صنعاء تغلي... واعتراف حوثي بـ«السخط الشعبي»

تصاعد أزمات المعيشة والوقود إلى جانب القمع واستمرار غياب الرواتب فاقم الأوضاع

«ارحل يا حوثي» عبارة كتبها مجهول في أحد جدران صنعاء وتداولها ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي
«ارحل يا حوثي» عبارة كتبها مجهول في أحد جدران صنعاء وتداولها ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي
TT

صنعاء تغلي... واعتراف حوثي بـ«السخط الشعبي»

«ارحل يا حوثي» عبارة كتبها مجهول في أحد جدران صنعاء وتداولها ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي
«ارحل يا حوثي» عبارة كتبها مجهول في أحد جدران صنعاء وتداولها ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي

على وقع سلسلة من الأزمات والفقر والجبايات والقمع، تعيش العاصمة اليمنية المحتلة صنعاء، حالة غليان شعبي غير مسبوقة، تنذر بالانفجار في وجه الميليشيات الحوثية؛ إذ بات أغلب السكان عاجزين عن شراء معظم السلع، وعن دفع رسوم مدارس أبنائهم، بعد أن توقفت العملية التعليمية في المدارس العامة، بفعل ترك عشرات الآلاف من المعلمين العمل بسبب قطع رواتبهم منذ 5 أعوام، واستحواذ الميليشيات الحوثية على كل الأعمال التجارية.
أحدث الغضب الشعبي اليمني ارتباكاً وصفه صنعانيون بـ«الواضح» لدى القائمين على تسيير الأمور اليومية في أروقة صناعة القرار الداخلي الحوثي جراء ما قالوا إنه «غليان شعبي، وليس مجرد سخط». عزز ذلك تغريدة على موقع التواصل «تويتر» مقرونة بنبأ في شريط الأخبار العاجلة لقناة المسيرة الذراع الإعلامية الحوثية، تحاول تخويف اليمنيين من تحويل «السخط الشعبي» إلى ما ادعت أنه أفعال تصب في صالح «العدوان» (ويقصد الحكومة اليمنية وتحالف دعم الشرعية في اليمن).
يلخص رجل أعمال في صنعاء الوضع لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «المدينة أصبحت أشبه بسجن كبير يضم الملايين، وكلما وُجد منفذ ليعيش منه الناس، عمل الحوثيون على إغلاقه، ولم يتركوا مجالاً لأي أحد من خارجهم ليعمل». يضيف: «حتى المشروعات التي تمولها المنظمات الدولية أصبحت حكراً على المقاولين الذين ينتمون إلى الجماعة، أو يرتبطون بعلاقة مصالح مع أحد القيادات. لم تعرف اليمن مثل هذا الطغيان؛ حيث أصبح أغلب الناس يتمنون الخروج من مناطق سيطرة الحوثيين».
يؤكد أحد سكان صنعاء - اسمه أحمد، وهو أب لأربعة من الأطفال - أن أبناءه لن يذهبوا إلى مدرستهم؛ لأنه لا توجد مواصلات، والبترول غير موجود، وأسعاره في السوق السوداء جنونية. ويضيف: «وضعنا في صنعاء بلغ من المأساة والقبح لحد أصبحنا معه عاجزين حتى عن التعبير عنه، وأخشى خلال الفترة القليلة القادمة أن يعجز بقية السكان عن تسديد رسوم استخدام الإنترنت». يقول أحمد: «الميليشيات الحوثية خلال الشهر الماضي رفعت تعريفة استهلاك الكهرباء الحكومية، من 225 ريالاً إلى 350 ريالاً، علاوة على الاشتراك الشهري وقدره ألف ريال، و24 ريالاً تحت اسم خدمات؛ حيث تفوقت بالاستغلال والجشع على التجار، في حين أن سعر الكيلوواط كان قبل الانقلاب بثلاثة ريالات فقط». ويصف ما يحصل بأنه «سقوط للبلاد في يد مجموعة طائفية ظلامية».
رجلان يحاولان سحب سيارة انقطع وقودها أثناء الانتظار أمام إحدى محطات البنزين المكتظة في صنعاء (غيتي)
رجلان يحاولان سحب سيارة انقطع وقودها أثناء الانتظار أمام إحدى محطات البنزين المكتظة في صنعاء (غيتي)

