«سيف القمح» على رقبة الشرق الأوسط

لبنان الأخطر... ومصر الأكبر... واليمن الأجدر

تستورد الدول العربية نحو ثلث احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا (رويترز)
تستورد الدول العربية نحو ثلث احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا (رويترز)
TT

«سيف القمح» على رقبة الشرق الأوسط

تستورد الدول العربية نحو ثلث احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا (رويترز)
تستورد الدول العربية نحو ثلث احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا (رويترز)

منذ بداية التوترات الروسية الأوكرانية، برزت مخاوف تأثُّر أسواق القمح والغلال العالمية بشدة جراء الأزمة، نظراً لأن البلدين يؤمّنان جانباً مهماً من الصادرات العالمية... لكنّ الجانب الأكثر تهديداً في العالم يقع في منطقة الشرق الأوسط تحديداً، كونها المنطقة الأعلى كثافة في استيراد القمح من البلدين.
وتشكل روسيا وأوكرانيا 29% من صادرات القمح العالمية، و19% من صادرات الذرة، و80% من الصادرات العالمية لزيت دوار الشمس. ومنذ فجر الخميس وبدء الغزو، ارتفعت أسعار القمح في بورصة شيكاغو إلى أعلى مستوى في تسعة أعوام ونصف، بينما يهدد الصراع بعرقلة تدفق الإمدادات من المنطقة، في حين قفزت العقود الآجلة الأوروبية للقمح إلى ذروة قياسية، وغير مسبوقة على الإطلاق وبلغ القمح سعراً غير مسبوق إطلاقاً بـ344 يورو للطن الواحد لدى مجموعة «يورونكست» التي تدير عدداً من البورصات الأوروبية.
وأوكرانيا مصدّر رئيسي للذرة التي يتجه معظمها إلى الصين والاتحاد الأوروبي. وتنافس روسيا أيضاً في توريد القمح إلى مشترين رئيسيين مثل مصر وتركيا. وتزامناً مع بداية الغزو الروسي، قال مستشار لكبير معاوني الرئيس الأوكراني إن الجيش علًق الشحن التجاري في الموانئ الأوكرانية بعد أن غزت قوات روسية البلاد، وهو ما يُذكْي مخاوف من تعطل الإمدادات من مصدّر رئيسي للحبوب والزيوت النباتية.
وفي وقت سابق، قال مسؤولون ومصادر بقطاع الحبوب إن روسيا أيضاً علّقت حركة السفن التجارية في بحر آزوف حتى إشعار آخر، لكنها أبقت موانئها على البحر الأسود مفتوحة أمام الملاحة.
وفي خضمّ هذه المعضلة السياسية، فإن دول الشرق الأوسط، وعلى رأسها مصر ولبنان والعراق ودول المغرب العربي، ربما تواجه مشكلة جسيمة، إذ إنها تعتمد -بشكل متفاوت بين الكبير إلى المتوسط- على الأقماح الأوكرانية والروسية، وبكميات كبرى يصعب تعويضها من السوق المفتوحة.

