علاقة ألمانيا بروسيا تقف حاجزاً أمام انحياز برلين كلياً إلى جانب الغرب

شولتس يتراجع عن «خطوط حمر» ويعلن تزويد أوكرانيا بـ 500 صاروخ «ستينغر»

التاريخ المعقد بين ألمانيا وروسيا ترك أثراً على رد فعل برلين إزاء الأزمة الحالية
التاريخ المعقد بين ألمانيا وروسيا ترك أثراً على رد فعل برلين إزاء الأزمة الحالية
TT

علاقة ألمانيا بروسيا تقف حاجزاً أمام انحياز برلين كلياً إلى جانب الغرب

التاريخ المعقد بين ألمانيا وروسيا ترك أثراً على رد فعل برلين إزاء الأزمة الحالية
التاريخ المعقد بين ألمانيا وروسيا ترك أثراً على رد فعل برلين إزاء الأزمة الحالية

ترتفع على حافة الطريق دبابتان من تركة الاتحاد السوفياتي. مكان هذا المعلم ليس بالصدفة. فكما أصبحت بوابة براندنبيرغ رمزاً لوحدة ألمانيا، ترمز الدبابتان إلى التضحيات التي قدمها الجيش الأحمر في معركة برلين، آخر وأشرس معارك الحرب العالمية الثانية، والتي خسر فيها السوفيات أكثر من 80 ألف جندي. المعلم ليس الوحيد في العاصمة الألمانية الذي يذكر سكان المدينة بماضيهم. نصبان ضخمان آخران شيدا في مكانين مختلفين في برلين. أحدهما عبارة عن تمثال ضخم لجندي سوفياتي بطول 12 متراً، يحمل بيد طفلة ألمانية أنقذها من النازيين، وبيده الأخرى سيف وهو يدهس برجله على السواستيكا (الصليب المعقوف)، شعار النازية. هذه المعالم شيدت باتفاقات رسمية بين الحكومتين الألمانية والروسية، وربما هي أفضل ما يلخص اليوم العلاقة المعقدة بين برلين وموسكو. فألمانيا تتمتع بتاريخ عميق ووطيد مع روسيا، ولكنه أيضاً ملتبس وُلد من الخوف والتاريخ ومؤخراً الطمع.
فألمانيا المحكومة جغرافياً بقربها من روسيا، اعتمدت على سياسة قريبة من الغرب والشرق في آن واحد، وهي سياسة ولدت في خضم الحرب الباردة وتعرف بـ«أوست بوليتيك» وترجمتها «السياسة الشرقية»، كان أول من طبقها فيلي براندت مستشار ألمانيا الغربية بين عامي 1969 و1974، السياسة أثارت الكثير من الجدل في ألمانيا الشرقية والغربية ولكنها كانت تهدف لتخفيف التوتر بين الطرفين وتحسين العلاقات مع الدول الشرقية السوفياتية.
واستمرت الحكومات الألمانية المتعاقبة بتطبيق هذه السياسة، بغض النظر عن انتماءاتها السياسية. ولكن في الوقت الذي بقيت فيه منفتحة على الشرق، لم تنس تحالفها مع الغرب وانضمت إلى حلف شمال الأطلسي، وسمحت للولايات المتحدة بأخذ قواعد عسكرية لديها ونشر صواريخ باليستية ونووية لديها، رغم أن انتشار هذه الأسلحة «سر» حتى اليوم لا يعترف به أي طرف.

