الدليجان يرسم «لوحة عارية» في مجتمع محافظ

الدليجان يرسم «لوحة عارية» في مجتمع محافظ
TT

الدليجان يرسم «لوحة عارية» في مجتمع محافظ

الدليجان يرسم «لوحة عارية» في مجتمع محافظ

رسم الكاتب السعودي عبد العزيز بن عبد اللطيف الدليجان لوحة شعرية عارية في مجتمع صنف بأنه محافظ، ليبث فيها حكايته ومشاعره الصادقة وهو في ريعان شبابه قبل نصف قرن.
الكتاب يحمل عنوان: «لوحة عارية في مجتمع مثالي»، وقد ننره الدليجان نشره أخيراً دون وجل أو خوف من سياط النقد، أو عن التساؤلات التي قد تثار عن دلالة هذه اللوحة العارية التي لم يرسمها في الهواء الطلق، لكن من الذاكرة، التي نفض عنها الغبار «ليعلقها على جدران المارة»، تاركاً لمتذوقي الشعر أن يقرأوا «شخبطات» صادقة عن حب عذري مثالي في مجتمع «محافظ».
والديوان نتاج تجربة حب أرقت الشاعر، فـ«راح يبثُ مشاعره شعراً في مجتمع يعد الغزل جريمة نكراء»، كما قال الشاعر والأديب المصري الدكتور إيهاب البعبولي، الذي وصف العمل بقوله: «إنه ديوان عاطفي غزلي يحوي بين طياته تجربة حب عذرية أرقت الشاعر. وجاء عنوان الديوان كاشفاً عن فحوى مضمون الديوان، بل ويسبر غور القصيد الذي أحسن الشاعر في اختيار قصائده ومواضيع يغلب عليها الغزل والعاطفة».
أما خالد الشويش الخالدي، رئيس ديوانية الأدب والثقافة في المنطقة الشرقية، فكتب عن الديوان قائلاً: «لقد وقفتَ على الأطلال تحكي قصتي، وبَثثتَ شوقكَ للحبيبِ فخلتُ من فرط شوقك أنني المشتاقُ، تنقلتُ عبر صفحاته مُغمضاً جفني تارة، لأرى الحبيب سابحاً في نشوةٍ، لقد عشتُ معكَ زهرةَ عمرك أفراحاً وأتراحاً، وأخذتُ من ظُلمةِ الليل ألوانَ الشقى... لقد أقنعتني لا فضَّ فوك».
ووصف الشاعر أحمد صبري رئيس مجلس إدارة جمعية شعراء وأدباء مصر، الدليجان بقوله: «الشاعر الدليجان ينتمي إلى مدرسة المبدعين في حدود الأخلاق، لقد أتى الشاعر وعلى غلاف ديوانه عنواناً ذكياً يجذب الانتباه ويذهب الخيال إلى شيء».
ولد عبد العزيز بن عبد اللطيف الدليجان في حي العدامة بالدمام شرق السعودية، ذلك الحي المشهور باحتضانه كثيراً من أصحاب المواهب والمشاهير الذين قدموا أعمالاً أدبية وشعرية وروائية وقصصية. وفي سن العشرين بدأ يمارس هوايته الشعرية والنثرية، ولكنه لم ينشر كتاباته لأنها «خارجة عن العرف والعادات والتقاليد».
احتوى الديوان على قصائد كثيرة في بداياته الشعرية منذ خمسين عاماً، وضعها كما هي وفضل عدم كتابتها بأسلوب اليوم وأبقاها على حالها، مشدداً على أن الأسلوب الشعري المكتوب به الديوان يمثل زمنه قبل نصف قرن، وقد يجد القارئ فرقاً بين أسلوب الديوان وأسلوب الإصدارات الأخرى، في تفاوت الأسلوب واختيار المعاني وانتقاء الصور البلاغية.
وأدرج المؤلف في ديوانه صفحات مما قاله النقاد والشعراء. وكان هناك إجماع بأن هذا الديوان الذي كتبه الدليجان في سن المراهقة والشباب «يوحي بأننا أمام شاعر مبدع منذ الصغر، أجاد في انتقاء المفردات بشكل واضح وسلس، وجاد نظمه من القوافي الثابتة والمتغيرة وجميع قصائده عن البحور القصيرة والبسيطة». وضم الشاعر إلى ديوانه ذكريات عن حي العدامة الذي عاش فيه.



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.