توافق روسي ـ أوكراني على فتح ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين

الوفدان استهلا جولة المفاوضات الثانية بمصافحة

الوفدان الروسي والأوكراني يتصافحان قبل انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات أمس (إ.ب.أ)
الوفدان الروسي والأوكراني يتصافحان قبل انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات أمس (إ.ب.أ)
TT

توافق روسي ـ أوكراني على فتح ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين

الوفدان الروسي والأوكراني يتصافحان قبل انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات أمس (إ.ب.أ)
الوفدان الروسي والأوكراني يتصافحان قبل انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات أمس (إ.ب.أ)

أسفرت جولة المفاوضات الثانية بين روسيا وأوكرانيا عن اتفاق على فتح ممرات إنسانية في بعض المناطق الأكثر تضرراً، مع وقف إطلاق النار فيها بشكل مؤقت. وأشارت تصريحات متطابقة لأعضاء الوفدين الروسي والأوكراني إلى أن الطرفين ناقشا عدد الممرات وآليات عملها. وقال رئيس الوفد الروسي فلاديمير ميدينسكي إن «وزارتي الدفاع في روسيا وأوكرانيا اتفقتا على الآلية»، موضّحاً أن الجانبين «ناقشا خلال الجولة بالتفصيل المجموعات الثلاث من الأسئلة التي طرحتها موسكو»، في إشارة إلى مطالب نزع السلاح، وحياد أوكرانيا، والاعتراف بسيادة القرم.
في المقابل، أكد مستشار مكتب الرئاسة الأوكراني، ميخائيل بودولياك، التوصل إلى تفاهم حول إقامة ممرات آمنة «في المناطق التي تشهد قتالاً ووقف إطلاق النار فيها بشكل مؤقت». وقال بودولياك إن الطرفين بحثا بالتفصيل القضايا الإنسانية، من دون أن يتطرق إلى مسار البحث حول الملفات الأخرى. وأضاف أن الجانب الأوكراني «لم يحقق النتيجة التي كان يأمل بها»، وأن الحوار سيستمر في الجولة الثالثة من المفاوضات التي من المخطط عقدها بأسرع ما يمكن.
وانعقدت الجولة الثانية من المحادثات بين وفدي أوكرانيا وروسيا على الأراضي البيلاروسية، أمس. وكان لافتاً أن الطرفين تبادلا مصافحات في مستهل الجولة، ما عدّه محللون في موسكو إشارة إيجابية، قد تعكس استعدادهما لتحقيق نتائج تخفف أجواء الحرب المتواصلة.
في المقابل، ورغم انخراطها في المفاوضات، وجّهت موسكو رسائل متشددة إلى المجتمع الدولي، وأكدت أنها لن تتراجع عن مسار عملياتها العسكرية في أوكرانيا حتى «تحقيق كل الأهداف الموضوعة». كما دعت روسيا إلى عدم «المماطلة» في المفاوضات، ولوّح الرئيس فلاديمير بوتين خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن «إطالة أمد المفاوضات قد يسفر عن رفع سقف المطالب الروسية».
وبدا بوتين متشدداً في مواقفه خلال المكالمة مع ماكرون، وهي الثالثة للرئيسين في غضون أيام. ولاحظت مصادر الكرملين أن الرئيس الروسي سعى إلى «تفنيد» ما ورد في خطاب نظيره إلى الفرنسيين أول من أمس.
ولفت الكرملين إلى أن ماكرون «ارتكب مغالطات في عدد من الطروحات التي قدّمها»؛ خصوصاً عندما وصف إعلان موسكو عن مواجهة «نازيين» في أوكرانيا بأنه «كذبة». وأفاد بيان الكرملين أن بوتين أبلغ نظيره الفرنسي أنه «لا يتفق مع مضمون خطابه»، و«قدّم شرحاً تفصيلياً حول الدور المهم للنازيين الجدد في سياسة نظام كييف». وأكد الرئيس الروسي أن بلاده «تعتزم مواصلة قتال لا هوادة فيه ضد مقاتلي الجماعات المسلحة القومية الذين يرتكبون جرائم حرب، بما في ذلك عبر نشر معدات عسكرية في مناطق سكنية واستخدام السكان المدنيين كدروع بشرية».
وقال بيان الكرملين إنه «تم التأكيد على أن مهام العملية العسكرية الخاصة سيتم تنفيذها على أي حال، وأن محاولات كسب الوقت من خلال إطالة أمد المفاوضات لن تؤدي إلا إلى طرح مطالب إضافية على كييف».
في الوقت ذاته، أكد بوتين استعداد الجانب الروسي لـ«التعاون مع الشركاء الأجانب لحل المشكلات الإنسانية الحادة». ودعا ماكرون إلى توحيد الجهود لضمان الإجلاء الآمن للمواطنين الأجانب من أراضي أوكرانيا.
وسيطرت لهجة مماثلة، أمس، على حديث وزير الخارجية سيرغي لافروف في مقابلة صحافية. إذ قال إنه «لا شك لديّ في أن العملية سوف تتواصل حتى تحقيق كل الأهداف الموضوعة». وأوضح أن «موسكو مستعدة للمفاوضات مع كييف، لكنها ستواصل العملية العسكرية، لأنها لا تستطيع تجاهل البنية التحتية في أوكرانيا التي تهدد الاتحاد الروسي»، وشدد على أن «نزع السلاح في أوكرانيا هو العنصر الأساسي، حتى لو وقّعنا اتفاقية سلام، فسيتعين علينا بالتأكيد أن تتضمن الاتفاقية مثل هذا البند».
ورفض لافروف الاستماع إلى الحجج الغربية حول انتهاكات جسيمة تقوم بها موسكو على الأراضي الأوكرانية، وقال: «نحن مقتنعون بأننا نقوم بالشيء الصحيح». ودعا وسائل الإعلام إلى التعامل مع «الحقائق الموضوعية، وليس العواطف»، و«عدم التعامل مع الحدث وكأنه فيلم هوليودي... هنا لا يوجد خير مطلق وشر مطلق».
ورجّح الوزير الروسي أن يعود الغرب إلى التفاوض مع روسيا بعد انحسار «الهستيريا»، وقال: «نحن مستعدون دائماً للحوار على شرط واحد لا غنى عنه، فقط على أساس المساواة، وعلى أساس احترام ومراعاة مصالح الطرف الآخر».
وتطرق إلى رزم العقوبات المشددة على بلاده، ورأى أنها «نوع من الضريبة على الاستقلال»، مؤكداً أن العقوبات والضغوط المتصاعدة «لن تجبر روسيا على الخضوع للإملاءات»، ودعا «الزملاء الغربيين إلى تذكّر أن روسيا لم تبرم أي اتفاقات في تاريخها تحت ضغط الإملاءات».
وفي إشارة إلى تزايد التحذيرات من اتساع رقعة المعركة، قال لافروف إن «الكل يفهم أن حرباً عالمية ثالثة لا بد أن تكون نووية (...) لكني ألفت انتباهكم إلى حقيقة أن الحرب النووية تدور باستمرار في رؤوس السياسيين الغربيين، وليس في رؤوس الروس». وأوضح أنه «في روسيا، لا تتم مناقشة إمكانية استخدام ونشر الأسلحة النووية، ولكن في الغرب. تم القيام بذلك».
وحول مطالب بلاده، قال الوزير الروسي: «لقد أشرت إلى مبدأ رئيسي، تمت الموافقة عليه على أعلى مستوى، سواء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أو في العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. إنه الحق في اختيار التحالفات، وهذا أمر معترف به لكل بلد، ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن لأي بلد تعزيز الأمن على حساب أمن أي دولة أخرى، كما لا يحق لأي منظمة أن تطالب بدور مهيمن في الفضاء الأوروبي الأطلسي. الأمر الذي يشارك فيه الناتو بنشاط الآن».
وأضاف لافروف: «إنهم ببساطة لم يستمعوا إلينا لمدة 30 عاماً. مخاوفنا معروفة جيداً للغرب، وتجاهلهم بغطرسة إلى ما لا نهاية لم ينجح، ولن ينجح. فقط الأشخاص الساذجون هم الذين يعتمدون على ذلك».
وزاد أن الولايات المتحدة، من خلال أفعالها، لا تسعى إلى ضمان أمن أوكرانيا على أساس توازن مصالح جميع الدول، ولكن تسعى إلى «شيطنة روسيا والقضاء عليها».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».