الكاتب الأوكراني أندري كوركوف: لا يوجد ما يدعو للضحك في بلدي

تدور أحداث روايته التي ستنشر الشهر المقبل في «دونباس»

أندري كوركوف
أندري كوركوف
TT

الكاتب الأوكراني أندري كوركوف: لا يوجد ما يدعو للضحك في بلدي

أندري كوركوف
أندري كوركوف

كتب أندري كوركوف حول القتال بين روسيا وأوكرانيا قبل وقت طويل من غزو الخميس الماضي. لكنه الآن، وأكثر من أي وقت مضى، يرغب في أن يشرح ذلك الأمر للعالم.
وأندري كوركوف، أحد أشهر المؤلفين في أوكرانيا، وغالباً ما يُطلق عليه اسم الروائي الهزلي لتأليفه كتباً مثل «الموت والبطريق» الذي يدور حول كاتب للنعي يتبنى بطريقاً من حديقة حيوانات متداعية.
لكن منذ أن اجتاحت روسيا بلاده، الخميس الماضي، يقول كوركوف إنه «لم يشعر بأنه مستعد للضحك على أي شيء». وأضاف، في مقابلة هاتفية من منزله في كييف، يوم الخميس، أنه توقف عن كتابة رواية جديدة، وكان يكرّس وقته للتحدث مع المراسلين لشرح ما يجري في بلاده.
ظل كوركوف يلفت الانتباه بشكل واسع إلى العدوان الروسي على أوكرانيا. وتدور أحداث روايته بعنوان «النحل الرمادي» في 2018، من المقرر إطلاقها في الولايات المتحدة في أبريل (نيسان) المقبل، في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، حيث أعلن المتمردون الموالون لروسيا، استقلال مدينتي دونيتسك ولوغانسك في 2014.
تحكي الرواية قصة رجلين مسنين يعيشان في المنطقة المحايدة بين مواقع الجيش الأوكراني والانفصاليين، ويبدو أن أحدهما يهتم بتربية النحل أكثر من الصراع الدائر حولهما.
تحدث كوركوف في المقابلة عن رواية «النحل الرمادي»، وكيف سوف تغير الحرب الراهنة من الأدب الأوكراني وآماله الشخصية في المستقبل. وفيما يلي مقتطفات محررة من الحوار:

