ليبيا أمام تكرار «سيناريو» الانقسام

التنازع على السلطة يعيد فتح أبواب الصراع

صورة أرشيفية لإحدى جلسات مجلس النواب الليبي
صورة أرشيفية لإحدى جلسات مجلس النواب الليبي
TT

ليبيا أمام تكرار «سيناريو» الانقسام

صورة أرشيفية لإحدى جلسات مجلس النواب الليبي
صورة أرشيفية لإحدى جلسات مجلس النواب الليبي

يأمل قطاع واسع من الليبيين وضع حد للمراحل الانتقالية التي عايشوها قبلاً، بإجراء انتخابات تضمن وجود رئيس شرعي للبلاد. إلا أن الأجواء، التي تمر بهم بعد تكليف حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، خلفاً لحكومة «الوحدة الوطنية» بقيادة عبد الحميد الدبيبة، يراها سياسيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» عاصفة توشك أن تفتح أبواباً من الصراع، لا يعلم إلا الله مداه، وبأي كيفية سينتهي.
الملمح الأول لما ستجري عليه الأمور في الآتي من الأيام، يعد تكرار ما قد سبق من وجود حكومتين متنازعتين على السلطة. ولئن كانت الحكومتان هذه المرة تتمركزان في غرب ليبيا، فإن كلاً من رئيسيهما يتمسك بـ«شرعيته»، ويمضي في تنفيذ خططه وبرامجه.
ومكمن الخطر في هذه المعضلة، أن الجميع سيتحسس مسدسه؛ لأن الطرفين يعتصمان خلف كتائبهما المسلحة، وربما يحتكمان إلى قوة السلاح، إذا لزم الأمر؛ ما سيبقي ليبيا رهينة تنازع جديد تجتر فيه آلم الانقسام، وتستعيد سيناريوهات الماضي.
هنا، يرى سياسيون ليبيون، أن الأسلم للبلاد والعباد إقدام الدبيبة على تسليم السلطة سلمياً لغريمه باشاغا. لكن، إذا تعذّر ذلك «فإن ليبيا ذاهبة إلى فصل آخر من تأزم القضية»، تضيع على أثره سدى جهود بذلتها أطراف محلية وإقليمية ودولية، طوال عقد ونيف، لتبدأ من جديد رحلة البحث عن «الخلاص».
قبل أن يُقدم مجلس النواب الليبي، عن منح الثقة لحكومة فتحي باشاغا، خلال انعقاده في مدينة طبرق بأقصى شرق البلاد على مدار يومين، كانت تحذيرات المواليين لعبد الحميد الدبيبة ساخنة. كذلك كانت لهجة الوعد والوعيد متصاعدة، بعدما هدّد ما يسمى بـ«تجمع قادة ثوار ليبيا» الداعم له باستخدام السلاح، وطالبه بألا يسلّم السلطة لحكومة باشاغا، ومضى متوعداً «أيدينا على الزناد، ونحن على أهبة الاستعداد للدفاع عن ثورتنا، وصون دماء شهدائنا الأبرار».
«التجمع» دافع عن الحكومة، التي قال إنها «نِتاج مؤتمر جنيف الذي رعته الأمم المتحدة وأشرفت عليه»، قبل أن يحذر البعثة الأممية هي الأخرى من «التدخل السافر والمستفز في شؤون البلاد». إلا أن البرلمان، الذي أعلن أن كثرة من نوابه تلقوا «تهديدات بالقتل»، لم يلتفت لأي تحذيرات، مفضلاً وضع الجميع أمام الأمر الواقع، ووافق لتوه على الحكومة في جلسة رأت جبهة الدبيبة، أنه اعتراها أعمال «تزوير وتلاعب». وللعلم، ضمت التشكيلة الحكومية الجديدة، التي تحمل اسم «الاستقرار الوطني»، ثلاثة نواب لرئيس الوزراء و30 وزيراً، إضافة إلى ستة وزراء دولة.
وسبق أن تسلمت حكومة الدبيبة، المؤقتة، السلطة عقب انتخابها من أعضاء «ملتقى الحوار السياسي» الليبي، في الخامس من فبراير (شباط) 2021، إثر مباحثات رعتها الأمم المتحدة لأكثر من سنة بين تونس وجنيف.
