معركة الانتخابات في تركيا تزداد سخونة قبل 16 شهراً من موعدها

توافق واسع بين المعارضة للمرة الأولى بهدف إسقاط النظام الرئاسي

معركة الانتخابات في تركيا تزداد سخونة قبل 16 شهراً من موعدها
TT

معركة الانتخابات في تركيا تزداد سخونة قبل 16 شهراً من موعدها

معركة الانتخابات في تركيا تزداد سخونة قبل 16 شهراً من موعدها

تشهد تركيا أجواء تسخين مبكّرة حول الانتخابات البرلمانية والرئاسية، المقرّرة في يونيو (حزيران) 2023، وسط التراجع المستمر في شعبية الرئيس رجب طيب إردوغان و«تحالف الشعب» المؤلف من حزبه (العدالة والتنمية الحاكم) وحزب الحركة القومية اليميني. هذا التراجع تسجله استطلاعات الرأي المتعاقبة على مدى نحو سنتين على خلفية الوضع الاقتصادي المتدهور وحالة الضيق في الشارع بعد ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 50 في المائة، بما في ذلك الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء والكهرباء والغاز إثر تراجع غير مسبوق لليرة التركية في نهاية العام الماضي.
ولعل أبرز العوامل المستجدة التي افتقدتها المنافسة السياسية على مدى 20 سنة من حكم إردوغان وحزبه، هو ظهور اتجاه قوي لدى أحزاب المعارضة لتنسيق تحركها في مواجهته، والالتقاء على هدف واحد هو إلغاء النظام الرئاسي الذي بدأ تطبيقه عام 2018، والذي فتح الباب أمام صلاحيات شبه مطلقة لإردوغان. وستتمثل أول خطوة عملية واضحة في هذا الإطار بإطلاق 6 من أحزاب المعارضة بعد غد (الاثنين) وثيقة، تحقق التوافق عليها فيما بينها، خلال اجتماع عقده قادتها في أنقرة يوم 12 فبراير (شباط) الحالي. وتتضمن الوثيقة مشروع النظام البرلماني «المعزّز»، الذي تعتزم المعارضة تطبيقه حال فوزها في الانتخابات المقبلة.

استضافت العاصمة التركية أنقرة، يوم 12 فبراير الحالي، اجتماع رؤساء أحزاب المعارضة، وهم كمال كليتشدار أوغلو «حزب الشعب الجمهوري»، وميرال أكشينار الحزب «الجيد»، وعلي بابا جان «الديمقراطية والتقدم»، وأحمد داود أوغلو «المستقبل»، وتمل كارامولا أوغلو «السعادة»، وغلتكين أويصال «الديمقراطي». وتناول الاجتماع، وهو الأول لهم، مناقشة النظام البرلماني المقترح، بعد أشهر من اجتماع لجان متخصصة من الأحزاب الستة للاتفاق على ملامح النظام.
ولقد شهد الاجتماع، الذي دعا إلى عقده زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، توافقاً بين القادة الستة على ضرورة عودة تركيا إلى النظام البرلماني بعد تعزيزه، وذلك «بسبب ما تمخض عنه النظام الرئاسي»، الذي طبّق عام 2018، من مشكلات على صعيد السياسة الخارجية والاقتصاد «بسبب انفراد الرئيس رجب طيب إردوغان بالقرار وتهميش البرلمان ومؤسسات الدولة في صنع القرار».
القادة الستة أعلنوا، في بيان مشترك صدر عقب الاجتماع، تمسكهم ببناء نظام قوي ليبرالي ديمقراطي عادل، يفصل بين السلطات بتشريعات فعالة وتشاركية، وإدارة شفافة وحيادية وخاضعة للمساءلة، مع ضمان استقلال القضاء. وقال البيان: «بلادنا تشهد واحدة من أعمق الأزمات السياسية والاقتصادية في تاريخ الجمهورية. إذ تتزايد المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية يوماً بعد يوم وتظهر آثارها بشدة. أما السبب الأهم لهذه الأزمة فهو بلا شك الإدارة التعسفية والجائرة تحت مسمى نظام الحكم الرئاسي».
وتابع البيان أن «المسؤولية المشتركة لنا جميعاً، بصفتنا 6 أحزاب سياسية، هي التغلب على هذه الأزمة بالتضامن والوحدة، والعمل على حل مشكلات البلاد العميقة على أساس التعددية من خلال توسيع مجال السياسة الديمقراطية».
ولفت البيان إلى أن الأحزاب الستة أجرت دراسة مكثفة حول النظام البرلماني المعزّز، الهادف إلى تعزيز دولة القانون والديمقراطية وتقوية الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية، مؤكداً أن «الأحزاب تبنى على التشاور والمصالحة وليس الاستقطاب». وأشار إلى أنه اتُّفِق على طرح النظام البرلماني الجديد، الذي أجمع عليه قادة الأحزاب، أمام الشعب ومشاركته مع ممثلي مختلف شرائح الأمة في الاجتماع الثاني، الذي سيعقد في 28 فبراير الحالي.