> تعيش في موطنك في كييف... كيف تبدو الحياة بالنسبة لك؟
- حسناً، كنا نبحث عن مأوى في أول الأمر، لأن الجيران بدأوا يصرخون لقرب قدوم غارة جوية، لكن بدلاً من المأوى، انطلقنا إلى فندق راديسون ومكثنا هناك لنصف ساعة. ثم ذهبنا إلى صديق لديه مأوى في منزله. لكنه كان رثاً للغاية وليس لطيفاً بالمرة. زادت الانفجارات من حولنا، وبعدها ساد الهدوء فرجعنا إلى المنزل.
> سيحاول بعض القراء تناول رواية «النحل الرمادي» للوقوف على خلفية الصراع الدائر... لماذا قررت الكتابة عن الحرب السابقة في شرق أوكرانيا؟
- حسناً، لم أكن أخطط لتأليف هذه الرواية، لكننا شهدنا تدفقاً كبيراً للاجئين من دونباس إلى كييف في 2014، والتقيت رجل أعمال شاباً من دونيتسك اعتاد قيادة سيارته كل شهر إلى قرية ليست بعيدة عن خط المواجهة، وهناك ظلت سبع عائلات كاملة بلا متاجر، وبلا كهرباء، وبلا شيء البتة. كان الشاب يجلب لهم الأدوية، وأي شيء آخر يحتاجون إليه، وكانوا يردون الصنيع بمنحه جراراً مليئة بالخضراوات والمخللات المحفوظة.
> هناك شخصيتان رئيسيتان في الرواية تتعاملان فقط مع الحياة اليومية، ولا يبدو أنهما يكترثان كثيراً لأمور السياسة أو الحرب.
- يريد الناس البقاء على قيد الحياة فحسب. ويحاول الناس التكيف مع ظروف الحرب، إن لم تنجح في تدميرهم شخصياً. ذهبت ثلاث مرات إلى هناك، وتبين أنه حتى الأطفال يمكنهم إخبارك أي صاروخ أو لغم تسبب في الانفجار من صوته فقط. لقد صارت الحرب أمراً معتاداً بل جزءاً من الحياة اليومية.
> نظراً لأنك عاينت الصراع من قرب، فهل توقعت الغزو في السابق؟
- كلا، حتى قبل عدة أسابيع مضت، لم أكن أعتقد أن ذلك سيصبح أمراً واقعاً. ثم لاحظت أن بوتين صار طاعناً في السن وبسرعة كبيرة، وأصبح يتحدث مثل ستالين قبل رحيله. يحلم بوتين بعودة الاتحاد السوفياتي للحياة، ويصف كل مَن لا يحب روسيا، مع فهمه للغة الروسية، بالخونة. وهو يعشق اغتيال الخونة.
> ما سبب هذا الغزو؟
- تعتبر روسيا أوكرانيا داخل مجال نفوذها الطبيعي، وقد ارتفعت التوترات لدى موسكو إثر اقتراب أوكرانيا من الغرب، واحتمال انضمامها إلى حلف «الناتو» أو الاتحاد الأوروبي، مع أن أوكرانيا ليست جزءاً من أي منهما، وتأتيها المساعدات المالية والعسكرية من الولايات المتحدة ومن أوروبا.
> هل بدأت التوترات الراهنة للتو؟
- احتدم الصراع بين البلدين منذ عام 2014، عندما دخل الجيش الروسي إلى الأراضي الأوكرانية، إثر انتفاضة اندلعت في البلد أسفرت عن تغيير رئيسها الصديق لروسيا بحكومة موالية للغرب. ثم ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، ودعمت الحركة الانفصالية في الشرق. جرى التفاوض على وقف لإطلاق النار في 2015، غير أن القتال لم يتوقف.
> كيف وقع الغزو؟
- بعد تعبئة الحشود العسكرية بالقرب من الحدود الأوكرانية لعدة أشهر، وقع الرئيس الروسي في 21 فبراير (شباط) على مراسيم تعترف بمنطقتين انفصاليتين مواليتين لروسيا في شرق أوكرانيا. وفي 23 فبراير، أعلن عن بدء «عملية عسكرية خاصة» في أوكرانيا. ثم تمخض الأمر منذ ذلك الحين عن عدة هجمات على المدن في جميع أنحاء البلاد.
> ما تأثير الاضطرابات في أوكرانيا على الأدب في البلاد منذ 2014؟
- لم يكن هناك أدب حرب قبل اندلاع النزاع. كانت المؤلفات في أغلبها تتناول قضايا الجنس، والمخدرات، وموسيقى الروك آند رول - وروايات الجريمة بالطبع. بيد أن الحرب الجارية ستخلق أدباً موازياً - أدب يألفه المحاربون القدامى، وبعض المتطوعين. ربما يتخذ هؤلاء المؤلفون طريقهم فعلياً إلى الخطوط الأمامية الآن.
إذا تجاوزت أوكرانيا تلك الأزمة، فسوف تبدع المزيد من الأدبيات الحربية، لكن ذلك لا يعني أن الأدب سوف يتطور إلى الأفضل. وإنما يعني فقط أن الأدب سيكون أكثر تسييساً من قبل، مثل الأدب السوفياتي، لكن بنوع مغاير من الدعاية أو الأفكار الوطنية.
> يبدو أن هذه التطورات تثير قلقك...
- أجل إنها كذلك، لأن في روسيا، الكتّاب تقليدياً يخدمون الحكومة وتوجهاتها الآيديولوجية. لكن في أوكرانيا، الكتّاب لا يخدمون سوى أنفسهم وقرائهم. أعني أن الحكومة لا تعبأ أبداً بما يؤلفه الكتّاب. ولهذا السبب، لدينا الكثير من الكتب عن الجنس والمخدرات وموسيقى الروك، من دون الكثير عن التاريخ الأوكراني.
> بالإضافة إلى التحدث للمراسلين، كنت ضيفاً بمقالاتك على بعض الصحف والمجلات الأخرى لتتناول الأوضاع الجارية في أوكرانيا... فما الرسالة التي تريد إبلاغها إلى قراء «نيويورك تايمز»؟
- أود، بصفة عامة، شرح الفرق بين الروس والأوكرانيين، والفارق بين التاريخين الروسي والأوكراني، وبين العقليتين الروسية والأوكرانية، نظراً لأن بوتين وكل رفاقه يكررون في كل يوم أن الأوكرانيين والروس متماثلون - وأننا إخوة ويتعين علينا أن نتعايش معاً. هذا غير صحيح بالمرة. وهي قصة طويلة للغاية. كان الأوكرانيين، عبر ثلاثة قرون من الزمان، مستقلين تماماً عن القياصرة الروس، وعن أي نوع من الحكم الإمبراطوري.
> بالنسبة لقرائنا الذين يتطلعون إلى معرفة أوكرانيا في هذه اللحظة، ما الكتاب الذي تقترح عليهم قراءته؟
- هناك المؤلفون المفضلون لدي الذين يمكنني ترشيحهم، مثل «ماريا ماتيوس» - إنها من بوكوفينا بالأساس، بالقرب من الحدود مع رومانيا. وهي مؤلفة واحدة من أفضل الروايات التي كُتبت منذ الاستقلال بعنوان «داروسيا الحلوة». وتدور حول قريتين من بوكوفينا، والحياة هناك من عشرينات إلى تسعينات القرن الماضي. إنها تتناول أموراً مروعة، لكنها مكتوبة بلغة رائعة، تجعلك تحب كل شخصيات الرواية وتتعايش معها. إنها رواية مفعمة بعاطفة قوية للغاية.
> ما الذي تأمل أن يحدث الآن؟
- حسناً، أملي الوحيد أن يجد العالم طريقة لإيقاف بوتين ليترك أوكرانيا بسلام، لأن هدفه هو تدمير البلاد والقضاء على استقلال أوكرانيا. وإذا حدث ذلك، فسوف يغادر نصف السكان إلى أوروبا، مهاجرين أو لاجئين، وسوف يأتي الروس على كل ما تبقى من البلاد، وسوف يتصرفون مثل البلاشفة عام 1917، لن يختلفوا عنهم في شيء.

