رحيل النحاتة منى السعودي التي أنطقت الحجر شعراً

من كبار التجريديين العرب وأعمالها في متاحف عالمية

منى السعودي وهي تطوع الحجر
منى السعودي وهي تطوع الحجر
TT

رحيل النحاتة منى السعودي التي أنطقت الحجر شعراً

منى السعودي وهي تطوع الحجر
منى السعودي وهي تطوع الحجر

رحلت عن سبع وسبعين عاماً، في بيروت، مدينتها التي احتضنتها منذ كانت في السابعة عشرة، النحّاتة، الرسامة، الحروفية والشاعرة منى السعودي، تاركة وراءها كنزاً من المنحوتات في عواصم عديدة من العالم. هي الألوفة المحبة، صديقة الكثيرين، رفيقة الشعراء. ليست فقط نحاتة امرأة، بين قلة من النساء، وجدن في قسوة الحجر مادتهن الفضلى للتعبير عن الذات، بل هي واحدة من أكبر النحاتين العرب، متفوقة على الكثير من الرجال في مجالها.
ولدت في عمان، ونشأت قرب موقع أثري روماني، تعرفت هناك على سحر ما يمكن أن يفعله الزمن بالحجر، ويد الإنسان حين تحسن التعاطي معه. غادرت عمان آتية إلى بيروت وحدها، رغم أنها تنتمي إلى عائلة محافظة. جاءت تبحث عن طريقها الفني، في أجواء كانت تغلي حيوية ثقافية، وكانت تراسل مجلة «شعر»، ثم أصبحت جزءاً من الحركة الفنية. فقد كتبت الشعر، ورسمت وأقامت أول معارضها الفنية عام 1963، ودخلت عالم النحت، قبل أن تقرر المغادرة إلى فرنسا، لتتعمق في فنون التعاطي مع الحجر.
هناك التحقت بـ«المدرسة العليا للفنون الجميلة» في باريس، حيث تخصصت في النحت بالحجر، وقدمت أولى منحوتاتها في عام 1965 وكان موضوعها الأمومة. هذا الموضوع الأثير لديها الذي سيبقى يتردد في العديد من أعمالها. بل يمكن القول إن الانحناءات الرحمية، هي الطابع الذي يغلب على منحوتاتها، كما الخطوط الدائرية، والحركات الجنينية. هذه الاستدارات والخطوط التي تأنف الزوايا الحادة، هي سمة رسوماتها أيضاً، التي لا تبتعد كثيراً في روحها عن النحت، حيث تتجلى نزعة صوفية، منفلتة من قيود المادة.
لم تكن ظروف منى السعودية سهلة، وبقيت عصامية مصرة على بلوغ هدفها، ونالت ما أرادت. فقد كانت منحوتاتها ترق وتزداد تجريدية، بمرور الوقت، وتشعر هي أنها أقرب إلى التخفف من أثقالها.
عرضت أعمالها في عواصم عربية عدة، وفي لندن وباريس، ودول خليجية مختلفة، وكانت مشاركة محببة في المعارض التشكيلية الكبرى. بعد وفاتها تترك منى السعودي، وراءها مئات المنحوتات، وأعمالاً لا تُنسى، ليس فقط في بيتها البيروتي، وإنما «هندسة الروح» في ساحة معهد العالم العربي في باريس، وغيرها في «المتحف الوطني للفنون الجميلة» في الأردن، و«المتحف البريطاني»، و«متحف غغنهايم»، و«معهد الفن» في شيكاغو و«معهد الفن» في ديترويت.
تميزت منى السعودي بذاك الحس الشعري العالي، فهي شاعرة في الأصل، ورأت أن العلاقة بين النحت والشعر أقوى مما يمكن أن نتصور. رسمت من وحي أشعار أدونيس ومحمود درويش وسان جان برس وأنسي الحاج. بقيت شاعرة وهي ترسم، ما منحها تلك الصلابة في تليين أنواع الحجارة، وإعطائها البعد الرمزي العميق. فقد كانت تعتقد «أن الحجر حين يفقد وزنه يتحول إلى قصيدة»، وهذا ما جعلها تظن أيضاً أن الشعر هو البداية، وهو الكامن وراء وحي عملها التشكيلي.
قالت حين سُئلت عن رسوماتها: «هناك سرعة في الرسم وخفة في الورقة، في حين أن النحت يتولد من الحجر وفق عملية أخرى، فيمكن القول إنه في الرسم يثرثر الفنان، في حين أنه في النحت يجب تتبع الحجر وقدرته على احتمال التفاصيل، ولهذا يكون النحت اختزالياً إلى الحد النهائي».
هي من الصنف الذي كان يلحق بإلهامه الداخلي، ترسم حين يحلو لها ذلك، وتنحت عندما يروق لها تطويع الحجر، وتوعد إلى الشعر لحظة تشعر برغبة في ذلك، لهذا تنوعت أعمالها، فمنها ما عرض وعرف وبعضها يحتاج إلى أرشفة وجمع.
لها كتاب بعنوان «أربعون سنة من النحت»، وكتابان شعريان هما «رؤيا أولى» و«محيط الحلم».
وضعت عدة مجموعات مستوحاة من الشعر، كتحية منها لشعراء مثل محمود درويش، وأدونيس، والشاعر الفرنسي سان جون بيرس وكذلك امرؤ القيس.
وأنجزت مجموعة رسومات بالشراكة مع ابنتها الفنانة ضياء البطل التي تسير بثبات على خطى والدتها، تحية لمحمود درويش، زينت كتاب لمنتخبات من قصائده بالعربية ومترجمة إلى الإنجليزية.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».