نساء دميمات ألهمن كثيراً من الكتاب والشعراء عبر التاريخ

مفاهيم الجمال والقبح تختلف حسب الزمان والمكان

شارل بودلير  -   أليغييري دانتي -  أورهان باموق
شارل بودلير - أليغييري دانتي - أورهان باموق
TT
20

نساء دميمات ألهمن كثيراً من الكتاب والشعراء عبر التاريخ

شارل بودلير  -   أليغييري دانتي -  أورهان باموق
شارل بودلير - أليغييري دانتي - أورهان باموق

الكلام عن القبح ليس سوى طريقة مختلفة للكلام عن الجمال، ويتبادل لدى الناس بين الأزمان والأمصار الجمالُ والقبحُ الدورَ والمكان والمعنى، ويتساءل المرء في النهاية: ما هو الجمال، وكيف يكون القبح؟
عن المؤرخ هريودوتس، أنه شاهد في مصر القديمة تصويراً لنفرتيتي بملامح قبيحة، وغير جذابة، لأن «قباحة الصورة مؤشرٌ على القوة الكامنة»، والمفهوم من المعنى أن الملكة كانت قبيحة الصورة، لكنها بأنوثة طاغية. وفي النشيد التاسع عشر من المطهر يحلم دانتي حلماً، ويرى فيما يرى النائم «امرأة عيية، حولاء، وقدماها فحجاوان، بتراء اليدين، شاحبة السحنة». ينظر دانتي إليها، فتصيرها عيناه امرأة جميلة، ثم تشرع في الغناء، وتذهل أغنيتها الشاعر.
شاعر الجمال والحب، الفرنسي شارل بودلير، أبو الحداثة الشعرية، الذي وصفه رامبو بأنه «أول راء، ملك الشعراء»، عشق بودلير فتاة زنجية قبيحة الصورة وتعاني من ندبات الجدري، وكانت بالإضافة إلى ذلك سيئة الأخلاق، هي جان ديفال، ولم يكترث للون بشرتها السوداء الذي كان مثار سخرية ونقمة.
في ذلك الزمان. اتخذها خليلة، وحاول أن يهجرها أو أن يخونها فلم يستطع، لأن العشق تملكه، وملكه. هل يمثل اهتمام شاعر «أزهار الشر» بالسحر الأنثوي الطاغي لدى المرأة القبيحة الكشف الأول في اختبارات الجمال، التي سوف يمضي فيها بعيداً رواد الحداثة في الأدب والفن الذين ظهروا في أوروبا في مستهل القرن العشرين، عندما قاموا بتشييد ثقافة جديدة قوضت مفاهيم علم الجمال، وامتدت تأثيراتها على القرن الماضي، ولا تزال سارية إلى الآن؟
إن أقرب مثال للإحساس بالوجود في بساطته الأولى هو تأمل الطلعة الصافية للمرأة، ودون رتوش، سواء كانت بيضاء أو سمراء أو شقراء أو صفراء أو حمراء أو سوداء، كما أن هناك من النساء من فيها عيب، وهناك من فيها عيب آخر، ومن كانت شديدة الفقر وسيئة المنطق، ومن كانت شديدة الغنى أو جميلة بشكل خطير، كما أن فكرة «الذوق» تختلف حسب الزمان والمكان، لأن الذوق الجيد عند جيل هو ذوق فاسد عند جيل تالٍ، وما يراه ملائماً أهل بلد، ربما كان منظره شنيعاً في بلد ثانٍ، كما أن نظام القيم النهائية في هذا الموضوع معقد إلى درجة أنه يختلف بين البلدان تبعاً لثقافتها ورقيها المدني والحضاري. ففي اليابان مثلاً نجد قياس الجمال يخضع لفلسفة وابي - سابي، التي ترمي إلى تقبل الأشياء كما هي وعلى طبيعتها، بعيوبها وبشوائبها وبترهلاتها وبتآكلاتها، وبفنائها. إن عبارة «جماليات العيوب»، كما يقال لهذه الفلسفة اختصاراً، ليست فكرة زهدية أو تأملية خالصة، بل ممارسة حياتية تحاول تجريب الطريق إلى السعادة بواسطة الهدوء والسكينة اللذين يقدمهما لنا عدم الكمال في الأشياء، أو «الاكتفاء بعدم الاكتمال»، بالإضافة إلى العلاقة الحميمة مع كل ما هو بسيط واقتصادي ومتقشف. إن مبدأ الجمال هنا يقوم على أساس مختلف، وثمة مطلق وظلام وفراغ لا نهائي يفصل بين فلسفة الوابي سابو، وما يجري على أرض الواقع في بقية المجتمعات والبلدان.
ففي أميركا، مثلاً، دفع الأميركان عام 2005 ما يقارب 12.5 مليار دولار على عمليات التجميل، وهو ما يعادل ميزانية أكثر من 100 بلد تمتد من ألبانيا وصولاً إلى زيمبابوي، أي ما يكفي لمعيشة وإيواء مليار نسمة، وجميع النسوة اللواتي أُجريت لهن العمليات وتحملن خطورة ومضاعفات التخدير العام، يعتقدن أن مقياس الأنوثة لدى المرأة هو جمالها. الأموال الطائلة التي صُرفت في الولايات المتحدة في سبيل تجميل وجه المرأة تُعد مهدورة في اليابان، لأن مبدأ الجمال هنا يقوم على أساس مختلف. الذاوي من الأشياء والمهترئ والملطخ والمغطى بالندبات والمسخ... كل هذه الصفات إذا كانت طبيعية فهي جميلة في بلاد التاو.
وإذا كانت حصص النساء متباينة في الحُسن، وكذلك في الحظ السعيد، لكن البارئ قسم الأنوثة بينهن بالعدل والقسطاس، فالمرأة الدميمة ربما أغرمت الأثرياء من الرجال، وألهمت الشعراء وفتحت عليهم باب الإبداع، حتى المرأة التي كُتبَ عليها أن تكابد قدراً شنيعاً سبب لها عاهة دائمة لديها أنوثة ربما تفوقت بها على أجمل بنات حواء، وهي الأنوثة التي يمكننا أن ندعوها «تعويضية». يقول الأديب الفيلسوف مدني صالح: «النساء متشابهات مثلما تشبه حبة هيل حبة هيل أخرى، إلا بما تثيره المرأة لدى الرجل من سحر يلهب خيالاته ورؤاه». وتستطيع المرأة فعل هذا بطرق عديدة غير جمال الصورة ورشاقة الجسد، وبيت الغنج له أبواب ومداخل عديدة. «ظهرت امرأة ضخمة وعريضة جداً إلى حد أنها تشبه الخزانة، ولكنها حيوية، وحركتها لا تهدأ، وحتى إنها مغناج». المشهد من رواية «اسمي أحمر» لأورهان باموق.
إن الأدب يساعدنا على فهم الحياة مثل الفلسفة، وربما تفوق في ذلك، أو أنه الفلسفة الحياتية التي يقدمها لنا الأديب في لبوس فني. «اسأل علجوماً ما هو الجمال؟»، كتب فولتير «وسيجيبك بأنه أنثاه، بعينيها المدورتين الكبيرتين الجاحظتين في رأسها الصغير». ويوهن المرأة الزمانُ والقدر، ويتقدم بها العمر وتمرض وتصير عجوزاً، لكن الأنثى فيها تظل تكافح وتسعى ولا تستسلم، وتبقى في نظر نفسها جميلة الجميلات، كما أن العجوز التي بلغت من العمر وكادت أن تصبح غير مرئية تستطيع أن تحب وتعشق، حالها حال الرجل.



