انتقادات إيرانية للسفير الروسي لنشره صورة بدلالات تاريخية

مستشار وزير الخارجية الإيراني يحذر من «البقاء في التاريخ»... ومطالب بـ«إصلاح» العلاقات

صورة نشرها السفير الروسي لدى طهران على «تويتر»
صورة نشرها السفير الروسي لدى طهران على «تويتر»
TT

انتقادات إيرانية للسفير الروسي لنشره صورة بدلالات تاريخية

صورة نشرها السفير الروسي لدى طهران على «تويتر»
صورة نشرها السفير الروسي لدى طهران على «تويتر»

أثارت صورة نشرها السفير الروسي في طهران، ليفان دزاجاريان، في إحياء ذكرى مهندس اتفاقية تاريخية تنازلت إيران بموجبها عن أراض في القوقاز خلال القرن التاسع عشر، انتقادات واسعة في الأوساط الإيرانية.
ونشر دزاجاريان الخميس الماضي صورة من وضعه إكليلاً من الورد على النصب التذكاري للسفير الروسي ألكساندر غريبايدوف الذي قتل في 11 فبراير (شباط) 1829 بعد اقتحام السفارة الروسية في طهران من الحشود الغاضبة نتيجة فرض روسيا القيصرية معاهدة «تركمانشاي» الموقعة في 1828، وذلك بعد أكثر من عقد على فرضها معاهدة «غلستان» في 1813. وانتهت «تركمانشاي».
وبموجب الاتفاقيتين، تنازلت بلاد فارس في فترة القاجاريين عن أراض في شمال وجنوب القوقاز، وتشمل أجزاءً من أرمينيا وأذربيجان. وينظر الإيرانيون إلى اتفاقيتي «تركمانشاي» و«غلستان» على أنهما نموذجان للاتفاقيات التي ألحقت أضرار بالسيادة والأراضي الإيرانية.

https://twitter.com/aawsat_News/status/1425954256658472966?s=20&t=s-URBYnH7NFzr9Wvi6Njiw

وأثار تكريم غريبايدوف ردوداً غاضبة بين الأوساط الإيرانية، خصوصاً التيارات المعارضة للتقارب الإيراني - الروسي الذي تصر عليه الحكومة الحالية برئاسة المتشدد إبراهيم رئيسي في سياق استراتيجية «التوجه نحو الشرق» بناء على توصيات المرشد الإيراني علي خامنئي، لتقليل الاعتماد على الدول الغربية.
ونشر رسول موسوي، مساعد وزير الخارجية الإيراني، أمس، صورة على حسابه في «تويتر» تجمع نصف الصورة التي نشرتها السفارة الروسية، حيث وقف دزاجاريان أمام النصب التذكاري، والنصف الآخر يظهر مأذنة جامع تظهر عليها آثار دمار من الوسط. وقال: «أثر قذيفة المدفع الروسي على مأذنة مرقد الإمام الثامن في نوروز 1912»، وقال: «البقاء في التاريخ ليس في مصلحة الأمم».
https://twitter.com/rasmou/status/1493476011664621568?s=20&t=v_E2IqkvX-pyZ1VEI1wa1w
وقالت وكالة «إيسنا» الحكومية، أمس، إن نشر صورة تكريم مهندس معاهدة «تركمانشاي» بمناسبة «يوم الدبلوماسي» ونشر صورة مرتبطة بهذا، أثار ردوداً وانتقادات من جانب بعض وسائل الإعلام والرأي العام الإيراني.
وقبل ذلك بيوم، اضطر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إلى التوقف عند الحادث الأخيرة، عندما سئل في مؤتمره الصحافي عما إذا كانت وزارة الخارجية تخطط لاتخاذ إجراءات ضد «تصرفات» السفير الروسي التي تسببت «في إثارة حساسيات لدى الرأي العام الإيراني». وبدأ خطيب زاده تعليقه بامتداح الدور الروسي في مفاوضات فيينا الرامية لإحياء الاتفاق النووي. وقال إن «العلاقات بين إيران وروسيا متعددة الأبعاد والمستويات»، وأشار إلى «تعاون استراتيجي»، وكذلك إلى زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو والدعم الروسي للمواقف الإيرانية، قبل أن ينتقد السفير الروسي، بقوله: «أي دبلوماسي بارز وناضج يعلم أنه يجب عدم القيام بما يسيء لمشاعر الناس. وهذا لا يتسق مع العلاقات الممتازة بين البلدين». وأضاف: «هذه القضايا نُقلت وسننقلها عبر مجراها الخاص».

https://twitter.com/RusEmbIran/status/1491751967525416968?s=20&t=rGYurA0Xf-pVoJMN9W1WXg

وفي وقت لاحق، أجرى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، مكالمة هاتفية تناولت آخر تطورات محادثات فيينا، ولم يتضح على الفور ما إذا كانت تناولت قضية السفير، خصوصاً بعد إشارة خطيب زاده.
وجاءت تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية بعدما انتقدت صحيفة «جمهوري إسلامي»، التابعة للتيار المحافظ المعتدل، بشدة تغريدة السفير الروسي، وكتبت: «منذ قضية خيانة غريبايدوف وقتله على يد أهل طهران، هذه هي المرة الأولى التي يسمح فيها سفير روسي لنفسه بأن ينشرها في وسائل الإعلام ويستعرض على الشعب الإيراني». ونشرت صحيفة «شرق» تغريدة من مقال صحيفة «جمهوري إسلامي» تنتقد «عدم فاعلية» وزارة الخارجية مقابل ما وصفتها بـ«الوقاحة».
وكانت السفارة الروسية قد انتقدت طريقة وسائل الإعلام الفارسية خارج البلاد في تغطية الحدث، ووصفتها بـ«المعادية لإيران». وقالت إن وضع الإكليل على قبر «الشاعر والدبلوماسي غريبايدوف لا يرتبط بذكرى الثورة في إيران». وقالت: «نعدّ هذه المنشورات الاستفزازية، تهدف إلى تقويض العلاقات الودية بين روسيا وإيران».
وكتب الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، النائب حشمت الله فلاحت بيشه، على «تويتر» إن «سفير روسيا ممثل علاقة مهينة مع بلدنا. من التذكير بـ(مؤتمر طهران)؛ حتى تكريم غريبايدوف، واحد من أسوأ لاعبي تاريخ مظلومية الشعب الإيراني». وأضاف: «الأمر تجاوز الاستدعاء والطرد... هذه العنصر غير المرحب به، يجب إصلاح هذه العلاقة المهينة».
في أغسطس (آب) الماضي، استدعت طهران السفيرين الروسي والبريطاني بسبب نشر صورة مشتركة للسفيرين في ذكرى «مؤتمر طهران» عام 1943 عندما احتُلت إيران من قوات الحلفاء. ونشرت الصورة على حساب السفارة الروسية في «تويتر» وأعاد نشرها حساب السفارة البريطانية في طهران.
وكانت الصورة تحاكي صورة شهيرة التقطت في مبنى السفارة الروسية حيث جلس الرئيس الأميركي فرنكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والزعيم السوفياتي جوزيف ستالين.



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.