هل الصاروخ أصدق إنباء من «الميديا»؟

TT

هل الصاروخ أصدق إنباء من «الميديا»؟

هل تهتم بالأزمة الأوكرانية؟ وكيف تحصل على المعلومات اللازمة لفهم طبيعة تلك الأزمة وسبر أبعادها وإدراك تطوراتها؟ وهل يمكن وصف المعلومات والتحليلات التي تصلك في هذا الإطار بأنها دقيقة أو متوازنة؟
من خلال طرح هذه الأسئلة على الذات، ومحاولة الإجابة عنها، سيتضح لنا الكثير من الأسباب التي دعتنا إلى مساندة بعض أطراف الأزمة ومعاداة بعضها الآخر.
والشاهد أن موقفنا من الأزمة الأوكرانية سيكون خلاصة لمزيج من خبراتنا السابقة، ومواقفنا الآيديولوجية، ومصالحنا المادية المباشرة، والمعلومات التي نحصل عليها بشأنها من وسائط الإعلام المختلفة، وفي حالة عدم تبنينا لموقف آيديولوجي مُسبق أو تمتعنا بخبرة مباشرة خاصة حيال الحدث وأطرافه، فإن وسائل الإعلام النافذة والرائجة ستنفرد بالساحة، وستقرر لنا الاتجاه الذي سيتحدد سلوكنا بموجبه.
في نهاية الأسبوع الماضي، غردت جوان دونوفان، مديرة الأبحاث في «مركز شورنستين للإعلام والسياسة العامة» الأميركي، قائلة: «من الأفضل الاعتماد على القنوات الإخبارية للحصول على معلومات بشأن الأزمة الأوكرانية، بدلاً من استخدام وسائل (التواصل الاجتماعي) في الوقت الحالي».
تواصل دونوفان تحذيراتها من الاستسلام لما يُبث عبر «السوشيال ميديا» عند محاولة التعرف إلى التطورات التي تشهدها تلك الأزمة وتحبس أنفاس العالم وتخطف أبصاره، فتقول إن طيفاً عريضاً من الحسابات الداعمة للجانب الروسي يعمل بقوة على تشكيل سردية تعزز مصالح موسكو وتروج لرؤيتها، عبر استخدام أنماط دعاية منحازة ومُضللة.
ربما لا تستطيع تلك الباحثة الغربية أن تحذر الجمهور من بعض أنماط الانحياز التي تهيمن على المحتوى الخاص بالأزمة الأوكرانية في وسائل الإعلام الإخبارية النافذة، لأنها ببساطة إن فعلت ذلك فإنما ستكون قد شككت في السردية الغربية حول تلك الأزمة وتفاعلاتها، وهي السردية التي نكاد لا نسمع سواها من الوسائط «التقليدية».
يتحدث مراقبون عديدون من المتخصصين عن أن الأزمة الأوكرانية تشكل نقلة نوعية في طبيعة العلاقات الصدامية بين روسيا والغرب، ويذهب البعض إلى أنها ستشكل علامة فارقة وحدثاً «له ما بعده» في القصة الأوروبية التاريخية، بينما سيمكنني القول إنها ستجسد أيضاً صورة التفوق الإعلامي الغربي، وستكرس انتصاراته في معارك «القوة الناعمة» بامتياز.
حاولت على مدى الأسبوعين الفائتين التعرف إلى الطريقة التي يغطي بها الإعلام الغربي تفاعلات الأزمة الأوكرانية، فوجدت آلاف الموضوعات والتغطيات التي تعزز السردية الغربية بتفاصيلها وعناصر البرهنة التي تستخدمها ببراعة، لكن الصوت الروسي كان مطموراً ومتوارياً وضعيفاً، ولا يمكنك الوصول إليه إلا بعد المرور بعشرات الروابط التي تحكي القصة من منظور مغاير.
لقد ظهر مصطلح «القوة الناعمة» لأول مرة بمعناه الحالي، في عام 1990، في مقال كتبه بروفسير العلوم السياسية في جامعة «هارفارد» جوزيف ناي، في دورية «السياسة الخارجية»، تحت عنوان «القوة الناعمة: استخدام الجاذبية والإقناع لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة».
وفي أبسط صورة ممكنة، يشرح «ناي» مفهوم «القوة الناعمة» باعتبارها: «قدرة الدولة على تحقيق الجذب والتأثير من دون إجبار وإكراه»، وبمعنى آخر فهي: «قدرة الدولة على خلق مطاوعة لإرادتها وسياساتها لدى الآخرين عبر الإقناع، ودون حاجة إلى القوة الصلبة».
ووفق هذا المفهوم، فإن الولايات المتحدة، وحلفاءها الغربيين، استطاعوا أن يحرزوا تقدماً ملموساً في معركة «التصورات» بخصوص الأزمة الأوكرانية، وهو الأمر الذي قد يختلف عن نتيجة المعارك على الأرض ومردودها الجيوسياسي.
يحتل الإعلام مكانة مميزة في قلب مفهوم «القوة الناعمة»، بسبب قدرته الفائقة على التأثير في الرأي العام، إلى الحد الذي دعا ناي إلى القول إن «المعارك لا يمكن أن تُربح فقط في ميادين القتال، وإن الكاسب في الحرب هو ذلك الذي تربح قصته في الإعلام».
سيتعارض هذا مع قاله أبو تمام، في القرن التاسع الميلادي، حين رأى أن «السيف أصدق إنباء من الكتب»، وستكون الأيام المقبلة فرصة لاختبار نجاعة كلا الطرحين.
لقد نجحت روسيا في مباراة الاتصال السياسي التي خاضتها عشية الحرب في مواجهة الغرب، حين استخدمت سلاح السخرية مقابل تكتيك الفضح وتسليط الأضواء الأميركي، لكن هذا الانتصار كان تكتيكياً، ولم يحل دون توقع الهزيمة الاستراتيجية في معركة «القوة الناعمة».
الحرب المعاصرة مفهوم أكثر تعقيداً من فكرة التصارع بالسلاح، وفي تلك الحرب يحقق الغرب أهدافاً كبيرة من دون أن يطلق رصاصة، لأنه يهيمن على المجال الإعلامي.
روسيا تتراجع في معركة الصورة الذهنية؛ لأنها طورت صواريخ ومدرعات بأكثر مما اهتمت بتطوير قدرتها على الجذب والإقناع.



إردوغان يعلن عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

إردوغان يعلن عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.