«القاعدة» تواصل السيطرة على المكلا.. وملامح «إمارة إسلامية» في حضرموت

أسست «هيئة للحسبة» وصرف المرتبات.. وتدريب عناصر التنظيم في معسكر للجيش

عناصر من المقاومة موالون للرئيس هادي يؤمنون شوارع تعز أمس (أ.ف.ب)
عناصر من المقاومة موالون للرئيس هادي يؤمنون شوارع تعز أمس (أ.ف.ب)
TT

«القاعدة» تواصل السيطرة على المكلا.. وملامح «إمارة إسلامية» في حضرموت

عناصر من المقاومة موالون للرئيس هادي يؤمنون شوارع تعز أمس (أ.ف.ب)
عناصر من المقاومة موالون للرئيس هادي يؤمنون شوارع تعز أمس (أ.ف.ب)

يواصل عناصر تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، سيطرتهم على عاصمة محافظة حضرموت، مدينة المكلا، للشهر الثاني على التوالي، بعد أن سيطروا على كل المؤسسات الحكومية المدنية والعسكرية ونهبوا الأموال من البنوك وباتوا يتحركون في المدينة بحرية كاملة. وقالت مصادر في المكلا لـ«الشرق الأوسط»، إن القيادي البارز في «القاعدة» بحضرموت، خالد باطرفي، قال في ندوة أقيمت بمسجد الشهداء في منطقة ديس المكلا، قبل عدة أيام، إنهم سوف يصرفون مرتبات المدنيين، أما العسكريون فلن يتم صرف مرتباتهم «لأنهم جنود الطغاة»، على حد وصفه.
وذكرت المصادر، أن باطرفي، في أول ظهور علني له في الشارع، تحدث في المسجد عن «ملامح الدولة الداعشية»، كما أعلن عن تأسيس هيئة للحسبة لتمارس مهامها في مدينة المكلا، وهي الهيئة التي دشنت عملها في المدينة، حيث يخرج أفرادها في أوقات الصلاة إلى الأسواق لحض الناس على الصلاة وإغلاق محلاتهم، وهم مدججون بالأسلحة ويستقلون سيارات وعربات حكومية وشرطة وجيش. وقال مواطنون، إن مدينة المكلا التي كانت منتعشة بالحياة اليومية الدؤوبة «باتت شبه خاوية على عروشها»، نظرا لعدم خروج المواطنين من منازلهم.
واستحوذ عناصر «القاعدة» في حضرموت، على أكثر من 3 مليارات ريال يمني، إضافة إلى عشرات الملايين من الدولارات الأميركية عندما استولوا على مدينة المكلا، كما استولوا على معسكرات بكامل عدتها وعتادها، بعد انسحاب القوات العسكرية الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح منها. وبحسب المصادر الحضرمية، فإن موافقة هذه العناصر المتشددة على دفع مبالغ مالية لتسديد مرتبات الموظفين «تؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أنهم ما زالوا يحتفظون بتلك الأموال التي نهبت من البنوك، خاصة وأنه سبق ونهبت عددا من البنوك الخاصة قبل عملية السطو على فرع البنك المركزي».
وقالت مصادر مطلعة في حضرموت لـ«الشرق الأوسط»، إن عناصر التنظيم، الذين يطلقون على أنفسهم تسمية «أبناء حضرموت»، وعدوا المجلس الأهلي في المحافظة، بعد مفاوضات طويلة، على تسليم مبلغ مليار ريال يمني للمجلس من أجل دفع المرتبات للموظفين لشهر أبريل (نيسان) المنصرم وتسيير المصالح العامة بساحل حضرموت، على أن «يكون الصرف حسب الأولوية التي تقتضيها مصلحة البلاد»، حسب تعبير المصادر ودعا المجلس الأهلي مديري عموم المؤسسات المحلية، غير الإيرادية إلى استكمال وإعداد كشوفات بالموظفين، وذلك لبدء الصرف «من أجل تطبيع الحياة وإعادتها إلى وضعها الطبيعي والمستقر»، بحسب المجلس.
واعتقل عناصر تنظيم القاعدة في حضرموت، ضابطين في «اللجنة الأهلية للدفاع والأمن» الموالية للشرعية والتابعة لحلف قبائل حضرموت، وقالت مصادر محلية في المكلا، عاصمة محافظة حضرموت لـ«الشرق الأوسط»، إن متشددي التنظيم اعتقلوا العميد محمد الجريري والعقيد علي باراس، وذلك في عمل وقائي تحسبا لتشكيل ما يشبه الصحوات في حضرموت لمناوئة وجود المتشددين الإسلاميين.
