«ركود السنة الثانية»... لماذا نفقد الحماس بعد السنة الأولى في الجامعة أو العمل؟

طلاب يتجولون داخل إحدى الجامعات في المملكة المتحدة (رويترز)
طلاب يتجولون داخل إحدى الجامعات في المملكة المتحدة (رويترز)
TT

«ركود السنة الثانية»... لماذا نفقد الحماس بعد السنة الأولى في الجامعة أو العمل؟

طلاب يتجولون داخل إحدى الجامعات في المملكة المتحدة (رويترز)
طلاب يتجولون داخل إحدى الجامعات في المملكة المتحدة (رويترز)

عندما بدأت هانا العمل في وكالة علاقات عامة كبرى في واشنطن العاصمة، اعتقدت أنها قد حصلت على الوظيفة التي تحلم بها. كانت تتطلع إلى تحديات وفرص المنصب الجديد، خصوصاً أن الوكالة لديها عملاء في مجال الجمال -وهو قطاع يثير اهتمامها بشكل خاص. شعرت بأنها محظوظة لأنها حصلت على العمل.
ولكن بعد عام أو عامين، فوجئت عندما وجدت نفسها تشعر بالاستياء. بعد الإثارة الأولية، وتحول العمل إلى ضغط عصيب. لقد أصابها الواقع بشدة: كانت الوظيفة مرهقة، وأقل بريقاً بكثير مما كانت تتصوره، ولم يكن لديها سيطرة على نوع المهام التي تقوم بها. كانت مرهقة للغاية، ولم يكن لديها ما يشير إلى أنها ستؤدي قريباً العمل الذي سيعيد إشعال شغفها، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».
أدركت أنها أحسّت بمشاعر مماثلة من قبل. قبل بضع سنوات، عندما كانت طالبة جامعية في السنة الثانية، فقدت الشرارة والإثارة التي شعرت بها خلال عامها الأول. أصبحت دراستها أكثر صعوبة، وكان عليها التوفيق بينها وبين الوظيفة التي دفعت لها نفقات معيشتها. كان كل شيء في السنة الثانية أصعب من العام الأول، عندما كانت التجربة الجامعية جديدة.

في ذلك الوقت، مرت بما يُعرف باسم «ركود السنة الثانية»، وهي ظاهرة غالباً ما ترتبط بالجامعة، وتحدث عندما يدرك الطلاب أنهم بحاجة إلى الانقياد بعد الإثارة والاكتشافات في السنة الأولى. الآن بعد أن كانت هانا خارج الجامعة، وقد تلاشى اللمعان في السنة الأولى من وظيفتها، عاد الركود في السنة الثانية بكامل قوته.
في الواقع، لا تقتصر فترات «ركود السنة الثانية» على التعليم. على نطاق أوسع، يمكن أن يحدث ذلك في أي فترة تفقد فيها المشاريع أو الالتزامات الجديدة بريقها الأولي، وتتطور إلى عمل شاق روتيني. فكِّر في موسيقي أو فرقة لها بداية رائعة، وأدرك مدى صعوبة إنتاج فيلم ثانٍ ناجح؛ أو فريق كرة قدم صعد حديثاً وله موسم أول ممتاز لكنه تراجع في عامه الثاني في الدوري الأعلى.

* «ماراثون وليس عدْواً سريعاً»
عادةً ما يبدأ الناس عملية انتقال جديدة بأقصى دوافعهم، ولكن بعد ذلك لا يمكنهم مواكبة هذا المستوى من النشاط، كما يقول جان نيكولاس رايت، الأستاذ المساعد في السلوك التنظيمي في جامعة «ماكجيل» في مونتريال. ويوضح: «يخصص الناس الكثير من الوقت والاهتمام لأداء جيد جداً (في البداية) حقاً، والمشكلة في كثير من الأحيان لا تكون مستدامة... لذا، يفعلون ذلك لمدة عام واحد، لكنه سباق ماراثون، وليس عَدْواً سريعاً».
ويضيف أن هذه «التحولات الكلّية» -أحداث الحياة الكبيرة، مثل البدء بالجامعة أو بوظيفة جديدة- يمكن أن تكون صعبة للغاية وعلى المدى الطويل. في حين أن شخصاً ما قد يشعر بهذه الشرارة الأولية عندما يبدأ التحول الكبير في حياته، «بعد تغيير كبير، من الطبيعي جداً تجربة الركود. ستكون متعباً... لقد مررت بالكثير، وقمت بتغيير الكثير من الأشياء»، وفقاً لرايت.
يمكن أن يؤثر هذا النوع من التراجع في الأداء على الجميع، خصوصاً في مكان العمل. العمال الأصغر سناً، مثل هانا، معرضون لهذا بشكل خاص. قد يكون هذا جزئياً لأن أولئك الجدد في القوى العاملة لم يشعروا بخيبة الأمل أو السخط في الوظيفة، كما تقول سالي ميتليس، أستاذة السلوك التنظيمي والقيادة في «كلية سعيد للأعمال» بجامعة «أكسفورد».

