الأزمة الاقتصادية تذكّر الإيرانيين بموجة الجفاف الكبرى منذ 70 عامًا

تزايد الإنفاق على الحروب وتراجع الأمل في رفع فوري للعقوبات الدولية فاقما التضخم

«الباسيج»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وتتبع الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى خامئني، خلال التدريبات خارج العاصمة طهران (أ.ب)
«الباسيج»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وتتبع الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى خامئني، خلال التدريبات خارج العاصمة طهران (أ.ب)
TT

الأزمة الاقتصادية تذكّر الإيرانيين بموجة الجفاف الكبرى منذ 70 عامًا

«الباسيج»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وتتبع الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى خامئني، خلال التدريبات خارج العاصمة طهران (أ.ب)
«الباسيج»، وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين من المدنيين أسسها الخميني في نوفمبر 1979 وتتبع الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) الذي يتبع بدوره سلطة المرشد الأعلى خامئني، خلال التدريبات خارج العاصمة طهران (أ.ب)

لماذا يتذكر بعض الإيرانيين هذه الأيام موجة الجفاف الكبرى التي ضربت البلاد عقب الحرب العالمية الثانية؟ الإجابة التي وردت في تقارير وشهادات، حصلت «الشرق الأوسط» على جانب منها، تبدو بسيطة: تدهور اقتصادي متزايد يضغط على ملايين الإيرانيين لأول مرة منذ نحو سبعة عقود.
وبينما أشاعت قيادات في نظام طهران أن الاتفاق النووي المزمع مع الدول الكبرى سوف يؤدي لانفراجة تنقذ البلاد من أزمتها المالية، بدأت نذر خلافات في هرم السلطة بعد أن اتضح أنه لا يوجد ارتباط مباشر بين توقيع الاتفاق ورفع العقوبات الدولية المفروضة على هذا البلد منذ سنوات، وأدت لخسائر بمليارات الدولارات.
يقول أحدث تقرير أعده معارضون إيرانيون بناء على ما قالوا إنها إحصاءات رسمية، إن عدد الأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفع بنسبة 150 في المائة خلال الفترة بين عامي 2003 و2012، وذلك رغم تضاعف عائدات النفط الإيراني خلال الفترة نفسها. والسبب يرجع، وفقا للتقرير، إلى عدة سياسات، منها تمويل حروب الميليشيات التي تديرها إيران في عدد من البلدان العربية من بينها العراق وسوريا واليمن، والإنفاق على البرنامج النووي، والفساد.
لأول مرة، منذ الاحتجاجات الضخمة في 2009 ضد النظام الإيراني، يعود نشطاء المعارضة في الداخل والخارج لتنظيم الوقفات الاحتجاجية وتنظيم المظاهرات احتجاجا على التضخم. يقول شاهين قبادي، أحد زعماء المعارضة، من منفاه في أوروبا: «تفيد المعلومات من داخل البلاد بأن القوة الشرائية للعمال انخفضت منذ عام 2005 بنسبة 73 في المائة». ويضيف في رده على عدد من أسئلة «الشرق الأوسط»: «معدل البطالة في إيران خرج عن السيطرة. هذا يذكر الإيرانيين بسنوات الجفاف في الماضي».
وتمول إيران حروبا لمصلحتها في المنطقة تقدر بمليارات الدولارات. وتفيد مصادر معارضة من الداخل الإيراني، في اتصال عبر الإنترنت، بأن مشكلة معرفة الأرقام الدقيقة لتمويل هذه الحروب تتعلق بالنظام المالي المتبع من جانب السلطة في طهران، وقدرات مجلس الشورى (البرلمان) المحدودة، بالإضافة إلى قمع أي صوت معارض في الداخل، خاصة من بين أولئك الذين يثيرون قضية إدارة أموال الدولة، والمطالبة بكشف حسابات الإنفاق الداخلي والخارجي.
ومع ذلك، وفقا لمصادر أخرى، بدأت تظهر بعض الأصوات من داخل النظام نفسه تتساءل عن المخصصات المالية وأين تذهب، وجدوى منح حكومات ومتمردين في العراق وسوريا واليمن أموالا ضخمة بينما قيمة العملة المحلية تتآكل والانتعاش المنتظر من وراء الاتفاق النووي يبدو بعيد المنال. وقالت المعلومات إن شبح التململ من الأزمة الاقتصادية وسياسات الرئيس حسن روحاني، المنتخب منذ عامين، انعكس على نظام العضوية في «مجلس صيانة الدستور» الذي يعد بمثابة سلطة عليا في البلاد.