انقسامات حول الحكومتين
بدا من الساعات الأولى على منح الثقة للحكومة الجديدة أن جميع الليبيين ينتظرون الذي يقع حالاً. ولكن على الرغم من ذلك تحدث باشاغا بثقة عن أنه سيتسلم السلطة سلمياً، ويمارس مهامه من طرابلس. وفي المقابل، ظل الدبيبة يتوعد بمعاقبة «مَن يتجرأ على الاقتراب من أي مقر حكومي»، متهماً رئاسة المجلس، بأنها «انتهجت التزوير للتمديد». وأكد محمد حمودة المتحدث باسم «الوحدة الوطنية» في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن الحكومة «لن تتخلى عن مهامها، وتدعو الجميع لإجراء الانتخابات في منتصف العام الحالي».
مدافعون عن حكومة «الوحدة» من بينهم عبد الرحمن السويحلي، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، رأى أن الموافقة على حكومة باشاغا، «ليست إلا قفزة في الهواء؛ هي والعدم سواء». والسويحلي، الذي ينتمي إلى مصراتة - مدينة الدبيبة وباشاغا - التي يتوقع أن تلعب دوراً محورياً إمّا في استيعاب التوتر أو تصعيده، زاد من انتقاده، وقال، إن كل ما صدر عن مجلس النواب «باطل ومخالف للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي». وتمسك ببقاء حكومة حتى إنجاز الانتخابات في يونيو (حزيران) المقبل.
من جهة ثانية، انضم خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، إلى رؤية السويحلي، متهماً «النواب» أيضاً بمخالفة الاتفاق السياسي لكونه انفرد بالقرار دون إشراكه فيه، متوعداً بـ«اتخاذ ما يلزم من إجراءات تجاه هذه المخالفات». أما الشيخ علي مصباح أبو سبيحة، رئيس «المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان» (جنوب ليبيا)، فقد ذهب إلى أن ما يجرى على الأرض الآن، «ليس مفاضلة بين باشاغا والدبيبة»، بل إن القضية، من وجهة نظره، تتمثل فيما سمّاه «الاستهتار بإرادة الشعب والضحك عليه واستغفاله»، وأرجع ذلك لـ«جملة من المخالفات القانونية وقعت في جلسة منح الثقة».
بالتوازي، وجد قرار مجلس النواب بمنح الثقة لباشاغا، مَن يدافع عنه باعتبار أنه الجسم السياسي الوحيد المنتخب في ليبيا، وأن جميع إجراءاته كانت «قانونية واتسمت بالشفافية، وتم بث الجلسة على الهواء». وأيضاً، لكونه وجد ضرورة لعزل حكومة «الوحدة الوطنية»؛ لأنها «فشلت في إدارة شؤون البلاد، وأخفقت في إجراء الانتخابات». وهنا تمنى علي التكبالي، النائب عن مدينة طرابلس المركز، أن تكون حكومة «الاستقرار الوطني» اسماً على مسمى. وأردف «تصويت مجلسه عليها أنقذ ليبيا من الانقسام، وعلى الجميع أن يقبلوا بالأمر ويعملوا من أجل توحيد الصف».
الرهان على الانتخابات
ليبيون كثيرون ضاقوا ذرعاً بما يحدث من تجاذبات ومناكفات بين الأجسام السياسية المسيطرة على المشهد راهناً، ويدعون إلى رحيلها. لكن هذا لا يتأتى إلا بإجراء انتخابات سريعة، وهو ما عبّر عنه جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، الذي اعتبر هذه الأجسام السياسية ومنها مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» سلطات فاقدة للمشروعية ومغتصبة لإرادة الشعب الليبي في الانتخابات.
وفسر الفلاح، في حديثه إلى «الشرق الأوسط» موافقة مجلس النواب على تشكيل حكومة جديدة بأنه «هروب للأمام وزيادة تأزيم وإطالة للمرحلة». وتابع «سيترتب على هذا القرار انقسام آخر وانسداد في العملية السياسية في حال لم يسلّم الدبيبة السلطة بشكل سلمي»، واستطرد قائلاً إن الأخير «ما زال متمسكاً بخريطة الطريق الأممية الهادفة إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة».