* التقصير والصدمة
قد يكون الركود في السنة الثانية شعوراً طبيعياً يصعب تجنبه من كثير من الناس. لكنّ بعض الناس قد يهيِّئون أنفسهم ليشعروا بالسوء، إذا لم يوازنوا توقعاتهم منذ اليوم الأول لتغيير كبير في الحياة.
على سبيل المثال، قد يذهب شخص ما إلى الجامعة للتركيز ببساطة على قضاء وقت ممتع، دون الاعتراف بأنه سيكون هناك جزء أقل متعة من التجربة أيضاً -مثل العمل. نتيجة لذلك، قد يجد نفسه يتعرض لمشاعر سلبية بشدة في العام الثاني، عندما يحتاج إلى الاعتماد على هذا العمل للحصول على درجة جيدة. من دون الاعتراف بجميع جوانب واقعه المعيش منذ اليوم الأول، قد تكون الصدمة سيئة بشكل خاص. يمكن أن يحدث هذا بالمثل في مكان العمل.
مع ذلك، قد يكون امتلاك البصيرة لمعايرة التوقعات بشكل صحيح أمراً صعباً بالنسبة إلى بعض الأشخاص -خصوصاً الشباب، الذين لم يمروا بالكثير من التجارب والوظائف. في مكان العمل، قد لا يعرفون ما يمكن توقعه، لذلك قد يكون هناك عدم توافق بين ما يتصورونه والعمل الجاد الذي ينتظرهم.
تقول ميتليس: «تأتي بكل هذا الأمل... أنت مبتهج. لكنّ العمال المبتدئين غالباً ما يجدون أنفسهم مثقلين بالعمل الشاق ويعاملون بطريقة مزعجة، ما قد يكون صادماً».

* تعديل التوقعات
نظراً لأن الركود في السنة الثانية يمكن أن يؤثر على الأشخاص على جميع المستويات في مكان العمل، فمن المهم معرفة كيف يمكن للموظفين تجنب خيبة الأمل -أو على الأقل تجنب حدوثها بشدة.
إحدى الطرق هي تلبية التوقعات -فهم معظم الوظائف هو مزيج من المهام الأقل متعة، حتى لو كانت وظيفة أحلام «لامعة» ظاهرياً. يقول إيان ويليامسون، عميد كلية «بول ميراج للأعمال» في جامعة «كاليفورنيا»، إن بدء عمل جديد مع توقع أنه سيصاحبه تحول غير مريح في وقت لاحق قد يساعد العمال على التركيز على ما يريدون، وتجنب الشعور بأنهم عالقون في ركود.
وتضيف ميتليس: «إذا كنت تشعر بأنك في دوامة لولبية، فقم بمشاركة ذلك مع شخص ما -وبشكل مثالي، ليس فقط مع زملائك في المساء».
تقترح التحدث مع مدير أو شخص ما في المؤسسة -خصوصاً الشخص الذي أوصلك إلى العمل- وإخباره بما تعانيه. بالنسبة إلى العاملين الأصغر سناً، قد تبدو هذه المحادثة أشبه بمطالبة المدير بإعطاء الملاحظات وتلقيها، ومشاركة أكثر ما يستمتعون به مقابل الصعوبات التي يواجهونها في الوظيفة.
وتقترح ميتليس أيضاً التفكير في «صياغة الوظيفة» -وهي فكرة تعديل المهام إلى شيء يناسب العامل بشكل أفضل. وفي النهاية، قد لا يكون من الممكن تجنب الركود في السنة الثانية تماماً؛ بعد كل شيء، كل البشر -حتى الرؤساء التنفيذيين- من الطبيعي أن يكونوا متحمسين لوظيفة جديدة أو تغيير هائل آخر في الحياة.
لكن امتلاك فكرة عن كيفية المساعدة في تهدئة تلك المشاعر يُحدث فرقاً كبيراً. وقد لا يضر التفكير في ركود السنة الثانية على أنها فترة تعلم أيضاً.
 