رغم النظام الرئاسي في إيران فإن السلطات الفعلية تقع بين يدي مرشد الثورة، علي خامنئي. وكان ينبغي إنهاء عضوية عدد من نواب البرلمان، ممن يشغلون مواقع في «مجلس صيانة الدستور»، لكن مصدرا في المعارضة في طهران أفاد ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن الظروف المرتبكة التي يمر بها النظام، وعلاقة المرشد والرئيس بأجنحة الدولة، دفعت قادة كبارا للمطالبة بتأجيل فتح هذا الأمر للنقاش، وهو أمر قوبل بالرفض من جانب كثير من نواب البرلمان ممن يقفون ضد الوصاية على أعمالهم بوصفهم جهة تشريعية ورقابية يفترض أن تكون مستقلة.
وأضاف المصدر نفسه أن الحديث عن الأزمة الاقتصادية أصبح من العوامل المشتركة التي تجمع كثيرا من الإيرانيين سواء كانوا في السلطة أو في الشارع، مع ملاحظة أن «أصوات المعارضة في الداخل مقموعة، كما هو معلوم.. العديد من قادة المعارضة بمن فيهم الإصلاحيون والمعتدلون لا يستطيعون إلقاء الكلمات في الأماكن العامة، كما كان الحال في عام 2009».
ومن منفاها في الخارج، واصلت قيادات معارضة عقد الفعاليات السياسية والإعلامية للتحذير من خطر الطريق الذي يسير فيه حكام طهران على الإيرانيين ودول المنطقة والعالم. وفي هذا الإطار، وبعد يومين من حديث بـ«الفيديو كونفرنس» لزعيمة المعارضة مريم رجوي، أمام لجنة بالكونغرس الأميركي، عقد السيد قبادي مؤتمرا صحافيا عبر الإنترنت، الليلة قبل الماضية، بمناسبة عيد العمال ومرور عامين على تولي الرئيس روحاني الحكم خلفا للرئيس أحمدي نجاد.
وقال قبادي إنه بعد مرور نحو عامين على اختيار روحاني رئيسا، ونظرا لما قطعه من وعود بتحسين الظروف الاقتصادية للشعب الإيراني كمحور لجهود حكومته.. «فإننا إذا ألقينا نظرة سريعة على الوضع لن نرى أي تحسن في أوضاع العمال الإيرانيين، بل على العكس فقد تدهورت أوضاعهم سريعا وبشكل حاد».
وفي ما يتعلق بالقول الذي يطلقه البعض في داخل البلاد عن أن الأزمة الراهنة تذكر الإيرانيين بموجة الجفاف التي وقعت قبل نحو سبعين سنة، وأدت لأزمة خانقة في عموم إيران، قال قبادي: «نعم.. منذ موجة الجفاف التي ضربت البلاد عقب الحرب العالمية الثانية، لم يكن العمال الإيرانيون بهذا الفقر الذي نراه اليوم. المستقبل أسوأ إذا استمرت سياسات النظام على هذه الشاكلة. الحل ليس في إصلاحه ولكن في استبدال نظام جديد به».
ويعد تدفق مياه الأمطار، وما تسفر عنه من جداول تأتي من أعلى قمم الجبال معظم شهور السنة تقريبا في مناطق واسعة بإيران، أحد أهم مصادر الدخل للفلاحين وسكان الأرياف. لكن البلاد تعرضت ثلاث مرات لندرة الأمطار، كانت أسوأها في أواخر أربعينات القرن الماضي، إلى جانب مرتين أخريين واحدة في السبعينات والأخرى في عام 2000. وترتبط ذكريات الجفاف بتشريد ملايين المواطنين.
ويشبه العديد من المعارضين الإيرانيين الأزمة الاقتصادية الراهنة بسنوات الجفاف التي اقترنت في أذهان الإيرانيين بما يشبه «الكابوس» و«التفكير في كيفية مواجهة الخطر من شظف العيش والفقر».. و«حين نقول إننا نتعرض، في الوقت الحالي، للجفاف فهذا يعني أن ملايين العمال والقرويين (المزارعين) يعانون من مأساة في المعيشة بسبب السياسات الاقتصادية للنظام. في الماضي، كان نقص الأمطار يعبر عن خسارة ملايين الأطنان من القمح. واليوم توجد خسائر ضخمة، ليس لنقص الأمطار، لكنها ترجع لأخطاء في إجراءات الدولة وتوجيه الأموال لإرضاء طموحات القادة بينما الشعب يعاني من العوز».
السيد قبادي استند إلى إحصاءات رسمية، وإلى ما قال إنها تصريحات لمسؤولين إيرانيين أيضا، للتدليل على تفاقم الأوضاع الاقتصادية، مشيرا إلى غياب الأمان الوظيفي وتأخر الرواتب الشهرية. وقال: «لقد أقر مسؤولون في النظام بأن 90 في المائة من العمال في البلاد يعيشون تحت خط الفقر، بينما أكثر النسبة الباقية لا تتجاوز الخط إلا بقدر ضئيل». وأضاف أنه، وطبقا للإحصاءات الرسمية، تبلغ القوة العاملة في إيران نحو 64 مليونا، بينما النسبة القادرة على العمل من السكان تصل إلى 41 مليونا، وذلك إضافة إلى 1.2 مليون من القوة العاملة الذين يدخلون السوق سنويا.. و«مع ذلك، وبحسب ما توضح الإحصاءات الرسمية، فإن عدد العاملين ثابت عند 21 مليونا.. يمكن القول بعبارة أخرى إن أكثر من نصف النسبة القادرة على العمل من السكان عاطلون عن العمل».
