طهران تتهم الغرب بـ«التلاعب بالتوقيت» و«مسرحية» مبادرات في فيينا

«الخارجية» الإيرانية لا ترى طريقاً مسدوداً... وبوريل يتحدث عن «اتفاق وشيك»

وزير الخارجية الإيراني ونظيره الآيرلندي خلال مؤتمر صحافي في طهران أمس (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الإيراني ونظيره الآيرلندي خلال مؤتمر صحافي في طهران أمس (إ.ب.أ)
TT

طهران تتهم الغرب بـ«التلاعب بالتوقيت» و«مسرحية» مبادرات في فيينا

وزير الخارجية الإيراني ونظيره الآيرلندي خلال مؤتمر صحافي في طهران أمس (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الإيراني ونظيره الآيرلندي خلال مؤتمر صحافي في طهران أمس (إ.ب.أ)

اتهم وزير الخارجية الإيراني، أمير حسين عبد اللهيان، الدول الغربية بـ«التلاعب بالتوقيت والنص» في مفاوضات فيينا الرامية لإنعاش الاتفاق النووي، موضحاً أن الوصول إلى «اتفاق جيد» في متناول اليد، فيما اتهم الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، الأطراف الغربية بـ«التهرب من الالتزام» عبر «مسرحية تقديم المبادرة». وأبدى عبد اللهيان شكوكاً في «حسن النوايا» الأميركية، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية والدفاع الآيرلندي سيمون كوفيني. ونقلت «رويترز» عن عبد اللهيان قوله إن «طهران في عجلة من أمرها للوصول إلى اتفاق في فيينا، لكن يجب أن يحدث ذلك في إطار مصلحتنا الوطنية».
بدورها؛ نقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن عبد اللهيان قوله: «نحن نعتقد أن بلوغ اتفاق جيد في مفاوضات فيينا في متناول اليد. الأفكار والمبادرات البناءة والإيجابية من إيران تعبّد الطريق للوصول إلى اتفاق كهذا»، معرباً عن اعتقاده بأن الوصول إلى اتفاق وإلغاء العقوبات «هذا اليوم أفضل من الغد»، وأضاف: «على الغرب أن يترك لعبة النص والتوقيت، وبدلاً من السلوك القائم على الصدمة والتلاعب بالوقت والنص، عليه أن يظهر نيته الواقعية للعودة إلى التزاماته في إطار الاتفاق النووي وأن يتحرك في هذا المسار».
وقال عبد اللهيان: «تهديد وتحذير الأطراف الأخرى لا يحدد نقطة النهاية لمفاوضات فيينا؛ بل واقع طاولة المفاوضات واهتمام الأطراف الأخرى بالعودة إلى التزاماتهم سيحددان توقيت نهاية المفاوضات والتوصل لاتفاق».
من جهته، أكد كوفيني على أن الأطراف الغربية المشاركة في مفاوضات فيينا «جادة وملتزمة». وأضاف أن الغربيين «مصممون على العمل من أجل أن ينجح الأمر».
وتابع كوفيني؛ الذي تسهل بلاده تطبيق القرار «2231» الصادر عن مجلس الأمن الدولي الذي صادق على اتفاق 2015: «ما كنت لأوجد هنا لو لم أكن أعتقد بوجود فرصة». وأكد أن «آيرلندا تريد المساهمة في هذه العملية بكل الطرق الممكنة للمساعدة في تقدم» المفاوضات.
كما كانت مفاوضات فيينا حاضرة في اللقاء الذي جمع كوفيني والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي قال لضيفه الآيرلندي: «ما تؤكد عليه طهران في مفاوضات فيينا، رفع العقوبات بصورة واقعية واحترام حقوق الشعب الإيراني»، ودعا دبلن إلى تعزيز العلاقات مع طهران، معلنا «ترحيب» طهران بما وصفه بـ«استقلال آيرلندا مقابل أميركا وبعض الدول الأوروبية».
وفي وقت لاحق من مساء أمس، أجرى عبداللهيان اتصالاً هاتفياً مع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لمناقشة آخر تطورات المفاوضات، واعتبرا «مسار المفاوضات إيجابياً في مجمله»، إلا أن وكالة «أرنا» الرسمية نقلت عن عبداللهيان قوله إن «بعض التسرع واللعبة التكرارية بالنص وفقدان الإدارة الجدية للطرف الغربي تسببت بإطالة المفاوضات».