مقالات ذات صلة

إغلاق المدارس في كبرى مدن باكستان بسبب أمطار غزيرة ورياح عاصفة

آسيا أطفال يلعبون على شاطئ كليفتون في كراتشي (رويترز)

إغلاق المدارس في كبرى مدن باكستان بسبب أمطار غزيرة ورياح عاصفة

اضطرت السلطات في كراتشي، كبرى مدن باكستان، إلى إغلاق المدارس، اليوم (الجمعة)، بسبب الأمطار الغزيرة والرياح العاصفة نتيجة منخفض جوي شديد في بحر العرب.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
يوميات الشرق طفلان يقومان بشراء المثلّجات في واشنطن (رويترز)

خبراء ينصحون بإدراج تناول المثلّجات ضمن المناهج الدراسية للأطفال

قالت مجموعة من الخبراء للوزراء في بريطانيا إنه يجب إتاحة الفرصة لتلاميذ المدارس الابتدائية لتناول المثلجات وزراعة الخضراوات وعجن الخبز؛ لمساعدتهم على التعلّم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ جانب من جامعة «هارفارد» في كامبريدج بماساتشوستس في الولايات المتحدة 7 ديسمبر 2023 (رويترز)

قاضٍ أميركي: جامعة «هارفارد» يجب أن تواجه دعوى بسبب معاداة السامية

أخفقت جامعة «هارفارد» في مساعيها لإقناع قاضٍ أميركي برفض دعوى يتهمها فيها طلاب يهود بتحويل حرمها الجامعي إلى مكان لمعاداة السامية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الطلاب السعوديون الأربعة الذين حققوا الجوائز الدولية في أولمبياد الكيمياء الدولي 2024 (موهبة)

السعودية تحقق 4 جوائز عالمية في «أولمبياد الكيمياء»

وارتفع رصيد السعودية من الجوائز التي حصدتها من النسخ التي شاركت بها في أولمبياد الكيمياء الدولي إلى 15 ميدالية فضية و28 ميدالية برونزية، وشهادتي تقدير.

عمر البدوي (الرياض)
آسيا متظاهرون يقطعون الطرق ويشتبكون مع الشرطة في دكا (أ.ف.ب)

احتجاجات بنغلاديش تحدٍ كبير لنظام الشيخة حسينة

إطلاق الذخيرة الحية على المحتجين في العاصمة البنغلاديشية دكا دفع آلاف المتظاهرين إلى المطالبة برحيل رئيسة الوزراء الشيخة حسينة.

«الشرق الأوسط» (دكا)

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)
من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)
TT

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)
من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)

«ماريا»، الذي سبق وتناولناه هنا قبل يومين، ليس سوى أحد الأفلام المعروضة على شاشة الدورة 81 لمهرجان «ڤينيسيا»، (انطلق في 28 من الشهر الماضي وتسدل ستارته في 7 سبتمبر «أيلول» الحالي)، الذي يتناول حياة شخصيات شهيرة. إذ إن هناك أفلاماً عدّة تتحدّث عن شخصيات حقيقية أخرى بينها ثلاثة أفلام غير درامية.

إنها أفلام وثائقية وتسجيلية عن أسماء مشهورة تتباعد في أزمانها وشخصياتها كما في أدوارها في الحياة. هناك «رايفنشتال» عن المخرجة الألمانية ليني رايفنشتال التي عاشت نحو 101 سنة، و«جون ويوكو» عن حياة المغني جون لينون (من فرقة البيتلز) والمرأة التي ارتبط بها، كذلك يطالعنا فيلم المخرج التسجيلي إيرول موريس «منفصلون» الذي يتناول بعض ما تمر به الولايات المتحدة من أزمات بخصوص المهاجرين القادمين من فنزويلا وكولومبيا ودول لاتينية أخرى.

في هذا النطاق، وبالمقارنة، فإن «ماريا» للمخرج التشيلي بابلو لاراين، يبقى الإنتاج الدرامي الوحيد بين هذه المجموعة متناولاً، كما ذكرنا، الأيام الأخيرة من حياة مغنية الأوبرا.

المخرجة المتّهمة

«رايفنشتال» للألماني أندريس فايَل فيلم مفعم بالتوثيق مستعيناً بصور نادرة ومشاهد من أفلام عدّة للمخرجة التي دار حولها كثير من النقاشات الفنية والسياسية. حققت ليني في حياتها 8 أفلام، أولها سنة 1932 وآخرها «انطباعات تحت الماء» (Impressions Under Water) سنة 2002. لكن شهرتها تحدّدت بفيلميها «انتصار الإرادة» (Triumph of the Will) (1935)، و«أولمبيا» الذي أنجزته في جزأين سنة 1938.

