سيول وطهران تبحثان «تجارة النفط» و«الإفراج عن أموال إيران المجمدة»

صورة نشرها نائب وزير الخارجية الكوري الجنوبي من لقائه مع الوفد الإيراني في فيينا الشهر الماضي
صورة نشرها نائب وزير الخارجية الكوري الجنوبي من لقائه مع الوفد الإيراني في فيينا الشهر الماضي
TT

سيول وطهران تبحثان «تجارة النفط» و«الإفراج عن أموال إيران المجمدة»

صورة نشرها نائب وزير الخارجية الكوري الجنوبي من لقائه مع الوفد الإيراني في فيينا الشهر الماضي
صورة نشرها نائب وزير الخارجية الكوري الجنوبي من لقائه مع الوفد الإيراني في فيينا الشهر الماضي

أُعلن أمس أن سيول أجرت محادثات مع طهران بشأن استئناف واردات النفط الخام والإفراج عن أموال إيرانية مجمدة في الدولة الواقعة بشرق آسيا.
وأفادت وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية بأن الطرفين عقدا مشاورات على مدى يومين لمناقشة سبل حل النزاعات المستمرة منذ سنوات بشأن أصول طهران المجمدة بموجب العقوبات الأميركية. وقالت وزارة الخارجية في كوريا الجنوبية، في بيان أمس: «أعربنا عن أملنا في حل القضايا المتعلقة بالعقوبات مثل تحويل الأموال المجمدة عند الاتفاق على إعادة تنفيذ (خطة العمل الشاملة المشتركة) في المفاوضات الجارية الآن في فيينا»، حسب «رويترز».
وكانت إيران ثالث أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية في الشرق الأوسط؛ إذ إن سيول أحد أهم مشتري النفط الإيراني في آسيا.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي استؤنفت فيه مفاوضات إحياء الاتفاق النووي بين طهران والقوى العالمية في فيينا.
ويشير البيان إلى أن الجانب الإيراني شدد على أهمية التوصل إلى حل سريع لمسألة الأموال المجمدة. ولم يصدر أي تعليق من المسؤولين الإيرانيين.
ونقلت «رويترز» عن البيان أن إيران وكوريا الجنوبية بحثتا أيضاً تجارة النفط الخام والمنتجات النفطية بشرط رفع العقوبات إذا نجحت المفاوضات النووية في إحراز تقدم.
ويشارك مصرفيون إيرانيون ومسؤولون من شركة النفط ووزارة البترول في الاجتماع مع المسؤولين الكوريين الجنوبيين للحديث عن القضايا الاقتصادية مع بلوغ مفاوضات فيينا «المرحلة النهائية».
وفي السابق، كان مشترو النفط في كوريا الجنوبية يستوردون من إيران بالأساس المكثفات، وهي نوع خفيف للغاية من النفط الخام.
وعاودت الولايات المتحدة فرض العقوبات على إيران عام 2018 بعد أن انسحب الرئيس السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع 6 قوى عالمية كبرى، والذي وافقت بموجبه على وضع قيود على برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الأميركية.
وطالبت طهران مراراً بالإفراج عن نحو 7 مليارات دولار من الأموال المجمدة في بنوك كوريا الجنوبية بموجب العقوبات الأميركية، قائلة إن سيول تحتجز الأموال «رهينة».
وزار نائب وزير الخارجية الكوري الجنوبي، تشوي جونغ كون، الشهر الماضي فيينا والتقى الوفود المفاوضة بشأن إحياء الاتفاق النووي على هامش مباحثات الجولة الثامنة التي تواصل اجتماعاتها المكثفة هذه الأيام. وأبلغ كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي، علي باقري كني، نظيره الكوري الجنوبي بضرورة «العمل على الإفراج عن الأصول الإيرانية بمنأى عما تتمخض عنه المفاوضات في فيينا». وشدد باقري کني على أن العقوبات الأميركية «لا تبرر السلوك الكوري في الامتناع عن تسديد ديونها لإيران»، مكرراً موقف بلاده بأن عدم الإفراج عن الأرصدة «غير مبرر وغير شرعي»، ويمثل «نقطة سوداء» في العلاقات بين البلدين.
وفي وقت لاحق، أفرجت سيول عن 18 مليون دولار من أموال إيران المجمدة لتسوية متأخرات طهران لميزانيات الأمم المتحدة، مما سمح لإيران باستعادة حقها في التصويت في المنظمة الدولية، بعد أيام من سحبه.
وتعدّ إيران من أبرز مستوردي سلعها مثل المعدات الصناعية والأجهزة المنزلية وقطع غيار السيارات. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، وجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تعليمات إلى وزارتي التجارة والاقتصاد بحظر استيراد السلع المنزلية من كوريا الجنوبية، بعدما أصدر المرشد الإيراني علي خامنئي أوامر بهذا الصدد. وقال موقع خامنئي حينها، إن توصياته جاءت تلبية لطلب منتجي السلع الداخلية بمنع استيراد منتجات شركتين كوريتين، في إشارة ضمنية إلى «سامسونغ» و«إل جي».
وفي يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، احتجزت إيران ناقلة نفط كورية جنوبية، بذريعة انتهاك البروتوكول البيئي في منطقة الخليج، وذلك بهدف الضغط على سيول من أجل الحصول على الأموال المجمدة. وأطلقت إيران الناقلة في أبريل (نيسان) الماضي، بعد مباحثات مكثفة بين مسؤولي البلدين بشأن الأموال المجمدة.
وقبل أزمة الناقلة، لوح نواب في البرلمان الإيراني مرات عدة بمنع عودة شركات كوريا الجنوبية إلى إيران، بعد انسحابها من السوق الإيرانية امتثالاً للعقوبات الأميركية.



ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)
إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)
TT

ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)
إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)

كتب مرّة الصحافي الأميركي توماس فريدمان أن العالم أصبح مسطّحاً (Flat) بسبب الثورة التكنولوجيّة. هي نفسها الثورة التي جعلت العالم معقدّاً جدّاً، خاصة مع هجمة الذكاء الاصطناعي.

في مكان آخر، أراد الكاتب الأميركي فرنسيس فوكوياما إيقاف التطوّر التاريخيّ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وبشّر بالليبراليّة الديمقراطيّة بوصفها نموذج أوحد لدول العالم.

يشهد عالم اليوم فوضى في كل المجالات. عادت القوميات والآيديولوجيات، وكثرت الحروب، الأمر الذي يُبشّر بمرحلة خطرة جدّاً قبل تشكّل نظام عالمي جديد، وعودة التوازنات الكونيّة.

باختصار، عاد الصراع الجيوسياسيّ إلى المسرح العالمي لكن مع ديناميكيّة سريعة جدّاً تسببت بها الثورة التكنولوجيّة، وفيها تبدّلت العلاقة العضوية بين الوقت والمسافة، إذ سُرّع الوقت وتقلّصت المسافة في الأذهان.

تسعى الدول عادة إلى تحديد مسلّماتها الجيوسياسيّة. وهي، أي المسلمات، قد تتقاطع مع مسلّمات الدول الأخرى خاصة القريبة جغرافياً. لكنها أيضاً قد تتضارب.

عند التقاطع الإيجابيّ يكون التعاون. وعند التضارب يقع الصراع وصولاً إلى الحرب. يحدّد خبراء الجيوسياسّة أهميّة دولة ما من خلال ثلاثة معايير هي: الموقع، والثروات المؤثرة في الاقتصاد العالمي، كما الدور الذي تلعبه هذه الدولة في النظام العالميّ. إذا توفّرت هذه الشروط كلها في دولة ما، فهي قوّة عظمى أو كبرى بالتأكيد.

إيرانيون يحرقون علماً إسرائيلياً في مظاهرة وسط طهران يوم 18 أكتوبر 2024 (رويترز)

الاستراتيجيّة الإيرانيّة في المنطقة

في عام 1985، وإبان الحرب العراقيّة - الإيرانيّة، وبعد تراجع قدرات العراق العسكريّة، طلب المرشد الإيراني الأول الخميني من الرئيس السوري السابق حافظ الأسد التعاون لإسقاط العراق وفتح الباب إلى القدس.

رفض الأسد الطلب لأن سقوط العراق يعني خسارة دولة عازلة لسوريا مع إيران. وهو، أي الأسد، وإن قبل بإسقاط العراق، فسوف يكون لاعباً ثانوياً (Junior) بسبب التفاوت في القدرات بين سوريا وإيران.

