سانداوغو داميبا... عسكري قوي لقيادة بوركينا فاسو

أطاح بالرئيس وجلس على سدة الحكم

سانداوغو داميبا... عسكري قوي لقيادة بوركينا فاسو
TT

سانداوغو داميبا... عسكري قوي لقيادة بوركينا فاسو

سانداوغو داميبا... عسكري قوي لقيادة بوركينا فاسو

بقبعة حمراء وزي عسكري مزيّن بوشاح يحمل ألوان علم جمهورية بوركينا فاسو (أعالي الفولتا سابقاً)، وقف اللفتنانت - كولونيل بول هنري سانداوغو داميبا، داخل قاعة صغيرة في مبنى المجلس ‏الدستوري بالعاصمة واغادوغو، مؤدياً اليمين الدستورية كرئيس للبلاد. وبذلك صعد الكولونيل في الجيش إلى سدة الحكم في الدولة الأفريقية التي شهدت 8 انقلابات عسكرية منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960.
الاحتفال بثه التلفزيون الرسمي البوركيني، وضم عدداً من وسائل الإعلام المحلية، وسط غياب تام للتمثيل الأجنبي. ثم إنه جرى وسط إجراءات أمنية مشددة، أغلقت فيها قوات الأمن مدخل مقر المجلس الدستوري ‏في واغادوغو، ونصبت حواجز على نطاق ‏‏100 متر في محيطه. وخلال المناسبة، أقسم داميبا البالغ من العمر 41 سنة أمام الشعب البوركيني، يوم 16 فبراير (شباط) الجاري، على «حفظ الدستور والقوانين واحترامها ‏والدفاع عنها». وتعهد بمحاربة الإرهاب، مستهلاً خطاب تنصيبه بالوقوف دقيقة صمت تكريماً لأرواح الذين قُتلوا في المعارك الدائرة ضد الجماعات الإرهابية خلال السنوات الستة الماضية. كذلك، في كلمة مدتها عشر دقائق، وجه داميبا التحية إلى الشعب البوركيني، داعياً إلى «إدراك الجهود والتضحيات المطلوب بذلها لمواجهة الإرهاب»، وقال: «لنتغلب على العدو، لا بد أن نثق أننا نملك كأمّة أكثر مما هو مطلوب للفوز في هذه الحرب».

جاء تنصيب بول - هنري سانداوغو داميبا، الذي يوصف بأنه «رجل بوركينا القوي»، بعد مرور ثلاثة أسابيع على الانقلاب العسكري الذي أطاح بنظام الرئيس المنتخب روك مارك ‏كريستيان كابوري، يوم 24 يناير (كانون الثاني) الماضي. وكانت حجة الانقلابيين «فشل كابوري في مواجهة الإرهاب الذي يضرب البلاد منذ عام 2015»، في إشارة إلى العنف المسلح الذي راح ضحيته أكثر ألفي شخص، وتسبّب في نزوح نحو مليون ونصف المليون شخص، من إجمالي عدد السكان المقدّر بنحو 20 مليوناً، حسب تقديرات الأمم المتحدة.
الكولونيل الذي درس في فرنسا، وتلقى تدريبات عسكرية في الولايات المتحدة، تمكن من السيطرة على السلطة، وإزاحة كابوري، بعد أسابيع من تعيين الأخير له في منصب قائد المنطقة الثالثة العسكرية التي تشمل العاصمة واغادوغو. وهكذا، أكمل ما يطلق عليه المراقبون «ثالوث الحكام العسكريين في غرب أفريقيا»، الذين بدأوا حياتهم كمقاتلين في الصفوف الأمامية لمواجهة الإرهاب، قبل أن يدخلوا معترك السياسة، وهم: داميبا، والكولونيل مامادي دمبويا في غينيا، والكولونيل أسيما غويتا في مالي. وهو ما جدد المخاوف من أن ما سماه أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، العام الماضي «وباء الانقلابات»، قد يستمر لسنة أخرى، بعد انقلاب بوركينا فاسو، الذي يعد الثالث من نوعه في المنطقة خلال 18 شهراً.

