«الشارقة الثقافية»: مكتبات الرصيف... مساحة للحرية والحياة

غلاف المجلة
غلاف المجلة
TT

«الشارقة الثقافية»: مكتبات الرصيف... مساحة للحرية والحياة

غلاف المجلة
غلاف المجلة

صدر أخيراً العدد 65 لشهر مارس (آذار) 2022 من مجلة «الشارقة الثقافية»، التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة، وقد أشارت الافتتاحية التي حملت عنوان «مكتبات الرصيف وأثرها الثقافي» إلى أن مكتبات الرصيف تتخذ أشكالاً متعددة، تعبر عن حالات ومحطات تاريخية وإنسانية تصطبغ بها الشوارع والأسواق القديمة، فمن بسطات الكتب إلى الأكشاك والعربات والرفوف الخشبية سيرة عطرة من القراءة والكتابة والإبداع، ونواة لتعزيز الوعي وانتشار المعرفة وبلورة الرؤى والأفكار، فهي بذلك ليست مجرد مكان لبيع الكتب، بل هي مساحة للحرية والحياة وصنع التغيير وتعزيز الثقافة والتبادل المعرفي، لأنها جزء أصيل من الحياة اليومية وصفحة مشرقة من دفتر الذكريات، ونقطة تحول في حياة المثقفين الذين استقوا ثقافتهم من هذه المكتبات، وتأثروا بها كمكان وفضاء رحب لوجودهم.
أما مدير التحرير نواف يونس؛ فرأى في مقالته «الأجيال... ومتواليات الحياة» أن كل جيل يختلف عن غيره، في معاناته وفي مستوياته الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، فبعض الأجيال عاشت أقسى الظروف المادية والطبيعية، وعانت صروف الحياة وتقلباتها، بينما تمتعت أجيال أخرى برغد العيش... لذا كل جيل على مدار البشرية، يعتقد أن الجيل الذي يليه فقد كل سبل الإصلاح والإبداع، وأنه يسير بالبشرية إلى الهاوية... ولكن لم يحدث شيء من ذلك، وها نحن نرى المجتمعات الإنسانية تتقدم برغم انتشار الفساد وشيوع الانحلال.
وفي تفاصيل العدد 65، واصل يقظان مصطفى، تسليط الضوء على إسهامات العلماء العرب والمسلمين متوقفاً عند الطبيب حنين بن إسحاق وترؤسه بيت الحكمة، واحتفى د. محمد صابر عرب بدار المعارف التي تتميز بتاريخ ورسالة معرفية سامية، حيث أشاعت الوعي والثقافة، فيما تناولت فائزة مصطفى كنوز الحضارة المصرية التي تزين شوارع وأحياء باريس عاصمة النور، وكتبت عبير نواف سنيور عن مدينة صافيتا «التي تمثل الشموخ والسحر المعماري وهي شاهدة على التاريخ»، بينما جالت د. أميمة أحمد، في ربوع مدينة القليعة التي تعبق بحضارة الأندلس، والتي أسستها عائلات مهاجرة من غرناطة وألمرية وقرطبة.
أما في باب «أدب وأدباء»، فنقرأ متابعة لملتقى الشارقة للتكريم الثقافي الذي احتفى بأدباء تونس تقديراً لجهودهم الثقافية، ونقرأ مقالات عن الشاعر جورج حنين «رائد السريالية المصرية» لمحمد فؤاد علي، والدكتور عزالدين إسماعيل «الذي أعاد اكتشاف الأسس الجمالية للنقد العربي» لخالد بيومي، ومداخلة د. ضياء الجنابي حول المعايير الحداثوية عند نازك الملائكة، ونقرأ أيضاً سيرة الشاعر والناقد الأكاديمي خليفة الوقيان «الذي يعد من رواد الشعر العربي في الكويت» لأميرة المليجي، كذلك سيرة المؤرخ والباحث والأديب حنا الفاخوري، في مقال لمحمد الهدوي. ومن المقالات الأخرى، كتب خلف أبوزيد عن توظيف وليم فوكنر الزمن الدائري في السرد، وتناول وليد رمضان تجربة الروائي مؤنس الرزاز، وغيرها، وأجرت ليندا إبراهيم حواراً مع الشاعر هاني نديم، وتوقف عبده وازن عند الروائي الإسباني كاميليو خوسيه ثيلا الذي جدد الرواية الإسبانية، لكنه لم يكتب بعد فوزه بجائزة نوبل، بينما نقل ياسين عدنان أجواء فعاليات ندوة «لغة الشعر العربي» في منتدى أصيلة.
وفي باب «فن. وتر. ريشة»، نقرأ حواراً أجرته رشا المالح مع التشكيلية لبانة جيرودي، وكتب عبد الرحمن الهلوش عن صباح فخري، وتناولت هند عبد الحفيظ تجربة الفنان المصري الراحل عبد الله غيث في المسرح الشعري.
وأفرد العدد مساحة للقصص القصيرة والترجمات والنقود لمجموعة من الكتاب العرب: محسن الوكيلي (آبار العبور)، قصة قصيرة، (آبار العبور... تناسق وانسجام الحوامل السردية) - نقد / بقلم عاطف البطرس، غسان حداد (حبة المانغو) قصة قصيرة، عبد الله المتقي (قصص قصيرة جداً)، سلمى الغزاوي (الكعكة) قصة مترجمة، إضافة إلى المقالات الثابتة.


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»
TT

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون. يحمل الكتابان العنوانين «حكايات من العراق القديم»، و«ملوك الوركاء الثلاثة»، وترجمهما الإعلامي والكاتب ماجد الخطيب، المُقيم في ألمانيا. وسبق أن نُشر الكتابان في لندن سنة 2006، وجذبا انتباه القراء بصياغتهما المعاصرة التي «تُقدم النصوص الرافدينية القديمة بشكل جذاب إلى جمهور واسع خارج دائرة المؤرخين والباحثين المتخصصين»، حسب رأي الشاعر الراحل سعدي يوسف في حوار معه بمجلة «بانيبال».

صدر الكتابان في طبعة أنيقة، بالورق المصقول، وغلافين ملونين، حافظا على تصاميم ورسومات وصور الكتابين الأصليين؛ تحقيقاً لرغبة الكاتبة فران هزلتون.

تُقدم لنا الباحثة في الكتابين حكايات وأساطير من العراق القديم؛ يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 4000 سنة. هي قصص نقلها الخبراء الإنجليز عن الألواح الطينية المكتوبة بالحروف المسمارية مباشرة من الأرشيف البريطاني الخاص ببلاد ما بين النهرين.

تكفي نظرة إلى عدد الأساتذة الذين أسهموا في ترجمة هذه النصوص من المسمارية إلى الإنجليزية، عن الألواح الطينية القديمة، لمعرفة الجهدين، الأدبي والفني، الكبيرين اللذين بذلتهما فران هزلتون في كتابة هذه النصوص، وتنقيحها وردم الثغرات في بعضها.

واعترافاً بهذا الجهد، قدَّمت المؤلفة شكرها في مقدمة الكتاب إلى قائمة من الأساتذة هم: البروفسور ثوركيلد جاكوبسون، والدكتور جيرمي بلاك، والدكتور غراهام كننغهام، والدكتورة إليانور روبسون، والدكتور غابور زويومي، والدكتور هرمان فانستفاوت، والبروفسور أندرو جورج، والدكتورة ستيفاني دالي والبروفسور بنجامين ر.فوستر.

يحتوي الكتاب الأول «حكايات من العراق القديم» على 13 حكاية وأسطورة سومرية وأكدية، تكشف للقارئ كثيراً من جوانب الحياة في بلاد الرافدين في تلك الأزمنة الغابرة، وتوضح لنا كيف كان الناس يعيشون، وعلاقتهم بالآلهة، وجوانب تفصيلية من الحياة الروحية والثقافية في أور ونيبور وأرتاتا وأريدو وكيش وشوروباك... إلخ.

كتبت الباحثة في تاريخ العراق القديم، ستيفاني دالي، في مقدمة الكتاب قائلة: «تخبرنا هذه الحكايات بالكثير عن المجتمع في ميزوبوتاميا في بواكيره الأولى. يحكم الملك الجالس على عرشه في القصر بصولجان يرمز إلى سلطته، ويبعث رسله للحوار حول صفقات تجارية، تعززهم تهديدات باستخدام القوة. كان الملوك والآلهة ما انفكوا يقيمون على الأرض، لأنهم لم ينسحبوا بعد إلى السماء، وكانت شهيتهم -وغضبهم ومتعتهم بالطعام والشراب، ورغباتهم وغرورهم- مماثلة لمثيلاتها بين الفانين، رغم أن معبوداً فقط قادر على تقرير مصائر المدن، والتصرف بصفته راعياً للملك في هذه المدينة أو تلك».

يتناول الكتاب الثاني قصص ملوك الوركاء الثلاثة إينْمركار ولوغالبندا وجلجامش؛ أي الجد والأب والحفيد. تحكي قصة إينمركار كيف أن هذا الملك أخذ حفنة من الطين النقي في يده وعجنه على شكل لوح، ثم سطر عليه رسالته إلى أينسوغريانا ملك مدينة أرتاتا الواقعة في الجبال القريبة (ربما إيران). هي أول إشارة في الأدب المكتوب إلى «كتابة رسالة»، ويعتقد العلماء، لهذا السبب، أن الكتابة اكتشفت في زمن هذا الملك.

ومن اللافت أيضاً في الكتابين التماثل الغريب بين بعض هذه الحكايات وحكايات «ألف ليلة وليلة»، رغم الفارق الزمني الكبير بين الاثنين. موضوعات السحر والآلهة، والسرد على لسان الطير، والطيران على ظهر نسر ومؤامرات النساء والخدم... إلخ. وتسرد إحدى القصص يوم نزول إنانا (عشتار) إلى الأرض، وقضاء ليلتها مع الملك، ومن ثم تصف الموكب الذي يجتاز شارع الموكب وبوابة عشتار، على هذا النحو:

«يظهر في البداية الفتيان الوسام، الذين يزينون شعورهم المصففة بالأطواق، ثم تأتي العجائز الحكيمات، فترافق الملك أكثرهن حكمة في موكب إنانا، ثم يأتي الطبالون يقرعون الطبول بعصي مقدسة، ويستعرضون في الموكب لإنانا. ثم يأتي الجنود بسيوفهم وحرابهم المشرعة يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذين عباءاتهم بوجهين أحدهما أنثوي والآخر ذكري، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذي يتنافسون في الدوران والالتفاف والمناورة بمباخر من كل الألوان، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي الأسرى مقيدين بأطواق العنق الخشب ينشدون نشيدهم، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم تأتي بنات المعابد بشعورهن المتوجة، يستعرضن في الموكب لإنانا، ثم يأتي الكهنة يرشون الدم يميناً ويساراً من خناجر مغموسة بالدم، يستعرضون في الموكب لإنانا».

بأسلوب سلس؛ يجمع بين الفكاهة والمفارقة، يُقدم الكتابان حكايات وأساطير من تاريخ العراق القديم، شكّلت جذباً لجمهور واسع من القراء خارج دائرة المؤرخين والمختصين.

يشار إلى أنه بالتعاون مع جمعية «ZIPAG» سردت فيونا كولينز وتارا جاف وبديعة عبيد هذه القصص في كثير من الأمسيات التي أقامتها جمعية «إنهدوانا» في بريطانيا. وترى الناقدة ستيفاني ديلي، من معهد الاستشراق البريطاني، أن هذه الحكايات السومرية تمتعت بالقدرة على إسعاد قراء العصر الحديث بفكاهاتها ومفارقاتها ورؤيتها البراغماتية لأفعال الخالدين والفانين، التي يشتبك فيها الخير والشر. وتتساءل: كانت استجابة الجمهور الحديث مدهشة، رغم فارق العصور والثقافات الهائل، كيف يمكننا تفسير هذا التعاطف الذي يتجاوز كل الحدود؟ تكمن بعض الأجوبة في الثيمة الأساسية، التي تتعلق بالحياة والموت المُعبر عنها في الاستعارة الأسطورية؛ حيث تجسد الآلهة قوى الطبيعة، مثل الخصوبة والعقم والدهاء والغباء.

كتبت فران هزلتون في مقدمة الكتاب أن النسخة الأولى من «حكايات من العراق القديم صدرت سنة 2006، وكانت إشادة بأسلافنا الثقافيين المشتركين: قصصيي العراق القديم. ستسهم هذه الطبعة، كما أتمنى، في الإشادة ليس بحكواتيي العراق القديم فحسب، وإنما أن تصبح أيضاً أداة بيد الذين ارتضوا تحدي أن يصبحوا ساردي حكايات رافدينية حديثين».