السودان: تزايد ضحايا الاحتجاجات... وإشادة أميركية بالجهود الأممية

مظاهرات في أحد شوارع الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
مظاهرات في أحد شوارع الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

السودان: تزايد ضحايا الاحتجاجات... وإشادة أميركية بالجهود الأممية

مظاهرات في أحد شوارع الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)
مظاهرات في أحد شوارع الخرطوم أول من أمس (أ.ف.ب)

توفي صبي سوداني متأثراً بجروح أصيب بها في الاحتجاجات الأخيرة، لتبلغ حصيلة الضحايا منذ الإجراءات العسكرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 85 قتيلاً مع آلاف الجرحى بعضهم أصيبوا بعاهات مستديمة. فيما أشاد خبير بانسحاب الشرطة أمام المتظاهرين الذين وصلوا أول من أمس إلى محيط القصر الرئاسي في الخرطوم ما جنب البلاد «مجزرة».
وقالت لجنة أطباء السودان المركزية (نقابة معارضة) في بيان أمس إن «شهيداً ثانياً ارتقت روحه»، لم يتم التعرف على بياناته إثر إصابته بطلق متناثر «في البطن والصدر»، بسلاح يرجح أنه من بندقية خرطوش أطلقته الأجهزة الأمنية أثناء احتجاجات في الخرطوم بحري. وكشفت التفاصيل اللاحقة أنه صبي في الخامسة عشرة من العمر يسكن شمال الخرطوم، ليضاف إلى القتيل الأول الذي لقي مصرعه برصاصة فجرت رأسه في أم درمان. وأوضحت اللجنة الطبية، التي تشرف على علاج المصابين وضحايا العنف ومتابعتهم، أن القوات العسكرية استمرأت استخدام العنف والقمع المفرط واستخدام الرصاص الحي بجميع أنواعه وأشكاله ضد المحتجين السلميين «من دون أي وازع إنساني أو أخلاقي».
وأفلح آلاف المحتجين الرافضين للحكم العسكري في السودان، في الوصول إلى القصر الجمهوري في الخرطوم وحاصروه لساعات، بعد انهيار الطوق الأمني أمام حشودهم. بيد أنهم غادروا محيط القصر الرئاسي في الوقت المحدد لانصراف التظاهرات عند الخامسة مساءً، لتلاحقهم قوات كبيرة من الجيش على وجه الخصوص أثناء الانسحاب، وتتعامل معهم بعنف لافت.
وأعلنت الشرطة في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط» أمس، أن التظاهرات أسفرت عن إصابة 95 من أفرادها، بينهم ضابط أصيب بحجر في رأسه، وإصابة 34 مواطناً أسعفوا للمستشفيات، وإتلاف مركبة شرطية وإحراق 8 مركبات تابعة لوزارة المالية القريبة من القصر الرئاسي. وأكدت أنها أوقفت 77 متظاهراً، واتخذت إجراءات بحقهم.
واعترفت الشرطة بوفاة شخص «في ظروف غامضة» بمنطقة العباسية في أم درمان، بيد أنها قالت إن القتل تم «خارج أحداث المظاهرات»، وإنها اتخذت الإجراءات القانونية تجاه الوفاة ونقلت الجثمان للمشرحة. وهو القتيل الذي اتهم المتظاهرون الشرطة والأجهزة العسكرية باستهدافه برصاصة مباشرة في الرأس. فيما لم يشر بيان الشرطة إلى وفاة القتيل الثاني.
وتواصلت الاحتجاجات ضد الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش في أكتوبر الماضي، وحل بموجبها مجلسي السيادة والوزراء وحكومات الولايات، وألقى القبض على دستوريين في مجلسي الوزراء والسيادة، وأعلن حالة الطوارئ في البلاد. وهي الإجراءات التي يصفها المدنيون بـ«الانقلاب العسكري»، في الوقت الذي يتمسك مدبروها بأنها إجراءات تصحيحية.
ويتهم المعارضون السودانيون القوات العسكرية والأمنية باستخدام العنف المفرط والرصاص الحي والأسلحة الثقيلة ضد المحتجين السلميين، بما في ذلك قوات الجيش والأمن والشرطة وقوات الدعم السريع، بيد أن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان نفى في تصريحات نقلتها «الشرق الأوسط» عن وسائل إعلام دولية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ضلوع الجيش وقوات الدعم السريع في قتل المحتجين السلميين، وإصداره تعليمات بالقتل، إلا أنه لمح إلى ضلوع الشرطة وطرف ثالث في تلك العمليات بقوله: «ما حصل ربما يكون من قبل بعض العناصر داخل الشرطة والمسلحين المرتبطين بأحزاب سياسية».
وتمكن المحتجون أول من أمس من كسر الطوق الأمني توازياً مع تراجع القوات أمامهم ما مكنهم من الوصول للقصر، وهو الأمر الذي أرجعه خبير شرطي مختص في مكافحة الشغب طلب عدم كشفه، إلى التكتيكات الجديدة التي استخدمها المتظاهرون وتطور أساليبهم في التعامل مع الأجهزة وإصرارهم الكبير لبلوغ هدفهم، في مقابل تراجع الشرطة لتجنب مجزرة قد تحدث حال المواجهة.
وقال الخبير الشرطي إن المتظاهرين استخدموا تكتيك تشتيت القوات من خلال تنظيم مظاهرة في أكثر من مدينة وسط غياب القوات التي كانت تتسلح بأسلحة ثقيلة، بما في ذلك قوات الدعم السريع. وأضاف: «معظم القوات التي كانت تفض الشغب هي قوات شرطة تعرف كيفية التعامل مع الجمهور، وهي تدرك أنها في حال استخدامها لمزيد من العنف ربما تسببت في خسائر كبيرة بين المتظاهرين وبين أفراد الشرطة أنفسهم». وأوضح أن انسحاب القوات من الطوق الأمني أدى إلى «تنفيس غضب المحتجين المصرين على بلوغ القصر الرئاسي... لو واجهتهم الشرطة بنفس إصرارهم، ستكون الخسائر كبيرة». لكنه انتقد تسليح قوات مكافحة الشغب والقوات الأمنية الأخرى، بقوله: «هذا التسليح غير قانوني، وهو تسليح يصلح لمواجهة حروب العصابات وحروب المناطق المفتوحة، فإذا تعاملت به قوات مكافحة الشغب فعندها ستحدث مجزرة».
من جهة ثانية أشادت السفارة الأميركية بالخرطوم بالعمل الكبير الذي قامت به بعثة الأمم المتحدة بالسودان (يونيتامس) فيما يختص بالمشورات السياسية التي أجرتها البعثة مع أصحاب المصلحة السودانيين لمعرفة رأيهم حول الحكم الديمقراطي. وقالت السفارة على حسابها الرسمي في فيسبوك إن التقرير الذي أصدرته يونيتامس يبين أن السودانيين هم من يقودون عملية التحول الديمقراطي في بلادهم. وأبانت السفارة أن الولايات المتحدة تؤيد بقوة تطلعات الشعب السوداني وتهنئ الشعب السوداني ويونيتامس بهذه الخطوة المهمة في مسيرة التحول الديمقراطي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».