ولد الشيخ أحمد.. مبعوث «الأمل» الجديد إلى اليمن

رحلة بدأت من بوادي موريتانيا.. وانتهت في أروقة الأمم المتحدة

ولد الشيخ أحمد.. مبعوث «الأمل» الجديد إلى اليمن
TT

ولد الشيخ أحمد.. مبعوث «الأمل» الجديد إلى اليمن

ولد الشيخ أحمد.. مبعوث «الأمل» الجديد إلى اليمن

بدأ الأمل يعود إلى اليمن منذ أن أعلن عن نهاية «عاصفة الحزم»، أمل يعود مع الهدوء الذي تسرب إلى مفاصل اليمن المنهك، فالبلد الذي يقع في خاصرة الجزيرة العربية لا يحتاج شيئًا أكثر من الهدوء والاستقرار وقدر من السكينة، تلك هي الصفات التي اشتهر بها الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وهو الذي يحمل عدته استعدادًا لأن يحط الرحال في اليمن مبعوثًا خاصًا للأمين العام للأمم المتحدة.

يعد ولد الشيخ أحمد، 55 عامًا، من الموريتانيين القلائل الذين تسلقوا السلم الدبلوماسي في أروقة الأمم المتحدة، واستطاعوا أن يتقلدوا مناصب قيادية في المنظمة الأممية ويتعاملوا مع ملفات شائكة في مختلف بقاع العالم. لكن الصورة التي يرثها الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وهو يستعد للدخول كهمزة وصل بين مجلس الأمن الدولي ومجلس التعاون الخليجي وحكومات المنطقة، بالإضافة إلى أطراف الأزمة وفي مقدمتها الحكومة اليمنية، تبدو قاتمة، فاليمن يعيش في أغلب مدنه على وقع مناوشات بين فصائل المقاومة الشعبية والميليشيات التابعة للحوثيين، كل ذلك في ظل أزمة اقتصادية حادة يعاني منها اليمنيون وأوضاع إنسانية صعبة تنذر بوقوع كارثة إنسانية في بلد عرف كوارث كثيرة خلال العقود الأخيرة.. لذا فإن فرص النجاح وسط هذه الصورة القاتمة تظل ضئيلة، والتحدي يصبح كبيرا، ويأتي بعد تعثر مهمة المبعوث الدولي السابق جمال بنعمر الذي نال حظا وافرا من الانتقاد، لفشله في تقديم شيء يذكر.
ومن التحديات التي سيواجها ولد الشيخ أحمد، يقول المحلل السياسي اليمني مأرب الورد لـ«الشرق الأوسط» إن «اليمنيين يتطلعون إلى أن يكون ولد الشيخ مبعوثا دوليا محايدا وشاهدا بصدق وبشفافية على سير العملية السياسية حتى لا نكرر التجربة السيئة لسلفه، التي أعطت الفرصة لجماعة الحوثي لتنقلب على الدولة وتدخل اليمن في فوضى كبيرة»، وشدد في السياق ذاته على ضرورة أن يعمل المبعوث الجديد «بحزم وصرامة مع الأطراف التي تعرقل جهوده، فيتوجب عليه ألا يلوذ بالحياد أو الصمت إزاء عراقيل وانتهاكات الحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح». ويقول الورد إن «اليمنيين يتطلعون لنجاح المساعي العربية والدولية لإعادة الاستقرار إلى بلادهم، ونأمل أن يكون السيد إسماعيل ولد الشيخ أحمد خير مبعوث أممي إلى اليمن، ويحدونا هذا التفاؤل لمعرفتنا به خلال عمله منسقا للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في اليمن».
ويؤكد المحلل السياسي اليمني مجاهد السلالي أن «مهمة المبعوث الأممي الجديد مرهونة بما يجري على أرض الواقع، فبغض النظر عن هوية المبعوث فلم يعد الوضع كما كان عليه أيام جمال بنعمر، ومن المؤكد أن الحسم على الأرض هو الذي سيحقق التقدم، لذا فإنه لن تكون التحديات كبيرة أمام المبعوث الأممي الجديد إذا تم حسم الأمور على الأرض لصالح الشرعية».
فالشيخ أحمد من مواليد عام 1960، أي قبل أيام قليلة من حصول موريتانيا على استقلالها من فرنسا في الثامن والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) 1960. ولد في بادية تسمى «بيلا» قبل أن يتغير اسمها عام 1975 لتصبح «واد الناقة»، تقع على بعد 50 كيلومترًا شرق العاصمة نواكشوط، في منطقة يعتمد أغلب سكانها على التنمية الحيوانية. وينحدر ولد الشيخ أحمد من أسرة تقليدية ذات طابع محافظ كأغلب الأسر الموريتانية في ذلك الوقت، كان والده معلمًا في مدينة سينلوي السنغالية، وهي المدينة التي تقع عند مصب نهر السنغال في المحيط الأطلسي على الحدود بين موريتانيا والسنغال، واختارها المستعمر الفرنسي آنذاك كعاصمة لكل من موريتانيا والسنغال، وشكلت في ذلك الوقت مركزًا تعليميًا مرت منه النخب السنغالية والموريتانية. لم تكن أسرة ولد الشيخ أحمد من ميسوري الحال على غرار أغلب الأسر الموريتانية حين كانت الدولة تتلمس خطواتها الأولى وتحاول أن تبني اقتصادها، كان إسماعيل هو الكبير من بين إخوته التسعة ويحمل أمل أسرته وأحلامها.