* خدمة «نيويورك تايمز»



وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان
TT

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان

يحتلّ موقع سمهرم مكانة مميزة في خريطة «طريق اللبان» العُمانية التي دخلت عام 2000 في قائمة اليونيسكو الخاصة بمواقع التراث العالمي، وهي طريق البخور التي شكّلت في الماضي معبراً تجارياً دولياً ازدهر على مدى قرون من الزمن. بدأ استكشاف هذا الموقع في مطلع الخمسينات، وأدت أعمال التنقيب المتواصلة فيه إلى العثور على مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية، منها بضعة أنصاب حجرية مسطّحة تحمل نقشاً غائراً يمثّل وجهاً آدمياً مختزلاً، تقتصر ملامحه على عينين واسعتين وأنف مستطيل.

يضمّ موقع سمهرم مستوطنة أثرية تجاور خوراً من أخوار ساحل محافظة ظفار يقع في الجهة الشرقية من ولاية طاقة، يُعرف محليّاً باسم «خور روري». يعود الفضل في اكتشاف هذا الموقع إلى بعثة أميركية، أسّسها عام 1949 في واشنطن عالم الآثار وينديل فيليبس الذي لُقّب بـ«لورنس العرب الأميركي». شرعت هذه البعثة في إجراء أول حفريّة في «خور روري» خلال عام 1950، وواصلت عملها على مدى 3 سنوات، وكشفت عن مدينة لعبت دور ميناء دولي، عُرفت باسم سمهرم، كما تؤكد النقوش الكتابية المدونة بخط المُسنَد العربي الجنوبي. من بين أطلال هذه المدينة المندثرة، خرجت مجموعة من اللقى المتنوعة، منها 3 أنصاب حجرية مسطّحة زُيّن كلٌّ منها بنقش تصويري غائر طفيف يمثّل وجهاً آدمياً ذكورياً، كما يؤكّد الكشف العلمي الخاص بهذه البعثة.

عُثر على حجرين من هذه الحجارة على مقربة من أرضية مبنى من معالم سمهرم، وعُثر على ثالث على مقربة من المعبد الخاص بهذه المستوطنة، ممّا يوحي بأنه شكّل في الأصل جزءاً من أثاث هذا المعبد على الأرجح، كما رأى العالِم فرانك فيدياس أولبرايت في تقرير نُشر في عام 1953. استمرّت أعمال المسح والتنقيب في سمهرم، وتولّتها منذ عام 1997 بعثة إيطالية تابعة لجامعة بيزا، ومع هذه الأعمال، تمّ الكشف عن مجموعة أخرى من اللقى المتنوعة، منها 3 أنصاب حجرية مسطّحة مشابهة لتلك التي عثرت عليها البعثة الأميركية.

يتكرّر النقش التصويري على هذه الأنصاب التي احتار أهل الاختصاص في تحديد وظيفتها، ويتمثّل بوجه آدمي مجرّد هندسياً إلى أقصى حد. اختُزلت ملامح هذا الوجه بعينين لوزيّتين واسعتين، وأنف مستطيل رفيع. خلت هاتان العينان الفارغتان من حدقتيهما، كما غابت عنهما الرموش والحواجب، فظهرتا على شكل مساحتين بيضاويتين حُدّدتا بخط ناتئ رفيع وبسيط في وضعية المواجهة. كذلك، ظهر الأنف على شكل مثلّث عمودي طويل يحدّده خط مماثل. يعود هذا الوجه ويظهر على واجهة مجمّرة مخصّصة لحرق البخور، عثرت عليها البعثة الإيطالية خلال عام 2014، إلى جانب مجمّرتين تتبعان الطراز المألوف المجرّد من النقوش. ويتميّز هذا الوجه بظهور حاجبين مقوّسين يمتدان ويلتصقان عند أعلى مساحة الأنف المستطيلة.

خرجت من موقع سمهرم مجموعة كبيرة من المجامر والمباخر، غير أن هذا الوجه المجرّد لا يظهر على أي منها، كما أنه لا يظهر على أي من عشرات المجامر التي عُثر عليها في نواحٍ عدة من جزيرة العرب الشاسعة. في الواقع، يتبع هذا الوجه طرازاً ارتبط على نحوٍ واسع بشواهد القبور، وعُرف باسم «المسلّة ذات العينين». خرج العدد الأكبر من هذه المسلّات من محافظة الجوف التي تقع في الجزء الشمالي الشرقي من صنعاء، وخرج عدد آخر منها من وادي بهيان في محافظة حضرموت. تجاوز هذا الطراز حدود جنوب الجزيرة العربية، وبلغ شمالها حيث ظهر في واحة تيماء في منطقة تبوك، وقرية الفاو في الجنوب الغربي من الرياض، كما تؤكّد شواهده التي كشفت أعمال التنقيب عنها خلال العقود الماضية.

حمل هذا الطراز طابعاً جنائزياً لا لبس فيه، وتمثّلت خصوصيّته بهذا الوجه التجريدي الهندسي الذي ظهر على شواهد قبور فردية، كما تشير الكتابات المنقوشة التي تسمّي أصحاب تلك القبور. يصعب تأريخ هذه المسلّات بدقة، نظراً إلى غياب أي إشارة إلى تاريخها في الكتابات المرفقة، والأكيد أن هذا الطراز الجنائزي ظهر في القرن الثامن قبل الميلاد، وشاع على مدى 5 قرون. يحضر هذا الوجه في سمهرم، ويشهد هذا الحضور لدخوله إقليم عُمان في مرحلة تلت فترة انتشاره في جنوب الجزيرة وفي شمالها، فالدراسات المعاصرة تؤكد أن ميناء سمهرم شُيّد في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، وارتبط بمملكة حضرموت في زمن نشوء التجارة البحرية وازدهارها في المحيط الهندي، وظلّ ناشطاً حتى القرن الخامس للميلاد، حيث تضاءل دوره وتلاشى تدريجياً نتيجة اندحار مملكة حضرموت.

حضر هذا الوجه التجريدي في سمهرم حيث ظهر على عدد من المسلّات، وانطبع بشكل استثنائي على مجمرة تبدو نتيجة لذلك فريدة من نوعها إلى يومنا هذا. خرج هذا الوجه في هذا الموقع العُماني عن السياق الجنائزي الذي شكّل أساساً في جنوب جزيرة العرب، وحمل هُويّة وظائفية جديدة، وتحديد هذه الهوية بشكل جليّ لا يزال يمثّل لغزاً وتحدّياً للباحثين في ميدان الآثار العُمانية.