بدت روسيا شبه معزولة على الساحة الدولية متمثلة في مجلس الأمن الذي عقد جلسة طارئة طغى عليها التنديد بقرار رئيسها فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيتين وإرسال وحدات عسكرية روسية إلى المنطقتين، مما ضاعف المخاوف الأميركية والأوروبية من غزو واسع النطاق، رغم التشديد على أهمية العودة إلى الحوار والدبلوماسية مع احترام سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها والتزام شرعية الأمم المتحدة، التي وجه أمينها العام أنطونيو غوتيريش، انتقاداً نادراً إلى موسكو بعد اتخاذها قرارات «لا تتسق» مع ميثاق المنظمة الدولية.
وبطلب من أوكرانيا دعمته ثمانٍ من الدول الـ15 الأعضاء في المجلس وهي: الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وآيرلندا والنرويج وألبانيا والمكسيك والبرازيل، عُقدت هذه الجلسة الطارئة الاستثنائية تحت بند «التهديدات للأمن والسلم الدوليين» ليل أول من أمس (الاثنين)، بُعيد ساعات من إعلان الروسي قراره. وبدا لافتاً في الجلسة أن روسيا التي تترأس مجلس الأمن للشهر الجاري لم تتلقَّ أي تأييد لخطواتها. بل توالى التنديد خصوصاً بما سماها أحد الدبلوماسيين «إعادة نشر رائحة البارود» في القارة الأوروبية، وبمحاولة الرئيس بوتين، في خطابه، لا سيما «إعادة عقارب الزمن إلى الوراء»، فضلاً عن «اختلاق الذرائع للغزو»، وفقاً لما قالته المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد.
واستُهلت الجلسة بكلمة لوكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام ماري روز ديكارلو، التي نقلت عن غوتيريش «قلقه البالغ» من قرار الرئيس الروسي، الذي يشكل «انتهاكاً لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها ويتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة»، ومطالبته بـ«تسوية سلمية للنزاع في شرق أوكرانيا، وفقاً لاتفاقات مينسك، كما أقرّها مجلس الأمن في القرار 2202». وإذ أكدت أن «الساعات القادمة حاسمة» ويشوبها «خطر نشوب نزاع كبير حقيقي ويجب منعه بأي ثمن»، قالت: «ببالغ القلق والحزن، اطّلع مجلس الأمن على الحالة الخطيرة التي تتكشف في أوكرانيا وما حولها»، معبّرةً عن «الأسف الشديد لهذا القرار الذي قد تكون له تداعيات إقليمية ودولية». كما «أسفت» لنشر قوات روسيّة في شرق أوكرانيا في «مهمة حفظ سلام». ولفتت إلى أنه «وسط المخاطر وعدم اليقين الحاليين، من الأهمية بمكان متابعة الحوار»، معتبرةً أن «التفاوض هو السبيل الوحيد لمعالجة الخلافات القائمة بين الجهات الفاعلة الرئيسية فيما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي، وتسوية النزاع في شرق أوكرانيا وفقاً لقرار مجلس الأمن 2202». وجددت التزام الأمم المتحدة الكامل بسيادة أوكرانيا واستقلالها ووحدة أراضيها داخل الحدود المعترف بها دولياً.
ذرائع للغزو
وشددت المندوبة الأميركية على أنه «في هذه اللحظة، لا أحد يستطيع أن يقف مكتوف اليدين»، حاملةً على اعتراف الرئيس الروسي باستقلال لوغانسك ودونيتسك، لأنه بمثابة «مطالبة بكل أراضي الإمبراطورية الروسية (...) لما قبل الاتحاد السوفياتي». وقالت: «يريد بوتين أن يسافر العالم بالزمن إلى الوراء، إلى وقت ما قبل الأمم المتحدة، إلى وقت كانت فيه الإمبراطوريات تحكم العالم»، علماً بأن «بقية العالم تتحرك إلى الأمام»، متهمةً الرئيس الروسي بإطلاق «سلسلة من الادعاءات الكاذبة الشائنة حول أوكرانيا بهدف اختلاق ذريعة للحرب». وأشارت إلى ادعائه أيضاً أن «أوكرانيا تسعى للحصول على أسلحة نووية من الغرب. وهذا ليس صحيحاً». وكررت أن «الهجوم على أوكرانيا هو اعتداء على سيادة كل دولة عضو في الأمم المتحدة وعلى ميثاق الأمم المتحدة»، مؤكدةً أن ذلك «سيُواجَه بعواقب سريعة وخطيرة». وأضافت أن إدارة الرئيس جو بايدن «ستتخذ المزيد من الإجراءات لمحاسبة روسيا على هذا الانتهاك الواضح للقانون الدولي وسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها».