واتهم قبادي نظام الرئيس روحاني باتباع سياسة ظالمة بحق ملايين العمال، وعلى سبيل المثال، كما يقول، تقدم الرئيس للبرلمان بمشروع قانون تحت مسمى إزالة كل العقبات التي تعرقل الإنتاج، وعليه قام مجلس صيانة الدستور الأسبوع الماضي بالتصديق على مشروع القانون، الذي يزيل في حقيقته العقبات التي تحول دون فصل العمال عن عملهم، ويدعم فرض العقود المؤقتة كأمر واقع.
وقال إن الأسباب التي أدت إلى هذا التدهور هي سياسات النظام، لأنه يجري إنفاق ثروة الشعب ورأس ماله على أعمال القمع وأدواته، وعلى تصدير التطرف والإرهاب، بالإضافة إلى السعي نحو تصنيع السلاح النووي.. «ورغم كل المشكلات الاقتصادية، تمت زيادة مخصصات القوات القمعية في الموازنة بنسبة 53 في المائة».
وتناول تقرير أعده معارضون إيرانيون وصول انتقادات من جانب قيادات في النظام إلى سمع الرئيس روحاني، على خلفية الإنفاق المالي الكبير على أجهزة الأمن والأجهزة شبه العسكرية مثل فيلق القدس الذي يدير حروبا بالوكالة في عدة بلدان بالمنطقة، آخرها اليمن. وقال التقرير إن الرئيس بعد أن استمع إلى هذه الانتقادات رد بأن هذا النوع من الإنفاق المالي له الأولوية في موازنة الدولة، وهو أمر مقدم على أي شيء آخر، حتى لو بلغت نسبة الإنفاق على هذا البند كامل مخصصات موازنة الدولة.
ومن جانبه، قال السيد قبادي في رده على الأسئلة، إن «نظام رجال الدين (حكم طهران) ينفق مبالغ فلكية على تصدير الإرهاب والتطرف»، مشيرا إلى تصريح لمبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا مؤخرا، خلال لقاء خاص في واشنطن، أفاد فيه بأن إيران تمنح سوريا 35 مليار دولار سنويا.
وأضاف قبادي الذي يشغل عضوية «لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية»، بأن بعض التقديرات تشير إلى إنفاق نظام طهران نحو 300 مليار دولار على البرنامج النووي على مدى السنوات الماضية.
وتطرق أيضا إلى ما زعم أنها تقارير عن الفساد في الداخل أسهمت في تدهور الأوضاع في هذا البلد الغني بالنفط والثروات الطبيعية، مشيرا إلى أن «أنباء الفساد باتت أمرا معتادا في إيران.. الكثير من طبقات النظام متورطة في هذا». واستعان قبادي بما قال إنها إفادات سابقة من وزير الداخلية الإيراني تشير إلى استفحال الفساد في عموم البلاد، منها «تسجيل أكثر من 3 آلاف شركة بعنوان واحد، وكذلك تسجيل ما يزيد على 4 آلاف شركة بكود واحد».
ويعني مثل هذا الأمر تسرب مليارات الدولارات بعيدا عن خزانة الدولة، منها على سبيل المثال التهرب من سداد الضرائب من تلك الشركات. وعلى الجانب الآخر، كما يذكر قبادي، فقد زادت عمليات التهريب إلى داخل البلاد.. «بحيث أصبحت قيمتها تتجاوز 25 مليار دولار سنويا، وبات من المعلوم في إيران أن الطرف الأساسي المتورط في تلك العمليات هو قيادات في الحرس الثوري وغيره من الأجهزة والهيئات الحكومية».
وفي زيارة سابقة لـ«الشرق الأوسط» إلى مدن إيرانية منها «طهران» و«شيراز» و«قم»، فإن سلطات المرشد خامنئي تبدو أكبر من الرئيس المنتخب. ومن السهل ملاحظة ذلك سواء في الكلمات الافتتاحية للمؤتمرات الرسمية التي تبدأ عادة بكلمة المرشد لا الرئيس، أو في صور المرشد المعلقة في الميادين والشوارع الرئيسية. ويقول أحد زعماء الطلاب المعارضين عقب مشاركته في فعاليات قرب السكن الطلابي المواجه لـ«البارك ترفيه» في شارع الدكتورة فاطمة بطهران: «لا يمكن انتقاد المرشد». وأضاف في إفادة عبر الإنترنت: «إذا انتقدت خامنئي تكون مخالفا للدين، بينما هو القائد الفعلي للدولة».
وقال السيد قبادي ردا على الأسئلة: «في العام الماضي جرى الكشف عن سيطرة خامنئي على نحو 95 مليار دولار من خلال ما يعرف بـ(اللجنة التنفيذية لأوامر الإمام)». لكن لا يوجد ما يؤكد مثل هذه المزاعم من مصادر مستقلة. ومع ذلك يضيف قبادي أن هذا بعض من الإمبراطورية المالية الضخمة التي يديرها المرشد، مشيرا إلى أن العديد من المؤسسات التي تخضع إدارتها لسلطات خامنئي تعفى من الضرائب، مثل «مؤسسة المستضعفين»، وغيرها، قائلا إن الحرس الثوري الإيراني (الذي يخضع للمرشد أيضا) يسيطر على جزء كبير من شرايين الحياة في اقتصاد الدولة.
