اقتصاد المغرب بين «شقي رحى»

أسير قسوة الجفاف ونار التضخم

آثار الجفاف تبدو على حقل قرب مراكش المغربية (رويترز)
آثار الجفاف تبدو على حقل قرب مراكش المغربية (رويترز)
TT

اقتصاد المغرب بين «شقي رحى»

آثار الجفاف تبدو على حقل قرب مراكش المغربية (رويترز)
آثار الجفاف تبدو على حقل قرب مراكش المغربية (رويترز)

بين شقي الرحى، يقبع الاقتصاد المغربي في وضع صعب، فمن جهة هو محاصر بجفاف قاسٍ، ومن ناحية أخرى لا يتوقف التضخم عن الارتفاع.
وقالت مندوبية التخطيط في المغرب، يوم الثلاثاء، إن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع 3.1 في المائة على أساس سنوي، في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية 4.3 في المائة، بينما زاد تضخم المواد غير الغذائية 2.3 في المائة. وعلى أساس شهري، لم يطرأ تغير كبير على المؤشر، إذ ارتفع 0.1 في المائة. وزاد معدل التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار السلع التي تشهد تقلباً 0.3 في المائة على أساس شهري، وارتفع 3.2 في المائة على أساس سنوي.
لكن ما يزيد الأمر سوءاً هو حالة الجفاف الشديد، إذ يجزم المزارع المغربي محمد فنان بأنه لم يشهد موسماً أشد جفافاً من هذا، طيلة 50 عاماً قضاها في الفلاحة بقريته رأس العين في إقليم سطات جنوبي العاصمة الرباط. ويقول فنان (77 عاماً): «لم يسبق أن رأيت مثل هذه السنة. أنا مولود في عام 1945، كما عايشت بكل تأكيد 1981 التي كانت سنة جافة أيضاً وصعبة، ولكن لم يسبق أن حكى لي أحد من أجدادي أو والدي عن مثل صعوبة هذا العام الذي نعيشه».
وأشار فنان المختص في الزراعات السقوية، وهي تلك التي تعتمد على الري مثل القمح والشعير والحبوب، إلى أنه زرع أرضه التي تقع في سهل الشاوية -أحد أخصب السهول المغربية- بالقمح والحبوب كالمعتاد؛ لكنها لم تنبت. وقال إن «الجفاف حاد، وحاد جداً. النبتات -خصوصاً الزراعات الخريفية- تضررت كثيراً».
ويشهد المغرب أسوأ أزمة جفاف منذ 30 عاماً، وتراجع معدل هطول الأمطار 64 في المائة مقارنة بالموسم العادي. وقال خبير المناخ والتنمية المستدامة محمد بنعبو: «الجفاف يحدث كل عامين حالياً بدلاً من مرة كل 10 سنوات، على غرار ما كان يحدث حتى تسعينات القرن الماضي».
وشكا فنان من قلة مناطق الرعي والكلأ، قائلاً: «المراعي غير موجودة نهائياً. الناس تبيع أغنامها، هناك من باع 90 في المائة ليوفر الكلأ لما تبقى. هناك نقص كبير في المياه الجوفية».
والزراعة في المغرب هي أكبر القطاعات استيعاباً للأيدي العاملة، وشكلت 17 في المائة من الناتج المحلي في 2021.

- نقص الأمطار
في قرية بني كلة شرق مدينة وزان التي تقع قرب جبال الريف، على بعد 173 كيلومتراً شمالي الرباط، قالت مزارعة قدمت نفسها باسم «زهرة»، إن حقلها المزروع بالفول والقمح قد جف و«المغروسات ذابلة تكاد تموت». وأضافت زهرة التي تبلغ من العمر 69 عاماً: «هذه أسوأ أزمة جفاف. عام 1981- 1982 كان جافاً؛ لكن المياه الجوفية كانت لا بأس بها، كنا نسقي. أما الآن فنخاف أن نسقي بعض المزروعات ونبقى دون ماء للشرب، فالوادي بقريتنا جف، ومنسوب مياه البئر التي نرتوي منها نقص أيضاً».
وفي قرية بلوطة بشمال وزان أيضاً، قالت فاطمة (58 عاماً): «غرسنا الفول والجلبانة (البازلاء) ولم تنبت بسبب النقص الشديد في الأمطار». وتقول جارتها عايشة: «اشتريت نعجة حبلى بخمسمائة درهم (52.7 دولار) وهذا ثمن بخس. في السابق لم أكن لأشتريها بأقل من 1700 أو 1400 درهم. المواشي رخصت بسبب التخوف من نقص الأعلاف، نظراً لقلة الأمطار».
وفي الأسبوع الماضي، قال الديوان الملكي إنه سينفق 10 مليارات درهم (أكثر من مليار دولار) لدعم القطاع الفلاحي، وتخفيف آثار الجفاف على الزراع والاقتصاد. وأقر العاهل المغربي برنامجاً عاجلاً يأتي على 3 محاور أساسية، تتعلق بحماية الرصيد الحيواني والنباتي وإدارة ندرة المياه، في حين ينصب المحور الثالث على تخفيف الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين، وتمويل عمليات تزويد السوق الوطنية بالقمح وعلف الماشية، وتمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال الري.
وقال فنان لـ«رويترز»: «حقيقة؛ هذا الإعلان الملكي عن مساعدة الفلاحين أنعش آمالنا، ونتمنى أن يخفف من وطأة هذه الأزمة على الفلاح والاقتصاد المغربي».