بدأ ولد الشيخ أحمد تعليمه في الكتاتيب التقليدية بمسقط رأسه في بيلا، حيث حفظ القرآن الكريم ودرس بعض كتب الفقه واللغة، وفق المناهج التي تعتمدها الأسر الموريتانية التقليدية لتدرس لأبنائها، قبل أن يلتحق بمدارس التعليم العصري في العاصمة نواكشوط، مستفيدًا من دعم وتشجيع كبير من أسرته التي تنحدر من أحد أكثر المجتمعات الموريتانية اهتماما بتعليم أبنائه.
كانت مدينة نواكشوط في تلك الفترة تعيش على وقع «حرب الصحراء» التي أسفرت عن انقلاب عسكري أطاح بحكم أول رئيس للبلاد المختار ولد داداه عام 1978، وقد أدخل الانقلاب الدولة في أتون صراع مرير على السلطة استمر لعدة سنوات، في تلك الأجواء تلقى ولد الشيخ أحمد تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي بنواكشوط، ونال شهادة الثانوية العامة في العلوم الطبيعية (البكالوريا) عام 1980، وعلى الرغم من أن المدارس كانت في تلك الفترة محط اهتمام الحركات السياسية التي تنشط في البلاد، لم يعرف عن الفتى إسماعيل أي انتماء سياسي أو فكري، فتجاوز تلك الفترة العمرية الحساسة من دون أن تجذبه خطب قادة التيار اليساري المعروفين في تلك الفترة تحت اسم «الكادحين» ولهم تأثيرهم القوي في الشباب الموريتاني، كما لم يلق بالاً للمد القومي العربي القادم مع التيارات البعثية والناصرية، ولا حتى الحركة الإسلامية التي كانت تخط بداياتها في موريتانيا مع مطلع العشرية الثامنة من القرن الماضي.
في العام الذي حصل فيه ولد الشيخ أحمد على شهادة البكالوريا، لم تكن موريتانيا تتوفر على جامعة أو أي مؤسسة للتعليم العالي، وكان حينها أغلب الطلاب الموريتانيين يتلقون تعليمهم إما في بعض البلدان العربية والإسلامية أو في فرنسا، المستعمر السابق للبلاد. كان ولد الشيخ أحمد واحدا من الشباب الذين حزموا حقائبهم وغادروا الصحراء الموريتانية باتجاه فرنسا، حمل معه وهو يُيمّمُ وجهه شطر القارة العجوز نهمًا كبيرًا ورغبة جامحة في التحصيل المعرفي، وهي صفة ورثها من أسرة يعمل والدها معلمًا ربى أبناءه على حب التعلم.
حط الفتى اليافع القادم من المنكب البرزخي حقائبه في جامعة مونبلييه الفرنسية، ومن دون عناء وتفكير كبيرين قرر دراسة الاقتصاد ليتخرج بشهادة البكالوريوس في العلوم الاقتصادية، ومن باريس عاصمة الأنوار كان على ولد الشيخ أحمد أن يفكر في طريقة لمواصلة تعليمه العالي وإشباع رغبته في التحصيل، لتبدأ رحلة جديدة على الضفة الأخرى من بحر الشمال في المملكة المتحدة، حيث حصل على شهادة الماجستير في تنمية الموارد البشرية من جامعة مانشستر، لم تتوقف رحلة الشاب الموريتاني المتحمس عند هذا الحد، بل إنه التحق بعد ذلك بكلية ماستريخت للدراسات العليا في هولندا، والتي تخرج فيها بشهادة متقدمة في الاقتصاد وتحليل السياسات الاجتماعية.
طيلة سنوات الدراسة الجامعية التي قادته إلى 3 دول أوروبية، استطاع ولد الشيخ أحمد أن يمزج بين الشاب الصحراوي الذي بدأ بحفظ القرآن ومتون الفقه الإسلامي، وذلك الشاب العصري الذي يفهم في المعادلات الاقتصادية، والذي يتحدث عدة لغات في مقدمتها العربية والفرنسية والإنجليزية. بعد أن أكمل ولد الشيخ أحمد رحلته التعليمية، عاد إلى موريتانيا وهو يحمل معه شهاداته العليا في الاقتصاد وتنمية الموارد البشرية، وهو الذي غادرها لا يحمل سوى شهادة البكالوريا مغلفة بأحلام شاب متحمس، بعد عودته عمل في مفوضية الأمن الغذائي، وهي جهاز حكومي يعمل على مساعدة المتضررين من موجات الجفاف في بلد صحراوي يعاني من شح الأمطار في أغلب المواسم.