أقوال روسيا وأفعالها
وندد نظيرها الفرنسي نيكولا دو ريفيير، باعتراف روسيا بالمنطقتين الانفصاليتين بشرق أوكرانيا، مشيداً بضبط النفس الذي أظهرته كييف في هذه الظروف العصيبة. وقال إن «هذا لا يشكل هجوماً جديداً على سلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها فحسب، بل يمثل أيضاً انتهاكاً للمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، والقرار 2202 الصادر عن هذا المجلس الذي يؤيد اتفاقات مينسك، والتزامات روسيا». وذكّر باعتراف نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، في 17 فبراير (شباط) الماضي بأنه «لا يوجد بديل لاتفاقات مينسك»، فضلاً عن أن هذه كانت «الأساس القانوني الوحيد المعترف به دولياً لحل النزاع في أوكرانيا»، مضيفاً أن «الواقع مختلف تماماً» لأن روسيا «اختارت طريق التحدي والمواجهة». وطالب موسكو بـ«التوفيق بين أقوالها وأفعالها، عندما تدّعي أنها مؤيِّدة للحوار، وإعادة النظر في قرار الاعتراف بالكيانين الانفصاليين»، مؤكداً أن «فرنسا تستعد مع شركائها الأوروبيين لفرض عقوبات مستهدفة على أولئك الذين شاركوا في هذا القرار غير القانوني».
تداعيات كبرى
وتبعته المندوبة البريطانية باربره وودوارد، التي حذرت من أن غزو أوكرانيا «يطلق العنان للفوضى والموت والدمار في أوكرانيا، وسيكون الأثر الإنساني فظيعاً على المدنيين الذين سيفرّون من القتال، والنساء والأطفال سيعانون أكثر من غيرهم». وأكدت أن «خطوات اليوم تسخر من الالتزامات التي قطعتها روسيا في مذكرة بودابست واتفاقات مينسك»، معتبرة أن روسيا تستهزئ بالقانون الدولي. وأشارت إلى أن المملكة المتحدة ستعلن جزاءات جديدة ضد روسيا رداً على انتهاكها الصارخ للقانون الدولي والتعرّض لسيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية. وقالت: «ستكون هناك تداعيات اقتصادية كبيرة لقاء هذه التصرفات».
وبعدما توالت المواقف المنددة بانتهاك سيادة أوكرانيا وميثاق الأمم المتحدة من مندوبي الدول المختلفة، دعا المندوب الصيني تشانغ جون «جميع الأطراف المعنية إلى ممارسة ضبط النفس، وتجنب أي عمل من شأنه أن يؤجج التوترات». وأضاف أن «على كل الدول حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية بما يتماشى مع أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة».
ورد المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، على الانتقادات لبلاده، معتبراً أنه «من الأهمية بمكان أن ينصبّ التركيز على تجنب الحرب». وطالب بـ«دفع أوكرانيا إلى وقف القصف والاستفزاز ضد دونيتسك ولوغانسك»، متهماً كييف بـ«رفض الحديث بشكل مباشر مع ممثلين من دونيتسك ولوغانسك رغم أن هذا المطلب ضروري ويمثل عنصراً رئيسياً في تلك التدابير العملية». ورأى أن «بعض الزملاء يرغبون في دفن اتفاقات مينسك تحت التراب»، مذكّراً بأنه «حين تم توقيع اتفاقات مينسك، كانت جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك قد أعلنتا استقلالهما بالفعل. واليوم روسيا فقط اعترفت بذلك». وأكد أن «روسيا منفتحة على الدبلوماسية والسعي نحو التوصل إلى حل دبلوماسي». وشدد على أن روسيا تسعى لحماية الناس في هاتين المنطقتين، مكرراً أن روسيا «ليست طرفاً في اتفاقات مينسك».
وتحدث المندوب الأوكراني سيرغي كيسليتسيا، الذي أكد أن «هجوم روسيا على أوكرانيا هو هجوم على الأمم المتحدة»، مضيفاً أن لبلاده «الحق في الدفاع عن النفس بشكل فردي وجماعي وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة». وشدد في الوقت ذاته على أن كييف «ملتزمة التسوية السلمية، وتؤمن بأنه يجب تحقيقها ضمن إطار اتفاقات مينسك». ودعا الرئيس بوتين إلى إلغاء قراره، والعودة إلى طاولة المفاوضات وسحب القوات المحتلة من أراضي أوكرانيا.
بوتين يواجه عزلة دولية... وسيل من التنديد بانتهاك ميثاق الأمم المتحدة
واشنطن تَعدّ قراره الاعتراف باستقلال دونيتسك ولوغانسك ذريعة لغزو أوكرانيا
بوتين يواجه عزلة دولية... وسيل من التنديد بانتهاك ميثاق الأمم المتحدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة



