رابط «حميميم» بين «الجبهتين» السورية والأوكرانية

(تحليل إخباري)

الرئيس بشار الأسد ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال لقائهما في سوريا مساء أول من أمس (أ.ب)
الرئيس بشار الأسد ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال لقائهما في سوريا مساء أول من أمس (أ.ب)
TT

رابط «حميميم» بين «الجبهتين» السورية والأوكرانية

الرئيس بشار الأسد ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال لقائهما في سوريا مساء أول من أمس (أ.ب)
الرئيس بشار الأسد ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال لقائهما في سوريا مساء أول من أمس (أ.ب)

أصبحت قاعدة «حميميم» الروسية، غرب سوريا، «رأس حربة» في الاشتباك بين موسكو و«حلف شمال الأطلسي» (الناتو)، خصوصاً بعد استقبالها أخطر الطائرات وصواريخ «فرط صوتية» ووزير الدفاع سيرغي شويغو، للإشراف على أضخم مناورات روسية في البحر المتوسط غرب سوريا، بالتزامن مع تدريبات بحرية «الناتو» في المتوسط.
هذا هو تقدير «مصادر سورية رفيعة المستوى» إلى صحيفة «الوطن» في دمشق، بعد لقاء شويغو مع الرئيس بشار الأسد، مساء أول من أمس. أما «التسريب» الآخر، فجاء عبر صحيفة «البعث» الناطقة باسم الحزب الحاكم، بأن زيارة شويغو إلى حميميم جاءت بعد رفض موسكو عرضاً من واشنطن بـ«مقايضة سوريا مقابل أوكرانيا».
قاعدة حميميم أصبحت روسية منذ التدخل العسكري نهاية 2015 والتوقيع على اتفاق عسكري بين دمشق وموسكو للإقامة المفتوحة، بعد سنة من أزمة أوكرانيا، وهروب الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، وقيام موسكو بضم شبه جزيرة القرم في 2014، مذاك، كان التشابك بين ملفي أوكرانيا وسوريا. صحيح أن روسيا أبعدت إيران قبل أسابيع عن ميناءي طرطوس واللاذقية وسيطرت عليهما بشكل كامل، وربطتهما بميناء القرم، وباتت سيدة المياه الدافئة كما كان يحلم قياصرتها، لكنها المرة الأولى التي يبرز بالفعل دور حميميم في اللعبة الجيوسياسية الأوسع من سوريا، إذ إنه في موازاة حديث موسكو عن سحب بعض القوات من شرقي أوكرانيا، جاء الاستعراض العسكري الروسي «المبهر» غرب سوريا وبإشراف وزير الدفاع بعد لقاء الأسد. العرض شمل: مقاتلة «ميغ 31 – كي» وصواريخ «كينجال» فرط صوتية، وقاذفة «تي يو 22 أم 3» وصواريخها «كي إتش 22» الأسرع من الصوت والمضادة للسفن، و140 قطعة بحرية و60 طائرة و15 سفينة، ضمن ألف آلية وعشرة آلاف جندي في مناورات البحر المتوسط، حسب قول بيانات رسمية روسية.
اللافت أن دمشق «ترحّب» بهذا الربط، ذلك أن مصادرها قالت إن لقاء الأسد - شويغو «ركّز على الوضع في أوكرانيا وربط هذه الجبهة بالجبهة السورية»، وإن توقيت المناورات «مرتبط بالتسخين الحاصل على الجبهة الأوكرانية». وذهبت صحيفة «البعث» أبعد للقول إن سوريا باتت في «عمق الجبهة الأوكرانية»، بعد رفض موسكو مقايضة «الجبهتين»، وأبلغت واشنطن أنها «متمسكة بأوكرانيا ومتمسكة بالتحالف مع سوريا والنظام السياسي الذي يقوده الرئيس الأسد، بل إن الرئيس فلاديمير بوتين ذهب إلى أبعد من ذلك، وأرسل أحدث المنظومات القتالية في مجال الصواريخ العابرة للقارات والطائرات القاذفة إلى قاعدة حميميم، وبدأ التحضير لمناورات روسية انطلاقاً من هذه القاعدة».
أي بالنسبة لموقف موسكو الذي تباركه دمشق عبر صحافتها، لم تعد قاعدة حميميم مرتبطة فقط بـ«الحرب على الإرهاب» أي بالحرب السورية، بل إن دورها «تجاوز بكثير حدود الجغرافيا السورية لتكون رأس حربة عسكرياً في حوض المتوسط والاشتباك الدولي» بين موسكو و«الناتو». ومن هنا أيضاً، يمكن فهم «التعاون العدائي» بين موسكو وأنقرة في سوريا وأوكرانيا. الرئيس بوتين يسعى بعلاقته مع تركيا وتنازلاته لها شمال غربي سوريا لـ«هز» تماسك «الناتو» الذي كان يعتبر قاعدة إنجرليك، جنوب تركيا، مقدمة رئيسية في «الجبهة» مع الاتحاد السوفياتي السابق صاحب النفوذ في سوريا. الرئيس رجب إردوغان، يوسع خياراته بشراء منظومة «إس 400» من موسكو وبيع كييف مسيرات «بيرقدار» ويقيم معها علاقات استراتيجية ويرفض الاعتراف بضم القرم.
أيضاً، بات الآن الوجود العسكري الأميركي شرق سوريا مرتبطاً أكثر بـ«الجبهة الأوكرانية» وليس فقط الحرب ضد «داعش». وينسحب هذا أيضاً على الغارات الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية في سوريا، التي كانت تجري بموافقة روسية. وأحد المؤشرات، أن تل أبيب رفضت بيع كييف منظومة «القبة الحديدية» كي لا تغضب موسكو وتقيد أيديها في ملاحقة مصالح طهران في سوريا.
دمشق ليست وحيدة في ملاحظتها أن حميميم باتت «رأس حربة» في اشتباك دولي، وأن هناك ترابطاً بين «الجبهتين» السورية والأوكرانية، وأن ذلك يفتح الباب بالفعل أمام «المقايضات» بين روسيا وأميركا. قد يكون هذا مريحاً حالياً لكنه قد يكون مقلقاً لاحقاً. ولا شك أن هذا ما سيحاول وزير الخارجية فيصل المقداد تلمسه خلال زيارته إلى موسكو الاثنين المقبل.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.