- القائد.. الصامت
لم يكن اسم داميبا معروفاً سياسياً، على المستويين المحلي والدولي. وحتى ظهوره الأول بعد الانقلاب، أوحى للبعض بأنه «رجل خجول»، ذلك أن الضابط الأربعيني جلس صامتاً بين زملائه، تاركاً لزميل له مهمة إعلان السيطرة على السلطة، وتشكيل الحركة الوطنية للحماية والإصلاح (المجلس العسكري الحاكم) برئاسته. إلا أن هذا المظهر الهادئ يخفي تحته قائداً عسكرياً «قوياً»، إذ نقلت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» عن مصدر أمني قوله إن «داميبا ليس كثير الكلام، لكن عندما يتكلم يجب أخذ ما يقوله بجدية، فهو وُلد قائداً، يتميز بالحفاظ على علاقات وثيقة وقريبة مع مرؤوسيه، بلا حواجز، ويؤمن بأهمية النتائج على الأرض».

- البداية والنشأة
وُلد بول - هنري سانداوغو داميبا يوم 2 يناير عام 1981، وتخرّج في الدفعة 92 من الثانوية العسكرية التابعة لوزارة الدفاع البوركينية في كاديوغو. واستكمل دراسته في أكاديمية جورج ناموانو العسكرية في بوركينا فاسو، ليتخرج ضمن الدفعة رقم 7 من الأكاديمية. وكأقرانه من الضباط توجه داميبا إلى فرنسا حيث تابع دراسته في الأكاديمية العسكرية في باريس، وعاد إلى بلاده حاملاً درجة الماجستير في علوم الجريمة، وشهادة خبرة في استراتيجيات الدفاع والقيادة.
فور العودة إلى بوركينا فاسو عُيّن داميبا في الحرس الرئاسي إبّان فترة حكم الرئيس الأسبق بليز كومباوري، بيد أنه لم يستمر في هذا المكان، ففي عام 2011 ترك داميبا الحرس الرئاسي على أثر تمرد عسكري، يعدّه الخبراء «الخطوة الأولى» التي أدت لاحقاً إلى الإطاحة بالرئيس كومباري عام 2014. والواقع أن داميبا يحظى بتأييد وتشجيع زملائه الذين يشيدون بـ«التزامه»، ويقولون عنه إن «نموذج للجندي الشجاع والقائد القوي الذي يقف على الخطوط الأمامية مع الرجال»، حسبما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر عسكري.

- العسكري الأكاديمي
واصل سانداوغو داميبا تدرّجه صعوداً في السلك العسكري، قائداً لعدد من المناطق العسكرية في بوركينا فاسو، من بينها بلدة دوري الشمالية الشرقية، حيث عمل قائداً لفوج المشاة الحادي عشر، وقائداً للمركز الثاني عشر في بلدة أواهيغويا الشمالية، حيث بقي هناك حتى 2015، وهو العام الذي دخلت فيه البلاد في معركة دموية مع الإرهاب والتنظيمات المتطرفة المسلحة كغيرها من الدول المجاورة في منطقة الساحل مثل مالي والنيجر.
في هذه المرحلة بدأ نجم داميبا يسطع كقائد للحرب ضد الإرهاب، لا سيما بعدما تسلّم قيادة المنطقة العسكرية في ولاية الساحل، بأقصى شمال شرقي البلاد، ليقود الحرب على تنظيمي «القاعدة» و«داعش في غرب أفريقيا»، خلال الفترة بين عامي 2015 و2019.
من ناحية أخرى، ثقافة داميبا العسكرية لم تقتصر على البعد الفرنسي. بل إن هذا الضابط البوركيني الطموح تلقى تدريبات عسكرية في الولايات المتحدة خلال الفترة التي بدأت فيها واشنطن الاهتمام بمنطقة غرب أفريقيا لمواجهة الجماعات المتطرفة المسلحة التي تسعى لفرض سيطرتها على البلاد. ووفقاً لما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» فإن داميبا شارك في مجموعة من التدريبات العسكرية الأميركية حول القانون والنزاع المسلح وحقوق الإنسان في الفترة ما بين 2010 و2020.
ولكن الثقافة العسكرية الفرنسية والأميركية لم تؤثرا كثيراً في «انتماء» الرجل لأفريقيا. وحتى الآن لم يُظهر ولاؤه لأي من الجانبين. ولقد نقلت «بي بي سي» عن مصدر أمني أنه «لا يتوقع أن يخضع داميبا لسيطرة أي قوة أجنبية، فالرجل يؤمن بأنه على أفريقيا أن تتحمل مسؤولية حل مشكلاتها بنفسها من دون الاعتماد على أي قوى خارجية». وهذا... رغم رفع بعض مناصريه أعلام روسيا في أثناء احتفالهم بالإطاحة بكابوري في شوارع واغادوغو، مطالبين بدعم روسيا في الحرب على الإرهاب على غرار ما يحدث في مالي.
في الحقيقة، لا يقدم سانداوغو داميبا نفسه كقائد عسكري للمعارك على الأرض فحسب، بل أيضاً كمحلل لأسباب الصراع، وخبير في مكافحة الإرهاب. إذ إنه نشر في منتصف العام الماضي كتاباً بعنوان «جيوش غرب أفريقيا والإرهاب: إجابات غير مؤكدة»، وتضمن الكتاب عبر 160 صفحة تحليلاً لاستراتيجيات مكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا، من واقع تجربته في الحرب المستمرة ضد الجماعات المسلحة في بوركينا فاسو منذ نحو 7 سنوات. وحسب بيان الانقلاب الذي ألقاه زميل داميبا الشهر الماضي، فإن «تدهور الأوضاع والفشل في وضع حد للإرهاب هو السبب الرئيسي في الإطاحة بكابوري». في حين نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن أومارو بول كولاغ، المحلل السياسي البوركيني، أن «داميبا واحد من النخبة العسكرية، لكنه أيضاً من القيادات التي نفّذت عمليات على الأرض، حيث قاد عدداً من الوحدات العسكرية، جامعاً العقل والعمل العسكري».