الفلاح، الذي ينتمي إلى مدينة بنغازي، دافع عن وجهة نظره بأن مجلس النواب «سبق له خرق خريطة الطريق عندما وضع القوانين الانتخابية منفرداً، وأخلّ بضرورة تزامن الانتخابات البرلمانية مع الرئاسية». وأضاف «هذا أحد أسباب فشل إجراء الاستحقاق في موعده الذي كان مقرراً قبل نهاية عام 2021... والآن يريد التنصل من المسؤولية، ويحملها لحكومة (الوحدة الوطنية) فقط... لكن الاثنين تشاركا في إفشال الانتخابات».

موضع البعثة الأممية
على صعيد متصل، مبكراً سجلت حكومة «الوحدة الوطنية» ملاحظات على سيتفاني ويليامز، المستشارة الأممية إلى ليبيا، وبدت غير راضية عن موقفها، ووصفتها بأنها «تتسم بالغموض» وتنحاز إلى الساعين للإطاحة بها.
أما ستيفان دوجاريك، الناطق باسم الأمم المتحدة، فامتنع عن التورط في صراع داخلي، واكتفى بالقول، إنها «تتابع عن كثب التطورات السريعة في ليبيا، وآخرها قرار منح الثقة لحكومة الاستقرار». ثم، بعد يومين من قرار البرلمان، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه إزاء التقارير التي تفيد بأن تصويت مجلس النواب على منح الثقة لحكومة باشاغا «لم يرقَ إلى مستوى معايير الشفافية والإجراءات المتوقعة، وشمل أعمال ترهيب قبل الجلسة».
دوجاريك نقل عن الأمين العام أنه يواصل متابعته عن كثب للتطورات في ليبيا، بما في ذلك جلسة البرلمان، التي شهدت تصويتا بالثقة على تشكيل حكومة جديدة، مجدداً التأكيد على «أهمية الحفاظ على الوحدة والاستقرار الذي تحقق بشق الأنفس» منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول) 2020.
كذلك، لفت الناطق الأممي إلى أن ويليامز، تعتزم دعوة لجنة مشتركة من مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» في أقرب وقت ممكن، للاجتماع من أجل وضع أساس دستوري توافقي من شأنه أن يؤدي إلى انتخابات وطنية في أقرب وقت ممكن. ودعا جميع الجهات الفاعلة إلى «الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها تقويض الاستقرار وتعميق الانقسامات في ليبيا».
هذا، لم تسلم البعثة الأممية للدعم في ليبيا، من الانتقادات طوال السنوات العشر الماضية، وراهناً، ينظر أنصار حكومة الدبيبة، إلى ويليامز، بأنها كمن يمسك العصا من المنتصف. بيد أن الأخيرة، التي تقول إنها بذلت محاولات لتجنب أي تصعيد، التقت الدبيبة وباشاغا في لقاءين منفصلين، ودعتهما إلى «الحفاظ على الاستقرار» في البلاد، وإجراء انتخابات «في أقرب وقت ممكن»، من دون أن تتخذ موقفاً من الصراع الجاري بينهما حول منصب رئيس الوزراء.
تحرك مستقل
بعيداً عن جبهة باشاغا، اجتمعت رغبة الدبيبة والمشري في المضي قدماً باتجاه كيفية إجراء العملية الانتخابية في أسرع الآجال الممكنة. ووسط حملة من التشكيك وحالة ممزوجة من القلق والمخاوف تسود ليبيا، تحدث المشري عن إعداده لـ«قاعدة دستورية» يجرى على أساسها الاستحقاق المنتظر، وذلك في شهر يونيو المقبل. أما الدبيية، الذي يرفض تسلم السلطة التنفيذية إلا لحكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية، فيرى إمكانية إجراء هذا الاستحقاق في نصف العام الحالي، على أن تضطلع بذلك المفوضية العليا للانتخابات بحيث تكون كل دائرة منفصلة إذا لزم الأمر. وهو ما يثير رفض واستغراب المناوئين له، فيتساءلون «كيف لسلطة تنفيذية منتهية الصلاحية لعب دور السلطة التشريعية في سن القوانين»؟
للخروج من المأزق التشريعي، طرح الدبيبة إمكانية الاستعانة بقانون انتخابات «المؤتمر الوطني العام» السابق لسنة 2012، وقانون انتخاب مجلس النواب لسنة 2014، إضافة إلى القانون الأخير الصادر عن البرلمان؛ وذلك لانتخاب مجلس نواب جديد، بدلاً من المجلس الذي يترأسه عقيلة صالح.