السبب في أن هذين الفيلمين لا يزالان الأشهر بين أعمالها يعود إلى أنهما أُنتجا في عصر النهضة النازية بعدما تبوأ أدولف هتلر رئاسة ألمانيا.

دار «انتصار الإرادة» عن الاستعراض الكبير الذي أقيم في عام 1934 في مدينة نورمبيرغ، الذي ألقى فيه هتلر خطبة نارية أمام حشد وصل تعداده إلى 700 ألف شخص. فيها تحدّث عن ألمانيا جديدة مزدهرة وقوية وعن مستقبل كبير ينتظرها.

الفيلم الثاني من جزأين كان عن الأولمبياد الرياضي الذي أقيم صيف 1936، وحضرته أمم كثيرة بعضها من تلك التي تحالفت لاحقاً ضد الاحتلال الألماني لأوروبا.

شغل المخرجة على الفيلمين فعلٌ فني لا يرقى إليه الشك. تصوّر بثراء كل ما يقع أمامها من الجموع إلى المسيرات العسكرية والرياضية، ومنها إلى هتلر وهو يخطب ويراقب سعيداً الاستعدادات العسكرية التي خاضت لاحقاً تلك الحرب الطاحنة التي خرجت ألمانيا منها خاسرة كلّ شيء.

تبعاً لهذين الفيلمين عدّ الإعلام السياسي الغربي المخرجة رايفنشتال ساهمت في الترويج للنازية. تهمة رفضتها رايفنشتال. وأكدت، في مقطع من الفيلم مأخوذ عن مقابلة مسجّلة، أنها لم تنفّذ ما طُلب منها تنفيذه، ولم تنتمِ إلى الحزب النازي (وهذا صحيح) ولم تكن تعلم، شأن ملايين الألمان، بما يدور في المعتقلات.

ليني رايفنشتال خلال تصوير «أولمبياد» (مهرجان ڤينيسيا)

يستعرض الفيلم حياة المخرجة التي دافع عن أعمالها نُقاد السينما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم. فيلماها لا يزالان من أفضل ما طُبع على أشرطة في مجال الفيلم الوثائقي إلى اليوم، وذلك عائد إلى اختياراتها من اللقطات والمشاهد وتوثيقها لحدثين مهمّين لا يمكن تصوّر السينما من دون وجودهما بدلالاتهما المختلفة. النتيجة الواضحة إلى اليوم، حتى عبر المقتطفات التي يعرضها الفيلم، تفيد بحرفة متقدّمة وتعامل رائعٍ مع الحدث بأوجهه المتعدّدة.

ينتهج المخرج فايل موقفاً يشيد فيه بالمخرجة ومجمل أفلامها السبعة. لا يفوته الاعتراف بأن رايفنشتال كانت فنانة سينما حقيقية، لكن يوجّه مشاهديه في الوقت نفسه إلى أن هذا الفن لم يكن سوى مظهر دعائي للنازية، وأنها لعبت الدور المباشر في البروباغاندا في الفترة التي سبقت الحرب.

حيال سرد هذا التاريخ يستعين المخرج فايل بمقابلات متعددة أدلت بها (معظمها بعد نهاية الحرب) وواجهت فيها منتقديها كما يعمد المخرج إلى مشاهد من حياتها الخاصة. زواجها. رحلتها إلى السودان خلال اضطرابات عام 2000 حيث تحطمت الطائرة المروحية التي استقلّتها وأصيبت برضوض. رحلتها تلك كانت بصدد التعرّف على البيئة النوبية، وكانت قد حصلت على الجنسية السودانية قبل سنوات (إلى جانب جنسيتها الألمانية وإقامتها البريطانية)، وبذلك كانت أول شخص غربي يُمنح الجنسية السودانية.

لا يأتي الفيلم بجديد فِعليّ لما يسرده ويعرضه. هناك كتب عديدة دارت حولها أهمها، مما قرأ هذا الناقد، «أفلام ليني رايفنشتال» لديفيد هنتون (صدر سنة 2000) و«ليني رايفنشتال: حياة» الذي وضعه يورغن تريمبورن قبل سنة من وفاة المخرجة عام 2003.

هو فيلم كاشف، بيد أنه يتوقف عند كل المحطات التي سبق لمصادر أخرى وفّرتها. محاولة الفيلم لتكون «الكلمة الفصل» ناجحة بوصفها فكرة وأقل من ذلك كحكم لها أو عليها.