- هدف مشترك
وتابع البيان أن قادة الأحزاب الستة أجروا خلال الاجتماع تقييماً للتطورات الاقتصادية والاجتماعية الحالية في البلاد، وتبادلوا وجهات النظر حول المجالات التي يمكن العمل المشترك فيها والسياسات الواجب تنفيذها بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في يونيو 2023. وأكدوا أن هدفهم «ضمان أن يتنفس الشعب الصعداء، ورفع مستوى الرفاهية على الفور... عبر الشفافية والمساواة ومكافحة الفساد بشكل فعال، وإعلاء مبدأ الجدارة في الإدارة العامة وخدمة الشعب من خلال قانون الأخلاق السياسية».
ومن ثم، أكد البيان على أنه «لا توجد مشكلة في تركيا لا يمكن حلها عبر التشاور والتوافق... وأن الأمر المهم هو بناء تركيا الديمقراطية بضمان الحقوق والحريات الأساسية في إطار معايير مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي؛ حيث يرى الجميع أنفسهم مواطنين متساوين وأحراراً؛ ويمكنهم التعبير بحرية عن أفكارهم والعيش كما يعتقدون».

- جدل التحالفات
من ناحية أخرى، بينما كان اجتماع قادة الأحزاب الستة منعقداً، سرت شائعات في كواليس أنقرة بأن «تحالف الأمة»، الذي يضم حزبي «الشعب الجمهوري» و«الجيد»، سيتوسع وسيحمل اسم «تحالف الأمة الكبرى»، لكن كليتشدار أوغلو، قال: «لقد اجتمعنا في شكل 6 أحزاب على مائدة مستديرة، يعملون معاً على النظام البرلماني المعزز... لذلك أعتقد أنه من السابق لأوانه القول إن تحالف الأمة نما أو تقلص... المهم أننا شرعنا في إخراج تركيا من الظروف التي تعيشها اليوم».
للعلم، سبق أن صدرت تلميحات عن المعارضة التركية إلى احتمالات توسيع تحالفها المعروف باسم «تحالف الأمة» ليضم الأحزاب التي تتفق معاً في المبادئ، وأهمها «الديمقراطية والتقدم» برئاسة باباجان و«المستقبل» برئاسة داود أوغلو. وذكر كليتشدار أوغلو أن أحزاب المعارضة الجديدة المنشقة عن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم برئاسة رجل طيب إردوغان، لديها خطاب سياسي مشترك مع «تحالف الأمة».
وبدوره، قال علي باباجان، نائب رئيس الوزراء الأسبق: «لدينا لقاءات متكررة مع أحزاب سياسية مختلفة على مستوى الرؤساء، وهناك أيضاً مباحثات تجري عبر كثير من القنوات، واجتماعات تعقد دورياً». وأردف باباجان أنه على الأحزاب التي تطالب بنظام برلماني «التحدث عن عملية الانتقال التي تعتبر مهمة وحاسمة، فهي بحاجة إلى التخطيط بشكل جيد للغاية، لأنه ليس من الواضح كيف سيتشكل البرلمان بعد الانتخابات». وتابع باباجان أن التحالف الانتخابي موضوع منفصل، والدراسات الموضوعية موضوع آخر، موضحاً: «أرى النظام البرلماني كأحد المجالات التي تحتاج إلى العمل على أساس موضوعي... النظام البرلماني يعني التعديل الدستوري. لكن في الوقت الراهن، ليس سهلاً على أي حزب الحصول على 360 - 400 نائب في البرلمان أو بعد الانتخابات... مع المعادلة السياسية الحالية، يبدو أنه لن يكون لأي حزب سلطة تغيير الدستور بمفرده. وإذا كان الأمر يتعلق بالتعديل الدستوري، فيجب أن يحصل ذلك بالبحث عن توافق سياسي واجتماعي. وفي النهاية، عندما يتحقق ذلك يُعرض على البرلمان، فيحصل على 360 صوتاً ويذهب للاستفتاء أو يذهب مباشرة إلى البرلمان بغالبية 400 صوت».