متابعون يرون أن رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» بهذا التوجه يستهدف مجلس النواب، علماً بأن التعديل السابق على قانون الانتخابات الأخير الذي أقرّه الأخير، اشترط إجراء الاستحقاق الرئاسي أولاً على أن يجرى «البرلماني» عقب ذلك بـ30 يوماً. ويلفت هؤلاء إلى أن سلطات طرابلس، منذ الانقسام الذي ضرب ليبيا عام 2014، لم تصغ إلى تعليمات وقرارات برلمان طبرق، خصوصاً إذا تواكبت مع أي خلافات؛ لذا يتوقعون أن «تصير ليبيا كجزر منعزلة، حال تمسك كل من الدبيبة وباشاغا بموقعه، لكنهم يرون أن الرهان في قادم الأيام، سيكون على المصرف المركزي بالعاصمة، وإلى أي حكومة سينتمي، ويدعمها مالياً».
الموقف الدولي
في هذه الأثناء، بدا الصوت الدولي خافتاً رغم الانزعاج الداخلي، حيال المتغير الطارئ في خريطة السياسة الليبية، باستثناء القاهرة التي بادرت مبكراً بالتأكيد على دور مجلس النواب، باعتباره «الجهة التشريعية المنتخبة، والمعبرة عن الشعب، والمنوط به سن القوانين، ومنح الشرعية للسلطة التنفيذية، وممارسة دوره الرقابي عليها».
وبعد يوم من نيل حكومة باشاغا الثقة، خرجت وزارة الخارجة الروسية عن صمتها ورحبت بقرار البرلمان، وأكدت «استعدادها للتعاون معها، للمضي في تسوية سياسية شاملة للأزمة الليبية». وجاء الموقف الروسي، على خليفة إدانة حكومة الدبيبة الهجوم الروسي على أوكرانيا، ووصفها إياه بأنه «انتهاك للقانون الدولي». وسارعت وزارة الخارجية الروسية، بتوضيح موقفها مما يجري في ليبيا، وقالت، إن قرار البرلمان هناك «خطوة مهمة في تجاوز الأزمة التي طال أمدها في البلاد على أساس التوصل إلى اتفاق وطني ضمن حوار بيني شامل».

من الكيب إلى باشاغا... الأزمة الليبية تتنقل في «قطار الحكومات»
> لم يُتح لليبيا أن تستريح وتدخل إلى آخر مراحلها الانتقالية. فمنذ اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط)» عام 2011، وقطار السياسة الذي يمر بمنعطفات خطرة لم يصل إلى محطته بعد، ولا تزال تتوالى عليه حكومات جديدة منذ تولي الراحل عبد الرحيم الكيب، وصولاً إلى فتحي باشاغا، الذي منح مجلس النواب حكومته الثقة، منتصف الأسبوع الماضي، وكل منها يحدوه الأمل في الوصل بليبيا إلى بر الأمان.
وهنا ترتيب زمني لتوليها:
في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011 أدت حكومة (الراحل) الدكتور عبد الرحيم الكيب، اليمين الدستورية بتكليف من «المجلس الانتقالي الليبي»، لتكون أول حكومة بعد «ثورة 17 فبراير». وأعلن الكيب، عقب ثلاثة أشهر من الإطاحة بالقذافي، تشكيل حكومته معتمداً فيها على الكفاءات من مختلف مناطق ليبيا، لتنهي بذلك مهام «المكتب التنفيذي» الذي ترأسه الراحل الدكتور محمود جبريل. تشكيلة الكيب ضمت عدداً من المفاجآت التي تهدف إلى محاولة تهدئة الخصومات بين الفصائل المنتمية للمناطق المختلفة، كان أهمها إسناد حقيبة الدفاع إلى أسامة الجويلي، رئيس المجلس العسكري لمدينة الزنتان. ولكن، بعد أحد عشر شهرا أمضاها في السلطة منذ اختياره، استقال الكيب... وسلم حكومته طوعاً إلى علي زيدان.