ومن جانبه، تضمن التقرير الذي أعدته المعارضة ما قال إنها شهادات عن تدهور الوضع الاقتصادي جاءت على لسان مسؤولين إيرانيين في الأيام الأخيرة، من بينهم رئيس البرلمان، علي لاريجاني، الذي نسب إليه اعترافه بأن 42 في المائة من خريجي الجامعات في إيران لا يجدون فرص عمل، إضافة لاعتراف آخر من رئيس غرفة الصناعة والتجارة والتعدين في البلاد ذكر فيه أن 40 في المائة فقط من وحدات الإنتاج والوحدات الصناعية هي التي تعمل.
وقال قبادي عن هذه القضية: «نعم.. لا يزال إغلاق المصانع ووحدات الإنتاج مستمرا. هذا يؤدي إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل أكثر من السابق»، مشيرا إلى أن منظومة العمال والتشغيل تحت سياسة نظام الحكم في إيران لا تحظى بأقل قدر من الحماية القانونية». وأضاف: «لا توجد أي ضمانات تمنع أصحاب العمل، وأكثرهم مسؤولون في الحكومة أو في الحرس الثوري، من فصل العمال عن عملهم، أو حرمانهم من حقوقهم».
وتضمن التقرير المكتوب باللغة الإنجليزية أنه طبقا لإحصاءات وزارة العمل الإيرانية فإن 93 في المائة يعملون بعقود مؤقتة، وسبعة في المائة فقط يعملون بعقود رسمية، وأن «الفجوة بين الطبقات الاجتماعية اتسعت في السنوات الأخيرة، وازدادت بمقدار 30 مرة إلى حد جعل إيران تتصدر قائمة الدول التي تتسع فيها الفروق بين الطبقات الاجتماعية على مستوى العالم»، ونتج عن هذا ارتفاع نسبة الاضطرابات والاحتجاجات.
ووفقا لإحصاءات المعارضة فقد قامت القوى العاملة في البلاد بالتصعيد ضد سياسات النظام، وجرى، على مدى العام الماضي فقط، تنظيم نحو 1300 من الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات.. «وبعد أن كان عددها في شهر مارس (آذار) 120، زاد إلى أكثر من 250 احتجاجا الشهر الماضي».
وخلال اليومين الماضيين نظمت تجمعات عمالية مظاهرات جديدة بسبب الظروف المعيشية الصعبة وتأخر صرف الأجور، من بينهم عمال في قطاع صناعة المرطبات والبتروكيماويات والحديد والصلب، كان من بين هذه الفعاليات مظاهرة لعمال مصنع «بامجال» بعد أن تأخرت رواتبهم لأكثر من شهرين.
ومن جانبه، يتهم النظام الإيراني المعارضة في الداخل والخارج بالتهويل والمبالغة، ويقول أحد الدبلوماسيين الإيرانيين ممن عملوا لسنوات في مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة (السفارة) إن «بعض الأشخاص الذين يطلقون على أنفسهم اسم معارضة هم في الحقيقة يعملون ضد مصلحة الدولة والشعب الإيراني»، مشيرا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف، إلى أن الاتهامات الموجهة إلى نظام طهران «غير صحيحة»، وأن المركز الاقتصادي لبلاده «قوي جدا».
لكن عددا من المراقبين الغربيين، خاصة أولئك الذين عملوا بالقرب من الملف الإيراني في السنوات الأخيرة، يرون في اندفاع النظام الإيراني نحو توقيع الاتفاق النووي قبل نهاية يونيو (حزيران) المقبل، يعكس وجود أزمة اقتصادية كبيرة، ويعكس أيضا رغبة من النظام في التخلص من العقوبات الدولية، رغم أن التوصل لمثل هذا الاتفاق ما زال أمرا سابقا لأوانه.
وبحسب المصادر الغربية فإن إيران يبدو أنها تماطل في مسائل جوهرية تتعلق بالاتفاق بشأن برنامجها النووي على رأسها مسألة الإخطار المسبق بتوقيت وصول المفتشين الدوليين، ورفضها دخول المفتشين للمواقع العسكرية، والنسب المسموح بها في ما يتعلق بالتخصيب وغيرها. وقالت وندي شيرمان، مساعدة وزير الخارجية الأميركي، خلال زيارتها الأخيرة للهند، إنه يجب تسوية مزيد من التفاصيل بشأن المفاوضات النووية مع إيران، وإن هناك عدة تطورات على الصعيد الدولي من شأنها أن تخرج هذه المفاوضات عن مسارها.
وفي الداخل الإيراني، بحسب المصادر، تتزايد الشكوك بين قادة النظام، خاصة جماعة المرشد خامنئي، بشأن إمكانية التوصل لرفع فوري للعقوبات بمجرد توقيع الاتفاق النووي، بعد أن خرجت تسريبات غربية تقول إن العقوبات المفروضة على طهران لأسباب ترتبط بالإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، ستظل كما هي دون تغيير، مما يعني استمرار وجود عراقيل أمام الشركات الدولية في العمل في هذا البلد المتهم بنشر الفوضى والتطرف في المنطقة.