وقال عبداللهيان: «لن نتنازل إطلاقاً عن خطوطنا الحمراء القائمة على المنطق والواقعية».
ونسبت الوكالة الإيرانية إلى بوريل قوله إن «المفاوضات بلغت مرحلة حساسة، وعلى جميع الأطراف أن تبدي مرونة وأن تأخذ في الاعتبار أن قيودها ومواقفها يجب ان تساعد في تقدم المفاوضات».
بدوره، كتب بوريل في تغريدة على تويتر: «بصفتي منسق خطة العمل الشاملة المشتركة، اعتقد بقوة أن هناك اتفاقاً وشيكاً». وأضاف: «لقد حان الوقت لبذل الجهد النهائي والتوصل إلى حل وسط».
وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، إن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تحدث إلى نظيره الإيراني عبد اللهيان أمس، وأشارت إلى «تحرك ملموس إلى الأمام» في إحياء الاتفاق النووي.
وذلك على خلاف ما قاله لافروف، الخميس الماضي، من أن الطريق ما زالت طويلة قبل أن يتم إحياء اتفاق 2015 الذي يفرض قيوداً على التقدم النووي الإيراني.
في فيينا، قال ميخائيل أوليانوف، المبعوث الروسي للمحادثات في فيينا، على «تويتر» قبل ساعات: «جرى إحراز تقدم كبير في مسار المفاوضات».
واستؤنفت المحادثات بين إيران ومجموعة «4+1 (بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا)»، بشكل مباشر ومع الولايات المتحدة بشكل غير مباشر الأسبوع الماضي بعد توقف 10 أيام. وقال مندوبون إن المحادثات أحرزت تقدماً محدوداً منذ استئنافها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد توقف 5 أشهر. وتهدف المفاوضات إلى تطبيق «عودة متبادلة» من جانب واشنطن وطهران إلى الاتفاق الذي يقدم تخفيفاً للعقوبات عن إيران مقابل قيود على برنامجها النووي.
- تضارب في طهران
قبل عبد اللهيان بساعات، كتب الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، على «تويتر»، أن المفاوضات في فيينا «بلغت مرحلة يمكن فيها التعليق على النتيجة بشكل قاطع دون الحاجة إلى التكهنات». وأضاف: «انتهاء التكهنات يعتمد على القرار السياسي الأميركي بقبول أو رفض الشروط الحتمية لاتفاق موثوق به ودائم يستند إلى المبادئ التي جرت الموافقة عليها» في اتفاق 2015.
وفي تغريدة نشرها شمخاني مساء الأحد بعد مكالمة هاتفية مع كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، قال شمخاني: «رسخت المحادثة الهاتفية فرضيتين في ذهني؛ أولاً أن عمل المفاوضين يزداد صعوبة في كل لحظة... الاستمرار في مسرحية مبادرة الأطراف الغربية للتهرب من الالتزامات».
وعلى نقيض شمخاني، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، الصعوبات بـ«الأمر الطبيعي»، لكنه رفض التعليق على ما قاله شمخاني في تغريداته. وقال رداً على الصحافيين: «اسمحوا أن يوضح تغريداته ويبين رأيه»، قبل قوله: «أجريت اتصالاً بالسيد باقري... مثلما قلت سابقاً إن المفاوضات بلغت نقطة فيها صعوبات. القضايا مهمة وأساسية وتجري متابعتها بحساسية من جميع الأطراف. لقد قدمت إيران مقترحات، وحصلت في المقابل على مقترحات غربية. هذا أمر طبيعي في المفاوضات».
وقال خطيب زاده في مؤتمر صحافي إن محادثات فيينا لم تصل إلى طريق مسدودة، ونوه بأن «المفاوضات جارية كما في السابق، ويجري تبادل الآراء بين المندوبين». وأضاف: «ما يحدث الآن في المحادثات هو استكمال النقاط المهمة والحرجة. بُعدنا من التوصل إلى اتفاق يعتمد على إرادة الجانب الغربي».
غير أن خطيب زاده قال إن «المفاوضات معقدة وصعبة؛ لأنها تطال مسائل تتطلب قرارات سياسية جدية، خصوصاً من جانب واشنطن». وتابع أن طهران اتخذت بالفعل قرارها السياسي بالبقاء في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بعدما انسحبت منه واشنطن في 2018. وصرح خطيب زاده: «إذا استجابت الولايات المتحدة وأوروبا لإيران اليوم - في إطار الاتفاق النووي - فيمكننا أن نعلن غداً في فيينا أننا توصلنا لاتفاق».
