قادت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حملة دبلوماسية واسعة النطاق مع حلفائها عبر المحيط الأطلسي وغيرهم من شركاء الولايات المتحدة في العالم لمواجهة ما تسميه «حملة التضليل والمعلومات الخاطئة» التي تقوم بها روسيا بموازاة الإبقاء على الحشود العسكرية الضخمة على الحدود مع أوكرانيا، مؤكدة أنها «لم ترَ أي دليل» حتى الآن يتطابق مع ادعاءات المسؤولين الروس على سحب هذه القوات أو خفض التصعيد. وتجلّت هذه الحملة الأميركية في سلسلة اجتماعات شخصية وعبر الدوائر التلفزيونية المغلقة والاتصالات الهاتفية والانخراط مع وسائل الإعلام الدولية من قِبل كل من وزير الخارجية أنتوني بلينكن ونائبته ويندي شيرمان والمندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، وغيرهم من المسؤولين الأميركيين الكبار في واشنطن ونيويورك؛ سعياً إلى إبعاد روسيا عن خطر الغزو والمواجهة مع إبقاء باب الدبلوماسية مفتوحاً للتعامل مع الهواجس الأمنية التي عبر عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مقابل المخاوف الأخرى لدى المسؤولين الأوكرانيين والأميركيين والأوروبيين وغيرهم عبر العالم.
التنسيق عبر الأطلسي
وأجرى الوزير بلينكن محادثات مع نظرائه البريطانية ليز تراس والفرنسي جان إيف لودريان والألمانية أنالينا بايربوك بهدف «مواصلة التنسيق لتنفيذ العواقب الهائلة والتكاليف الباهظة التي ستفرض إذا غزت روسيا أوكرانيا». وأفاد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، بأن الوزراء الأربعة «عبّروا عن دعمهم القوي لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها والتزامهم التنسيق القوي عبر المحيط الأطلسي لمواجهة التهديدات الروسية ضد أوكرانيا والأمن الأوروبي». وعندما سألته شبكة تلفزيون أوكرانية عن الغاية من التقارير الاستخبارية التي تحدد مواعيد للغزو الروسي، أجاب بأن المسؤولين الأميركيين «فعلوا كل ما في وسعنا لتقاسم أي معلومات» مع شركائنا الأوكرانيين، وكذلك مع الحلفاء والشركاء الآخرين «للتأكد من أن الجميع على علم بما يمكن أن يحصل»، مضيفاً «لم نر قراراً نهائياً» من الرئيس بوتين الذي «وضع القدرة على التصرف في غضون مهلة قصيرة جداً جداً». وكرر، أن العدوان «يمكن أن يحدث في أي وقت»، ولكن «نعمل لوقت إضافي من خلال الدبلوماسية في محاولة لمنع روسيا من تجديد عدوانها».
وكذلك، انتقد بلينكن بشكل منفصل إعلان مجلس الدوما الروسي، أنه يعتزم توجيه خطاب للرئيس فلاديمير بوتين من أجل الاعتراف بـ«استقلال» جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، موضحاً أن «موافقة الكرملين على هذا النداء بمثابة رفض شامل من الحكومة الروسية لالتزاماتها بموجب اتفاقات مينسك، التي تحدد عملية إعادة الدمج السياسي والاجتماعي والاقتصادي الكامل لتلك الأجزاء من منطقة دونباس الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا، بقيادة قوات ووكلاء سياسيين منذ عام 2014». وقال، إن قراراً كهذا «سيؤدي إلى تقويض سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن أنه «يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي»، مؤكداً أن ذلك «يتطلب استجابة سريعة وحازمة من الولايات المتحدة بالتنسيق الكامل مع حلفائنا وشركائنا».
ثمن «الخطأ الفادح»
وسئل عن «التفاؤل الحذر» الذي عبّر عنه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ بعد إعلان موسكو أنها مستعدة للحوار، فأشار إلى تصريحات وزير الخارجية الأوكراني ديميترو كوليبا الذي شدد على أنه «يجب أن نركز أقل على ما تقوله روسيا ونركز أكثر على ما تفعله». وقال بلينكن «لم نشهد بعد أي انسحاب للقوات الروسية من محيط حدود أوكرانيا»، مضيفاً «نحن نراقب ذلك بعناية شديدة». وكرر أنه إذا شنت روسيا عدواناً متجدداً ضد أوكرانيا «ستكون هناك عواقب وخيمة» ليس فقط من الولايات المتحدة، بل أيضاً من جميع شركائها في أوروبا وحلف الناتو ومجموعة السبع للدول الصناعية الكبرى، مؤكداً أن الرئيس بوتين «يعرف» العواقب «إذا ارتكب الخطأ الفادح». ولفت إلى أنه «في الوقت نفسه، نحن نواصل العمل لدعم دفاعات أوكرانيا»، موضحاً أن بلاده قدمت على مدار العام الماضي أكثر من 600 مليون دولار، علماً بأنه أعلن أخيراً تقديم ضمان قرض سيادي بمليار دولار لدعم الاقتصاد الأوكراني.
واغتنم بلينكن اجتماعه مع رئيس الوزراء الألباني إيدي راما في واشنطن العاصمة احتفالاً بالذكرى المئوية للعلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وألبانيا، ليس فقط للإشادة بـ«التعاون القوي» بين البلدين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وفي مجلس الأمن، بل أيضاً لشكر راما «دعم ألبانيا الواضح لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها ضد العدوان الروسي».