- هيمنة الفلاحة
ورغم جهود الدولة لتقليل اعتماد الاقتصاد المغربي على الفلاحة، ومحاولة تطوير الصناعات، لم تتمكن الدولة من تخطي حاجز هيمنة الفلاحة على الاقتصاد. وقال رشيد أوراز الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات لـ«رويترز»: «في الواقع، منذ سنوات كانت هناك مخططات لتطوير قطاع الصناعة في الاقتصاد المغربي؛ لكن ذلك يتطلب سنوات من العمل واستثمارات هائلة. وبذلك بقي قطاع الفلاحة، بالإضافة إلى قطاع السياحة، من بين أهم القطاعات الاقتصادية في المغرب».
ويرى أوراز أن هذه السنة أشد صعوبة؛ لأنها «جاءت بعد عامين من جائحة (كوفيد-19) وتبعات الإغلاق الاقتصادي العالمي، وكذلك معدلات التضخم على المستوى العالمي، وبالتالي الغلاء لم يمس فقط المنتجات الفلاحية، ولكن مسَّ أيضاً كثيراً من المنتجات، كقطاع المحروقات والمنتجات الصناعية».
وأضاف: «الأمور صعبة، ليس لأن الاقتصاد المغربي غير متنوع، ولكن لأن كثيراً من القطاعات الأخرى أصابها الكسل؛ مثلاً قطاع السياحة الذي لم يشتغل منذ 3 سنوات، ونحن نعرف أنه قطاع مشغل وقطاع موفر لكثير من فرص العمل؛ سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وكذلك الشأن بالنسبة للقطاع الصناعي».
وتحدث عن صعوبة إيجاد بديل لقطاع الفلاحة، قائلاً: «الانتقال من مجتمع فلاحي زراعي إلى مجتمع صناعي، يتطلب أن تلتقي عوامل مؤسساتية وبشرية كثيرة، لتواكب هذا التحول... المغرب ليس لديه هذه الإمكانيات، وبالتالي من الصعب إحداث هذا الانتقال».
وقال فنان: «الزراعات الخريفية ذهبت مع الريح. نحن مثقلون بالديون، نشتري المحروقات والبذور وكل شيء بسعر مرتفع».



سندات لبنان السيادية ترتفع لأعلى مستوى في عامين وسط آمال بوقف إطلاق النار

رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)
رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)
TT

سندات لبنان السيادية ترتفع لأعلى مستوى في عامين وسط آمال بوقف إطلاق النار

رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)
رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)

ارتفعت سندات لبنان السيادية المقوَّمة بالدولار إلى أعلى مستوياتها منذ عامين، يوم الثلاثاء؛ حيث راهن المستثمرون على أن الهدنة المحتملة مع إسرائيل قد تفتح آفاقاً جديدة لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.

وعلى الرغم من أن هذه السندات لا تزال تتداول بأقل من 10 سنتات للدولار، فإنها حققت مكاسب تتجاوز 3 في المائة هذا الأسبوع. وكان سعر استحقاق عام 2031 قد وصل إلى 9.3 سنت للدولار، وهو أعلى مستوى منذ مايو (أيار) 2022، وفق «رويترز».

وفي هذا السياق، أشار برونو جيناري، استراتيجي الأسواق الناشئة في شركة «كيه إن جي» للأوراق المالية الدولية، إلى أن «بعض المستثمرين يتساءلون ما إذا كان الوقت مناسباً للشراء؛ حيث تُعدُّ الهدنة الخطوة الأولى اللازمة لإعادة هيكلة السندات في المستقبل».

ورغم استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان يوم الثلاثاء، والتي أسفرت عن تدمير البنية التحتية وقتل الآلاف، فإن هذا الارتفاع غير المتوقع في قيمة السندات يعد بمثابة انعكاس للرغبة في إعادة تنشيط النظام السياسي المنقسم في لبنان، وإحياء الجهود لإنقاذ البلاد من أزمة التخلف عن السداد.