- مشروع الدستور
إردوغان كان قد أعلن أنه سيطرح مشروع دستور جديد، وصفه بأنه سيكون «نهاية لحقبة الوصاية العسكرية» خلال الأشهر الأولى من العام الحالي. لكن المشروع لا يحظى بتوافق من جانب المعارضة، التي تتمسك بإلغاء النظام الرئاسي، وترى في المشروع محاولة من جانب إردوغان للبقاء وحزبه في السلطة لفترة أطول عبر تغيير القوانين.
وفي هذه الأثناء، ثار جدل حول أحقية إردوغان في خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعدما أعلن دولت بهشلي رئيس حزب «الحركة القومية» وحليف إردوغان في «تحالف الشعب» أن الأخير سيكون مرشح التحالف للرئاسة. إذ ينص الدستور على أنه لا يحق للرئيس الترشح لأكثر من دورتين رئاسيتين، مدة كل منهما 5 سنوات.
يتولى إردوغان الرئاسة منذ 2014، وكانت مدته الأولى التي لم تكتمل في ظل النظام البرلماني. ولقد أجري تعديل على الدستور للانتقال إلى النظام الرئاسي، أقرّ عبر استفتاء شعبي في أبريل (نيسان) 2017. وتضمن نصاً على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية معاً في يوم واحد. من ثم قدّم موعد الانتخابات لتجري في 24 يونيو 2018. وهي الانتخابات التي بدأ بعدها تطبيق النظام الرئاسي.
حزب «العدالة والتنمية» لا يرى مبرراً لإثارة الجدل حول حق إردوغان بخوض الانتخابات المقبلة استناداً إلى أن التعديل الدستوري ألغى ما قبله، وعليه يحق للرئيس الترشح لفترة ثانية في 2023. بينما بدأ بهشلي يروّج لفكرة منح حق الترشح لـ3 فترات رئاسية في ظل النظام الرئاسي، إيذاناً بإدراج مادة تنص على ذلك في مشروع الدستور الجديد. ومن جانبه، يعتبر «العدالة والتنمية»، بدعم من حزب بهشلي، أن النظام الرئاسي يسمح بإدارة أكثر سلاسة للحكومة ويضع البرلمان كثقل يعادل السلطات التنفيذية الممنوحة للرئيس. غير أن المعارضة ومنتقدي ذلك النظام يؤكدون أنه يشدد من قبضة إردوغان على البلاد ويكرس حكم «الرجل الواحد»، الذي أدى إلى أزمات سياسية واقتصادية جرّت البلاد إلى كوارث منذ تطبيقه.
وفي هذا السياق، أظهرت سلسلة من استطلاعات الرأي خلال الفترة الأخيرة قلّة رضا غالبية الشعب التركي عن النظام الرئاسي وعن طريقة إدارة حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان للبلاد. كذلك، أكدت تضاؤل فرص «تحالف الشعب» في الفوز بالانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في يونيو 2023.

