شاشة الناقد

عائلة «كوستا - برافا، لبنان»
عائلة «كوستا - برافا، لبنان»
TT

شاشة الناقد

عائلة «كوستا - برافا، لبنان»
عائلة «كوستا - برافا، لبنان»

> كوستا - برافا، لبنان
> إخراج: منية عقل
> لبنان، فرنسا (2021)
> النوع: دراما اجتماعية
> عروض: مهرجان فينيسيا
> جيد ★★★
تبدأ منية عقل فيلمها بمشاهد بحر ساكن وحزين يحاذي مرفأ مدينة بيروت. رافعة تحمل تمثالاً لرئيس جمهورية. سماء رمادية. شاحنات، غبار. وهذا المشهد سيكون الوحيد الذي تطل فيه المخرجة على المدينة.
بعد ذلك وطوال الفيلم ستدور جميع الأحداث في ذلك المنزل الجبلي البعيد الذي تعيش فيه عائلة بدري. منزل من الحجر القديم المعروف في قرى وبلدات المناطق الجبلية في لبنان. لكنه بيت متواضع على مرتفع من أرض يملكها وليد (صالح بكري) رب عائلة من خمسة أشخاص تضم زوجته (نادين لبكي) وابنتيه تالا (ناديا شربل) وريم (تأدية التوأم سينا وجينا رستم) ووالدته زينة (ليليان شقر خوري).
هذه عائلة سعيدة لأقل من ربع ساعة، إذ تفيق يوماً على موظف حكومي يشرف على وصول آلات حفر وشاحنات إلى الأرض المجاورة. حين سؤال وليد عن الموضوع يخبره الموظّف بكل أدب بأن المكان اختير لحفر مكب للنفايات التي تشكو منها مدينة بيروت ويقدّم له ما يؤكد له ذلك، كاشفاً عن أن شقيقته عليا (يمنة مروان) المهاجرة إلى كولومبيا قبل سنوات كانت باعت الأرض التي تحوّلت إلى مكب للحكومة.
بطبيعة الحال، فإن الناتج ثورة وليد على فعل شقيقته (لم تخبره بقرارها) وعلى وضع يجد فيه العائلة وقد باتت تلاصق أرضاً موبوءة بالنفايات. إنه كما لو أن النفايات لحقت به من بيروت. والدته لا تبالي، فهي تدرك أنها لن تعيش أبداً وابنته الشابة تالا تستلطف حارس المكان. لكن وليد وزوجته يخوضان صراعاً مع الذات، ثم كل منهما ضد الآخر بعدما طلبت الزوجة منه العودة إلى بيروت التي، على الأقل، ليست سجناً كحال مأواهما هنا.
إدارة المخرجة للعمل بأسره ذكية وحانية، وإن كانت توزّع لقطاتها حسب ضرورات السرد وليس تبعاً لمنهج فني خاص. بعض مشاهد الفيلم مأخوذة من زوايا نافرة (كتف من الخلف يحتل ثلث الشاشة في مقابل الشخص المواجه)، في بعض المشاهد الأخرى تضحية المنطق لصالح الصورة (مشهد خروج عليا من البيت عائدة وهي تسير بحقيبتها على الطريق كما لو أن المطار على بعد أمتار). لكن سرد الفيلم يتوالى درامياً ببناء جيد. للإيقاع بطء مدروس يوازي الحياة في عهدة ذلك الموقع. السيناريو حريص على استيفاء كل منافذ الدراما عبر هذه الشخصيات (ويضيف إليها شخصية الشقيقة التي تأتي لزيارة قصيرة).
على أن للفيلم بؤرة اهتمام غير دقيقة. بداية، تحرص المخرجة على قيام الفتاة الصغيرة ريم باحتلال موقع أساسي في سرد ما يتلوه الفيلم. لا بأس بذلك إلى أن تخلط المخرجة أوراقها لتتناول الأحداث من زاوية كل شخصية مختلفة. ما يقع، تبعاً لذلك، ارتباك في تأسيس إدارة جماعية، علماً بأنها تملك كل مفاتيح خطوة كهذه. بمنح ريم حضوراً موازياً في حجمه يقف الفيلم على حافة ضيقة فهو ليس عنها فقط، لكنه معني بها على نحو خاص.
إلى ذلك، تتصرّف ريم على جانبي عمرها المفترض: هي ما زالت تعد من 1 إلى 44 كتعبير عن اعتقاد طفولي بأنها قد تمنع أو تسمح بأحداث إذا ما فعلت ذلك، وعلى الجانب الآخر، تتصرّف بوعي أكبر من ذلك العمر.
أداء صالح بكري ونادين لبكي جيد. تمنح نادين ما يحتاجه الفيلم من حنان ورقة (مشهد سردها لكيف التقت بزوجها خلال إحدى مظاهرات بيروت) ويؤمن صالح حضور الأزمات النفسية والعاطفية. وجه مقتضب التعابير يحمل هموماً وخيبة أمل في الحياة.
«كوستا - برافا، لبنان» يحمل همّ الإنسان اللبناني ضمن حكاية منطوية على شخصياته. القمامة التي انتقلت لتجاور حياتها وتؤثر على بيئتها تكشف عن وضع مشابه داخل البيت اللبناني. قمامة أخرى تعيش في ثنايا تلك العائلة في وضع عسير ومتعثر ما زال بلا حل إلى اليوم.