إيران في ربع قرن... صراع «الثورة» والدولة

امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)
امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)
TT

إيران في ربع قرن... صراع «الثورة» والدولة

امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)
امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)

عاشت إيران على مدى 25 عاماً صراعاً داخلياً مريراً بين البعد الآيديولوجي «الثوري» والنظرة الاستراتيجية الساعية لحماية الدولة ومصالحها في عالم متغير.

ورغم الآمال بتحولات جذرية، اصطدمت محاولات الإصلاح بمقاومة مراكز القوى التقليدية، مما حال دون حسم التناقض بين مبادئ «الثورة» ومتطلبات المصالح القومية بشكل جذري، أو تحقيق توافق مستدام بين هذين النهجين المتعارضين.

منذ عام 2000، شهدت إيران تداول السلطة بين خمسة رؤساء للجمهورية بصلاحيات محدودة، وتعاقب خمسة برلمانات تأثرت بالتيارين الرئيسيين «الإصلاحي» و«المحافظ»، في ظل جدل مستمر حول طبيعة الحكم، اتجاهاته، وأولوياته.

ومع دخول إيران منتصف العقد الرابع من عمر ثورة 1979، لا تزال صلاحيات الجهازين المنتخبين، التشريعي (البرلمان) والتنفيذي (الحكومة)، خاضعة بالكامل لهيمنة مراكز صنع القرار، على رأسها مؤسسة المرشد علي خامنئي الذي يتمتع بصلاحيات شبه مطلقة تجعله فوق جميع مؤسسات الدولة.

في المقابل، توسع دور المؤسسات العسكرية والسياسية مثل «الحرس الثوري» و«مجلس صيانة الدستور» اللذين يحملان على عاتقهما حماية المبادئ الآيديولوجية لنظام الحكم، المستند إلى دستور يقوم على مبدأ «ولاية الفقيه» الركيزة الثابتة في موازين القوى الداخلية. هذه المؤسسات تشكل أدوات أساسية في الحفاظ على هوية «الجمهورية الإسلامية» وتعزيز نهجها المعادي للغرب.

بعد نحو 45 عاماً من «الثورة الإسلامية» في إيران لم يحسم التناقض بين مبادئها والمصالح القومية (غيتي)

خاتمي وتحول الصراع

تزامنت بداية الألفية الجديدة في إيران مع مرحلة حاسمة من عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، تحديداً الفترة الأخيرة من رئاسته (1997 - 2005). اتسمت هذه المرحلة بتصاعد المواجهة بين الإصلاحيين والمحافظين، إذ عمل التيار المحافظ على عرقلة الشعارات الإصلاحية التي رفعها خاتمي، خصوصاً في مجالي الحريات المدنية وحرية التعبير.