جون لينون ويوكو أونو

في الإطار الفني، ولو على مسافة كبيرة في الاهتمام ونوع المعالجة، يأتي (One to One: John & Yoko) «واحد لواحد: جون ويوكو» لكيڤن ماكدونالد، الذي يحيط بحياة الثنائي جون لينون وزوجته يوكو أونو اللذين وقعا في الحب وانتقلا للعيش في حي غرينتش فيلاج في مدينة نيويورك مباشرة بعد انفراط فريق «البيتلز» الذي كان جون لينون أحد أفراده الأربعة.

النقلة إلى ذلك الحي لم تكن اختياراً بلا مرجعية سياسية كون غرينتش فيلاج شهدت حينها حياة ثقافية وفنية وسياسية حافلة تعاملت ضد العنصرية وضد حرب فيتنام، وكانت صوت اليسار الشّعبي الأميركي إلى حين فضيحة «ووترغيت» التي أودت بمنصب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. يكشف فيلم مكدونالد (الذي سبق وأُخرج قبل أعوام قليلة، فيلماً عن المغني الجامايكي بوب مارلي) عن اهتمام لينون وزوجته بتلك القضايا السياسية. جون الذي باع منزله المرفّه في ضواحي لندن واستقر في شقة من غرفتين في ذلك الحي، ويوكو التي لعبت دوراً فنياً وتثقيفياً في حياته.

لا يكتفي الفيلم بالحديث عن الثنائي معيشياً وعاطفياً بل عن المحيط السياسي العام ما يُعيد لمشاهدين من جيل ذلك الحين بعض الأحداث التي وقعت، ويوجه المشاهدين الذين وُلدوا سنوات صوب تقدير الثنائي، كما لم يفعل فيلم ما من قبل. ليس لأن «واحد لواحد: جون ويوكو» فيلم سياسي، بل هو استعراض منفّذ مونتاجياً بقدر كبير من الإجادة لحياة ثنائيّ موسيقيّ مطروحة على الخلفية المجتمعية المذكورة.

إرث ترمب

نيسكون مضى ومعه قناعاته وبعد عقود حلّ دونالد ترمب ليسير على النهج اليميني نفسه.

يرتسم ذلك في «منفصلون» (Separated) للمخرج المتخصص بالأفلام التسجيلية والوثائقية السياسية إيرول موريس. من بين أفضل أعماله «ضباب الحرب» (The Fog of War)، الذي تناول الحرب العراقية وكيف تضافرت جهود الحكومة الأميركية على تأكيد وجود ما لم يكن موجوداً في حيازة العراق، مثل القدرات النّووية والصواريخ التي يمكن لها أن تطير من العراق وتحط في واشنطن دي سي (وكثيرون صدّقوا).

«منفصلون» لديه موضوع مختلف: إنه عن ذلك القرار الذي اتخذه ترمب خلال فترة رئاسته ببناء سياج على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة لمنع تدفق المهاجرين القادمين من الدول اللاتينية بدافع الفقر وانتشار العنف.

كان يمكن تفهّم هذا القرار لو أنه توقف عند هذا الحد، لكن ترمب تلاه بقرار آخر يقضي بفصل الأطفال عن ذويهم الراغبين في دخول البلاد عبر الحدود. بذلك لدى هؤلاء إمّا العودة من حيث أتوا مع أولادهم، أو العودة من دونهم على أساس وجود هيئات ومؤسسات أميركية ستعني بهم.

مثل هذا الموقف، يؤكد الفيلم، غير الأخلاقي، وكان له معارضون ومؤيدون. بعض المعارضين من أعضاء الكونغرس انقلبوا مؤيدين ما بين مؤتمر صحافي وآخر.

محور الفيلم هو رفض هذا الانفصال على أسس أخلاقية وإنسانية والمتهم الأساسي في فرض العمل به هو ترمب الذي لم يكترث، والكلام للفيلم، لفظاعة الفصل بين الآباء والأمهات وأطفالهم. تطلّب الأمر أن يخسر ترمب الانتخابات من قبل أن يلغي بايدن القرار على أساس تلك المبادئ الإنسانية، لكن بذلك تعاود أزمة المهاجرين حضورها من دون حل معروف.

يستخدم المخرج موريس المقابلات لتأييد وجهة نظره المعارضة وأخرى لرفضها، لكنه ليس فيلماً حيادياً في هذا الشأن. مشكلته التي يحسّ بها المُشاهد هي أن الفيلم يتطرّق لموضوع فات أوانه منذ أكثر من عامين، ما يجعله يدور في رحى أحداث ليست آنية ولا مرّ عليه ما يكفي من الزمن لإعادة اكتشافها ولا هي بعيدة بحيث تُكتشف.