يتخوف أغلبية سكان دمشق الغارقين في الفقر من ازدياد تردي وضعهم المعيشي، من جراء التأثيرات الاقتصادية للحرب الروسية في أوكرانيا على بلادهم التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة؛ خصوصاً أنها تعتمد بشكل كبير على الدعم الغذائي والنفطي من حليفتها موسكو.
وحذَّر خبراء سوريون من أنه «إذا استمرت الحرب في أوكرانيا طويلاً، فنحن قادمون على الأسوأ».
وأدت الحرب في سوريا المستمرة منذ 11 عاماً إلى دمار معظم القطاعات الاقتصادية في البلاد، وانهيار العملة المحلية أمام الدولار الأميركي بشكل غير مسبوق، وأغرقت الحكومة في أزمات اقتصادية ومالية، زاد عمقها عاماً بعد عام، وفاقمتها أكثر العقوبات الغربية على دمشق.
واعتمدت الحكومة السورية خلال سنوات الحرب بشكل أساسي على حليفتها روسيا، لتأمين الدعم الغذائي والنفطي لها، من أجل مواجهة تلك العقوبات، وكذلك على حليفتها إيران.
ووفق مشاهدات «الشرق الأوسط»، فإنه منذ اشتعال الحرب في أوكرانيا، بدأت ملامح تداعياتها تظهر في أسواق دمشق على شكل موجة ارتفاع عاتية جديدة في الأسعار، شملت المواد الغذائية والمستلزمات اليومية المعيشية للمواطنين، ووصلت في بعضها إلى أكثر من ضعفين، إضافة إلى حدوث تدهور جديد في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي الذي وصل إلى أكثر من 3650 ليرة، بعدما حافظ على سعر 3500 مؤخراً، عقب أن كان قبل عام 2011 ما بين 45 و50 ليرة.
كما رصدت «الشرق الأوسط»، مخاوف شعبية في دمشق، من أن يطول زمن الحرب في أوكرانيا؛ لأن ذلك سيؤدي إلى تفاقم تأثيراتها على المواطنين الذين يرزح أكثر من 90 في المائة منهم تحت خط الفقر، وبالتالي «ازدياد طين وضعهم المعيشي بلة»، لانشغال روسيا في الحرب في أوكرانيا، والعقوبات غير المسبوقة التي فرضتها الدول الغربية عليها.
وأعلن السفير الروسي لدى سوريا، ألكسندر يفيموف، في العاشر من فبراير (شباط) الماضي، أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وسوريا، في عام 2021، زاد 3 مرات مقارنة بعام 2020. وأشار إلى أن روسيا تواصل مساعدة السوريين بعدة طرق في استعادة الاقتصاد، وضمان استقراره وكفاءته في مواجهة أشد الضغوط السياسية والاقتصادية من الخارج، بينما قال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري محمد سامر الخليل، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «التبادل التجاري مع روسيا تحسن بشكل كبير في العام الأخير، والميزان راجح باتجاه روسيا تجارياً». وأشار الخليل إلى أن ترتيب روسيا صعد ضمن قائمة شركاء سوريا التجاريين، وقال: «لقد انتقلت روسيا إلى مصافي المرتبة الثانية والثالثة في التبادل التجاري مع سوريا، في حين لا تزال الصين في المرتبة الأولى». ولفت إلى أن «كثيراً من المواد في السوق السورية أصبح الاعتماد فيها على الموردين الروس، وفي قطاعات مختلفة، مثل القمح وغيرها».
كما ذكرت معاونة وزير الاقتصاد لشؤون التنمية الاقتصادية، رانيا أحمد، أن حجم التبادل التجاري مع روسيا لأول 9 أشهر من عام 2021 بلغ حوالي 185 مليون يورو، أما عام 2020 فبلغ 63 مليون يورو.
وأشارت إلى التركيز مع الجانب الروسي على موضوع تصدير الحمضيات والتفاح والرمان إلى القرم، أو إلى روسيا الاتحادية عبر القرم، وكذلك التباحث من أجل توريد الحبوب من روسيا إلى سوريا.
وحسب المسؤولة ذاتها، تصدِّر سوريا لروسيا الاتحادية الفواكه المشكلة: الكرز، والبرتقال الدموي، والرمان، بالإضافة للفوسفات، وبعض أنواع الأقمشة، والأدوية، والمحاصيل الجافة: الكمون، والمحلب، وحبة البركة، وعرق السوس، بالإضافة لبعض أنواع الأثاث المنزلي.
وبالنسبة لأوكرانيا، ذكر موقع «أثر برس» المحلي، قبل اندلاع الحرب فيها بأيام قليلة، أن بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية، تظهر أن «أوكرانيا خارج قائمة أهم عشرين دولة استورد منها أو صدر إليها القطاع الخاص السوري، خلال عامي 2018 و2019، وتالياً فإن أهمية أوكرانيا على خريطة التجارة السورية الخارجية قد تكون المستوى الثاني، إنما بمراجعة بيانات المجموعة الإحصائية لعام 2020، يتبين أن قيمة المستوردات السورية من أوكرانيا بلغت حوالي 81.6 مليار ليرة (ما يعادل 186.9 مليون دولار، وفقاً لسعر الصرف الرسمي للمستوردات، البالغ -حينها- 437 ليرة) في حين أن الصادرات السورية تجاوزت المليار ليرة بقليل (أي ما يعادل 2.5 مليون دولار، وفقاً لسعر الصرف الرسمي للصادرات البالغ -حينها- 434 ليرة)».