ولعبت المؤسسات غير المنتخبة التي تخضع لإشراف مباشر من المرشد علي خامنئي، مثل «مجلس صيانة الدستور» والقضاء، دوراً حاسماً في تعطيل الإجراءات الإصلاحية، مما جعل الإصلاحيين يواجهون تحديات متزايدة في تحقيق أجندتهم السياسية والاجتماعية.

شهدت فترة خاتمي تحولاً بارزاً في الصراع بين أنصار الآيديولوجية الثورية ودعاة المصالح الاستراتيجية. عدَّ خاتمي أن الإصلاحات ضرورة استراتيجية لضمان استمرارية نظام الحكم وتكيّفه مع المتغيرات الداخلية والخارجية، بينما رأى منتقدوه في طروحاته تدخلاً خطيراً يهدد أسس نظام «ولاية الفقيه».

عملت طهران على تحسين علاقاتها مع الغرب وتعزيز الهوية الوطنية من خلال مبادرات مثل «حوار الحضارات»، إلا أن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 والغزو الأميركي للعراق عام 2003 شكّلا ضربة لهذا التوجه. ومع سقوط نظام صدام حسين، وجدت إيران فرصة لتوسيع نفوذها الآيديولوجي في العراق عبر دعم جماعات مرتبطة بها كانت قد نشأت وتشكّلت داخل أراضيها.

ساهم الملف النووي في تقويض مبادرة «حوار الحضارات» لخاتمي، وزيّف محاولات بناء الثقة مع الغرب، مما زاد من عزلة إيران والتوترات الإقليمية والدولية.

لعب «الحرس الثوري» دوراً أساسياً في البرنامج النووي وحروب المنطقة (موقع خامنئي)

«الحرس» والدور الإقليمي

كما لعب «الحرس الثوري» دوراً أساسياً في قضايا البرنامج النووي، والتطورات الداخلية، وحروب أفغانستان والعراق في نهاية عهد خاتمي.

في أفغانستان، دعم «الحرس الثوري»، الولايات المتحدة، في إطاحة حركة «طالبان». أما في العراق، فقد قاد «فيلق القدس» جماعات عراقية مسلحة لتعزيز النفوذ الإيراني الذي استمر لسنوات. كما توسعت أنشطة الفيلق بقيادة الجنرال قاسم سليماني في لبنان، مما أسهم في إنشاء شبكة عمل موازية للدبلوماسية الإيرانية في السياسة الإقليمية.

تعزيز الحضور العسكري الأميركي في المنطقة دفع إيران إلى الشعور بالتهديد، مما أدى إلى توسيع برامجها الأمنية والاستراتيجية، على رأسها البرنامج النووي وتطوير الصواريخ الباليستية.

وفي عام 2002، أثار اكتشاف منشآت نووية سرية شكوك المجتمع الدولي حول نيّات البرنامج الإيراني، بما في ذلك احتمال إنتاج أسلحة نووية. ومع تصاعد التوترات، تحولت أولويات الغرب مع طهران إلى لجم أنشطتها النووية.

كما هدد المسؤولون الأميركيون، خصوصاً خلال فترة حكم جورج بوش، مراراً باستخدام الخيار العسكري إذا استمرت إيران في أنشطتها النووية.

شهدت فترة خاتمي تحولاً بارزاً في الصراع بين أنصار الآيديولوجية الثورية ودعاة المصالح الاستراتيجية

«النووي» ملفاً للجدل الداخلي

مُذّاك، أثار الملف النووي جدلاً داخلياً في إيران حول الأولويات الوطنية، إذ سعى الإصلاحيون للحفاظ على العلاقات الدولية وتقليل التوتر، بينما دفع المحافظون نحو التشبث بالمبادئ الآيديولوجية.

في 2003، أعلنت طهران وقف تخصيب اليورانيوم «طواعية» كجزء من اتفاق «سعد آباد» مع الترويكا الأوروبية، مع تعهد بعدم إحالة الملف إلى مجلس الأمن، وإقامة علاقات اقتصادية مع أوروبا. في العام نفسه، بدأت إيران الترويج لفتوى المرشد علي خامنئي التي تحرم إنتاج السلاح النووي أو تخزينه أو استخدامه، مما أصبح أساس الموقف الإيراني الدولي حول البرنامج النووي.

لكن الولايات المتحدة المتشككة في نيّات طهران، عدّت الاتفاق غير كافٍ، واتهمت إيران بتوسيع برنامجها النووي، ما دفعها لفرض عقوبات اقتصادية على البنوك الإيرانية وقطاع الطاقة.