أسلحة مزخرفة من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
TT
20

أسلحة مزخرفة من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

يحتلّ موقع ساروق الحديد مكانة عالية في سلسلة المواقع الأثرية التي كشفت عنها عمليات التنقيب المتلاحقة في الإمارات المتحدة، ويتميّز بترابه الأثري الذي يشهد له الكم الهائل من اللقى التي خرجت منه في العقدين الأخيرين. تشكّل هذه اللقى مجموعات عدة مستقلة، منها مجموعة كبيرة من الأسلحة المعدنية تحوي خنجرين فريدين من نوعهما، لكل منهما مقبض منحوت على شكل فهد رابض يمدّ قائمتيه الأماميتين في الأفق.

تتبع منطقة ساروق الحديد إمارة دبي، وتجاور قرية الفقع بين مدينة دبي ومدينة العين التابعة لإمارة أبوظبي. شرعت دائرة التراث العمراني والآثار التابعة لبلدية دبي في استكشاف هذا الموقع في عام 2002، بالتعاون مع عدد من البعثات الأجنبية، وأدت حملات التنقيب المتواصلة خلال السنوات التالية إلى العثور على مجموعات متنوعة من اللقى تعود إلى فترات زمنية تمتد من العصر البرونزي إلى العصر الحديدي، منها مجموعة من الأختام، ومجموعة من الأواني الطينية، ومجموعة من الأدوات المعدنية.

تنقسم مجموعة الأدوات المعدنية إلى مجموعات عدة، أكبرها مجموعة من الأسلحة تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، تشابه في صناعتها وفي صياغتها أسلحة معاصرة لها خرجت من مواقع أثرية أخرى في الإمارات وفي المناطق المجاورة لها. يأخذ القسم الأكبر من هذه الأسلحة شكل خنجر من الحجم المتوسط، يتكوّن من مقبض بسيط ونصل مروّس. يبدو المقبض مجرّداً من الزينة في أغلب الأحيان، غير أن بعض النماذج تخرج عن هذا السياق، وتتميّز بنقش زخرفي متقن يشهد لأسلوب فني ساد في هذه الناحية من الجزيرة العربية كما يبدو.

