حان زمن اتخاذ القرارات بالنسبة إلى مستقبل الحضور العسكري الفرنسي والأوروبي والدولي في مالي وفي كل منطقة الساحل الممتدة من موريتانيا حتى السودان. فبعد مشاورات لوزراء الدفاع في البلدان الأوروبية المعنية يوم الجمعة الماضي وأخرى لوزراء الخارجية أمس، ثمة استحقاقان رئيسيان آخران هذا الأسبوع: الأول مساء الأربعاء المقبل؛ حيث يجمع الرئيس إيمانويل ماكرون في باريس القادة الأوروبيين والأفارقة الضالعين في الحرب على التنظيمات الجهادية والإرهابية في منطقة الساحل. والاستحقاق الثاني يتمثل في القمة الأوروبية - الأفريقية التي تستضيفها بروكسل بمبادرة ودعوة من الرئاسة الفرنسية. ووفق مصادر واسعة الاطلاع في باريس، فإن المرجح أن يستغل الرئيس ماكرون المناسبة لإعلان وضع حد للوجود العسكري الفرنسي في مالي المتمثل في قوة «برخان»، بعد 8 أعوام على وجودها في هذا البلد الأفريقي وبلدان أخرى في منطقة الساحل. ولن يقتصر الأمر على «برخان» التي سبق لماكرون أن أعلن في شهر يونيو (حزيران) الماضي خفض عديدها إلى النصف مع حلول عام 2023؛ بل سيتناول أيضاً مستقبل «تاكوبا»؛ قوة الكوماندوز الأوروبية، التي تتألف حالياً من نحو ألف عنصر نصفهم من الفرنسيين وبقيادتهم. وثمة إجماع فرنسي - أوروبي على أن انسحاب «برخان» سيفضي حتماً إلى انسحاب قوة «تاكوبا» الأوروبية؛ لا بل إن الأمور يمكن أن تذهب إلى أبعد من ذلك بحيث تطال المهمة التدريبية التي يقوم بها عناصر عسكريون أوروبيون؛ أبرزهم ألمان، لقوات الجيش المالي، فضلاً عن المشاركة الأوروبية في قوة «مينوسما» الدولية.
تراكمت في الأشهر الماضية العوامل التي جعلت مواصلة الفرنسيين والأوروبيين مهامهم القتالية في مالي أمراً مستحيلاً... ذلك أن الانقلابين العسكريين (في أغسطس/ آب 2020 ومايو/ أيار 2021) قلبا الأمور رأساً على عقب، وكان واضحاً أن السلطات الانتقالية الجديدة التي يرأسها العقيد أسيمي غويتا، تلعب على عامل العداء للحضور الفرنسي - الأوروبي وتدفع باتجاه القطيعة. وكانت البداية مع توافر معلومات عن اتفاقها مع مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية، تبعها تواتر الأعمال الاستفزازية الموجهة ضد فرنسا والأوروبيين بشكل عام. وبلغت الأمور مستوى غير مسبوق عندما طلبت باماكو من الدنمارك ترحيل قوة من 100 رجل كانت تنوي الانضمام إلى قوة «تاكوبا»، وتبعه طرد السفير الفرنسي، جوييل ميير، من عاصمة مالي احتجاجاً على «تصريحات عدائية» لمسؤولين فرنسيين وصفوا السلطات المالية بأنها «غير شرعية». كذلك، طلبت باماكو إعادة النظر في اتفاقية الدفاع المبرمة بين فرنسا ومالي، فيما لعبت السلطات الانتقالية على الشعور المعادي لفرنسا وإنزال آلالاف من المتظاهرين إلى الشوارع تنديداً بالقوة الاستعمارية السابقة. أما العامل الأخير؛ فعنوانه تخلي السلطات الانتقالية عن وعدها بإجراء انتخابات عامة تنتهي بإعادة السلطة إلى المدنيين والتخطيط للقيام بذلك بعد 5 سنوات؛ الأمر الذي حفز مجموعة غرب أفريقيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على فرض عقوبات على مالي اقتصادية وتجارية إضافة إلى عزلة جغرافية وسياسية بحيث أغلقت الحدود معها.