لبنان في معضلة حادة:
وظهر الأمر شديد الحساسية في لبنان على وجه الخصوص، إذ لا يملك البلد مكاناً كافياً لتخزين الاحتياطيات منذ دمار إهراءات القمح في انفجار المرفأ عام 2020... بما جعل لبنان لا يمتلك سعة تخزينية إلا لما يتراوح حول شهر واحد.
ويوم الجمعة، أكد وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام لـ«رويترز» معلومة أن احتياطيات لبنان من القمح تكفي لمدة شهر على الأكثر، وقال إنه يسعى لعقد اتفاقات استيراد من دول مختلفة وسط مخاوف في السوق بسبب الأزمة الأوكرانية.
وأضاف سلام أن الدولة التي تستورد ما يقرب من 60% من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا، تُجري محادثات مع دول أخرى لاستيراد القمح، بما في ذلك الولايات المتحدة والهند وفرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى.
وقال الوزير: «لا نريد خلق حالة من الذعر... لدينا مؤشرات إيجابية»، موضحاً أن الدولة تسعى للتوصل إلى اتفاقيات بشأن استيراد القمح بأسعار مناسبة لتأمين احتياطيات تصل إلى شهرين. وأضاف: «نقطة مهمة جداً أن نستطيع أخذ التزامات من بعض الدول وبعض الشركات بأسعار مخفضة نشتريها ونحجزها ونؤمّن على القليل شهراً أو شهرين من مخزون القمح».
وفي وقت سابق يوم الجمعة، قال جريس برباري مدير عام الحبوب والشمندر السكري بوزارة الاقتصاد والتجارة، لـ«رويترز» إن احتياطيات لبنان من القمح تكفي لمدة تتراوح بين شهر ونصف وشهرين. وأضاف برباري أن شحنتي قمح إلى لبنان كانتا يتم تحميلهما في أوكرانيا تأخرتا بسبب الحرب.

صرخة حادة باليمن:
ورغم حساسية الموقف اللبناني، فإن صرخة الإغاثة تأتي من اليمن. إذ حذّر برنامج الأغذية العالمي، أول من أمس (الخميس)، من أنّ الحرب في أوكرانيا ستؤدي على الأرجح إلى زيادة أسعار الوقود والغذاء في اليمن الذي مزّقته الحرب، مما قد يدفع المزيد من السكان إلى المجاعة مع تراجع تمويل المساعدات.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد اضطر إلى خفض الحصص الغذائية لثمانية ملايين شخص في اليمن، حيث دفعت الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات بين الحكومة والمتمردين الحوثيين، البلاد إلى حافة المجاعة. وقال البرنامج في بيان: «يؤدي تصعيد الصراع في أوكرانيا إلى زيادة أسعار الوقود والغذاء، خصوصاً الحبوب في اليمن الذي يعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد».
وتابع: «تضاعفت أسعار المواد الغذائية في معظم أنحاء اليمن خلال العام الماضي، مما جعل أكثر من نصف البلاد في حاجة إلى مساعدات غذائية. سيؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى دفع المزيد من الناس إلى الحلقة المفرغة المتمثلة في الجوع والاعتماد على المساعدة الإنسانية».
وقال برنامج الأغذية، (الخميس): «ليس لدينا خيار سوى إطعام من يتضورون جوعاً على حساب الجوعى، وما لم نحصل على التمويل العاجل، فإننا في غضون أسابيع قليلة نواجه خطر عدم قدرتنا حتى على إطعام الذين يضورون جوعاً»، مضيفاً: «سيكون ذلك بمثابة جحيم على الأرض».

دمر انفجار مرفأ بيروت قدرة لبنان على تخزين القمح (رويترز)
دمر انفجار مرفأ بيروت قدرة لبنان على تخزين القمح (رويترز)

مهمة شاقة لإطعام 100 مليون فم:
وفي مصر، أكبر البلاد العربية سكاناً، وأعلى دول العالم استيراداً للقمح، تبدو المهمة شاقة لإيجاد بدائل عاجلة لإطعام 100 مليون مواطن، خصوصاً مع استيراد البلاد نحو 40% من احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا.
لكن هناك تحركات متعددة المحاور لحل الأزمة، بينها التوسع المحلي في زراعات القمح، وتنويع الواردات، إضافةً إلى وجود احتياطي معقول يكفي في المتوسط 6 أشهر. ومما يزيد حالة الاطمئنان أن الإنتاج المحلي للبلاد يكفي لإنتاج الخبز اليومي، حسبما أكد الدكتور سعد نصار، الخبير الاقتصادي ومستشار وزارة الزراعة المصرية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط».
من جانبها، قالت الهيئة العامة للسلع التموينية، المشتري الحكومي للحبوب في مصر، إنها ألغت مناقصة دولية لشراء القمح، وذكر متعاملون أنها تلقت عرضاً واحداً لشراء 60 ألف طن من القمح الفرنسي مقابل 399 دولاراً للطن على أساس تسليم ظهر السفينة في مناقصة دولية.
وقال المتعاملون إن العرض قدمته شركة «فيترا» وكان صالحاً لمدة ساعة. وطلبت الهيئة كمية غير محددة من القمح للشحن بين 11 و21 أبريل (نيسان). وقال متعامل أوروبي: «تسود معنويات العزوف عن المخاطرة اليوم مع استحالة اتخاذ قرار تجاري بتقييم أسعار القمح مع بدء الحرب»، في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا. وأضاف: «من الواضح أن القمح الفرنسي هو البديل الأول الواضح حيث يمكن توريد الشحنات إلى مصر من دون مواجهة خطر الحرب، إذ لن تضطر السفن للإبحار عبر البحر الأسود».