- رؤية سياسية
في كتابه حول استراتيجيات مكافحة الإرهاب، لم يخفِ داميبا انتقاداته للسياسة الحالية في مكافحة الإرهاب، لذلك لم تكن الخطوات التي اتخذها في ما بعد من قبيل الصدفة. ذلك أن الرجل يعمل بخطة واضحة، ولا يخطو خطوة من دون دراسة. وبالتالي، يقول متابعوه إن «داميبا يمتلك حساً ورؤية سياسية، وهذا يفسر السبب في رفضه دعم الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد عام 2015، والذي لم يستمر سوى 7 أيام»، مركّزاً جهوده في ذلك الوقت على الحرب على الإرهاب.
ولقد واصل داميبا عمله في مكافحة الإرهاب حتى عيّنه كابوري في ديسمبر (كانون الأول) الماضي قائداً للمنطقة العسكرية الثالثة في بوركينا فاسو، التي تشمل العاصمة واغادوغو، وفي صميم مهمته قيادة عمليات مكافحة الإرهاب. هذا ما فسره المراقبون في حينه بأنها «محاولة من الرئيس كابوري للحصول على تأييد ودعم الجيش، والحد من غضبه وثورته، في أعقاب هجوم على مركز أمني في بلدة إيناتا الشمالية، أدى إلى مقتل 49 ضابطاً عسكرياً وأربعة مدنيين».
وفور تولي داميبا مهام منصبه الجديد بدأ في إعادة تنظيم الرتب العسكرية، وترتيب أدوار الضباط، حيث عين ضباطاً في مناصب أساسية، بهدف الحد من غضب القوات، التي يقال إنها «لم تحصل على حصصها الغذائية لمدة أسبوعين». غير أنه قاد بعد سبعة أسابيع من ترقيته، الانقلاب على الرئيس كابوري، ونقلت «بي بي سي» عن مصدر أمني قوله إن «هذا الانقلاب لم يكن مفاجئاً، فداميبا ليس ذلك الشخص الذي يخطو خطوة من دون خطة مدروسة». وتابع المصدر أن «داميبا يرى أن النزاع مع الجماعات الإرهابية أمر معقد لا يمكن مواجهته بالحل العسكري فقط. وهذا ليس أمراً سهلاً ليفصح عنه رجل عسكري، لكن داميبا عادةً ما يقول ما هو مقتنع به».