وتسعى قبائل حضرموت ممثلة في حلفها، إلى إقناع العناصر المتشددة في «القاعدة» بتسليم مدينة المكلا بصورة سلمية إلى المجلس الأهلي الذي جرى تشكيله بعد انهيار مؤسسات الدولة في حضرموت الساحل بصورة كاملة، دون إراقة الدماء، غير أن مصادر محلية في المكلا تؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن عناصر «القاعدة» غير جادين في وعودهم بتسليم مؤسسات الدولة والانسحاب من المدينة، التي تعد ثاني مدن جنوب اليمن، وتسعى إلى تحويلها إلى إمارة إسلامية، خاصة في ظل المساحة الشاسعة للمحافظة التي ترتبط بحدود مع المملكة العربية السعودية. وتقول المصادر، إن هذه العناصر «تتبع تنظيم أنصار الشريعة التابع لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ولا يستبعد أن تكون التحقت بتنظيم داعش».
وعبر عدد من سكان المكلا لـ«الشرق الأوسط» عن عدم رضاهم بالوضع الراهن وبسيطرة هذه المجاميع على محافظتهم المسالمة والمستقرة، وقالت مصادر محلية، إن المواطنين في مدينة غيل باوزير خرجوا، قبل أيام، في مظاهرة لرفض وجود هذه العناصر، إضافة إلى أن المواطنين في هذه المدينة ومدينة شحير وغيرها من المدن، يغادرون المساجد بمجرد أن يبدأ أحد العناصر المتشددة في إلقاء خطبة فيهم. وذكرت المعلومات، أن «القاعدة» خصصت شخصا في مدينة المكلا ويدعى «أبو همام» للنظر في شؤون المواطنين بصفته «مسؤولا عن الملف الأمني وأحوال الرعية» والذي اتخذ من مبنى المؤسسة الاقتصادية مقرا له، حيث يختصم إليه المواطنون البسطاء في القضايا اليومية، ويقوم بإرسال دورية مسلحة لإحضار أي شخص وجهت ضده دعوى من شاك، ويمارس عمل الشرطة والأمن وأجهزة الضبط القضائي. وقالت المصادر إنه «يصرف مبالغ مالية للمحتاجين، من بيت مال المسلمين»، على حد تعبيره.
وكشفت مصادر خاصة في حضرموت لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه العناصر المتشددة تحتجز العشرات من الشباب في القصر الجمهوري بتهمة «التعاون مع جهاز الأمن القومي – المخابرات»، إضافة إلى أن «أبو همام نفسه يحتجز العشرات على ذمة قضايا وشكاوى». وأشارت المصادر إلى وصول شخص يطلق عليه «القاضي الشرعي» إلى مدينة المكلا، قبل يومين، وذلك من أجل «الفصل في قضايا المعتقلين والمحتجزين وإقامة الحد على بعضهم، بحسب إدانتهم»، وفي المقابل، تؤكد مصادر «الشرق الأوسط» أن أكثر من 600 سجين في جرائم قتل واغتصاب وغيرها من الجرائم الجسيمة «باتوا طلقاء في مدينة المكلا»، بالإضافة إلى عشرات السجناء بتهم الإرهاب الذي جرى الإفراج عنهم مباشرة عقب السيطرة على مدينة المكلا، وبينهم، القيادي البارز، خالد باطرفي.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن نشاط تنظيم القاعدة لم يقتصر على إدارة شؤون المدينة فقط، وإنما امتد للقيام بعملية تجنيد واسعة النطاق في أوساط شباب مدينة المكلا، وحسب معلومات خاصة، فإن «القاعدة» تقوم بتدريب الشباب الملتحقين بها في معسكر «اللواء 27 ميكا»، في منطقة الريان، خارج مدينة المكلا، وتذكر مصادر «الشرق الأوسط» أن بين المدربين لأولئك الشباب، مقاتلين يحملون عدة جنسيات، لكن أغلبهم يحملون الجنسية السعودية، ويتلقى هؤلاء الشباب تدريبات عسكرية في مختلف المجالات، بينها تنفيذ العمليات التي توصف بـ«الجهادية» والعمليات «الانتحارية»، إضافة إلى عمليات الاقتحام والتمترس، بالإضافة إلى المحاضرات الدينية المكثفة التي يتلقونها على يد بعض من يطلق عليهم «المشايخ».
وكان المجلس الأهلي في حضرموت، أعلن الأسبوع الماضي، عن وصوله إلى طريق مسدود مع عناصر «القاعدة» الذين يسيطرون على المكلا، بسبب شروطهم الصارمة ومواصفاتهم في الشخصيات التي سيسلمون إليها مسؤولية إدارة المدينة برعاية المجلس الأهلي، وقال المجلس، في بيان صادر عنه، إنه لا يتحمل مسؤولية أي شيء، في الوقت الذي يسود يقين لدى المواطن الحضرمي أن المتسبب الرئيسي فيما يحدث في حضرموت، هو الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وأن قواته التي كانت موجودة في حضرموت هي من سلمت المحافظة لعناصر التنظيم، ولخص ناشط حقوقي في حضرموت الوضع قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «المكلا سلبوا مدنيتها وسلامها بعد نهب بنوكها وستصبح ملاذا آمنا لمقاتلي القاعدة وحاضنة للفكر الإرهابي»، على حد وصفه.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».