يوم 14 نوفمبر 2012 تولى علي زيدان رئاسة الحكومة بشكل رسمي خلفاً للكيب، واستمر في إدارة شؤون البلاد مع تصاعد أعمال الاقتتال وتنامي دور الميليشيات المسلحة بالعاصمة، لدرجة وصلت إلى خطفه شخصياً عندما كان يشغل المنصب في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2013، على أيدي ميليشيات «غرفة عمليات ثوار ليبيا»، لكن أمكن تحريره بعد ساعات. ولكن يوم 11 مارس (آذار) 2014 صوّت «المؤتمر الوطني العام» بحجب الثقة عن حكومة زيدان وتكليف وزير الدفاع عبد الله الثني بمهام رئيس الحكومة لحين انتخاب رئيس وزراء جديد.
ثم في 12 مارس من العام ذاته أدى الثني اليمين الدستورية رئيساً مؤقتاً للحكومة لحين انتخاب رئيس وزراء دائم، غير أنه ظل في هذا المنصب حتى الآن، مدعوماً بشرعية مجلس النواب، علماً بأن حكومته لا تحظى باعتراف دولي.
جاء تولي الثني إدارة البلاد بعدما سحب «المؤتمر الوطني العام» الثقة من زيدان، على خلفية تصريحات لمسلحين في شرق البلاد قالوا فيها، إن ناقلة محملة بالنفط كانت راسية في ميناء خاضع لسيطرتهم، أفلتت من سيطرة البحرية الليبية ودخلت المياه الدولية.
في حينه، تعهد نوري أبو سهمين، رئيس «المؤتمر الوطني العام» في جلسة أذاعها التلفزيون الحكومي، بدعم رئيس الوزراء المؤقت والامتناع عن عرقلة عمله، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث مع تصاعد الخلافات وتفاقم الأزمات بين غرب ليبيا وشرقها.
ويوم 25 أغسطس (آب) 2014 أقال «المؤتمر الوطني العام» الثني، وكلف بدلاً منه عمر الحاسي. والحاسي - المنتمي إلى تيار الإسلام السياسي - كُلف تشكيل ما سمي حينها بحكومة «الإنقاذ»، غير المعترف بها دولياً التي أعلنتها «فجر ليبيا» بمدينة طرابلس، في الوقت الذي أعلن النفير والتعبئة العامة بكافة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
بعد ذلك، في مطلع أبريل (نيسان) 2015 سلم الحاسي رئاسة حكومة «الإنقاذ» لنائبه خليفة الغويل، في خطوة وصفها بأنها دليل «على الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة». وهو ما وُصِف بـ«نكاية» في معسكر شرق ليبيا، والبرلمان المنتخب برئاسة عقيلة صالح. وظلت حكومة الثني، غير المعترف بها في شرق البلاد، على حالها مدعومة من مجلس النواب، تتنازع السلطة مع حكومة «الوفاق الوطني» التي تشكلت في فبراير (شباط) عام 2016 بموجب «اتفاق الصخيرات». وهو الاتفاق الذي وقّع في المغرب يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) عام 2015 بدعم أممي.
ومع تنامي الأزمات وانقسام البلاد بين حكومتين طرحت الأمم المتحدة خريطة طريق جديدة رعتها المبعوثة الأممية بالإنابة حينها ستيفاني ويليامز، أسفرت عن خروج حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إلى النور، وظلت تصارع المناكفات، سعياً لحصولها على نيل الثقة من مجلس النواب.
ومطلع مارس (آذار) الحالي، منح مجلس النواب الثقة لحكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، لتكون بديلة لحكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة الدبيبة الذي يرفض التخلي عن السلطة إلا «لسلطة منتخبة».



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.