- ترقب دولي
هذا الانقلاب أثار ردود فعل وعدداً من الإدانات الدولية. وكانت الأمم المتحدة في طليعة مُديني الانقلاب، ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قادة الانقلاب إلى إلقاء أسلحتهم، وضمان الحماية الجسدية للرئيس كابوري. وأعربت الولايات المتحدة أيضاً عن قلقها من الانقلاب، وعلّقت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي عضوية ‏بوركينا فاسو، مطالبةً المجلس العسكري بتقديم جدول زمني «منطقي لعودة النظام ‏الدستوري» والإفراج عن الرئيس كابوري، الذي يخضع للإقامة الجبرية في فيلا بالعاصمة واغادوغو.
ومع أن داميبا لم يعلن البيان الأول للانقلاب، فإنه خرج للمرة الأولى على الشعب يوم 28 يناير الماضي معلناً «عزمه العودة للمسار الدستوري فور عودة الأمور لنصابها الصحيح»، وموجهاً اللوم للرئيس كوباري «لعجزه عن وضع حد للجماعات الإسلامية المسلحة». وأجرى داميبا على الفور استشارات مع قوات الأمن والأحزاب السياسية والنقابات ‏ومنظمات المجتمع المدني، وأعلن في 6 فبراير الجاري عن تشكيل لجنة من ‏‏15 عضواً «لوضع مسودة ميثاق وجدول أعمال للفترة الانتقالية المقترحة ‏وطرق التطبيق خلال أسبوعين».
وبعد هذا الخطاب بعشرين يوماً، جلس داميبا على مقعد الحكم، ووجه خطابه الثاني للشعب البوركيني معلناً «‏استعداده للعمل بسيادة مع كل الشركاء في إطار الاحترام المتبادل». ثم قال إن «أعمال إعادة التأسيس التي تقودها الحركة الوطنية للحماية ‏والإصلاح لا تندرج في منطق ثوري، وسنعمل بشكل منتظم ومنهجي وتدريجي على وقف تسييس الإدارة العامة». إلا أنه لم يحدد مدة الفترة الانتقالية، بل نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر برئاسة بوركينا فاسو، يوم الأربعاء الماضي، قوله إن «السلطات تدرس إعلان فترة انتقالية مدتها 30 شهراً، اتساقاً مع توصية المجلس العسكري الذي قال إنه يحتاج إلى عامين لتحقيق الاستقرار في البلاد وتنظيم انتخابات».
يبقى القول إن أداء داميبا لليمين الدستورية جاء قبل ساعات من إعلان فرنسا وحلفائها الأوروبيين قرارهم ‏بشأن الانسحاب من مالي، في أعقاب رسائل معادية من رئيسها الذي تولى السلطة إثر انقلاب. ورغم أن داميبا لم يحدد موقفه بعد من الوجود العسكري الفرنسي والأوروبي في منطقة الساحل فإن «قوة برخان» الفرنسية نفّذت أخيراً عمليات لمكافحة المتطرفين في بوركينا فاسو، بينما بدأ داميبا تشكيل آليات مكافحة الإرهاب. ويترقب العالم حالياً ما ستسفر عنه الأيام المقبلة وما إذا كان «رجل بوركينا فاسو القوي»، المفترض أنه خبير في مكافحة الإرهاب، سينجح في القضاء على الجماعات الإرهابية، ويقود البلاد في مرحلة انتقالية، يسلم بعدها السلطة لرئيس منتخب.



«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
TT

«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)

اعتقلت وحدة من مقاتلي «فاغنر» الروسية الخاصة 6 مدنيين موريتانيين على الأقل في إحدى القرى الواقعة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي، وفق ما أكدت مصادر محلية وإعلامية موريتانية، الثلاثاء.

وقالت المصادر إن مجموعة من مقاتلي «فاغنر» دخلوا قرية لقظف، الواقعة على بُعد 40 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة باسكنو، أقصى جنوب شرقي موريتانيا، غير بعيد عن الحدود مع دولة مالي. مؤكدةً أن جميع سكان قرية لقظف يحملون الجنسية الموريتانية، رغم أن القرية تقع داخل شريط حدودي «غير مرسَّم»، وبالتالي تتداخل فيه صلاحيات البلدين: مالي وموريتانيا.

موريتانيان معتقلان من طرف مجموعة «فاغنر» (إعلام محلي)

وبسبب غياب ترسيم الحدود، نفَّذ الجيش المالي المدعوم من قوات «فاغنر»، خلال العامين الأخيرين، عمليات عسكرية كثيرة داخل الشريط الحدودي، ضمن ما تطلق عليه مالي «مطاردة العناصر الإرهابية»، لكنَّ هذه العمليات راح ضحيتها عشرات المدنيين الموريتانيين.

اقتحام واختطاف

وصفت المصادر المحلية ما حدث أمس في القرية بأنه «عملية اختطاف» تعرَّض لها ستة مواطنين موريتانيين، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صور وأسماء «المختطفين»، وكان بعضهم يحمل بطاقة تعريفه الموريتانية.