وحتى المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي تنتمي لحزب محافظ هو الحزب المسيحي الديمقراطي، استمرت باعتماد سياسة الـ«أوست بوليتيك»، بجزء كبير بسبب تاريخها الشخصي ولكونها هي كبرت في شرق ألمانيا رغم أنها مولودة في الغرب. وقبل أن تتسلم هي السلطة في عام 2005، كان قبلها غيرهارد شرودر المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي وهو حزب كان فعلياً حزباً شيوعياً في شرق ألمانيا قبل الوحدة.
ولكن سياسة الـ«أوست بوليتيك» هذه التي بدأت بسبب التاريخ، استمرت بسبب الخوف من تكرار هذا التاريخ. ويترجم هذا بالدمار الهائل الذي ما زال واضحاً في الكثير من معالم برلين وهو دمار من مخلفات الحرب العالمية الثانية والقصف الهائل الذي تعرضت له المدن مع دخول السوفيات. وهو يظهر كذلك بالمجسمات السوفياتية الضخمة وسط العاصمة وبقايا الجدار الفاصل، وأيضاً بنقاط التماس المتبقية مثل «نقطة تفتيش تشارلي» الشهيرة التي تحولت اليوم معلماً سياحياً وسط العاصمة ولكنها كانت نقطة تمترس للدبابات الأميركية مقابل الدبابات السوفيات لسنوات.
كل هذا يذكر الألمان ليس فقط بأن تحريرهم من النازيين كان على يد السوفيات، ولكن أيضاً يذكرهم بأن إعادة توحيد بلادهم كان أيضاً بسببهم أي بفضلهم، وتحديداً بفضل زعيمهم الأخير ميخائيل غورباتشوف. وبالنسبة للألمان، السوفيات ليسوا فقط من حررهم ولكنهم كانوا قوات احتلال قسمت بلادهم ونصبت جداراً بين القسمين، ومنعت قاطني قسمهم الشرقي من المغادرة، وأخضعتهم لمراقبة خانقة وقوانين مقيدة.
ولكن مؤخراً أضيفت إلى هذه العلاقة المعقدة تاريخياً بين ألمانيا وروسيا، والتي وقفت طويلاً حاجزاً أمام وقوف برلين كلياً إلى جانب الغرب، عوامل اقتصادية تسهم اليوم في تردد برلين في الانضمام للغرب بشكل كلي في معاقبة روسيا على غزوها أوكرانيا. فألمانيا تحولت في السنوات الأخيرة إلى أكبر شريك تجاري لروسيا بعد الصين، وهي تعتمد في ثلث طاقتها تقريباً على الغاز الروسي الذي يصلها اليوم عبر أنابيب غاز تمر في أوكرانيا تعرف بمشروع نورد ستريم 1.

هذا الاعتماد زاد مؤخراً بعد إعلان ميركل إغلاق المعامل النووية التي كانت تولد الطاقة إثر حادث فوكوشيما عام 2011، وأدى إلى مشروع نورد ستريم 2 الذي يمكنه أن يصل الغاز الروسي مباشرة من روسيا إلى ألمانيا. ورغم التحذيرات الأميركية والأوروبية لسنوات لألمانيا من المضي قدماً بهذا المشروع، وفرض واشنطن عقوبات عليه لأنه يزيد من تأثير روسيا الجيوسياسي على ألمانيا، بقيت ميركل وحكومة أولاف شولتس (الاشتراكي) متمسكة بالمشروع على أنه اقتصادي بحت. وكان من أكبر المروجين لهذا المشروع مستشار ألمانيا السابق غيرهارد شرودر المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي يجلس في مجلس إدارة المشروع.
ورغم أن نورد ستريم 2 تكلف قرابة 11 مليار يورو، فقد قررت حكومة شولتس قبل أيام وقف العمل به، على الأقل مؤقتاً ريثما تراجع تأثيراته الأمنية عليها. وهذا القرار رغم أنه جاء متأخراً، ولكنه أظهر جرأة الحكومة الألمانية التي ذهبت بعيداً وبسرعة، بشكل أساسي بسبب حزب الخضر المشارك بالحكومة والذي يدير الخارجية والاقتصاد من بين حقائب أخرى. وحتى معارضتها لفرض عقوبات على روسيا تتعلق بمنعها من استخدام نظام «سويفت» للتحويلات المالية، تنبع من مخاوفها من أزمة طاقة وعدم قدرتها على الدفع لروسيا في حال منعها من التعامل بالنظام المالي العالمي، في وقت ترتفع فيه أسعار الطاقة بشكل جنوني في فصل شتاء ما زال لم ينته.
ولم تتوقف الحكومة الألمانية عند ذلك، بل يبدو بأنها تراجعت كذلك عن خطوط حمر حددتها الأحزاب الألمانية جميعها لنفسها بسبب تاريخها، تتعلق بعدم تصدير الأسلحة إلى مناطق نزاع. فقد أعلنت حكومة المستشار اولاف شولتس انها ستزود اوكرانيا «في اسرع وقت» ألف قاذفة صواريخ و500 صاروخ ارض-جو من طراز ستينغر لمساعدتها في مواجهة هجوم الجيش الروسي. وقال شولتس في بيان إن «العدوان الروسي على اوكرانيا يشكل نقطة تحول، إنه يهدد النظام الذي نشأ منذ ما بعد الحرب» العالمية الثانية، مضيفا «في هذا الوضع، من واجبنا أن نساعد اوكرانيا بقدر ما نستطيع، في الدفاع عن نفسها ضد جيش فلاديمير بوتين الغازي».
الخطوات السريعة والمتتالية التي تأخذها ألمانيا في اليومين الماضيين تشير إلى أنها تقترب من التصالح مع ماضيها والمضي قدماً في إعادة تقييم المخاطر الأمنية من دون أن تطاردها أشباح الماضي، وهي فعلاً خطوات عملاقة لبلد يعيش يومياً وصمة وعار ما اقترفه قبل 70 عاماً.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».