يتجلّى هذا النقش الناتئ في خنجر من البرونز يتكون من مقبض يبلغ طوله 13 سنتيمتراً، ونصل طوله 16 سنتيمتراً. يتكوّن هذا النقش من مساحات زخرفية مختلفة، تشكّل معاً تأليفاً تجريدياً يجمع بين تقاسيم متناغمة. يعلو هذا التأليف شريط أفقي يحدّ قاعدة نصل الخنجر، تزيّنه سلسلة من الحبيبات المتلاصقة. يستقرّ هذا الشريط فوق مساحة مكعّبة تأخذ شكل تاج تزيّنه زخرفة حلزونية مكوّنة من مفردتين تشكيليتين معاكستين. في النصف الأسفل من هذا المقبض، تحضر مساحة مستطيلة تزينها سنابل منتصبة محوّرة هندسياً، تستقرّ في إطار يحدّه شريطان مزخرفان بشبكة من الخطوط الأفقية. ترتفع هذه الكتلة المتراصة فوق قاعدة أسطوانية، وتشكلّ هذه القاعدة الطرف الأسفل لهذا المقبض البديع.

يحضر هذا النقش بشكل مشابه في خنجر آخر يبلغ طول نصله الحديدي 13.7 سنتيمتر، وطول مقبضه البرونزي 9 سنتيمترات. ويظهر هذا التشابه من خلال السنابل المنتصبة في كتلة مستطيلة تشكّل عموداً يعلوه تاج يزينه تأليف حلزوني مماثل. يستقر هذا العمود فوق قاعدة أسطوانية مجرّدة، ويشكّل معها تكوين مقبض هذا الخنجر الذي تأكسد نصله الحديدي العريض.

يبرز في هذا الميدان خنجران فريدان من نوعهما يحمل كل منهما مقبضاً نُحت على شكل حيوان من فصيلة السنّوريّات، يمثّل كما يبدو فهداً رابضاً. يتشابه هذان الخنجران البرونزيان من حيث الحجم تقريباً، غير أنهما يختلفان في التكوين، ويظهر هذا التباين عند دراسة مقبض كل منهما؛ إذ يحمل أحدهما صورة فهد مجسّم، ويحمل الآخر صورة مزدوجة لهذا الفهد. يظهر الفهد المفرد في خنجر يبلغ طول نصله المقوّس بشكل طفيف 19.5 سنتيمتر، وطول مقبضه 14 سنتيمتراً. يتكوّن هذا المقبض من مجسّم على شكل فهد ينتصب عمودياً فوق قاعدة تأخذ شكل تاج تزينه زخرفة حلزونية، تماثل في تأليفها النسق المعتمد. يشكّل رأس هذا الفهد قمة المقبض، وملامحه واضحة، وتتمثّل بعينين دائريتين، وأنف شامخ، وشدقين مفتوحين. يرتفع هذا الرأس فوق عنق طويل مقوّس، يحدّه عقد من الحبيبات الناتئة، يفصل بينه وبين البدن. يتكوّن هذا البدن من صدر طويل مستطيل، تعلوه قائمتان أماميتان تمتدّان في الأفق، مع قدمين مقوّستين بشكل طفيف. الفخذان عريضتان، والذيل منسدل، وهو على شكل ذيل الأسد، ويتميز بخصلة عريضة تعلو طرفه، تنعقد هنا بشكل حلزوني.

يتكون الخنجر الآخر من نصل يبلغ طوله 16 سنتيمتراً، ومقبض على شكل قوس منفرج طوله 12.5 سنتيمتر. تتكرّر صورة الفهد، مع اختلاف في التفاصيل؛ إذ يغيب الطوق الذي يحيط بالعنق، وتستقيم القائمتان الأماميتان عمودياً، وتحضر في وسط العين نقطة غائرة تمثّل البؤبؤ. ينتصب هذا الفهد فوق فهد آخر يظهر بشكل معاكس له، ويشكّل رأس هذا الفهد المعاكس الطرف الأسفل للمقبض، وقاعدة للنصل المنبثق من بين فكّيه.

يمثّل هذان الخنجران حالة فنية استثنائية في ميدان مجموعات الأسلحة المتعددة التي خرجت من مواقع الإمارات الأثرية، ومواقع سلطنة عُمان التي شكّلت امتداداً لها، ويبرزان بطابعهما التصويري الذي يأخذ هنا شكل منحوتتين مجسّمتين. تعكس هاتان المنحوتتان أثر بلاد السند وبلاد الرافدين، غير أنّهما تتميّزان بطابع محلّي خاص، ويظهر هذا الطابع في قطع أخرى تنتمي كذلك إلى ما يُعرف تقليدياً بالفنون الصغرى.