وحسب المصادر نفسها، فإن قوات «فاغنر» اقتحمت القرية خلال تنظيم سوق محلية أسبوعية، وأطلقوا وابلاً من الرصاص في الهواء، قبل أن يجمعوا رجال القرية، ويقرروا توقيف 7 أشخاص، أفرجوا عن واحد منهم لاحقاً، كما صادروا خمس سيارات رباعية الدفع وعابرة للصحراء، تعود ملكيتها إلى رجال من القرية.

في غضون ذلك، نشرت الصحافة المحلية أن قوات «فاغنر» نقلت الموقوفين الستة إلى مدينة نامبالا، داخل أراضي مالي، وسلَّمتهم للجيش المالي، وسيجري نقلهم إلى العاصمة باماكو، «تمهيداً لإطلاق سراحهم»، على حد تعبير صحيفة محلية.

رعب «فاغنر»

خلال العامين الأخيرين قُتل عشرات الموريتانيين على يد الجيش المالي وقوات «فاغنر» الروسية، داخل الشريط الحدودي بين البلدين، وحتى داخل أراضي مالي، وهو ما أسفر عن برود في العلاقة بين البلدين، كاد يتطور إلى قطيعة نهائية.

وقُتل أغلب هؤلاء الموريتانيين بطرق بشعة، من بينها الحرق والدفن في قبور جماعية، مما أشعل موجة غضب عارمة في الشارع الموريتاني، لكنَّ الماليين برَّروا ذلك بالحرب التي يخوضونها ضد الإرهاب، والتي دعت الموريتانيين إلى اصطحاب هوياتهم، والابتعاد عن مناطق الاشتباك.

قوات موريتانية على الحدود مع مالي (أ.ف.ب)

ومنذ أكثر من عامين، تجري معارك عنيفة بين الجيش المالي المدعوم من «فاغنر» من جهة، و«جبهة تحرير ماسينا» التابعة لتنظيم «القاعدة» في منطقة على الحدود مع موريتانيا، وتحدث مطاردات تنتهي في الغالب داخل الشريط الحدودي.

شريط حدودي رمادي

يمتد الشريط الحدودي بين البلدين على أكثر من ألفي كيلومتر، وبعمق يزيد على 10 كيلومترات، حيث تقع فيه عشرات القرى التي يقطنها سكان من البلدين، دون تحديد إن كانت موريتانية أم مالية.

وحاول البلدان ترسيم الحدود عدة مرات منذ الاستقلال عن فرنسا قبل ستين عاماً، لكنَّ هذه المحاولات لم تُفضِ إلى نتيجة، ليشكل البلدان بعد ذلك لجنة مشتركة لتسيير الحدود.

وسبق أن هددت السلطات الموريتانية، التي احتجت على ما يتعرض له مواطنوها، بالرد والتصعيد أكثر من مرة، وطالبت في الوقت ذاته مواطنيها بالانسحاب من هذه المنطقة، حتى تنتهي المعارك. لكنَّ سكان المنطقة الحدودية من البدو، المشتغلين بتربية الأبقار والإبل والأغنام، ويعيشون منذ قرون على التحرك في المنطقة، بحثاً عن الماء والمرعى، لا يمتلك أغلبهم أي أوراق مدنية، وبعضهم الآخر يحوز الجنسيتين؛ الموريتانية والمالية.

ومع تصاعد استهداف الموريتانيين، زار قائد الجيش المالي نواكشوط، مطلع مايو (أيار) الماضي، وعقد لقاءات مطولة مع قائد الجيش الموريتاني ووزير الدفاع، أسفرت عن تشكيل لجنة مشتركة، والاتفاق على تنسيق العمليات على الأرض.

الرئيس الموريتاني أجرى مشاورات مع المسؤولين في مالي لمنع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي بلاده (أ.ف.ب)

وكان الهدف من هذا التنسيق، حسبما أعلن الطرفان، هو منع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي موريتانيا، لكن أيضاً تفادي أي استهداف للموريتانيين بالخطأ داخل الشريط الحدودي. ومنذ ذلك الوقت لم يُقتَل أي مواطن موريتاني داخل الشريط الحدودي، فيما تراجعت بنسبة كبيرة تحركات قوات «فاغنر» في الشريط الحدودي، وتعد عملية توقيف الموريتانيين (الثلاثاء) الأولى من نوعها منذ ستة أشهر.