أروى ربة منزل في صنعاء لم تخف صدمتها من مقدار الزيادة في أسعار زيت الطبخ؛ حيث ارتفع سعر عبوة الـ10 لترات إلى 13500 ريال، بدلاً من 8 آلاف ريال منتصف العام الماضي، في حين أن المتاجر تبيع عبوة الـ20 لتراً من الزيت بمبلغ 26500 ريال، وهو سعر أغلى من السعر الرسمي لصفيحة البترول. (الدولار يعادل نحو 600 ريال في مناطق سيطرة الميليشيات). وسخرت أروى من حديث الحوثيين عن فرض رؤاهم الطائفية على الجوعى، بحجة ما يسمونه «الحفاظ على الهوية الإيمانية»، وخاطبتهم بالقول: «هل هذه الهوية تعني أن تكونوا أنتم شباعاً وغيركم جوعى؟! أم تعني محاربة الناس في أقواتهم، وابتزازهم، وفرض الجبايات المتعددة عليهم، في حين أنهم لا يجدون ما يأكلون؟!».
ينتقد صادق - وهو موظف حكومي - ما يصفها بـ«جرعة قاتلة» فرضتها الميليشيات الحوثية على سعر أسطوانة غاز الطبخ؛ حيث أصبح السعر الرسمي لدى مسؤولي الأحياء 6 آلاف ريال، ولكنها غير متوفرة، بينما سعرها في السوق السوداء يصل إلى 19 ألف ريال، مع العلم أن شركة «صافر» تبيعها للموزعين بسعر 4200 ريال فقط. يقول الموظف الحكومي: «إلى جانب إيقاف مرتبات القضاة وتجويعهم لإفساد ضمائرهم، وإلجائهم للرشوة، يضطر القضاة إلى تأجيل جلسات المحاكمة، والذهاب للوقوف في طوابير غاز الطبخ أو وقود السيارات».
ووفقاً لأحدث بيانات برنامج الأغذية العالمي التي تغطي شهر ديسمبر (كانون الأول) 2021 الماضي، فقد استقرت نتائج الأمن الغذائي في اليمن عند مستويات عالية جداً؛ حيث أفاد ما يقرب من نصف الأسر اليمنية (47 في المائة على الصعيد الوطني) بعدم كفاية استهلاك الغذاء، وهو أعلى بكثير من عتبة 40 في المائة التي تصنف كمستويات مرتفعة للغاية.

صف طويل من السيارات بانتظار تعبئة الوقود وسط أزمة يتهم يمنيون الحوثيين بافتعالها في صنعاء (غيتي)

توضح البيانات أن القدرة على تحمل تكاليف الغذاء، مقيسة بمتوسط تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء، ساءت بشكل كبير في جميع مناطق اليمن على مدار عام 2021، وأنه بدءاً من ديسمبر الماضي، ارتفع متوسط تكلفة السلة الغذائية في المناطق الواقعة تحت سيطرة ميليشيات الحوثي بنسبة 41 في المائة.
وطبقاً لتلك البيانات، استمرت أزمة نقص الوقود في جميع أنحاء اليمن، في يناير (كانون الثاني) الماضي؛ حيث خصص برنامج الغذاء العالمي وشركات النقل الرئيسية المتعاقدة معه مخزون وقود للطوارئ، كما يقوم البرنامج بمراجعة حالة الضعف لدى النازحين داخلياً في محافظة مأرب، والتحقق منها قبل إدراجهم المحتمل في الأنشطة الاعتيادية لبرنامج الأغذية العالمي، إذ تم التحقق من حالة أكثر من 100 ألف نازح داخلياً، بدءاً من أوائل هذا العام في مديريات مأرب، ومدينة مأرب، ومديريتي رغوان وصرواح.
ويتهم يمنيون الميليشيات الحوثية بافتعال أزمة وقود خانقة في صنعاء ما تسبب في شل الحركة في شوارع العاصمة المختطفة، حيث ارتفع سعر صفيحة البنزين عبوة 20 لتراً إلى ما يعادل 50 دولاراً للمرة الأولى في تاريخ البلاد. وفي حين تعمل بعض وسائل النقل باستخدام الغاز، رغم ارتفاع سعره إلى مستويات قياسية، تصاعدت شكاوى السائقين من أن الوقود في السوق السوداء مغشوش، حيث يتم خلطه بمواد كيماوية تتسبب في تعطيل محركات السيارات.
واتهمت مصادر حكومية يمنية الميليشيات الحوثية بحجز المئات من ناقلات الوقود القادمة من مأرب وحضرموت في مدينة الحزم مركز محافظة الجوف، رغم الأزمة الخانقة التي تعيشها العاصمة صنعاء، حيث تتكدس أكثر من 600 ناقلة محملة بالبنزين منذ عدة أسابيع، وتمنعها الميليشيات من العبور بدون معرفة الأسباب، سوى أنها تعمل على إنعاش السوق السوداء التي يديرها قادتها.


