودة في السوق السوداء ودول المهجر

تبحث اللبنانية سمر عن دواء ضغط الدم المفقود كلما اقتربت الكمية الموجودة لديها من النفاد. تجول على صيدليات بيروت، تتصل بالأصدقاء والأقارب ليبحثوا لها عن دوائها ضمن نطاق سكنهم أو عملهم. وغالباً ما تخرج من رحلة البحث تلك بسلة فارغة، وقليلاً ما تفلح في «اقتناص» علبة لدى إحدى الصيدليات، «لكن نادراً ما يكون الثمن وفق التسعيرة الرسمية لوزارة الصحة»، حسبما قالت لـ«الشرق الأوسط».
وسمر واحدة من كثيرين من اللبنانيين الذين باتوا يفتشون اليوم عن أدويتهم المفقودة سواء في السوق السوداء أو عبر أصدقاء ومعارف في دول المهجر.
وتحدد وزارة الصحة اللبنانية التسعيرة الرسمية للأدوية في مؤشر يُعرض على منصتها الإلكترونية، ويرتفع أو ينخفض وفقاً لتغير سعر صرف الدولار في السوق الموازية. وترفض بعض الصيدليات الالتزام بالتسعيرة الرسمية، وتروي سمر (60 عاماً) أنها دفعت ثمن العلبة الواحدة 191 ألف ليرة لبنانية في حين أن وزارة الصحة حددت السعر بـ128 ألف ليرة، وتقول: «لم يعد يهمني السعر بقدر ما يهمني أن أجد الدواء، وأنا على استعداد لدفع الثمن الذي يطلبونه».
وفي هذا الإطار، يؤكد نقيب الصيادلة جو سلوم لـ«الشرق الأوسط» أن «معظم الصيدليات ملتزمة، أما المخالفات فطفيفة ولأسباب تقنية»، لكنه يضيف: «أحياناً تكون الصيدليات قد اشترت الدواء بسعر مرتفع ولا تريد أن تتكبد خسارة من خلال بيعه بسعر أرخص».
أزمة نقص الأدوية في السوق اللبنانية بدأت في عام 2020 بسبب عدم توفر الدولار اللازم للاستيراد، وتفاقمت يوماً بعد يوم فزادت أصناف الأدوية المفقودة خصوصاً مع قيام جهات بتهريبها إلى سوريا من جهة، وقيام المحتكرين والمستوردين وأصحاب الصيدليات بتخزينها من جهة أخرى، بهدف تحقيق أرباح أكبر بعد رفع الدعم أو لبيعها في السوق السوداء.
وبعد إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عدم توفر الأموال اللازمة لاستمرار الدعم، أصدرت الحكومة اللبنانية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قراراً برفع الدعم الجزئي أو الكلي عن معظم الأدوية، وأبقى مصرف لبنان الدعم للأدوية المزمنة والمستعصية وأدوية المناعة بمبلغ 25 مليون دولار بعدما كان بدعم قطاع الدواء قبل رفع الدعم بـ115 مليون دولار، إلا أن هذا القرار لم يحل أزمة عدم توفر العديد من الأدوية.
ويوضح سلوم أن «الصناعة المحلية هي البديل الأوفر من حيث الكمية والنوعية إضافة إلى السعر الذي يعتبر مقبولاً نسبياً»، ورغم أن البديل المصنع محلياً يعوض الخلل الموجود إلى حد ما وفقاً لسلوم، فإنه يؤكد عدم وجود البديل لعدد كبير من الأدوية. ويشرح أنه «لتغطية حاجة السوق من الأدوية المصنعة محلياً يجب تخصيص دعم شهري بـ8 ملايين دولار في حين أن الدعم الذي يعطى هو 4 ملايين دولار فقط أي نصف المبلغ المطلوب».
ويدور الحديث في الأروقة عن أن الأدوية المدعومة جزئياً ستبقى مفقودة من السوق اللبنانية لحين رفع الدعم عنها، ويرى سلوم «أننا أمام حلين لا ثالث لهما إما إعطاء المال الكافي لدعم الدواء أو رفعه كلياً، وفي حال كان الاتجاه للخيار الثاني يجب أن يترافق مع البطاقة الدوائية التي تتيح للمريض الحصول على الدواء».