حقّقت الولايات المتحدة الأميركيّة حلم الخميني في عام 2003. سقط العراق، وبدأ المشروع الإيرانيّ الإقليميّ بالتشكّل. تعد إيران أن هذا المشروع من المسلّمات الجيوسياسيّة الأهم. فهو يحميها، ويحقق مردوداً جيوسياسيّاً أكبر بكثير من حجم الاستثمارات فيه.

لكن هذه المسلمات تضاربت مع العديد من مسلّمات القوى الإقليميّة، كما مع مسلمات الولايات المتحدة. وإذا كانت أميركا قادرة على التعويض الجيوسياسيّ في مواجهة المشروع الإيرانيّ، فإن التعويض غير ممكن لكثير من دول المنطقة. فما تربحه إيران قد يكون خسارة لهذه الدول لا يمكن تعويضها.

وبسبب هذا التضارب في المسلّمات، بدأ الصراع وصولاً إلى الحرب الحالية. فمع إسرائيل ضرب المشروع الإيراني الأمن القومي الإسرائيلي في العمق، إن كان في غزّة أو في لبنان. ومع دول المنطقة، تجلى المشروع الإيراني من خلال جماعات مسلحة قوية في العمق العربي، لا سيما في لبنان وسوريا والعراق.

المنطقة جيوسياسيّاً

تعد استراتيجيّة الاتجاه غرباً (Look West Strategy) أمراً ثابتاً بالنسبة لإيران، إن كانت في ظل الإمبراطورية الفارسيّة أو مع الدولة الإسلاميّة. فإيران لم تُّهدد من شرقها إلا مرّة واحدة من قبل أفغانستان عام 1722، وبعدها استعاد السيطرة نادر شاه.

أما من الغرب، فقد أسقط الإسكندر الأكبر، الإمبراطور داريوس الثاني. ومن الغرب أيضاً حاربها صدّام حسين، ومن بعده أتى الأميركيون، ثم تنظيم «داعش» بعد خروج الأميركيين.

ماذا يعني العراق لإيران؟

* يشكّل العراق مركز ثقل في وعي الأمن القومي الإيرانيّ. لا تريد إيران دولة عراقيّة قويّة معادية لها قادرة على تهديدها من الغرب. من هنا دعمها لجماعات مؤيدة لها تحاول توسيع نفوذها داخل الدولة العراقيّة. تلعب هذه الجماعات دوراً هجيناً. هي في الدولة، وهي خارجها في الوقت نفسه. ترتبط مالياً بخزانة الدولة العراقية، لكنها في الحرب والسياسة ترتبط بإيران.

* يعد العراق مركز ثقل لإيران من ضمن ما يُسمّى محور المقاومة. فهو جغرافياً نقطة الانطلاق للتأثير الإيراني في الهلال الخصيب. أما سوريا، فهي المعبر والممر من العراق إلى لبنان. فيها بنى تحتيّة تربط لبنان بالعراق، ثم إلى الداخل الإيرانيّ.

أنظمة صواريخ لـ«الحرس الثوري» خلال عرض جنوب طهران (أ.ب)

طوفان الأقصى بعد سنة ونيّف

على الورق، سقطت حركة «حماس» عسكرياً. تدخّل «حزب الله» للربط معها، فسقط هيكله التنظيمي. مع ذلك، لم يخسر الحزب حتى الآن، ولم تخسر «حماس» أيضاً. وبناء عليه لم تحسم إسرائيل الأمر نهائيّاً.

لكن الأكيد أن «حزب الله» لم يعد قادراً على لعب الدور الأهم الذي أعد له في الاستراتيجيّة الإيرانيّة. بالتالي، ستحاول إسرائيل والولايات المتحدة استغلال هذا الضعف. وإذا لم تعد إيران – على الورق - قادرة على استغلال جبهتها المتقدّمة ضد إسرائيل من خلال «حماس» و«حزب الله»، فإن هناك من يعتقد أنها ستركز اهتمامها السياسي والميداني في محيطها المباشر، حيث مناطق نفوذها في العراق، وهو أمر يسلّط الضوء بلا شك على ما يمكن أن تشهده الساحة العراقية في الفترة المقبلة، خصوصاً في ظل التهديدات الإسرائيلية بشن هجمات على فصائل عراقية تدعمها إيران.