وقال خطيب زاده: «نسعى إلى الحصول على ضمانات حقيقية من واشنطن للتأكد من عدم انسحابها من الاتفاق مرة أخرى وأن تحترم تعهداتها»، متحدثاً عن «ضرورة أن تُرفع جميع العقوبات مرة واحدة عن إيران في إطار الاتفاق النووي» وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال مسؤول إيراني كبير لوكالة «رويترز» إن «نحو 30 في المائة من القضايا الصعبة ما زالت تنتظر الحل، لكن من الممكن التوصل لاتفاق بحلول أوائل مارس(آذار)» المقبل. ونقلت الوكالة عن دبلوماسي غربي قوله: «من الممكن التوصل لاتفاق في أوائل مارس المقبل إذا سارت الأمور على ما يرام».
وبعد 8 جولات من المحادثات، تبقى نقاط الخلاف الرئيسية متمثلة في مطالبة إيران بضمان أميركي بعدم فرض مزيد من العقوبات أو أي خطوات عقابية أخرى في المستقبل، وطريقة وتوقيت إعادة القيود بصورة يمكن التحقق منها على النشاط النووي الإيراني. وقال مسؤول إيراني ثان إن طهران تصر أيضاً على تمكينها من غلق وتخزين أجهزة الطرد المركزي المتطورة داخل إيران، بدلاً من تفكيكها وإرسالها إلى الخارج، وهو ما تطالب به القوى الغربية. وتريد أيضاً رفع نحو 300 عقوبة إضافية عن كيانات وأفراد إيرانيين لا صلة لهم بالاتفاق النووي، بحسب «رويترز».
وأعربت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن استعدادها لرفع القيود التي تتعارض مع اتفاق 2015 إذا استأنفت إيران الامتثال للاتفاقية، مما يعني ضمناً أن واشنطن ستبقي على العقوبات المرتبطة بالإرهاب أو بحقوق الإنسان. ويقول المسؤولون الأميركيون إن إدارة بايدن لا يمكنها أن تضمن عدم تراجع أي حكومة أميركية عن «الاتفاقية» بشكل مطلق؛ ذلك لأنها مصنفة على أنها «تفاهم سياسي غير ملزم»، وليست «معاهدة» ملزمة قانوناً.
- تبادل السجناء
من ناحية أخرى، قال خطيب زاده إن اتفاقاً لمبادلة السجناء مع الولايات المتحدة مطروح على جدول الأعمال بالتوازي مع المحادثات النووية في فيينا منذ أشهر. وأضاف: «لكن يبدو أن الولايات المتحدة لم تتخذ قراراً بشأن هذه القضية. ربما تنتظر نتائج المحادثات». وادعى خطيب زاده أن الجانبين توصلا إلى اتفاق سابق لتبادل السجناء، «لكن من المؤسف؛ تراجع عنه الجانب الأميركي في ليلة تنفيذ الاتفاق، وأظهر مرة أخرى مدى تساهل واشنطن في الاتفاقيات»، وقال: «موضوع السجناء قضية إنسانية يمكن حلها بشكل مباشر ويمكن أن تكون أرضية مناسبة لكي تظهر تغيير سلوك أميركا».
والشهر الماضي، استبعدت إيران الإذعان لأي شروط أميركية مسبقة لإحياء الاتفاق النووي؛ بما في ذلك إطلاق سراح سجناء أميركيين. وقال خطيب زاده حينها إن طهران وواشنطن يمكنهما الوصول إلى «اتفاق دائم على المسارين المنفصلين (محادثات فيينا وتبادل الأسرى) إذا توافرت الإرادة لدى الطرف الآخر». جاء ذلك بعدما قال كبير المفاوضين الأميركيين في المحادثات إنه من غير المرجح أن تتوصل واشنطن إلى اتفاق مع طهران ما لم تفرج عن 4 «رهائن» أميركيين. وفي تراجع عن هذا الشرط، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، إن المفاوضات وقضية الرهائن «مساران مختلفان».
واعتقلت إيران في السنوات الأخيرة العشرات من مزدوجي الجنسية؛ منهم عدد من الأميركيين، في اتهامات أغلبها بالتجسس، وتتهم واشنطن باحتجاز مواطنين إيرانيين لانتهاكهم العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة عليها.
ويتهم نشطاء في الدفاع عن حقوق الإنسان إيران بمحاولة استغلال الاعتقالات لكسب تنازلات من دول أخرى. وتنفي إيران ذلك.



ماذا وراء الخلاف الحاد بين نتنياهو وماكرون؟

نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
TT

ماذا وراء الخلاف الحاد بين نتنياهو وماكرون؟

نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن رئيس الوزراء تحدث هاتفياً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الأحد)، وأبلغه بأن فرض حظر على تصدير السلاح لإسرائيل سيخدم إيران والمتحالفين معها.

وأضاف المكتب، في بيان نقلته وكالة «رويترز» للأنباء، «أكد رئيس الوزراء أن تصرفات إسرائيل في مواجهة حزب الله تخلق فرصة لتغيير الواقع في لبنان وصولاً إلى تعزيز الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة بأكملها». وأشار نتنياهو إلى أن «إسرائيل تتوقع دعم فرنسا وليس فرض قيود عليها».

بدوره، أكد ماكرون أن «التزام فرنسا بأمن إسرائيل لا يتزعزع»، لكنه شدد أيضاً على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، حسبما أعلن قصر الإليزيه.

وقالت الرئاسة الفرنسية «عشية الذكرى السنوية الأولى لهجوم (حركة) حماس الإرهابي على إسرائيل، أعرب (ماكرون) عن تضامن الشعب الفرنسي مع الشعب الإسرائيلي». كما أعرب الرئيس الفرنسي عن «اقتناعه بأن وقت وقف إطلاق النار حان».

«حرب التصريحات»

واشتعلت «حرب تصريحات» بين ماكرون ونتنياهو وخلفه المنظمات اليهودية في فرنسا، وعلى رأسها المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا.

نقطة البداية تمثلت في جملة جاءت على لسان ماكرون، في حديث إذاعي بث (السبت)، لإذاعة «فرانس إنتر» وسُجل بداية أكتوبر (تشرين الأول)، وجاء في حرفية ما قاله: «أعتقد أن الأولوية اليوم هي العودة إلى حل سياسي، والتوقف عن تقديم الأسلحة المستخدمة في الحرب على غزة».

كما أن ماكرون وجه سهامه إلى نتنياهو الذي «لم يستمع إلينا (في موضوع وقف إطلاق النار)، وهذا خطأ، بما في ذلك بالنسبة لأمن إسرائيل غداً»، مؤكداً أنه سيواصل اتباع السياسة نفسها التي يتبعها بشأن الوضع في قطاع غزة «منذ عام».

ماكرون تطرق كذلك إلى الحرب الإسرائيلية على لبنان، مُنبهاً من أنه «لا يجب أن يتحول لبنان إلى غزة أخرى»، داعياً إلى «عدم التضحية بالشعب اللبناني».

وطالب ماكرون بوقف العمليات العسكرية و«بعودة الجيش اللبناني إلى الحدود»، إضافة إلى حصول الانتخابات الرئاسية لوضع حد للفراغ الرئاسي. وحرص الرئيس الفرنسي على تأكيد أن بلاده لا تقدم السلاح لإسرائيل.

ورغم أن باريس ليست مزوداً رئيسياً بالسلاح لإسرائيل؛ فإنها شحنت إليها معدات عسكرية العام الماضي بقيمة 30 مليون يورو، وفقاً للتقرير السنوي لصادرات الأسلحة الصادر عن وزارة الدفاع.

رسالة ضمنية لبايدن

ومجدداً، طُرحت هذه المسألة مساء السبت في المؤتمر الصحافي، الذي جاء في اختتام أعمال القمة الفرنكوفونية التي استضافتها فرنسا يومي الجمعة والسبت، والتي انتهت ببيان ختامي وآخر للتعبير عن التضامن مع لبنان.

وتوافرت الفرصة لماكرون لتصحيح ما قاله للإذاعة الفرنسية، وذلك بتأكيده أن الأسلحة التي تقدمها فرنسا لإسرائيل «لا تستخدم إطلاقاً» في الحرب على غزة، لا مباشرة، ولا بطريقة ملتوية.