من جهته، يشرح نقيب مستوردي الأدوية في لبنان كريم جبارة لـ«الشرق الأوسط» أن مصرف لبنان لا يستطيع دعم قطاع الأدوية إلا بمبلغ 25 مليون دولار شهرياً وهذا المبلغ بحسب كل الإحصاءات لا يكفي لسد الحاجة مهما بلغ حجم الترشيد، مشيراً إلى أن «مستوردي الأدوية كانوا يصرفون 70 مليون دولار في السابق لتغطية حاجة السوق». ويقول جبارة: «اليوم لم نعد كمستوردين نقرر أي أدوية مدعومة سنستورد ولسنا من نحدد الكمية، بل نقوم بتقديم الطلبات لوزارة الصحة التي تقوم بدراستها وتلعب دور الحكم في تحديد الأنواع والكمية وفقاً للأولويات التي تضعها، لتضمين أكبر عدد ممكن من الأدوية ضمن ميزانية الـ25 مليون دولار».
ويلفت إلى أن مصرف لبنان لا يستطيع زيادة الأموال لدعم الدواء وهذا ما أكده لوزير الصحة فراس الأبيض، وتتفق وجهتا نظر جبارة وسلوم لناحية حل أزمة انقطاع الدواء، ويقول نقيب المستوردين: «هناك حلان، إما زيادة الدعم من خلال تمويل خارجي، وصعوبة هذا الحل بأن لبنان لن يحصل على أي تمويل من الدول المانحة من دون تقديم إصلاحات»، أما الحل الثاني وفقاً له، فيتمثل بتجيير مبلغ الـ25 مليون دولار من مصرف لبنان لدعم الأدوية المستعصية، ورفع الدعم عن الأدوية المزمنة مقابل تقديم بطاقة دوائية بالليرة اللبنانية للمواطن تعوض فارق رفع الدعم وتغطي كلفة الدواء.
وفي حين لا يفلح العدد الأكبر من المرضى في إيجاد أدويتهم المفقودة، يلجأ البعض إلى الأقارب والأصدقاء في الخارج، ومنهم جميلة (80 عاماً)، التي تشرح لـ«الشرق الأوسط» أن ابنتها بحثت عن دواء لمرض القلب أو البديل عنه وهو من الأدوية المزمنة المدعومة جزئياً. وتضيف: «بحثت ابنتي عن الدواء في أغلب صيدليات لبنان من دون أن تجد حبة واحدة. من هنا لم يكن أمامها سوى اللجوء إلى معارفها خارج لبنان، فتواصلت مع أصدقائها في الأردن ومصر وتركيا من دون نتيجة، إلى أن وجدته في فرنسا. ومذاك الحين يجلب أصدقاؤها كمية كافية لمدة شهرين أو ثلاثة في كل زيارة يقومون بها إلى لبنان».
طريقة أخرى لجأ إليها المرضى لتأمين أدويتهم، عبر تجار يسافرون بشكل دوري لاستيراد بضائعهم. ويخصص موسى وهو تاجر ملابس يسافر أكثر من خمس مرات في السنة إلى تركيا، جزءاً من حقيبة سفره لإحضار «الطلبية» التي يوصيه بها الباحثون عن الدواء، حسبما يوضح لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «الدفع بالدولار النقدي مع هامش بسيط من الربح».
بالمقابل، أصبحت السوق السوداء الحل الوحيد للعديد من اللبنانيين الذين لا يجدون أدويتهم، ومنهم جمال الذي يؤكد أنه وجد في السوق السوداء الحل الأفضل لاختصار جهد البحث. الرجل الأربعيني الذي يعاني من مرضي ارتفاع سكر الدم والاكتئاب، لا يجد في لبنان الإبر الخاصة لجهاز فحص السكري منذ نحو السنة، إضافة إلى الدواء الذي يستعمله لمعالجة مرض السكري ودواء الاكتئاب، حسبما يروي لـ«الشرق الأوسط». ووجد جمال «ضالته» لدى إحدى الصيدليات التي تبيع علبة الإبر بـ33 دولار نقدا (نحو 700 ألف ليرة) وعلبة دواء السكري بـ10 دولارات (200 ألف ليرة)، ودواء الاكتئاب بـ20 دولاراً (400 ألف ليرة)، حسبما يروي.
ويقول: «عند الحاجة تسقط كل الاعتبارات ولو كانت الدولة تؤمن الأدوية والمستلزمات الطبية لما أجبرنا على دفع ثلاثة أضعاف الثمن».
ويستورد بعض أصحاب الصيدليات المقتدرين الأدوية المفقودة من تركيا ومصر ودول الخليج وأوروبا، على حسابهم الشخصي، ويبيعونها في السوق السوداء بالدولار النقدي.
ويقول صيدلي يقوم باستيراد الدواء بشكل غير قانوني لـ«الشرق الأوسط»: «الدواء المهرب هو بمثابة الحل الوحيد للمرضى العاجزين عن تأمين أدويتهم. عدم أخذ أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية بانتظام يهدد صحة المريض النفسية والجسدية والعقلية، وقد يودي بحياته... ما نقوم به يمثل خشبة الخلاص للكثيرين».



السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.