أميركا وكندا... وبلغاريا
وقال برايس، إن نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان تحادثت مع نظيرتها الكندية مارتا مورغان لمتابعة «الجهود المبذولة لحض روسيا على خفض التصعيد واختيار الدبلوماسية». وأكدتا أن «المزيد من التصعيد الروسي سيواجه بعواقب وخيمة ومنسقة وتكاليف باهظة على روسيا». وعبّرتا عن «دعم الولايات المتحدة وكندا القوي لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها والتزامها بالتنسيق القوي عبر المحيط الأطلسي».
وكذلك، استضاف مستشار وزارة الخارجية ديريك شوليت ووكيل وزارة الخارجية للنمو الاقتصادي والطاقة والبيئة خوسيه فرنانديز وفداً رفيعاً من بلغاريا ضم نائب رئيس الوزراء لشؤون الصناديق الأوروبية ووزيرَي المال أسين فاسيليف والطاقة ألكسندر نيكولوف لمناقشة جهود صوفيا للوفاء بالتزامات المناخ وتنويع مصادر الطاقة، بالإضافة إلى تعزيز «الشراكة العميقة والمتنامية» بين البلدين «لمواجهة التحديات العالمية وتعزيز الأمن المشترك والفرص الاقتصادية».
مَيْل إلى «الجبهة الدبلوماسية»
وعندما سئلت عن الإشارات المتناقضة إلى أن القوات الروسية تتراجع بطريقة ما، قالت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد «لم نر أي دليل على ذلك حتى الآن»، موضحة أنه «لا يزال لدى روسيا مائة ألف جندي على الحدود الشرقية لأوكرانيا». وأضافت «لن نقفز إلى أي استنتاجات سابقة لأوانها حول ما ينوي الروس فعله»، لكن «أفعالهم تشير إلى أنهم لا يزالون عدوانيين ويصعدون نهجهم تجاه أوكرانيا». وزادت «لا نزال نميل بقوة إلى الجبهة الدبلوماسية»، مذكّرة بأن الرئيس جو بايدن تحادث مع الرئيس فلاديمير بوتين للمرة الثالثة السبت الماضي. كما أن الوزير بلينكن تواصل مرات عدة مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فضلاً عن استمرار التواصل مع زملائنا الأوروبيين الذين يتواصلون بدورهم مع الروس أيضاً. وقالت «نحن نميل بقوة لإيجاد حل دبلوماسي». وقيل لها، إن «الخطاب الدبلوماسي من الولايات المتحدة يمكن أن يجعل الوضع أسوأ»، فأوضحت أن «الأمر الوحيد الذي يجعل هذا الوضع أسوأ هو القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا»، مذكرة بأن «هذا هو الخطر. يكمن الخطر في حدوث غزو روسي آخر لأوكرانيا، وفي غزو لدولة مستقلة، واعتداء على سيادة وسلامة حدود أوكرانيا». وأكدت، أنه «يجب على الروس أن يعلموا أننا نخطط للرد بشكل حاسم وسريع على أي إجراءات يتخذونها على الحدود الأوكرانية».
المخاوف في مجلس الأمن
ويرجّح أن تتجلى التوترات المتعلقة بأوكرانيا مجدداً خلال جلسة عامة اليوم (الخميس) دعت إليها الرئاسة الروسية لمجلس الأمن بهدف مناقشة تنفيذ اتفاقات مينسك، التي وقّعت عليها روسيا وأوكرانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا برعاية من فرنسا وألمانيا، بعد إعلان موسكو ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى الأراضي الروسية عام 2014. ويعتزم مندوبو غالبية الدول التعبير عن مخاوفهم من استمرار الحشود الروسية على الحدود الأوكرانية خلافاً لادعاءات موسكو عن بدء سحب هذه القوات.
الوضع «خطير للغاية»
وسئلت عن مقارنة خطورة الوضع الراهن بأزمة الصواريخ الكوبية والحرب الباردة، فأجابت بأن «الوضع خطير للغاية»، لكن «المقارنات مع الحرب الباردة وأزمة الصواريخ الكوبية لا تنسجم» مع الوضع الحالي، الذي يشهد «هجوماً على القيم الأساسية لميثاق الأمم المتحدة»، مضيفة «نحن نرد بطريقة موحدة على ما يفعله الروس في أوكرانيا لأنه هجوم على القيم الأساسية للديمقراطية وسلامة أوكرانيا».
وسئلت عن تصريحات مستشار الأمن القومي جايك سوليفان الذي شكك بجديّة الجانب الروسي ونياته حالي المحادثات الخاصة بأوكرانيا، فقالت «لا نزال ندفع الروس لاتخاذ القرار الصحيح، وهو اختيار الدبلوماسية، اختيار الجلوس على طاولة المفاوضات معناً لمعالجة مخاوفهم الأمنية»؛ لأنه «لا يمكنهم معالجة تلك المخاوف في ساحة المعركة»، معتبرة أن قرار مجلس الدوما الروسي الذي يدعو إلى الاعتراف باستقلال الجمهوريات الانفصالية بأنه «علامة أخرى على المواجهة»، وعلى أن «الروس لا يتفاوضون بحسن نية». ونبَّهت إلى أن وجود القوات الروسية في بيلاروسيا «يعرّض سلامتها للخطر ويعرّض استقلالها للخطر»، مؤكدة أن المسؤولين البيلاروسيين «سيكونون مسؤولين إذا استخدمت روسيا حدودهم لغزو أوكرانيا».