وكانت النتيجة أن تفاقم الأمور وضع باريس وشريكاتها الأوروبيات في وضع صعب؛ إذ إن الجميع يريد الاستمرار في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل، لكن البقاء في مالي أصبح بالغ الصعوبة. من هنا، فإن باريس والعواصم الأوروبية المعنية أطلقت منذ أسبوعين، مشاورات مكثفة للوصول إلى مخارج مشرفة، وهو ما ينتظر أن يكشف عنه الرئيس ماكرون بمناسبة اجتماعه مع القادة الأوروبيين والأفارقة ولاحقاً في إطار القمة الأوروبية - الأفريقية في بروكسل يومي الخميس والجمعة المقبلين. ويعقد البرلمان الفرنسي، وفق ما أعلنه رئيس الوزراء جان كاستيكس، غدا الأربعاء جلسة خاصة لمناقشة مستقبل الالتزام الفرنسي في مالي، ويمكن أن يفضي ذلك إلى تصويت غير ملزم. لكن دعوة البرلمان تدل على أن باريس مقبلة على خطوات جذرية وأنها راغبة في أن تجد حلولاً قبل الانتخابات الرئاسية في أبريل (نيسان) المقبل. ومن المنتظر أن يعلن الرئيس ماكرون ترشحه رسمياً في الأيام القليلة المقبلة أو أواخر الشهر الحالي على أبعد تقدير. ووصف كاستيكس الوضع في مالي بأنه «مصدر قلق بالغ».
ثمة سؤال أولي تتعين الإجابة عنه؛ هو: إلى أي بلد من بلدان الساحل ستنتقل القوتان الفرنسية والأوروبية؟ بداية، تتعين الإشارة إلى أن انسحاب «برخان» و«تاكوبا» من مالي لن يتم بين ليلة وضحاها. والجانب العسكري الفرنسي يعدّ أن هناك حاجة إلى «عدة أشهر» لإتمام الانسحاب وإعادة الانتشار. والمرجح أن تكون وجهة العسكريين الفرنسيين والأوروبيين إلى النيجر التي زارتها وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي الأسبوع الماضي في محاولة، على ما يبدو، لإقناع سلطات نيامي بقبول استقبال القوة المنسحبة، علماً بأن باريس بدأت خفض عديد قواتها في منطقة الساحل منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي وأخلت ثلاث أماكن حتى اليوم. لا شيء واضحاً تماماً أو نهائياً. لكن وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي زارت النيجر الأسبوع الماضي في محاولة على ما يبدو لإقناع نيامي، التي تستضيف قوة جوية فرنسية وقيادة «تاكوبا»، باستقبال جانب من القوة الفرنسية. والمجهول الآخر يتناول قرار الدول الأوروبية المشاركة في «تاكوبا» أو تلك التي كانت تتأهب للانضمام إليها. وبعد انسحاب الدنمارك والسويد، وإعلان التشيك تخليها عن قرار المساهمة في القوة المذكورة، وتأكيد وزيرة الدفاع الألمانية النظر قريباً في المشاركة العسكرية في مالي، يتعين انتظار ما سيقرره الأوروبيون هذا الأسبوع لجهة حل هذه القوة أو الإبقاء عليها؛ ولكن نشرها خارج مالي، والأرجح في النيجر. أما بالنسبة إلى «برخان»، التي أعلن ماكرون نهاية يونيو الماضي وضع حد لها، فليس من المستبعد أن يذهب جزء من عناصرها إلى تشاد حيث قيادتها. وتريد باريس أن تستفيد من الفرصة لتعزيز حضورها العسكري في عدد من بلدان غرب أفريقيا المهددة هي الأخرى بتمدد التنظيمات الجهادية إلى أراضيها، مثل بينين وتوغو وساحل العاج. ويوم الثلاثاء الماضي، أكد رئيس هيئة الأركان الفرنسية، الجنرال تييري بوركهارد، خلال زيارة إلى ساحل العاج، أن «أولوية فرنسا لا تزال الاستمرار في عمليات مكافحة الإرهاب» إلى جانب القوات الأفريقية.
فرنسا والأوروبيون يستعدون لإعلان الانسحاب العسكري من مالي
الغربيون يتركون مالي وميليشيا «فاغنر» الروسية تنتشر فيها
فرنسا والأوروبيون يستعدون لإعلان الانسحاب العسكري من مالي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة