الغزو الروسي لأوكرانيا يعيد خلط أوراق النظام العالمي

جنود روس على ظهر عربات برمائية قتالية يتقدمون من شبه جزيرة القرم نحو أوكرانيا (إ.ب.أ)
جنود روس على ظهر عربات برمائية قتالية يتقدمون من شبه جزيرة القرم نحو أوكرانيا (إ.ب.أ)
TT

الغزو الروسي لأوكرانيا يعيد خلط أوراق النظام العالمي

جنود روس على ظهر عربات برمائية قتالية يتقدمون من شبه جزيرة القرم نحو أوكرانيا (إ.ب.أ)
جنود روس على ظهر عربات برمائية قتالية يتقدمون من شبه جزيرة القرم نحو أوكرانيا (إ.ب.أ)

خلال أقل من أسبوع، ألقى الغزو الروسي لأوكرانيا بتبعاته على مجمل النظام العالمي: أعاد خلط أوراق جيوسياسية، وضع موسكو في موقع «المنبوذ» دولياً، وحّد الدول الغربية في مواجهة الرئيس فلاديمير بوتين، وأيقظ التهديد النووي من سباته، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
فيما يأتي عرض لأبرز المتغيّرات التي سبق لمسؤولين ومحللين أن اعتبروها غير مسبوقة منذ حقبة الحرب الباردة:
يعدّ الغزو الذي بدأ فجر 24 فبراير (شباط)، نقطة تحوّل كبرى.
تتعدد الأسباب لذلك، ومنها أن الغزو «أطاح الآمال بأن أوروبا في حقبة ما بعد الحرب الباردة، ستكون في منأى عن حرب ضخمة»، وفق المحلل في مجموعة «أوراسيا» البحثية آلي واين.
رأت أطراف عدة تتقدمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وحتى الأمانة العامة للأمم المتحدة، أن غزو روسيا لجارتها الشرقية، خرق صارخ لمبادئ النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.
جاء رد الغربيين «هائلاً» و«سريعاً»، عبر سيل من إجراءات اقتصادية غير مسبوقة بحجمها: عقوبات مالية لم توفر بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف والأثرياء المقرّبين من الكرملين، إغلاق مجالات جوية في وجه الطائرات الروسية، الاستبعاد من منافسات رياضية كبرى.
وترى الأستاذة في جامعة كورنيل الأميركية سارة كريبس إن «روسيا ستكون منبوذة، ومن الصعب تخيّل كيف ستتمكن من استعادة ما يشبه الحالة الطبيعية في تفاعلاتها الدولية».
في أواخر 2019. اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) بات في حالة «موت دماغي»، في ظل خلافات بين أعضائه وسوء إدارة من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي شهد عهده اضطراباً في العلاقات بين جانبي المحيط.
مطلع 2021. خلف جو بايدن ترمب في البيت الأبيض، وسعى لتطبيع العلاقات مع الحلفاء في «ناتو». أراد أيضاً أن يكون الحلف جزءاً من صراع النفوذ الاستراتيجي مع الصين، مما أثار تحفظات حلفاء رأوا أن مواجهة كهذه ليست ضمن الأسباب الموجبة لنشوء الحلف.
أسّس الحلف في مطلع الحرب الباردة لتوفير حماية من واشنطن، المقتدرة نووياً، للقارة العجوز في مواجهة الاتحاد السوفياتي. مع الأزمة الراهنة عاد الحلف إلى دوره التاريخي: مواجهة موسكو.
ويرى واين أن «الغزو الروسي عزّز حلف ناتو وأعاد شدّ الأواصر عبر الأطلسي»، معتبراً أن استمرار هذا «التماسك» على المدى البعيد وتأسيسه لمقاربة مشتركة بشأن احتواء روسيا، ليس مضموناً بعد.
كان الدبلوماسي الفرنسي جان مونيه يعتبر أن أوروبا «تصنعها الأزمات»، وبنيانها السياسي سيكون حصيلة حلول هذه الأزمات.
بعد أكثر من أربعة عقود على وفاة هذا السياسي الذي يعد من «الآباء المؤسسين» للاتحاد الأوروبي، يثبت الظرف الراهن نظريته أكثر فأكثر.
سرّع الغزو الروسي لأوكرانيا من توجّه الدول الـ27 في التكتل لتعزيز قوتها الدفاعية، واتخاذ خطوات غير معهودة، خصوصاً في حقبة ما بعد الحرب الثانية.
خصصت دول الاتحاد نصف مليار يورو لتوفير أسلحة إلى أوكرانيا، في إجراء تاريخي أوروبي لدعم عسكري خلال نزاع.
المفاجأة الأكبر جاءت من ألمانيا، حيث اتخذ أولاف شولتس، المستشار الذي تولى منصبه منذ أشهر معدودة فقط، قرارات تشكّل انفصالاً تاريخياً مع عقيدة برلين، بتسليم كييف أسلحة فتاكة خلال الحرب.
لم تكن ألمانيا الوحيدة التي تقوم بخطوة وطنية تاريخية كهذه، إذ لاقتها السويد وفنلندا بدعم كييف بالسلاح.
أرفق شولتس خطوته بقرارات داخلية تعكس مدى التغيير الذي فرضه الغزو الروسي: ستخصص برلين 100 مليار يورو لتحديث منظومتها الدفاعية، وتبدأ باستثمار أكثر من 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي سنوياً في المجال الدفاعي، بعدما كان ضعف موازنتها العسكرية مقارنة بنظرائها في الأطلسي، محل انتقاد خصوصاً من واشنطن.
تحوّل جذري آخر قامت به سويسرا بالتخلي عن حيادها التاريخي، وهو مبدأ «لا يعني عدم الاكتراث»، وفق رئيس البلاد الاتحادية إيغناسيو كاسيس.
اختارت سويسرا التي تعد مركزاً مالياً محورياً عالمياً، وكانت حتى أسابيع خلت مضيفة لقاءات دبلوماسية أميركية روسية سعياً لنزع فتيل الأزمة، أن تنضم إلى العقوبات الاقتصادية الواسعة النطاق للاتحاد الأوروبي على روسيا.
لم تكن سويسرا الوحيدة التي خرجت عن مبدأ الحياد، فما قامت به فنلندا والسويد أيضاً جعلهما أقرب من أي وقت مضى لطلب الانضمام إلى الحلف الأطلسي.
لروسيا أيضاً حلفاء وأصدقاء في العالم، مثل فنزويلا ورئيسها نيكولاس مادورو، أو إيران التي دعت إلى وقف الحرب لكن حمّلت مسؤوليتها لواشنطن.
على المكيال الآخر في ميزان العلاقات الدولية، تقف الصين برئاسة شي جينبينغ الذي استقبل بوتين مطلع فبراير على هامش دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين.
تجد الصين نفسها الآن تحت مجهر الغرب بشكل إضافي، خصوصاً لتبيان إلى أي مدى ستتمكن من أن تعوّض لروسيا، آثار العقوبات الاقتصادية الغربية.
سياسياً، تمضي بكين بحذر بين النقاط: فعلى رغم عدم إدانتها الصريحة للغزو، امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على قرار يدينه، ولم تستخدم حق «الفيتو». كذلك، حضّت الطرفين على التفاوض، وأعربت لكييف عن «أسفها الشديد» للحرب.
ويرى واين أن بكين في موقف «محرج»، فكلما «طال أمد النزاع وأصبح أكثر دموية، سيكون أصعب على الصين تحقيق توازن بين دعمها المتطلبات الروسية ورغبتها في عدم تلقي مزيد من العتاب عبر الأطلسي».
أمر بوتين، وخلال لقاء متلفز مع مسؤولين عسكريين الأحد، بوضع «قوات الردع» في حال تأهب، وهي وحدات هدفها ردع هجوم «بما في ذلك في حال حرب تتضمن استخدام أسلحة نووية».
رأى العالم في هذا الإعلان تلويحاً من بوتين باحتمال اللجوء إلى السلاح النووي رداً على الضغوط الغربية.
اعتبرت واشنطن أن ذلك يعني أن الرئيس الروسي «يواصل تصعيد هذه الحرب بطريقة غير مقبولة على الإطلاق»، بينما رأى حلف ناتو أن الإجراء «خطر»، ويعكس «سلوكاً غير مسؤول».
وبحسب كريبس، أعطى «القادة الروس بطريقة مكشوفة، إشارات متكررة إلى ترسانتهم النووية على أمل إثناء الغرب عن تعزيز الدفاعات الأوكرانية»، محذّرة من أن ذلك سيؤدي إلى «تآكل المحظور النووي القائم منذ عقود».



لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
TT

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)

اتفقت المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، اليوم الجمعة، على إنشاء شركة مشتركة لبناء طائرتها المقاتِلة الأسرع من الصوت، والمتوقع أن تجهز في عام 2035، في إطار برنامج يحمل اسم القتال الجوي العالمي «GCAP».

وأعلنت الشركات المصنّعة الثلاث المسؤولة عن تطوير الطائرة المقاتِلة، الجمعة، في بيان، أنها وقّعت على اتفاقية إنشاء الشركة التي تملك كلٌّ منها ثُلثها. والشركات هي: «بي إيه إي سيستمز (BAE Systems)» البريطانية، و«ليوناردو (Leonardo)» الإيطالية، و«جايك (JAIEC)» اليابانية، التي أنشأتها، على وجه الخصوص، شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.

وأنشئت الشركة المشتركة، التي ستبدأ أنشطتها منتصف عام 2025، في إطار برنامج القتال الجوي العالمي الذي أُعلن في عام 2022 بالشراكة بين لندن وروما وطوكيو. وستحلّ الطائرة الضخمة ذات الذيل المزدوج على شكل حرف V محل طائرات «إف-2» (F-2) اليابانية ومقاتِلات يوروفايتر الإيطالية والبريطانية. ومن المتوقع أن يمتد عمرها الافتراضي إلى ما بعد عام 2070، وفقاً للبيان.

وفي حال احترام الجدول الزمني، الذي وضعه القائمون على المشروع، فإنها ستدخل الخدمة قبل خمس سنوات على الأقل من الطائرة التي يبنيها مشروع نظام القتال الجوي المستقبلي «SCAF» الذي تُنفذه فرنسا وألمانيا وإسبانيا.