مطالب أممية بإجراءات لتجنب وقوع «حادث نووي كارثي»

مطالب أممية بإجراءات لتجنب وقوع «حادث نووي كارثي»
TT

مطالب أممية بإجراءات لتجنب وقوع «حادث نووي كارثي»

مطالب أممية بإجراءات لتجنب وقوع «حادث نووي كارثي»

وصفت مسؤولة كبيرة في الأمم المتحدة الهجوم الذي تعرضت له منشأة «زابوريجيا» النووية في أوكرانيا بأنه «غير مقبول» و«غير مسؤول على الإطلاق»، مذكّرةً بأن القانون الدولي يحرّم مهاجمة مثل هذه المنشآت «حتى عندما تكون أهدافاً عسكرية»، بينما انطلقت دعوات إلى تأمين ممرات آمنة في المواقع النووية في أوكرانيا من أجل تأمين سلامتها بشكل دائم بصرف النظر عن مسار العمليات العسكرية التي تنفذها روسيا في كل أنحاء أوكرانيا.
وعقد مجلس الأمن جلسة طارئة دعت إليها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وآيرلندا والنرويج وألبانيا، لمناقشة الهجوم الروسي على محطة «زابوريجيا». هذه الجلسة هي الخامسة للمجلس في خلال عشرة أيام حول غزو روسيا لأوكرانيا.
واستمع أعضاء مجلس الأمن إلى إحاطة من وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو، التي نقلت عن الأمين العام أنطونيو غوتيريش، «قلقه البالغ» من تصاعد القتال في كل أنحاء أوكرانيا. وإذ أشارت إلى أن «المدن الأوكرانية تقع اليوم تحت الحصار وتتعرض لهجمات متكررة»، لفتت إلى أن ملايين الأوكرانيين «يتعرضون لقصف عنيف وعشوائي في كثير من الأحيان»، مضيفةً أن «هناك آلاف الضحايا وعددهم آخذ في الازدياد». وكذلك نقلت عن غوتيريش «قلقه البالغ» حيال التقارير عن القتال العنيف حول محطة «زابوريجيا» للطاقة النووية في أوكرانيا. وأشارت إلى أن الحريق الذي وقع فيها «أثّر على منشأة تدريب وليس على نظام التبريد أو مركز الطاقة». ولفتت إلى أن العمليات العسكرية حول المواقع النووية وغيرها من البنى التحتية المدنية الحيوية «ليست فقط غير مقبولة ولكنها غير مسؤولة إلى حد كبير»، مذكّرة بالدمار الذي تسببت به كارثة تشيرنوبيل عام 1986، وطالبت بـ«بذل كل جهد لتجنب وقوع حادث نووي كارثي».
وقالت المسؤولة الأممية الرفيعة إن الهجمات على منشآت الطاقة النووية «تتعارض مع القانون الدولي الإنساني»، مشيرة إلى نص المادة 56 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف لجهة أنه «لا يجوز» تعريض المنشآت النووية أن تكون هدفاً للهجوم «حتى عندما تكون هذه الأهداف أهدافاً عسكرية». وأضافت أنه «يجب منح ممر عاجل وآمن لموظفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا احتاجوا إلى السفر إلى أوكرانيا». ورحبت بالاتفاق الذي توصل إليه المفاوضون الأوكرانيون والروس خلال الجولة الثانية من محادثات بيلاروسيا حول «إنشاء ممرات إنسانية للسماح بمرور آمن للمدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية». وكررت أن «ما نشهده في أوكرانيا اليوم يتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة»، داعيةً إلى وقف القتال «الآن».

وبعد صعوبات تقنية، استمع أعضاء مجلس الأمن إلى إحاطة من المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، الذي كان على متن طائرة تقله من فيينا إلى طهران. وقال غروسي إنه على استعداده للسفر إلى أوكرانيا «لتأمين الالتزام بسلامة وأمن كل محطات الطاقة النووية» في البلاد. وإذ ذكّر بالركائز السبع التي لا غنى عنها للسلامة والأمن النوويين، أكد أنه لم يكن هناك تسرب للإشعاعات نتيجة الحريق الذي وقع وأُخمد لاحقاً في محطة «زابوريجيا»، مستدركاً أنه «لا يمكننا الاعتماد على هذا الحظ الجيد للاستمرار».
وقال: «حان الوقت لوقف تعريض المنشآت النووية لخطر شديد، مما قد يعرّض للخطر سلامة الناس والبيئة في أوكرانيا وخارجها». وأشار إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي «الموثوقة والقادرة على تقديم المساعدة الفنية الكافية للمساعدة في ضمان التشغيل الآمن والأمن للمنشآت النووية»، موضحاً أن الوكالة «بحاجة إلى التزام من كل جهة فاعلة حتى تتمكن من تقديم مثل هذه المساعدة الفنية في أوكرانيا». وأكد أن «الخدمات اللوجيستية لهذه الرحلة صعبة، لكنها ليست مستحيلة. ما نطلبه هو التزام يسمح لنا بتقديم هذه المساعدة الفنية». وأوضح أن اقتراحه «لا علاقة له بمحاولة حل سياسي للنزاع» لأن «مسؤوليتي تقتصر على سلامة وأمن المنشآت النووية».
وقالت المندوبة البريطانية لدى الأمم المتحدة باربره وادوارد، إن «هذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها دولة ما محطة طاقة نووية» رغم أن القانون الدولي «يوجب حماية خاصة للمنشآت النووية». وأضافت أنه «من الصعب أن نرى كيف كانت إجراءات روسيا متوافقة مع التزاماتها بموجب المادة 56 من البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف». ورأت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «أخطأ في تقدير قوة ومرونة وإرادة الشعب الأوكراني تجاهه» كما أنه «استخفّ بإدانة العالم لأفعاله».
وأكدت نظيرتها الأميركية ليندا توماس غرينفيلد، أن الهجوم الروسي «عرّض أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا لخطر جسيم»، واصفةً ذلك بأنه «متهور وخطير بشكل لا يصدق» لأنه «هدد سلامة المدنيين في جميع أنحاء روسيا وأوكرانيا وأوروبا». وقالت لنظيرها الروسي إن «هذا المجلس يحتاج إلى إجابات. نريد أن نسمعك تقول إن هذا لن يحدث مرة أخرى. ندعوك إلى سحب قواتك وأسلحتك من أوكرانيا». وأضافت: «يجب على السيد بوتين أن يوقف هذا الجنون ويوقفه الآن»، مطالبةً بانسحاب القوات الروسية على بُعد 20 ميلاً من المحطة النووية. أما المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، فنفى أن تكون القوات الروسية ضربت المنشأة النووية، قائلاً إنه «مع شعبَي بيلاروسيا وأوكرانيا، عشنا مأساة تشيرنوبيل ولذا فنحن مهتمون أكثر من غيرنا بالحفاظ على حالة إشعاع طبيعية». ووصف اتهام القوات الروسية بأنها استهدفت المنشأة بأنه جزء من «حملة دعائية ضخمة ضد روسيا». واتهم من سمّاهم «المخربين الأوكرانيين بإطلاق النار». وأكد أن «المنشأة مؤمَّنة الآن من القوات الروسية». وكذلك وصف الاتهامات ضد بلاده بأنها «هيستيريا مصطنعة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