وأشار إلى أنه بمقارنة بيانات التجارة الخارجية لعام 2019 مع بيانات عام 2018، نجد أن قيمة المستوردات السورية من أوكرانيا زادت بحوالي 10 مليارات ليرة، بينما تراجعت الصادرات السورية قليلاً، وبحدود 400 مليون ليرة فقط.
وفي تركيبة السلع المستوردة من أوكرانيا، تأتي البضائع المصنّعة أولاً من حيث القيمة، والتي بلغت قيمتها في عام 2018 حوالي 35.245 مليار ليرة، تليها المواد الخام عدا الوقود بقيمة 18.979 مليار ليرة، ثم جاءت الأغذية والحيوانات الحية بقيمة 14.114 مليار ليرة، فالزيوت والشحوم الحيوانية بقيمة 2.558 مليار ليرة. أما الصادرات السورية فقد جاءت المواد الخام في صدارة ما جرى تصديره في عام 2018؛ حيث بلغت قيمتها حوالي 993.975 مليون ليرة، ثم أغذية وحيوانات حية بقيمة 260.071 مليون ليرة، فالمواد الكيماوية ومنتجاتها ثالثة بحوالي 221.122 مليون ليرة.
وأشار «أثر برس» إلى أن قيمة التبادل التجاري بين البلدين وصلت قبل الحرب إلى حوالي مليار دولار.
وحذر الخبير الاقتصادي عامر شهدا، خلال حديث لإذاعة محلية، منذ يومين، من تأثير الحرب بين روسيا وأوكرانيا على سوريا؛ خصوصاً فيما يتعلق بعملية التحويلات المالية، بسبب وجود ارتباطات مع مصارف روسية، وكذلك من حيث المشتقات النفطية، وعمليات استيراد الأعلاف والقمح. وأضاف أنه بسبب تعطل عمليات الاستيراد سترتفع الأسعار، وتوقع أن يتوقف قطاع الدواجن عن العمل، بسبب إيقاف استيراد الذرة من أوكرانيا، كذلك ستتأثر عملية استيراد الزيوت النباتية.
وقال شهدا: «لا أعتقد أن قرارات الحكومة الأخيرة كفيلة بمعالجة الوضع، كوننا نحن في قلب أزمة وأتت أزمة أشد منها، وسوريا تعتمد على استيرادات كثيرة من أوكرانيا وروسيا».
وأشار إلى أن فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، سينعكس سلباً على سوريا قطعاً، فضلاً عن ارتفاع بقية أسعار السلع المستوردة من دول أخرى، نظراً لارتفاع أسعار المشتقات النفطية وارتفاع أسعار النقل، في إشارة إلى ارتفاع سعر برميل النفط من 25 دولاراً إلى 100.
وبيّن أنه في المرحلة القادمة ستتأثر القطاعات الإنتاجية المعتمدة على الاستيراد من أوكرانيا وروسيا، مؤكداً أنه «إذا استمرت الحرب طويلاً فنحن قادمون على الأسوأ، وإذا توقفت الحرب خلال أسبوع فسنحتاج 6 أشهر حتى نعود للوضع الذي نحن عليه قبل بدء الحرب». ودعا الحكومة إلى أن تضع بدائل واضحة، وتحدد بدائل الاستيراد، والدول التي سيتم الاستيراد منها، وإيجاد حل لموضوع التحويلات المالية، ووضع استراتيجية واضحة وشفافة للشارع. وتتخوف دمشق من الارتفاع المتسارع لأسعار النفط الذي يؤثر في استيراد سوريا من المشتقات النفطية وزيادة تكاليف هذه التوريدات، وارتفاع تكاليف أجور النقل العالمي الذي سيزيد تكاليفها، إضافة لارتفاع أسعار المعادن، وبالتالي أسعار الصناعات ومنتجاتها عالمياً التي سيكون لها أثر سلبي خطير على الوضع المعيشي السوري المنهك.
ويعاني الاقتصاد السوري من نقص حاد في الموارد الأساسية؛ في مقدمتها النفط والقمح ومواد الطاقة، بعد نحو 11 عاماً من الحرب التي ترافقت مع فرض عقوبات اقتصادية دولية على دمشق.
وأسهمت الحرب والمتغيرات المناخية في تحويل سوريا من الاكتفاء الذاتي بمادة القمح إلى مستورد لها، إذ بلغت كمية إنتاجه خلال 2011 نحو 3.4 مليون طن، في حين كانت الحاجة المحلية 2.7 مليون طن، بحسب إحصائيات رسمية.
وأعلن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في بداية العام الجاري، أن الحكومة بحاجة إلى استيراد أكثر من 1.5 مليون طن من القمح سنوياً، معظمها من روسيا.
ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا الخميس الماضي، عقدت الحكومة السورية في اليوم نفسه اجتماعاً استثنائياً، لبحث تداعياتها على الوضع الاقتصادي والخدمي في سوريا، وللاستجابة للتطورات الاقتصادية العالمية.
وأعلنت الحكومة عزمها وضع خطة خلال الشهرين المقبلين، لترشيد توزيع جميع المشتقات النفطية في القطاعات الضرورية، وخفض الكميات التي يجري تزويد السوق بها تدريجياً، ودراسة واقع التوريدات.
وقررت تشديد الرقابة على سوق الصرف، لضمان استقرار الليرة السورية، ومتابعة التطورات المتوقعة خلال الشهرين المقبلين، والعمل على ترشيد الإنفاق العام، حالياً، بحيث يقتصر على الأولويات خلال هذه المدة، حرصاً على عدم زيادة التمويل بالعجز.
ماذا تستورد سوريا «المنهكة اقتصادياً» من روسيا وأوكرانيا؟
ماذا تستورد سوريا «المنهكة اقتصادياً» من روسيا وأوكرانيا؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة