توحيد «البيت السني» يربك معادلة {التوازن المكوناتي} في العراق

هل استثمرت أنقرة الفراغ الإيراني - الأميركي؟

TT

توحيد «البيت السني» يربك معادلة {التوازن المكوناتي} في العراق

خلال بضعة شهور حرص الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على لقاء أبرز زعيمين سنيين (محمد الحلبوسي وخميس الخنجر) مرتين. وكلا المرتين كانتا بعد إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2021 لم يعاصر كل من الحلبوسي والخنجر فترة الزعامات السنية الكبيرة التي غادرت مشهد ما بعد 2003 أو توارت عنه لسبب أو لآخر.
لم يكن أي واحد من تلك القيادات السنية من الآباء المؤسسين لنظام ما بعد سقوط صدام حسين. كان آباء النظام المؤسسون هم من الشيعة والكرد فقط. وحتى عندما تشكل مجلس الحكم عانى هؤلاء الآباء المؤسسون في البحث عن قيادات سنية يمكن أن تكمل ديكور الحكم الجديد الذي أطلق عليه «مجلس الحكم» برعاية أميركية، وبزعامة مطلقة من الحاكم المدني الأميركي بول بريمر.
اقتضى بناء النظام الجديد أن يتأسس على قاعدة المكونات العرقية والمذهبية (الشيعة والسنة والكرد). وطبقا لهذه القاعدة فإن مجلس الحكم الذي تشكل من 25 عضوا كانت حصة الشيعة منهم 13 عضوا، من بينهم زعيم الحزب الشيوعي العراقي الذي صنف لأغراض المحاصصة بوصفه شيعيا. بدا الأمر أشبه بنكتة كان هو نفسه (حميد مجيد موسى) زعيم الحزب الشيوعي يومذاك يسخر مما بدا مفارقة.
كان لا بد من البحث عن 5 أعضاء سنة لكي يصبحوا أعضاء في مجلس الحكم مقابل 5 أعضاء كرد وعضو مسيحي. جيء بالأعضاء الخمسة من الحزب الإسلامي العراقي يومذاك وعبر زعيمه (محسن عبد الحميد) وآخرين كان من بينهم أيضا عدنان الباجه جي وغازي الياور ونصير الجادرجي وسمير الصميدعي.
كان من بين مهام الولايات المتحدة الأميركية حفظ التوازن ولو شكلا بين المكونات العراقية. لكن السيطرة الحقيقية على أرض الواقع مع هشاشته خلال السنوات الأولى من التغيير هي للكرد والشيعة الذين كانوا من أبرز المعارضين لنظام صدام حسين لعقود تزيد على الثلاثة. سرعان ما استأنفوا ما عدوه تحالفا تاريخيا بينهم، كانت أولى ثماره دستور عام 2005 الذي تم التصويت عليه بأغلبية شيعية كردية واضحة (نسبة 80 في المائة تقريبا) مقابل رفض سني شبه كامل له. فالنسبة المتبقية وهم 20 في المائة من غير المصوتين ينتمي أغلبهم إلى سكان المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية (الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى وكركوك)، فضلا عن الأحياء السنية في العاصمة بغداد.
خلال بضع سنوات بدأ التحالف (التاريخي) الشيعي - الكردي يتصدع على وقع الخلافات حول تطبيق مواد الدستور لا سيما المواد 140 الخاصة بكركوك والمناطق المتنازع عليها و111 الخاصة بالنفط والغاز، فضلًا عن أسلوب تقاسم السلطة وغيرها من الخلافات. في هذه الأثناء بدأت القيادات السنية التي برزت أدوارها في مرحلة ما بعد فترة التأسيس، مثل طارق الهاشمي ورافع العيساوي وإياد السامرائي، زعيم الحزب الإسلامي، وأسامة النجيفي، رئيس البرلمان الأسبق، وصالح المطلك تتراجع أدوارهم بصيغ مختلفة، كان أبرزها مطاردة الهاشمي الذي لا يزال خارج العراق محكوما عليه بالإعدام غيابيا ورافع العيساوي الذي يتابع الآن القضايا العالقة بشأنه، حيث يتنقل بين مراكز التحقيق والقضاء لإثبات براءته.
