القذائف أمطرت كييف في 1941... لكنها مهددة من الشرق هذه المرة

الروس يعتزمون السيطرة عليها بـ {قوة ساحقة}

جنود أوكرانيون بعد معركة مع القوات الروسية التي تهاجم العاصمة كييف صباح السبت (أ.ف.ب)
جنود أوكرانيون بعد معركة مع القوات الروسية التي تهاجم العاصمة كييف صباح السبت (أ.ف.ب)
TT

القذائف أمطرت كييف في 1941... لكنها مهددة من الشرق هذه المرة

جنود أوكرانيون بعد معركة مع القوات الروسية التي تهاجم العاصمة كييف صباح السبت (أ.ف.ب)
جنود أوكرانيون بعد معركة مع القوات الروسية التي تهاجم العاصمة كييف صباح السبت (أ.ف.ب)

ما أشبه الليلة بالبارحة، مع الفارق... فقد شهد سكان العاصمة الأوكرانية كييف القذائف تنهمر كالمطر على المدينة خلال الأيام الماضية، تماماً كما حدث في عام 1941، في بداية حرب وحشية تجرعت فيها أوكرانيا معاناة لا يمكن تصورها. وتقول الكاتبة الأميركية كلارا فيريرا ماركيز، في تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، إنه مع انتشار صور العائلات الأوكرانية وهي تحتشد في الطوابق السفلية ومحطات مترو الأنفاق بالمدينة طلباً للسلامة، بينما تضيء الهجمات الصاروخية السماء، من الصعب عدم إجراء هذه المقارنة. فقط، هناك استثناء، وهو أن التهديد هذه المرة قادم من الشرق.
وتضيف أن المقارنة منقوصة، لكنها واضحة لكثير من الأوكرانيين، وتتناقض تماماً مع مزاعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأنه «يحرر أوكرانيا من النازية». ففي إشارة لما حدث في عام 1941، عندما كانت كييف الهدف الأول للنازيين، قال بوتين مؤخراً «لن نسمح بارتكاب هذا الخطأ مرة ثانية». وهي مقارنة ترى ماركيز أنه ليس من الحكمة أن يتجاهلها الكرملين، حتى وهو في حالته الوهمية؛ وهي أن حملات الحرب الخاطفة دائماً ما تكون جذابة في أعين مخططيها، لكن نادراً ما تكون بغير ألم أو قصيرة الأمد - حتى بالنسبة للدول القوية التي تتمتع بتفوق عسكري واضح، فالقوات الروسية قد تجتاح العاصمة الأوكرانية تماماً، لكن الحفاظ على تلك السيطرة في وجه قوة دفاعية متحمسة وشعب يكن لها العداء، ناهيك عن تحقيق هدف بوتين الأطول مدى المتمثل في تغيير النظام والأمن، يعد أمراً مختلفاً تماماً.
وتقول ماركيز إنه من الملاحظ أن هناك صموداً أوكرانيّاً في مواجهة روسيا، وأنباء عن استعادة السيطرة على أحد المطارات بعد مهاجمة قوات روسية محمولة جواً له. وهناك مسألة أعداد القوات. إذ إن نظرية القتال تقضي بأن القوات المهاجمة تحتاج على الأقل أن تكون النسبة ثلاثة إلى واحد لاجتياح القوات المدافعة في المقام الأول، وأن هذا أمر مؤكد حتى في حروب هذه الأيام؛ في ظل التكنولوجيات الحديثة والأنظمة الذاتية الحركة، كما قال لماركيز، ميك رايان، وهو مخطط استراتيجي وميجور جنرال متقاعد في الجيش الأسترالي.
فالقوات الروسية التي يبلغ قوامها نحو 190 ألف في منطقة الحدود وحولها، تواجه قوة قوامها 205 آلاف جندي أوكراني. ويوضح رايان أن القتال على الأرض غير مضمون ولا يمكن التكهن به دائماً، وربما لم تحسن موسكو تقدير الصعوبات التي تنتظرها. وتقول ماركيز إن روسيا، بطبيعة الحال، تمتلك المزيد من الموارد التي يمكنها نشرها. وحذر مسؤولو المخابرات في الغرب من أن موسكو تعتزم السيطرة على كييف بــ«قوة ساحقة».
وكما تردد في وسائل الإعلام الأوكرانية، سيكون من الصعب التصدي لخطة السيطرة على كييف والاستيلاء على الحكم إذا كانت الأعداد كبيرة للغاية، وفي ظل هجوم سيبراني وقوات محمولة جواً ومخربين يشاركون في أعمال حرق وسلب ونهب، تؤدي إلى عملية خروج في ذعر. ولكن في أفضل الأحوال ذلك سيكون فوزاً في معركة، وليس انتصاراً شاملاً، ناهيك عن نجاح طويل الأمد وفق شروط بوتين، التي تشمل تأمين ولاء أوكرانيا لروسيا. وتؤكد ماركيز أن الجيش الروسي أصبح أفضل تدريباً وتجهيزاً عما شهدته في غروزني منذ عشرين عاماً. فقد أنفقت روسيا أموالاً طائلة لتأهيل قواتها المسلحة لهذه اللحظة تحديداً. والقادة والجنود على أهبة الاستعداد. لكن الروس يهاجمون دولة جارة، وهناك روابط عائلية تربط الكثير منهم بها. وهم ليسوا كالأوكرانيين يدافعون عن حياتهم، أو مساكنهم، أو عائلاتهم، أو قيمهم السامية مثل الديمقراطية والحرية. ولكن هناك الأمر الأكثر أهمية، وهو ما إذا كان هذا الانتصار كما يراه بوتين - وهو ضمان تنصيب حكومة صديقة، ووقف اتجاه أوكرانيا نحو الغرب - يمكن تحقيقه فعلاً في ظل الاستراتيجية الحالية. وترى ماركيز أن هذا يبدو أمراً مشكوكاً فيه، ويبدو أن الكرملين يحقق العكس، فهو يقول إنه يريد تحرير أوكرانيا، وليس احتلالها.
وهو يريد الإطاحة برئيس أوكرانيا وتنصيب شخص صديق بدلاً منه. ولكن أوكرانيا، رغم كل متاعبها، دولة ديمقراطية، وليست سلطوية. ولا يمكن ببساطة تغيير قيادتها من خلال الإطاحة بالرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي.
ورغم أن علاقات الأوكرانيين اتسمت بالود تجاه موسكو على نطاق واسع للغاية في وقت من الأوقات، تشير استطلاعات الرأي إلى أن هذا لم يعد الحال الآن. وأكدت ماركيز في ختام تحليلها أن إحلال بديل لزيلينسكي موالٍ لروسيا سوف يكون أمراً مستحيلاً بدون قوة دائمة - بمعنى القيام باحتلال لأوكرانيا، وهو أمر لا تستطيع روسيا تحمله.
وقد يسيطر بوتين على كييف. ومن المؤكد أنه سوف يسبب حالة من عدم الاستقرار - وهو ما حدث بالفعل، لكن هل يستطيع أن يحول أوكرانيا إلى دولة مجاورة موالية له والجدار العازل الذي يحتاجه؟ إن هذا يبدو أمراً أكثر صعوبة.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».