الأشعري يجمع أعمدة «عين العقل» بعد 30 سنة من كتابتها

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

الأشعري يجمع أعمدة «عين العقل» بعد 30 سنة من كتابتها

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صدر حديثاً للأديب والكاتب والسياسي محمد الأشعري مؤلفاً تحت عنوان «عين العقل (6 ديسمبر/ كانون الأول 1990 - 27 فبراير/ شباط 1998)»، الذي يضم سلسلة مقالات نشرها صاحبها على الصفحة الأولى لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» خلال تسعينات القرن الماضي ضمن عمود صحافي يحمل الاسم نفسه.
ويقول الأشعري، في تقديمه للكتاب الواقع في 741 صفحة من القطع المتوسط،: «ترددت كثيراً» قبل نشر هذا الإصدار على اعتبار أن العمود الصحافي اليومي أو شبه اليومي إنما هو «كتابة آنيّة، ملتصقة بلحظتها وبسياقها (...) ومنذورة للاستهلاك اليومي بما يعنيه ذلك من أثر عابر وتأويل سريع الأحداث ولدلالاتها المتشابكة».
ويضيف أنه غيّر رأيه هذا لسببين، يتمثل أولهما في «ما عدّه أصدقاء أعزاء، أهمية توثيقية لمرحلة من أهم المراحل السياسية في المغرب المستقل، مرحلة تسعينات القرن الماضي، وهي فترة عَرفت الكثير من الأحداث الوطنية والعربية والدولية التي كانت لها أهميتها القصوى وتأثيرها القوي في تشكيل ملامح المرحلة التي تلتها (النضالات الاجتماعية في المغرب، وتطورات القضية الفلسطينية، والحرب على العراق، والقطبية الأحادية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي... وغيرها)».
وفي واقع الأمر، يقول الأشعري، فإن جمع هذه المقالات التي «اختصت برصد هذه الأحداث، ومحاولة فهمها وتأويلها بالنقد والسخرية والتساؤل، قد يفيد في تحقيق قراءة أخرى، غير قراءة اللحظة، تنظر إلى المرحلة ككل، وليس يوماً بيوم» لا سيما بعد مرور ثلاثين سنة على ميلاد «عين العقل».
أما السبب الثاني «فيتمثل في كون هذه المقالات لها علاقة وثيقة ببيت الكتابة الذي أقيمُ فيه منذ أمد بعيد. إنها تحمل كل شغفي باللغة التي أكتب بها، شعراً ونثراً، تحمل ملامحي، في الحياة وفي الكلمات التي أنسجها».
ويتطرق الكتاب إلى تفاصيل ومعطيات، ومنها اعتماد (أبو فارس) اسماً مستعاراً لتوقيع العمود في مرحلة من المراحل، وسبب اختيار عنوان فيما بعد. ويقول عن هذا التغيير: «كانت النية في البداية أن يكون خفيفاً موجزاً وساخراً إن أمكن، قبل أن يتحول تدريجياً إلى معبّر عن رأي يشترك في اعتناقه كثير من الناس، ويصبح، شأنه شأن أي عمود رأي، رأياً مضاداً، من الصعب، إن لم يكن من المستحيل فصله عن الخلفية السياسية والآيديولوجية التي تؤطر كاتبه».
وعن جدوى قراءة «عين العقل» بعد مرور مدة ثلاثين سنة على كتابته، يقول المؤلف: «من الجائز أن يُقرأ هذا العمل كنموذج من كلاسيكيات الكتابة الصحافية في بلادنا، أيام كانت الحياة السياسية تعيش مخاضاً عسيراً لمحاولة فتح صفحة جديدة في تاريخ المغرب المستقل، وأيام كانت الصحافة الحزبية تشغل حيزاً واسعاً من المهنة، وأيام كانت البلاد من دون إنترنت ولا هواتف ذكية ولا شبكات تواصل اجتماعي».
وبهذا المعنى، يضيف، يمكن أن يفيد هذا الكتاب إلى حد ما في فهم المرحلة التي سبقت حدوث التناوب السياسي من خلال «نضالاتها الاجتماعية، ومراهناتها السياسية، وتجاذباتها حول الإصلاح السياسي، وتغيير القوانين الانتخابية وإجراء انتخابات نزيهة، وغيرها من القضايا».
وحسب الأشعري، فإنه «من المؤكد أن فهم هذه المرحلة قد أصبح اليوم ضرورة قصوى للقيام بنقد موضوعي للتجربة، لا يتوقف فقط عند ما هو متكرر ومعاد، أو عند القطائع المستحيلة، بل يتجاوز ذلك إلى بناء تصور جديد للتغيير، نفسه، ذلك أن المغرب يحتاج اليوم إلى مشروع آخر تحمله أجيال جديدة في واقع تآكلت فيه الأحزاب السياسية، وتضاءلت فيه النقابات، وحصل شرخ كبير في الثقة بين المواطن والفاعل السياسي».
كما أنه «من الجائز أيضاً أن يُقرأ الكتاب فقط كما هو»، أي «ككتابة تنتمي لجنس الأدب الصحافي، بكل ما يحتمل في هذا الجنس من نزوع إلى التاريخ والمحو، أي إلى ابتكار وجه آخر للواقع لا يتجلى إلا بالكتابة».



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.