بيد أن الأهم جاء في شرح دعوته لوقف تصدير السلاح لإسرائيل، إذ اعتبر أنه من الضروري التحلي بـ«الانسجام» في المواقف، وبالتالي «لا يمكن أن نطلب وقفاً لإطلاق النار في غزة وفي الأسبوع الأخير في لبنان، مع الاستمرار في توفير الأسلحة الحربية»؛ في الإشارة إلى إسرائيل، ولكن دون أن يسميها.

وكان واضحاً أن ماكرون يوجه خصوصاً رسالة ضمنية للولايات المتحدة الأميركية، وللرئيس بايدن شخصياً.

واستطرد ماكرون: «نعم، الدعوة لوقف النار تفترض الانسجام الذي يعني الامتناع عن توفير الأسلحة الحربية، وأعتقد أن من يدعو معنا كل يوم لوقف النار لا يمكنه الاستمرار في توفير الأسلحة».

وبالنسبة للرئيس الفرنسي، فإن وقف النار الذي وصفه بـ«الأولوية» من شأنه توفير «إيصال المساعدات الإنسانية، والعمل من أجل حل سياسي يفضي إلى (قيام دولتين)، وهو الوحيد الذي يضمن الأمن والسلام للجميع».

فلسطينيون فوق أنقاض مبانٍ دمرها القصف الإسرائيلي على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

كان ماكرون يتوقع أن تثير تصريحاته حفيظة إسرائيل. لذا، حرص على إعادة التأكيد بأن باريس «تطالب بالإفراج عن الرهائن، وأنها تقف إلى جانب إسرائيل في المحافظة على أمنها»، وأن «لا غموض» في هذا الموقف.

وكشف ماكرون أن نتنياهو اتصل به قبل الهجمات الصاروخية الأخيرة على إسرائيل من أجل أن «تشارك فرنسا» في الدفاع «عن أمن إسرائيل»، وأن فرنسا «استجابت لهذا الطلب».

كذلك، أكد ماكرون مجدداً أن الدعوة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» لمدة 21 يوماً، التي أطلقتها الولايات المتحدة وفرنسا، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تمت بالتوافق مع لبنان وإسرائيل، وأن نتنياهو «فضل مساراً آخر وهو يتحمل مسؤولية العمليات (العسكرية) الأرضية في لبنان».

الإحباط اللبناني

كان لبنان حاضراً بقوة في القمة الفرنكوفونية التي صدر عنها «إعلان تضامن مع لبنان» من ثماني فقرات، جاء فيها التعبير عن «القلق الكبير»، والتخوف من تصاعد العنف، والخسائر الكبيرة بالأرواح، وتضامن «العائلة الفرنكوفونية» مع لبنان، الذي يتعين أن «ينعم مجدداً بالأمن والسلام». كذلك دعا بيان القمة إلى «وضع حد لانتهاك سيادة لبنان وسلامة أراضيه»، والدعوة إلى «وقف فوري ودائم لإطلاق النار».

بيد أن المؤسف فيما صدر هو «تجهيل الفاعل»؛ بمعنى أن اسم إسرائيل لم يصدر مرة واحدة، بحيث بقيت الاعتداءات على السيادة اللبنانية مجهولة الفاعل، وكذلك الجهة المسؤولة عن مقتل وتهجير آلاف اللبنانيين.

دمار تسببت به الضربات الإسرائيلية الجوية الأحد في منطقة صفير في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

وعبّر وزير الإعلام اللبناني، زياد مكاري، عن «إحباطه» لكون اسم إسرائيل لم يرد في أي مكان. وعلم من داخل القمة أن مجموعة من الدول وعلى رأسها رومانيا وكندا، بالإضافة إلى مجموعة من الدول الأفريقية، رفضت الإشارة إلى إسرائيل بالاسم؛ ما يبين إلى حد بعيد تسييس «الفرنكوفونية».

ورداً على ذلك، قال ماكرون إنه «لا يتعين التقليل من أهمية» الإعلان الذي يعكس التضامن مع لبنان، منوهاً بالمهمة التي يقوم بها وزير خارجيته، جان نويل بارو، في المنطقة، الذي سيعود مجدداً إلى لبنان بعد أن زاره بداية الأسبوع الماضي.

وبحسب الرئيس الفرنسي، فإن الأيام القادمة «ستكون حاسمة بالنسبة للحصول على وقف لإطلاق النار ومواصلة العمليات الإنسانية». ودعا إلى «عدم التشكيك» بانخراط فرنسا إلى جانب لبنان.