رسائل طمأنة:
وفي تونس، كشفت وزارة الفلاحة عن توفر مخزون من الحبوب يكفي لتغطية الحاجيات المحلية حتى مايو (أيار) المقبل، وذلك رداً على انتقادات تتعلق بالانعكاسات السلبية المحتملة للأزمة، إذ إن تونس تستورد نحو نصف حاجياتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا.
وأكد عبد الستار الفهري، مدير التزويد بديوان الحبوب أن نحو 80% من واردات تونس من الحبوب متأتية من روسيا وأوكرانيا، وهو ما يجعل الاحتياط ضرورياً خشية إطالة أمد الأزمة هناك، وإمكانية تأثيرها على عمليات الشحن الموجهة إلى البلدان المستهلكة. وأضاف أن وزارة الفلاحة التونسية قد أسدت تعليماتها بالبحث عن أسواق أخرى على غرار بلغاريا ورومانيا وأوروغواي والأرجنتين بالنسبة لطلبات العروض الجديدة، وتجنب الوجهتين الروسية والأوكرانية خلال هذه الفترة.
وعلى ذات المسار، قال متحدث باسم وزارة التجارة العراقية، أول من أمس (الخميس)، إن العراق يملك مخزوناً استراتيجياً كافياً من القمح من مشترياته من القمح المحلي من المزارعين في الموسم الماضي، مضيفاً أنه غير قلق بشأن المخزونات. لكنه أضاف أن العراق قد يطرق السوق لشراء قمح إذا طال أمد الأزمة بين روسيا وأوكرانيا وسيعلن عن خطة الشراء في حينه.



«المركزي الروسي»: الاقتصاد آمن بأسعار النفط الحالية ومهدد دون 60 دولاراً

العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
TT

«المركزي الروسي»: الاقتصاد آمن بأسعار النفط الحالية ومهدد دون 60 دولاراً

العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)
العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)

قال البنك المركزي الروسي إن مستويات أسعار النفط الحالية لا تشكل تهديداً لاستقرار الاقتصاد الروسي، لكنها قد تتحول إلى تحدٍّ خطير إذا انخفضت الأسعار دون الهدف الذي حُدد في الموازنة والذي يبلغ 60 دولاراً للبرميل.

وتشكل عائدات النفط والغاز نحو ثلث إيرادات الموازنة الروسية، وعلى الرغم من التوقعات بتراجع هذه النسبة في السنوات المقبلة، فإن إيرادات السلع الأساسية تظل تلعب دوراً محورياً في الاقتصاد الروسي، كما أن سعر النفط بالروبل يعد عنصراً مهماً في الحسابات المالية للموازنة.

ووفقاً لحسابات «رويترز»، فإن سعر مزيج النفط الروسي «أورال» في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) قد تجاوز السعر المُستخدم في حسابات موازنة الدولة لعام 2024، وذلك بفضل الانخفاض الحاد في قيمة الروبل. وأكد البنك المركزي أن سعر النفط «أورال» بلغ 66.9 دولار للبرميل بداية من 15 نوفمبر.