مقالات ذات صلة

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

المشرق العربي طالبات جامعة صنعاء في مواجهة قيود حوثية جديدة (غيتي)

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

بدأت الجماعة الحوثية إجراءات جديدة لتقييد الحريات الشخصية للطالبات الجامعيات والتضييق عليهن، بالتزامن مع دعوات حقوقية لحماية اليمنيات من العنف.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل بـ«حساب المواطن» والدعم الإضافي للمستفيدين

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز
TT

خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل بـ«حساب المواطن» والدعم الإضافي للمستفيدين

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز

وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وبناءً على ما رفعه الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بتمديد العمل ببرنامج «حساب المواطن» مع الاستمرار في تقديم الدعم الإضافي لمستفيدي برنامج «حساب المواطن» حتى نهاية عام 2025م، إلى جانب استمرار فتح التسجيل في البرنامج.

يأتي هذا القرار استمراراً للاهتمام والرعاية من القيادة السعودية لأبنائها المواطنين، كما يأتي تمديد الدعم لمستفيدي برنامج «حساب المواطن» امتداداً للتوجيه الكريم السابق الذي بدأ منذ شهر يوليو (تموز) 2022م.

وبدأ برنامج «حساب المواطن» بناءً على التوجيه الملكي، بتطبيق معايير إضافية للاستحقاق بهدف رفع كفاءة الدعم وضمان وصوله وتوجيهه إلى الفئات الأكثر استحقاقاً، واستناداً إلى ضوابط الدعم المعتمدة؛ ستُطَبَّق معايير القدرة المالية على جميع المستفيدين والمتقدمين الجدد.

يأتي هذا التطبيق استناداً إلى تعريف القدرة المالية، التي تُعرف بأنها الأموال والأصول المملوكة للمتقدم والتابع القابلة للتقويم، عدا ما تنص الضوابط على استثنائه حسب القدرة المالية للمتقدم وتابعيه.

ووفقاً للمادة 11 من ضوابط البرنامج، سيُحَدَّد الاستحقاق الفعلي لكل متقدم بناءً على عدة معايير، تشمل إجمالي الدخل الشهري والقدرة المالية للمتقدم وتابعيه، وذلك بهدف ضمان توجيه الدعم الحكومي إلى الفئات الأكثر استحقاقاً، حيث حُدِّد الحد المانع لإجمالي القدرة المالية لأسرة تتكون من 6 أشخاص بـ4 ملايين ريال، ويتناقص هذا الحد بناءً على حجم الأسرة.

وأما الحد المانع لإجمالي القدرة المالية للفرد المستقل فهو 1.371.200 مليون ريال، وتشمل معايير القدرة المالية القابلة للتقويم «الأصول العقارية، والمركبات، والأصول النقدية، والمحافظ الاستثمارية، إلى جانب مؤشر آخر للقدرة المالية كعدد العمالة المنزلية»، فلكل معيار من معايير القدرة المالية حد أعلى يؤدي تجاوزه إلى عدم الأهلية في البرنامج.

كما يبدأ برنامج «حساب المواطن» في تفعيل الزيارات الميدانية في سياق التأكد من استقلالية الفرد المستفيد، حيث يشترط على المتقدم بوصفه فرداً مستقلاً إثبات استقلالية السكن وتطابقها مع العنوان الوطني، وسيُنَسَّق مع المستفيدين المستقلين لتحديد موعد الزيارة الميدانية لضمان عدم تأثر أهليتهم، وتعد هذه الزيارات أداة إضافية لرصد المتطلبات اللازمة بما يضمن توجيه الدعم إلى مستحقيه.

وسيبدأ برنامج «حساب المواطن» في تطبيق معيار التحقق من القدرة المالية وتفعيل الزيارات الميدانية للأفراد المستقلين اعتباراً من دورة شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، فيما يتيح البرنامج للمستفيدين تقديم أي مستندات إضافية تدعم أهليتهم، وتقديم اعتراضات على نتائج الأهلية خلال 90 يوماً من تاريخ صدورها من خلال البوابة الإلكترونية أو التطبيق الخاص بالبرنامج، ويمكن للمستفيدين الاستفسار والتواصل مع البرنامج عبر مركز الاتصال الموحد أو من خلال قنواته الرقمية المختلفة.