> Death on the Nile
> إخراج: ‪كنيث براناه‬
> الولايات المتحدة (2022)
> النوع: تحقيقات بوليسية
> عروض: مهرجان - تجاري
> وسط ★★
كثير من أحداث الفيلم ليس ما كتبته أغاثا كريستي وليس ما تخيّلته. نعم الحكاية في مجملها واحدة. ومن قرأ الرواية سيدرك تأثير الحوار في أكثر من مكان على الصيغة في فيلم كنيث براناه، لكن الفيلم لا يلتزم بالنص ويتحرر من شكله تحرراً شبه كامل.
نشرت الكاتبة كريستي روايتها هذه سنة 1937 وهي السنة التي اختيرت لأحداث الفيلم. جوهر الأحداث هو أن مجموعة مختلطة من البريطانيين ركبوا باخرة سياحية في نهر النيل قاصدين أبو سمبل. أحدهم التحري الخاص هركل بوارو الذي تطلب منه امرأة شابّة حمايتها من عشيقة زوجها التي تطاردها. هذه المرأة تلقى حتفها وعلى بوارو معرفة الجاني، امرأة كانت أو رجلاً. وحسب أعمال أخرى للمؤلفة الشهيرة، ينبري التحري كاشفاً أن العديد من ركاب الباخرة لهم مصلحة في قتل المرأة ولو أن من نفّذ العملية واحد.
هذا الاحتواء لما تدور حوله رواية «موت على النيل» ما زال ماثلاً، لكن المخرج براناه يعالجه على نحو يأخذ من صلب الأحداث تاريخ الفترة ومنواله كما من النص الأدبي ذاته. هذا كان يمكن أن يُقبل به لولا أن بعض المُضاف (أو الكثير منه إذا ما حسبنا علاقة الكاميرا بالسرد وتأثير ذلك على كيفية ورود الأحداث والتوليف وتأثيره على الإيقاع) ليس مطلوباً بحد ذاته. بداية الفيلم هو جزء من الإضافة غير الحميدة وتعرّفنا على لماذا ربّى بوارو شاربيه على هذا النحو الطاغي (تشوّه فمه بفعل انفجار خلال الحرب الأولى فغطاه بشاربين كبيرين).
يلي ذلك خلط غير حميد بين رغبة المخرج، الذي يؤدي دور بوارو كما فعل في فيلمه السابق «جريمة في أكسبرس الشرق»، تغيير بداية الرواية لتشمل فصلاً يدور في ملهى ليلي تغني فيه امرأة سوداء (ليليتا رايت) البلوز ونرى فيه الشاب سيمون (أرمي هامر) يراقص عشيقته جاكلين (إيما مكّي) التي وعدها بالزواج ثم تخلّى عنها حال رقصته مع لينت (غال غادوت) فتزوّج بها. لم أكن ولدت في تلك الفترة لكني لا أعتقد أن الرقص كان شهوانياً على هذا النحو، والأفدح أن وجود بوارو بين زبائن المكان، وحيداً يرقب ما يدور، ليس له داع. كذلك خلت رواية كريستي من شخصيات غير بيضاء.
الفيلم في تفاصيله التقنية جيد، وأقل من ذلك، حين متابعته ككل. اللهو البصري في بدايته يستمر وفي كل خطوة منه يبتعد الفيلم عن الأصل من دون تحقيق كامل حسنات البديل الذي ينشده.

لا يستحق ★ وسط ★★ جيد ★★★
ممتاز ★★★★ تحفة ★★★★★


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.