وفي مراجعته السنوية، قال البنك المركزي: «لا تشكل مستويات أسعار النفط الحالية أي مخاطر على الاستقرار المالي لروسيا»، لكنه حذر من أنه «إذا انخفضت الأسعار دون المستوى المستهدف في الموازنة، البالغ 60 دولاراً للبرميل، فإن ذلك قد يشكل تحديات للاقتصاد والأسواق المالية، بالنظر إلى الحصة الكبيرة التي تمثلها إيرادات النفط في الصادرات الروسية».

كما أشار البنك إلى أن روسيا قد خفضت إنتاجها من النفط بنسبة 3 في المائة ليصل إلى 9.01 مليون برميل يومياً في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، وذلك في إطار التزامها باتفاقات مجموعة «أوبك بلس». وأضاف أن الخصم في سعر النفط الروسي مقارنة بسعر المؤشر العالمي قد تقلص إلى 14 في المائة في أكتوبر، مقارنة بـ 16-19 في المائة في الفترة من أبريل (نيسان) إلى مايو (أيار).

الإجراءات لدعم الروبل فعّالة

من جانبه، قال نائب محافظ البنك المركزي الروسي، فيليب جابونيا، إن البنك سيواصل اتباع سياسة سعر صرف الروبل العائم، مؤكداً أن التدابير التي اتخذها لدعم قيمة الروبل كافية وفعالة.

ووصل الروبل إلى أدنى مستوى له منذ مارس (آذار) 2022، إثر فرض أحدث جولة من العقوبات الأميركية على القطاع المالي الروسي. وفي خطوة لدعم العملة الوطنية، تدخل البنك المركزي، وأوقف شراء العملات الأجنبية بداية من 28 نوفمبر.

وفي مؤتمر صحافي، صرح جابونيا: «نعتقد أن التدابير المتبعة حالياً كافية، ونحن نلاحظ وجود مؤشرات على أن الوضع بدأ في الاستقرار». وأضاف: «إذا كانت التقلبات قصيرة الأجل الناجمة عن مشكلات الدفع تشكل تهديداً للاستقرار المالي، فنحن نمتلك مجموعة من الأدوات الفعّالة للتعامل مع هذا الوضع».

وأكد جابونيا أن سعر الفائدة القياسي المرتفع، الذي يبلغ حالياً 21 في المائة، يسهم في دعم الروبل، من خلال تعزيز جاذبية الأصول المقومة بالروبل، وتهدئة الطلب على الواردات.

وكانت أحدث العقوبات الأميركية على القطاع المالي الروسي قد استهدفت «غازبروم بنك»، الذي يتولى مدفوعات التجارة الروسية مع أوروبا، ويعد المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية في السوق المحلية. وقد أدت هذه العقوبات إلى نقص حاد في سوق العملات الأجنبية الروسية، ما تَسَبَّبَ في حالة من الهلع واندفاع المستثمرين نحو شراء العملات الأجنبية. ورغم هذه التحديات، أصر المسؤولون الروس على أنه لا توجد أسباب جوهرية وراء تراجع قيمة الروبل.

النظام المصرفي يتمتع بمرونة عالية

وفي مراجعة للاستقرار المالي، يوم الجمعة، قال المركزي الروسي إن الشركات الصغيرة فقط هي التي تواجه مشكلات في الديون في الوقت الحالي، في وقت يشكو فيه بعض الشركات من تكاليف الاقتراض المرتفعة للغاية مع بلوغ أسعار الفائدة 21 في المائة.

وأضاف أن نمو المخاطر الائتمانية قد أدى إلى انخفاض طفيف في نسبة كفاية رأس المال للبنوك الروسية في الربعين الثاني والثالث، لكنه وصف القطاع المصرفي بأنه يتمتع بمرونة عالية. كما نصح البنوك بإجراء اختبارات ضغط عند تطوير منتجات القروض، بما في ذلك سيناريوهات تتضمن بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترات طويلة.