البرلمان الفنلندي يناقش عريضة تطالب بالانضمام لحلف الأطلسي
رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين (رويترز)
هلسنكي:«الشرق الأوسط»
TT
هلسنكي:«الشرق الأوسط»
TT
البرلمان الفنلندي يناقش عريضة تطالب بالانضمام لحلف الأطلسي
رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين (رويترز)
أعلنت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين، مساء أمس، أن البرلمان سيناقش اليوم عريضة قدمها مواطنون يطالبون فيها بتنظيم استفتاء حول انضمام بلدهم لحلف شمال الأطلسي بعدما اجتاحت القوات الروسية أوكرانيا. وقالت مارين في تغريدة على تويتر إن النواب مدعوون للتعبير عن مواقفهم من هذه العريضة لكن الجلسة «لا تهدف لإجراء نقاش أوسع بشأن موقف فنلندا من الانضمام إلى تحالف عسكري أو لا». ويأتي هذا الإعلان بعدما أظهر استطلاع للرأي، للمرة الأولى في تاريخ فنلندا، وجود أغلبية واضحة تؤيد انضمام البلاد إلى التحالف العسكري الغربي. وحصل هذا التغيير الجذري في الرأي العام الفنلندي بعد الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا. وأوضحت رئيسة الوزراء أنه بعد أن جمعت العريضة تواقيع 50 ألف مواطن، وهو العدد اللازم لإحالتها إلى البرلمان، فإنه «من المفيد الاستماع إلى وجهات نظر الأحزاب حول هذه المسألة. ومن هذا المنظور، سيكون السؤال على جدول أعمال الجلسة البرلمانية». والعريضة التي تطالب بإجراء استفتاء عام على عضوية فنلندا في حلف شمال الأطلسي أطلقت الاثنين الماضي وبلغ عدد الموقعين عليها عتبة الـ50 ألفاً يوم الجمعة. وشددت مارين على أن هدف الجلسة هو استمزاج آراء النواب والأحزاب لا غير، وذلك بعيد تأكيد هلسنكي في الأيام الأخيرة أنها لا تعتزم الانضمام إلى الأطلسي رغم الهجوم الروسي على أوكرانيا. وكانت موسكو حذرت الجمعة من أن انضمام فنلندا، أو السويد المجاورة، إلى الأطلسي «ستكون له تداعيات عسكرية وسياسية خطيرة»، وهو تهديد تكرر بانتظام في السنوات الأخيرة. ويأتي هذا النقاش البرلماني بعد أن حصل تغير مفاجئ في الرأي العام بسبب الحرب في أوكرانيا. وفي استطلاع للرأي أجرته قناة «واي لي» التلفزيونية العمومية، قال 53 في المائة من الفنلنديين إنهم يؤيدون انضمام بلدهم إلى التحالف العسكري، مقابل 28 في المائة عارضوا الفكرة و19 في المائة امتنعوا عن الإدلاء برأيهم. وقال شارلي سالونيوس - باسترناك، الباحث في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، لوكالة الصحافة الفرنسية إن هذه النتيجة «تاريخية واستثنائية بالكامل». وفي يناير (كانون الثاني)، أظهر استطلاع مشابه نشرته صحيفة «هلسنكن سانومات» اليومية، أن 28 في المائة فقط من الفنلنديين يؤيدون انضمام بلدهم للحلف. وفنلندا الدولة غير المنحازة، لكن العضو في الاتحاد الأوروبي، اتخذت الاثنين قراراً «تاريخياً» بتزويد أوكرانيا بأسلحة فتاكة وذخائر وأعتدة هي 2500 بندقية رشاشة و150 ألف قطعة ذخيرة و1500 قاذفة صواريخ و70 ألف حصة غذائية ميدانية.
2025... عام ملء الفراغات؟https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/5098475-2025-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%84%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D8%A7%D8%AA%D8%9F
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.
يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟
بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.
دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.
بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».
حال العالم
في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.
في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.
وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.
يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟
إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.
شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.
التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ
مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.
تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.
في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