«شيطان التفاصيل» يدخل على خط تفسير «الاتحادية» للدستور العراقي

المحكمة وضعت الخلاف النفطي بين بغداد بمختلف تحالفاتها وأربيل ممثلة بحزب بارزاني

TT

«شيطان التفاصيل» يدخل على خط تفسير «الاتحادية» للدستور العراقي

قبل يومين أجرى زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني اتصالاً هاتفياً مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بشأن «التحالف الثلاثي» الذي ينتمي إليه الاثنان مع الشريك الثالث السني «تحالف السيادة». كان خبر الاتصال مقتضباً لكنه في المحصلة يهدف إلى طمأنة بارزاني بأن الصدر باقٍ على موقفه حيال ثبات التحالف لا سيما أن قرارات المحكمة الاتحادية الأخيرة بدت موجهة ضد إقليم كردستان.
مع أن قراري المحكمة الاتحادية سواء الخاص باستبعاد المرشح عن الحزب الديمقراطي لمنصب رئيس الجمهورية، هوشيار زيباري، أو عدم دستورية بيع حكومة إقليم كردستان النفط جاء بناءً على طعنين قدما لها، فإن الفرق بين الطعنين هو أن الأول الخاص ببيع النفط يعود إلى 10 سنوات إلى الوراء وبالذات إلى عام 2012 حين قدم وزير النفط الأسبق عبد الكريم لعيبي طعناً أمام المحكمة الاتحادية بهذا الخصوص، بينما الطعن الثاني الخاص باستبعاد زيباري من حلبة التنافس على منصب رئاسة الجمهورية قدم قبل أقل من شهر.
ورغم أن المحكمة الاتحادية أصدرت تفسيراً مفصلاً بشأن المواد الدستورية التي استندت إليها في قرارها بشأن النفط فإن «شيطان التفاصيل» دخل على خط الخلافات بين بغداد وأربيل. والأخطر من ذلك، وهو ما يجعل شيطان التفاصيل أشطر من سواه في صب المزيد من الزيت على نار الخلافات المستعر، أنه لم يعد المقصود بالخلاف بين بغداد وأربيل هو بين بغداد وإقليم كردستان، بل بين بغداد بمختلف تحالفاتها وبين أربيل ممثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني. فالسليمانية، وخصوصاً حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وإن دعا في بيان له إلى عدم الإضرار بحقوق الشعب الكردستاني، وهو ما عده كثيرون بمثابة أضعف الإيمان، فإن موقفه من قرار «الاتحادية» انسجم مع الجو العام في بعض مناطق الإقليم وخصوصاً السليمانية التي يسيطر عليها حزبان الآن وهما الاتحاد الوطني برئاسة بافل طالباني و«الجيل الجديد» بزعامة ساشوار عبد الواحد.
ويرى الاتحاد الوطني الكردستاني أن قرار «الاتحادية» ليس موجهاً لأبناء إقليم كردستان بل للحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه مسعود بارزاني بوصفه من يسيطر على ملف النفط. بدوره، يرى حزب «الجيل الجديد» أن القرار جاء بالضد من «حكم العوائل والأحزاب» التي تسيطر على إقليم كردستان وبذلك يشمل، طبقاً لرؤية «الجيل الجديد»، حزب الاتحاد الوطني كذلك. ولعل التطور الأهم هو قيام عدد كبير ممن أطلقوا على أنفسهم نخب كردستان بإصدار بيان تأييد لقرار المحكمة الاتحادية من منطلق أن أبناء الإقليم لم يستفيدوا من مبيعات النفط. وهناك من طالب بربط رواتب موظفي الإقليم ببغداد مباشرة.
قبل التحالفات السياسية الأخيرة، كان أصل الخلاف بين بغداد وأربيل فيما يتعلق بملف النفط يعود أولاً إلى عام 2007 عندما تم تقديم مشروع قانون النفط والغاز الذي لم يشرع حتى اليوم بسبب الخلافات السياسية. ويعود ثانياً إلى عام 2012 عندما شرع إقليم كردستان قانوناً خاصاً به للنفط والغاز وهو ما جعله يستدعي شركات أجنبية للحفر والتنقيب والاستكشاف طبقاً للمشاركة في الإنتاج ما أغضب بغداد. تفاقم الخلاف والغضب بين الطرفين بدءاً من عام 2014 وحتى اليوم ولم يتمكنا من إبرام اتفاق قابل للصمود يتم بموجبه بيع النفط من قبل الإقليم بكمية يتفق عليها وتسليم أموالها إلى الخزينة المركزية. وتدفع بغداد بأن النفط طبقاً للمادة 111 من الدستور ملك لكل الشعب العراقي وهو من الصلاحيات الحصرية للمركز، لكن بسبب ثغرات الدستور فإن إقليم كردستان يرى أنه وفقاً للدستور العراقي من حق الأقاليم التصرف بالعائدات المالية دون أن يكون ذلك على حساب الصلاحيات الحصرية.
يضاف إلى ذلك الخلاف الدائم بين الطرفين حول نسبة الكرد من الموازنة الاتحادية حيث يطالب الكرد بنسبة 17 في المائة بينما البرلمان العراقي يمنحهم وبتواطؤ شيعي - سني نسبة 13 في المائة، لكن اليوم وطبقاً لتغيير منطق التحالفات فإنه في الوقت الذي أصبحت فيه أربيل مع قسم من الشيعة (التيار الصدري) والغالبية العظمى من السنة (تحالف السيادة)، فإن السليمانية ذهبت مع القسم الآخر من الشيعة (الإطار التنسيقي)، وكل ذلك بسبب منصب رئيس الجمهورية الذي لم يوحد موقف الكرد حتى من تفسير المحكمة الاتحادية، لكن قسماً ممن يرون أنهم يمثلون طيفاً آخر من مواطني الإقليم يتأرجحون بين رفض خجول لقرار الاتحادية وقبول واسع لا يقل عن قبول قوى الإطار التنسيقي التي ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك حين استندوا إلى ما ورد في توضيح المحكمة الاتحادية من أن بين شحنات النفط بيعت إحداها إلى إسرائيل. وفي هذا السياق فقد تم توجيه اللوم إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الباحث عن تشكيل حكومة الأغلبية، بأنه يتحالف مع من يبيع النفط إلى إسرائيل بينما هو يعلن دائماً أنه «ضد التطبيع».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.