ولاحقاً أحالت ملف إيران إلى مجلس الأمن في خطوة لاقت مساندة دولية. حدث ذلك في بداية عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد، مما دفع إيران لتبني سياسة هجومية تجاه القوى الغربية.

لم تعلن إيران رسمياً امتلاكها برنامجاً لتطوير السلاح النووي. ونشرت الاستخبارات الأميركية في 2007 تقريراً يفيد بأن إيران أوقفت برنامجاً لتطوير السلاح النووي في 2003، وساهم التقرير في تعديل الموقف الأميركي.

خلال ثماني سنوات من رئاسة محمود أحمدي نجاد، تصاعد التوتر مع الغرب بسبب البرنامج النووي الإيراني الذي ارتفع تخصيب اليورانيوم فيه إلى 20 في المائة. وأصر أحمدي نجاد على حق إيران في استخدام التكنولوجيا النووية سلمياً. رداً على ذلك، فرضت عقوبات مشددة على إيران استهدفت برنامجها النووي، ومبيعات النفط، والاقتصاد، ووُضعت تحت الفصل السابع.

عززت إيران نفوذها في الشرق الأوسط فازداد التوتر مع قوى إقليمية (أ.ب)

إيران وفرصة «الربيع»

على صعيد العلاقات الخارجية، سعت إيران لتعزيز علاقاتها مع الدول العربية والأفريقية وأميركا اللاتينية، ودعمت جماعات مسلحة مثل «حزب الله» و«حماس».

مع اندلاع ثورات «الربيع العربي»، سعت إيران لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، خصوصاً في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مما زاد التوترات مع القوى الإقليمية والدول العربية. وكان دعم نظام بشار الأسد في سوريا من أولويات حكومة أحمدي نجاد، قبل تسليم السلطة لحسن روحاني.

داخلياً، شهدت إيران أزمة كبيرة بعد فوز أحمدي نجاد في انتخابات 2009، ما أدى إلى احتجاجات «الحركة الخضراء» إثر رفض نتائج الانتخابات التي جرت بين أحمدي نجاد والمرشحين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي.

بعد انتهاء فترة رئاسة أحمدي نجاد، سعت إيران إلى تهدئة التوترات مع الغرب، ودخلت في مفاوضات نووية بهدف إدارة هذه التوترات مع القوى الكبرى. استمرت المفاوضات لعامين، وأسفرت عن اتفاق نووي في 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) الذي أدى إلى تجميد العقوبات الأممية المفروضة على إيران وفرض قيود على برنامجها النووي.

لعب المرشد الإيراني دوراً محورياً في المفاوضات، إذ مهّد لذلك بمفاوضات سرية خرجت للعلن بإعلان «المرونة البطولية». ووضع خامنئي خطوطاً حمراء تتضمن الحفاظ على حق إيران في تخصيب اليورانيوم، ورفع العقوبات الاقتصادية، ورفض دخول المفتشين الدوليين إلى المنشآت العسكرية.

دعم خامنئي بحذر فريق الرئيس حسن روحاني في المفاوضات النووية، رغم الضغوط من التيارات المحافظة، من دون أن يتحمل المسؤولية المباشرة عن النتائج. كانت المفاوضات توازناً بين الآيديولوجيا والمصالح الاستراتيجية، إذ سعت إيران للحفاظ على شعاراتها «الثورية»، وفي الوقت نفسه التعامل مع المتغيرات الدولية، ومواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، وتمويل أنشطتها الإقليمية، وضمان استمرارها لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط.

استمر «الحرس الثوري» الإيراني في تعزيز نفوذ إيران في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق، وتوسعت أنشطته في دعم الجماعات التي تدعمها إيران وتعزيز وجودها العسكري هناك. كما وسّع أنشطته الصاروخية. وفي الوقت نفسه، هدد المرشد الإيراني بطرد القوات الأميركية من المنطقة. هذه الأنشطة أثارت قلق الإدارة الأميركية، ما دفع الرئيس دونالد ترمب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي.

خامنئي خلال لقائه قدامى المحاربين في أثناء الحرب العراقية - الإيرانية (إ.ب.أ)

«الصبر» لمواجهة «الضغوط»

وفي مواجهة «الضغوط القصوى» التي مارستها إدارة ترمب، بما في ذلك منع إيران من مبيعات النفط، تمسكت طهران أكثر بسياسات «السير على حافة الهاوية» و«الصبر الاستراتيجي». كما شهدت المياه الإقليمية توترات بسبب احتجاز ناقلات نفط من قبل «الحرس الثوري» بعدما هددت طهران بعرقلة خطوط النفط. وقرر ترمب تصنيف «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب.

جاء مقتل قاسم سليماني بأمر من ترمب في لحظة مفصلية من تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، مما قرب البلدين من حافة الانزلاق إلى حرب مباشرة.

في تسجيل مسرب عام 2021، دعا وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، إلى تحقيق توازن بين السياسة الخارجية و«الميدان»، مشيراً إلى تأثير «فيلق القدس» الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري». وكشف عن انقسام داخلي بين التيار الآيديولوجي والبراغماتي، إذ سعى الأخير لتحقيق مصالح مثل رفع العقوبات. دافع ظريف عن قناعته بأن العمل الدبلوماسي يعتمد على الواقع الميداني، والعكس صحيح، إذ يمكن للدبلوماسية أن تمنح «شرعية دولية» للإنجازات الميدانية.

مع مجيء الرئيس الأميركي جو بايدن، استخدم المرشد الإيراني نفوذه لدعم «الحرس الثوري»، وأبدى مرونة محدودة لإدارة التوترات عبر المفاوضات النووية. حاول بايدن العودة للاتفاق النووي مع طهران، لكن الإجراءات النووية غير المسبوقة التي اتخذها الجانب الإيراني وتولي حكومة محافظة بقيادة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، ودخول روسيا في حرب مع أوكرانيا، عرقلت المسار الدبلوماسي إلى حد كبير.

قاسم سليماني (تسنيم)

رئيسي و«الحكومة الثورية»

مع تولي رئيسي، تمسكت طهران بالإبقاء على المسار الدبلوماسي لطاولة المفاوضات مع الغرب، من دون أن تعبر المفاوضات خط النهاية.

فسرت مرحلة رئيسي في البداية بأنها امتثال لمقاربة طرحها المرشد الإيراني بشأن تولي «حكومة ثورية» في بداية العقد الرابع من نظام الحكم، وتوحيد توجهات أركان الدولة، وحصرها بيد المحافظين، بعدما واصل هيمنته على البرلمان.

حملت حكومة إبراهيم رئيسي نقاط تشابه كبيرة مع حكومة محمود أحمدي نجاد؛ فمن جهة عادت طهران لمساعي التقارب مع القوى الإقليمية، ومن جهة أخرى راهنت على الالتفاف على العقوبات وإبطال مفعولها. وسرعت خطواتها النووية، اعتماداً على قانون أقره البرلمان في نهاية 2020، بدعم كبير من المرشد.

شهد عام 2024 تطورات غير متوقعة في إيران، إذ أدى تحطم مروحية الرئيس إبراهيم رئيسي إلى انتخابات رئاسية مبكرة فاز فيها النائب مسعود بزشيكان. تعهد الرئيس المدعوم من الإصلاحيين بمواصلة سياسة «التوجه نحو الشرق» وتعزيز العلاقات مع الصين وروسيا، إضافة إلى السعي لرفع العقوبات عبر العودة للمفاوضات النووية.

إقليمياً، تحولت طهران من «حرب الظل» مع إسرائيل إلى ضربات مباشرة، بينما تعرضت لانتكاسات استراتيجية مهمة، أبرزها سقوط نظام بشار الأسد وتراجع دور «حزب الله» و«حماس». ومن شأن هذه التطورات أن تضعف دور «الحرس الثوري» الإقليمي، لكنها قد تنذر بانتقاله لمحاولة تعويض ذلك في مناطق أخرى، بما في ذلك الداخل الإيراني.

بزشكيان ومصالحة داخلية

تأتي رئاسة بزشكيان التي ينظر إليها على أنها محاولة للمصالحة الداخلية في إيران، في فترة حساسة مع ترقب الإيرانيين لملف خلافة المرشد. من غير المتوقع أن تحدث تغييرات جذرية في العلاقات مع الغرب، ويُحتمل أن يحصل بزشكيان على صلاحيات محدودة في المفاوضات النووية.

شدد بزشكيان بعد فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية على ضرورة إدارة العلاقة والمواجهة مع الولايات المتحدة من قبل الإيرانيين أنفسهم. قال بزشكيان إن نهج حكومته سيكون في إطار استراتيجية نظام الحكم وتوجهاته الشاملة.

من المرجح أن يحصل بزشكيان على دعم خامنئي والتيار «الثوري» للتوصل إلى تسوية تهدف إلى تخفيف الضغوط على إيران. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو لا يعني بالضرورة الابتعاد عن حافة الهاوية، بل يعكس توجهاً لتوسيع هامش المناورة في مواجهة التوترات مع الغرب. ومن المتوقع أن تستمر إيران في هذا النهج على المدى القريب، على الأقل حتى تتضح ملامح هوية المرشد الإيراني الثالث.