هجوم نتنياهو

وما كانت دعوة ماكرون لوقف إمداد إسرائيل بالأسلحة لتمر من غير رد من نتنياهو، الذي سارع إلى شن هجوم عنيف على ماكرون. وقال نتنياهو: «بينما تحارب إسرائيل القوى الهمجية التي تقودها إيران، يتعين على جميع الدول المتحضرة أن تقف بحزم إلى جانب إسرائيل. إلا أن الرئيس ماكرون وغيره من القادة الغربيين يدعون الآن إلى حظر الأسلحة على إسرائيل؛ إذ عليهم أن يشعروا بالعار».

ورأى نتنياهو أن إسرائيل ستنتصر حتى من دون دعمهم «لكن عارهم سيستمر لوقت طويل بعد الانتصار في الحرب». مضيفاً: «هل تفرض إيران حظر أسلحة على (حزب الله)، وعلى الحوثيين، وعلى (حماس)، وعلى وكلائها الآخرين؟ طبعاً لا».

وخلص إلى القول إن «محور الإرهاب هذا يقف صفاً واحداً، لكن الدول التي يفترض أنها تعارضه تدعو إلى الكف عن تزويد إسرائيل بالسلاح. يا له من عار».

وطالب نتنياهو «جميع الدول المتحضرة بأن تقف بصلابة إلى جانب إسرائيل».

الإليزيه يتدخل

ولأن أزمة حادة لاحت في الأفق، فقد سارع قصر الإليزيه إلى «توضيح»، جاء فيه أن فرنسا «صديقة لإسرائيل لا تتزعزع». وأبدى القصر الرئاسي أسفه لما صدر عن نتنياهو، معتبراً أنه «مُغال» في رد فعله.

لم يتوقف رد الفعل على نتنياهو وحده، بل انضم إليه المجلس التنفيذي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، المعروف بدعمه المطلق لإسرائيل.

وأعرب المجلس عن «أسفه العميق» لتصريحات الرئيس الفرنسي، معتبراً أن «الدعوة لحرمان إسرائيل من السلاح لا تدفع باتجاه السلام، لكنها تخدم (حزب الله) و(حماس)».

وزاد البيان أن دعوة كهذه تأتي قبل 7 أكتوبر مباشرة «تدمي كل الذين يتمسكون بمحاربة الإرهاب، وتشجع حزب فرنسا الأبية (اليساري الفرنسي المتشدد) في تطرفه، وفي استراتيجيته الدافعة إلى تعميم الفوضى في النقاش العام».

كذلك صدرت تصريحات مماثلة عن شخصيات يهودية وغير يهودية داعمة لإسرائيل.

مسيرة مناهضة لمعاداة السامية في باريس نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

الانتقادات غير مقبولة

وليست هذه المرة الأولى التي تتوتر فيها علاقات ماكرون بنتنياهو. ومهما فعل الأول للإعراب عن تمسكه بأمن إسرائيل والدفاع عنها، كما فعلت القوات الفرنسية مؤخراً بطلب من رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، عندما ساهمت في إسقاط الصواريخ الإيرانية المتجهة إلى إسرائيل؛ فإن كل ذلك لا يبدو كافياً بنظر نتنياهو.

فالأخير لا يجيز أي انتقاد له وسبق أن ندد، في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بقرار رئيس الوزراء البريطاني كير ستامر حظر تصدير أنواع معينة من الأسلحة إلى تل أبيب.

كذلك فعل نتنياهو مع جوستان ترودو رئيس الوزراء الكندي، ومع الرئيس الأميركي بايدن، عندما أمر بتأخير تسليم إسرائيل نوعاً من القنابل؛ مخافة استخدامها في غزة.

وكانت النتيجة أن هذه القنابل الثقيلة «بوزن 2000 رطل» أعيد تسليمها، كما أغدقت واشنطن على إسرائيل بمساعدة عسكرية من 20 مليار دولار، وسلمتها مؤخراً مساعدة من 8 مليارات دولار.

من هنا، فإن فرنسا إن حظرت أسلحتها أو لم تحظرها، فإن تأثيرها يبقى محدوداً، إن عسكرياً أو لجهة الضغوط التي يمكن أن تمارسها على إسرائيل، سواء أكان بالنسبة للبنان أو غزة والضفة الغربية.