عمل ولد الشيخ أحمد لعامين في مفوضية الأمن الغذائي قبل أن تتوق نفسه لآفاق جديدة خارج بلده الذي يعاني الأزمات السياسية وينخره الفساد وتنتشر فيه القبلية والجهوية، ولا مستقبل فيه لمن لا يمارس السياسة في فلك النظام الحاكم. وجد ولد الشيخ أحمد ضالته في الهيئات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، حيث استطاع أن يتقلد عدة مناصب متدرجًا فيها على مدى 28 عامًا، قادته إلى العمل في المجال الإنساني بمناطق النزاع في بقاع كثيرة من العالم، في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية.
بدأ رحلته المهنية مع الأمم المتحدة كموظف لفترة طويلة في صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، حيث تولى مناصب مهمة في الصندوق، منها منصب مدير إدارة التغيير في نيويورك، ثم نائب المدير الإقليمي لشرق وجنوب أفريقيا في نيروبي بكينيا، ثم عمل لاحقا ممثلا للصندوق في الكثير من الدول الآسيوية والأوروبية من ضمنها جورجيا.
وخلال الفترة ما بين عام 2008 و2012 شغل ولد الشيخ أحمد منصب المنسق المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا، وهو نفس المنصب الذي شغله في اليمن ما بين 2012 و2014، عامين عايش فيهما الأزمة في اليمن وهي في ذروتها ليبني علاقات طيبة مع مختلف الأطراف، وهو ما يراهن عليه مراقبون كواحد من العوامل التي ستساعده في مهمته الجديدة.
لم تتوقف رحلة ولد الشيخ أحمد مع المناصب الأممية عند هذا الحد، حيث اختاره الأمين العام للأمم المتحدة مطلع عام 2014 ليكون نائب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا ليقترب بذلك من واحد من أكثر الملفات الساخنة في العالم العربي، ولكن ذلك لم يدم طويلاً حيث وقع الاختيار عليه من جديد خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي ليكون المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لتنسيق جهود مكافحة فيروس «إيبولا» الذي يجتاح عدة دول في غرب القارة الأفريقية وأودى بحياة أكثر من 10 آلاف شخص.
طيلة مسيرته في المناصب الأممية على مدى قرابة ثلاثة عقود، أظهر ولد الشيخ أحمد قدرًا كبيرًا من الحنكة في التعامل مع الملفات الشائكة، وهو يعتمد في ذلك على بعض المميزات التي تتمتع بها شخصيته، وفي هذا السياق أكد مقربون منه لـ«الشرق الأوسط» إنه إنسان يميل إلى الاستماع أكثر من الكلام، ولكنه في نفس الوقت إذا تكلم فأفكاره منظمة ويدرك جيدًا كيف يخاطب كل شخص على حده، يهتم كثيرًا للتفاصيل ويحاول دائمًا أن يكسب ودّ من يتحدث معهم لخلق أرضية مشتركة يمكنه من خلالها أن يوصل الفكرة التي يريد، فيما وصفه آخرون بأنه «صبور جدًا في التفاوض حتى ينال مبتغاه»، فهل يسعفه صبره بالنجاح فيما فشل فيه سابقه الدبلوماسي المغربي جمال بنعمر، يتساءل أحد المراقبين.
يرث ولد الشيخ أحمد واحدًا من أكثر الملفات العربية تعقيدًا، فاليمن ليس مجرد بلد عربي يعاني من مشكلات أمنية وسياسية، وإنما يمثل بوابة الخليج العربي وحجر زاوية في معادلة الأمن القومي العربي، كل ذلك جعل المملكة العربية السعودية تدرك حجم الخطر وتتحرك بسرعة وحزم لإعادة الشرعية المتمثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي.
بدأت الأمور تتعقد في اليمن عندما تمكنت ميليشيات الحوثيين من بسط سيطرتها على العاصمة صنعاء شهر سبتمبر من العام الماضي (2014)، بعد أن تحالفت مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، واستفادت بموجب صلات مشبوهة مع طهران من دعم عسكري وتأطير استراتيجي، مكنها من تحقيق مكاسب عسكرية سارت بالوضع نحو التعقيد والتأزيم حتى دخلت البلاد في أتون حرب أهلية أضرمها الحوثيون، وها هو التحالف العربي الذي تقوده السعودية يحاول أن يطفئها.



عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.