- ضغط الوضع الاقتصادي
> أصبح الوضع الاقتصادي المتدهور في تركيا من أكثر العوامل الضاغطة على الرئيس رجب طيب إردوغان وحكومته، وتسبب في تراجع التأييد لتحالفه الانتخابي «تحالف الشعب». إذ هبطت شعبيته إلى مستوى متدنٍ لا يزيد في جل الاستطلاعات عن 34 في المائة للتحالف الذي يضم حزبي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» معاً، في حين تفوق نسبة تأييد «تحالف الأمة» المعارض 40 في المائة، مع مراعاة أن ثمة رقماً صعباً آخر يتمثل في حزب «الشعوب الديمقراطية» المؤيد للأكراد.
من ناحية ثانية، غدا مألوفاً خروج الأتراك في مظاهرات احتجاجية على غلاء الأسعار وارتفاع معدل الفقر، منددة بالسياسات الاقتصادية للرئيس رجب طيب إردوغان. إذ تتهمها بالتسبب في انهيار عملة البلاد (الليرة التركية)، وتطالب باستقالته وتحسين الأوضاع المعيشية، مع التأكيد على أن الشعب سيحاسبه وحكومته.
وفي المقابل، تصعّد المعارضة مطالباتها بالتوجه إلى انتخابات مبكرة في أسرع وقت، وتحذّر من حدوث فوضى في البلاد إذا استمر الصمت على انهيار الاقتصاد. بينما إردوغان وحليفه بهشلي يرفضان البحث بالانتخابات المبكرة.
في هذه الأثناء، توقع علي باباجان، نائب رئيس الوزراء الأسبق ورئيس حزب «الديمقراطية والتقدم» المعارض، انتشار الفقر بشكل أكبر بسبب الأزمة الناجمة عن انخفاض قيمة الليرة وزيادة التضخم. وحمّل باباجان - الذي نجح في إحداث قفزة في الاقتصاد التركي منذ عام 2002، عندما كان مع «العدالة والتنمية» في الحكم، حتى تركه الحكومة عام 2013 - حكومة «العدالة والتنمية» المسؤولية عن الوضع الاقتصادي الحالي في تركيا. وأوضح أن الناس «سيتفهمون عواقب الأزمة على حياتهم في الأشهر القليلة المقبلة؛ حيث سيتفشى الفقر وتتسع الهوة بين الأغنياء والفقراء». وشدد على وجوب إجراء انتخابات مبكرة على الفور للخروج من الأزمة الاقتصادية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن باباجان أطلق حزبه العام الماضي بعد استقالته عام 2019 من «العدالة والتنمية».
محاولات الإنقاذ

> في ظل هذه الأوضاع، بدأ إردوغان تحركات على الصعيد الاقتصادي لإنقاذ الليرة التركية، لكن هذه التحركات لم تسفر عن تحقيق تقدم كبير، خاصة على صعيد التضخم وارتفاع الأسعار. وأيضاً، يتحرك إردوغان على صعيد محاولة كسر عزلة تركيا بسبب السياسة الخارجية، التي ترى المعارضة أنها «حشرت تركيا في الزاوية» وجعلتها محاطة بالأعداء، في خطوة تستهدف بدرجة كبيرة إنعاش الاقتصاد التركية.
وبعد محاولات لتحسين العلاقات مع كل من مصر والمملكة العربية السعودية، حققت العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة قفزة توّجت بزيارات على أرفع مستوى بين البلدين وتوقيع اتفاقيات للاستثمار ومبادلة العملة. كذلك قطعت أنقرة شوطاً كبيراً على صعيد تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتنتظر زيارة من رئيسها إسحاق هرتسوغ في مارس (آذار) المقبل، سيسعى إردوغان خلالها إلى التركيز بشدة على ملف غاز شرق البحر المتوسط ونقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر بلاده.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».