عفو رئاسي عراقي عن مدانين بتجارة المخدرات يتحول إلى «فضيحة سياسية»

تواصل الانتقادات السياسية والشعبية لرئيسي الجمهورية والوزراء

TT

عفو رئاسي عراقي عن مدانين بتجارة المخدرات يتحول إلى «فضيحة سياسية»

تحول العفو الذي أصدره رئيس الجمهورية برهم صالح بتوصية من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عن نجل محافظ النجف المدان بتجارة المخدرات، إلى «فضيحة سياسية» تفجرت بوجه الرئيسين صالح والكاظمي وأشعلت موجة غضب وانتقادات شعبية واسعة لم تخل من استثمار سياسي من قبل خصومهما، وخاصةً من قبل القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري، غريم برهم صالح، الذي أقصي من سباق التنافس على منصب رئاسة الجمهورية بحكم قضائي، حيث رأى زيباري على خلفية إصدار العفو، أن «الرئيس (صالح) بحاجة إلى شهادة حسن سيرة وسلوك من قضائنا المستقل».
وليس من الواضح بعد ما إذا كانت قضية العفو المطعون في صحتها، ستساعد خصوم صالح والكاظمي في حرمانهما من الولاية الثانية في رئاستي الجمهورية والوزراء التي يسعيان إليها.
ويشكك كثيرون من المراقبين بدوافع إصدار العفو «غير المبرر» من النواحي السياسية، وربما القانونية، ويميلون إلى الاعتقاد أنها جاءت طبقا لصفقة مع زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر لإزاحة محافظ النجف عن منصبه في مقابل إطلاق سراح نجله، مع ضمان موافقة الصدر على منحهما ولاية ثانية.
وأظهرت وثيقة مسربة إلى وسائل الإعلام، أول من أمس، قيام الرئيس صالح بإصدار عفو خاص في العاشر من يناير (كانون الثاني) الماضي، عن جواد لؤي جواد نجل محافظ النجف السابق لؤي الياسري، واثنين من شركائه، مدانين بتجارة المخدرات.
وفيما التزم رئيس الوزراء الكاظمي الصمت حيال موجة الانتقادات الواسعة ضد قرار العفو، حاول رئيس الجمهورية في بيان أصدره مساء السبت، شرح موقفه من قرار العفو، مثلما سعى ضمنا إلى التنصل منه بذريعة «احتمالية الخطأ القانوني». وقال بيان الرئاسة إن «المرسوم الجمهوري صدر بناءً على التوصية الواردة إلى رئاسة الجمهورية بموجب كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء، حيث تصدر رئاسة الجمهورية مراسيم العفو وفق سياقات دستورية وقانونية محددة استناداً لإحكام المادة (٧٣ / أولاً) من الدستور». وأضاف أن صالح «وجه بإجراء تدقيق وتحقيق عاجل للوقوف على أوليات إصدار المرسوم وسيتم معالجة أي خلل قانوني مترتب عليه وإعلان نتيجة التحقيق إلى الرأي العام في أسرع وقت». وأكد أن الرئيس «لم ولن يتهاون في مجابهة التحدي الخطير المتمثل بالترويج للمخدرات وتجارتها والمحكومين فيها، فهي جريمة تمس أمن المجتمع واستقراره وسلامته».
وحتى المادة 73 من الدستور التي استند عليها قرار العفو الرئاسي صارت محل نقاشات جدية، ورأت بعض الاتجاهات القانونية، أنها ليست من صلاحيات الرئيس، فجرائم المخدرات تقترب من طابع الجرائم الدولية التي لا يجيز الدستور للرئيس منح العفو الخاص عنها، حيث تنص المادة (73 \ أولاً) من الدستور على أحقية رئيس الجمهورية «إصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء، باستثناء ما يتعلق بالحق الخاص، والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والإرهاب والفساد المالي والإداري».
وفي مقابل الصمت الذي يمارسه رئيس الوزراء حيال ضجة العفو المتواصلة، تقدم النائب المستقل عن محافظة النجف هادي السلامي، أمس، بسؤال برلماني إلى رئيس الوزراء قال فيه: «ما هو السند القانوني والدستوري لقيامكم بإصدار التوصية بالعفو الخاص عن المدان بجرائم المخدرات (جواد لؤي جواد) رغم أن حكومتكم لا تمتلك الصلاحيات في الوقت الحالي كونها حكومة تصريف أعمال». وأضاف أن «جرائم المخدرات تعد من الجرائم الدولية العابرة للحدود، ومن الأفعال المحرمة دوليا وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة».
وفي تغريدة عبر «تويتر»، قال السلامي: إن «مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية يدعمان تجار المخدرات».
وإلى جانب سيل الانتقادات التي وجهها كثيرون من مختلف الشرائح الاجتماعية إلى قرار العفو، وجدت بعض القوى والشخصيات السنية في القرار فرصة لانتقاد الحكومة والمطالبة بعفو مماثل يشمل ما يقولون إنهم سجنوا بتهم كيدية بذريعة الإرهاب في محافظات غرب وشمال البلاد ذات الأغلبية السنية، حيث رأى النائب عن «تحالف السيادة» مشعان الجبوري أن «عفو الرئيس صالح عن تاجر المخدرات نجل محافظ النجف يظهر الحضيض الذي وصلته دولتنا». وقال إنه في مقابل العفو تاجر المخدرات «يقبع الآلاف من ضحايا الاعترافات تحت التعذيب في السجون دون أن يفكر فخامة الرئيس بالعفو عنهم أو يزورهم ويطلع على محنتهم؟!».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.