في عام 2013 انطلقت مظاهرات ضخمة في المحافظات الغربية من العراق استمرت نحو سنة قبل أن يجري قمعها من قبل السلطات آنذاك. ومع أن المتظاهرين قدموا مطالب بدت مشروعة، لكنها سرعان ما اتهمت بأن من يقف خلفها هو «تنظيم داعش». لم يكن قد برز اسم محمد الحلبوسي بعد، لكن برز إلى الواجهة اسم خميس الخنجر رجل أعمال، وأحد الشيوخ العشائريين في محافظة الأنبار. في عام 2014 أصبح الحلبوسي عضوا في البرلمان العراقي ورئيسا للجنة المالية في البرلمان. ثم خرج من البرلمان محافظا للأنبار. وفي عام 2018 عاد عضوا في البرلمان ثم أصبح رئيسا له وهو بعمر الـ37، لم يحجز مقعده كأصغر رئيس برلمان في العراق، بل حجزه بوصفه واحدا من أبرز اللاعبين في المعادلة السياسية في العراق. في هذه الأثناء كان الخنجر مغضوبا عليه شيعيا قبل أن يتغير المشهد بعد فترة ليست طويلة ليظهر في صورة بدت تاريخية في وقتها مع نوري المالكي وهادي العامري وعدد من أبرز قيادات الشيعة. بدت تلك الصورة بمثابة غسيل تاريخ قديم واستئناف تاريخ آخر. لم تكن العلاقة طيبة بين الحلبوسي الشاب المندفع وبين الخنجر رجل الأعمال بالغ الثراء. السبب في تردي العلاقة بينهما هو النفوذ على المحافظات الغربية.
بعد انتخابات 2021 تغير المشهد تماما مع تغير نتائج الانتخابات، وتغير أدوار اللاعبين الإقليميين والدوليين. وسرعان ما برز الزعيم الشيعي مقتدى الصدر رقما صعبا إن كان على مستوى الفوز بأعلى المقاعد أم على صعيد رؤيته في تشكيل الحكومة المقبلة دون تدخلات (غربية أو شرقية). بروز الصدر قسم البيت الشيعي إلى قسمين (التيار الصدري والإطار التنسيقي). فشلت إيران في توحيدهما برغم كل محاولاتها، الأمر الذي بدأ يثير المزيد من الشكوك حول جدية تراجع الدور الإيراني. الكرد الذين كانت مواقفهم موحدة حيال المركز أو بغداد فإن المنصب السيادي الأكبر لهم (رئاسة الجمهورية) فكك قوتهم بسبب تناحرهم عليه مما انتزع منهم دورهم القديم (بيضة القبان). وفيما لم يعد بينهم وبين الشيعة تحالف تاريخي بل حل محله الآن نوع من التناحر غير التاريخي حتى الآن بسبب خرق الحزب الكردي الأكبر من ناحية الفوز بالانتخابات (الديمقراطي الكردستاني) قاعدة ثبات البيوت المكوناتية التي بناها الآباء المؤسسون (الشيعة والكرد)، كان من شأن ذلك أن زاد من ضعف البيت الشيعي وفاقم الخلاف الكردي - الكردي.
سنيا لا شيء يبدو مخفيا. الصور تفصح عن نفسها. محمد الحلبوسي رئيس البرلمان الذي فاز بأغلبية ساحقة (200 صوت) يلتقي مع خصمه القديم وحليفه الجديد خميس الخنجر في أنقرة مع إردوغان. توحد البيت السني وتشكل (تحالف السيادة). بدا الأمر بالنسبة للشيعة مريبا لا سيما اللقاء الأخير الأسبوع الماضي، حيث ظهر في الصورة مدير المخابرات التركية فيدان حقان. اختلطت نظريات المؤامرة مع ما يمكن أن يخبئه المستقبل. فالخبراء السياسيون يرون أن تركيا استثمرت تراجع الأولويات الأميركية - الإيرانية فيما يتعلق بالملف العراقي، فتمكنت من ملء الفراغ عبر توحيد البيت السني، بينما كمية التصريحات التي أطلقتها العديد من القيادات الشيعية بعد الصورة الرباعية (خميس الخنجر ورجب طيب إردوغان ومحمد الحلبوسي وفيدان حقان)، وعكست مخاوف من أن الشيعة سوف يتحولون إلى أقلية في الحكومة القادمة. هذا يعني من وجهة نظر هذه القيادات أن الشيعة لن يتمكنوا من فرض أغلبيتهم التي كانوا عليها داخل البرلمان، فضلا عن أن تركيا سوف تتمدد نفوذا وقوة بتحالف سني كبير، وقد يلتحق به قسم من الكرد في مرحلة لاحقة.



نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.