قلق في إسرائيل من «تقييد الأيدي» في سوريا بعد التصعيد بأوكرانيا

مصادر أمنية تقول إن الحرب ستؤثر على استهداف إيران

TT

قلق في إسرائيل من «تقييد الأيدي» في سوريا بعد التصعيد بأوكرانيا

في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الإسرائيلية إظهار موقف حيادي تجاه الأزمة الأوكرانية، خوفاً من غضب روسيا أو الولايات المتحدة، وتقصر اهتمامها على ترحيل ألوف مواطنيها من هناك، حتى لا يعلقوا في ظروف حرب، كشفت مصادر أمنية عليا أن هذه الحرب ستؤثر على إسرائيل حتماً؛ خصوصاً في صراعها مع إيران ونشاطاتها العسكرية في سوريا.
وقالت هذه المصادر -وفقاً للمراسل العسكري في صحيفة «معاريف» العبرية، طال ليف رام- إن «إسرائيل ليست لاعباً مركزياً في معركة (لي الأيدي) بين القوى العظمى، الجارية على حساب أوكرانيا، إلا أن نشوب حرب في أوروبا سيؤثر على مسائل استراتيجية دراماتيكية ترتبط بها، وسيكلفها ثمناً باهظاً. ففي الموضوع النووي، تأتي الأزمة في أوكرانيا في مرحلة حرجة بسبب مفاوضات القوى العظمى مع إيران. إسرائيل تنظر بقلق كيف تواصل إيران التقدم –ببطء ولكن بنجاعة– في برنامجها النووي. ومع أن إسرائيل تعارض الموقف الأميركي والاتفاق الجارية بلورته، ولكن في الاختيار بين اتفاق سيئ وبين انعدام اتفاق على الإطلاق يجعل إيران تواصل التقدم إلى النووي، يختار جهاز الأمن الإسرائيلي إحراز اتفاق. ويعربون هناك عن ثقتهم بأنه من الأفضل أن يحدث اتفاق يوقفها على الأقل عن مزيد من التقدم».
ويؤكد جنرالات الأمن -حسب هذا التقرير- أن «إيران اليوم بعيدة عن أن تكون في رأس سلم أولويات إدارة بايدن، والمواجهة مع الروس سيدحرها أكثر فأكثر عن جدول الأعمال الأميركي. وفي وضع كهذا، ستستغله إيران جيداً في صالحها، وتسمح لنفسها بأن تنفذ خطوات أكثر جرأة، كانت حذرة من تنفيذها حتى الآن، باستمرار التقدم في برنامجها النووي».
ومع أن إسرائيل تعتبر الروس «لاعباً نزيهاً جداً في التعاطي مع الأزمة الدولية مع إيران، وتؤيد ألا تصبح دولة مع سلاح نووي، فإن جهاز الأمن الإسرائيلي يخشى من أن يتمكن الروس الآن من تغيير قواعد اللعب، والسير أكثر في اتجاه إيران، ومن شأن حرية العمل للجيش الإسرائيلي في سوريا أيضاً أن يتأثر بذلك».
وقد خرج ليف رام، لاستنتاج أن «إسرائيل في السنوات الأخيرة تحدد مواقفها بحكمة بين الأميركيين والروس. لكن روسيا تمارس لعبة مزدوجة، فلا يكاد هجوم إسرائيلي يقع في سوريا، إلا وتعلن موسكو الاحتجاج، بشكل علني أو غير علني، من خلال أجهزة التنسيق. فهم من جهة يفهمون احتياجات ومصالح إسرائيل الأمنية، ومن جهة ثانية يطلبون وقف الهجمات. فقط في الأسبوع الماضي اختار الروس التنديد بشكل علني، ولم يكن هذا صدفة. والرسالة عبر إسرائيل استهدفت أساساً الولايات المتحدة، ومفادها أن (تدخلكم في أوروبا كفيل بأن يؤثر أيضاً على ما يجري في الشرق الأوسط وعلى حليفتكم إسرائيل)». ويقول: «هذا لا يزال لا يعني بعد أن الروس سيبدؤون في استخدام منظومات الدفاع ضد الطائرات الإسرائيلية، وسيطرحون على إسرائيل إنذاراً لوقف الهجمات، ولكن السيناريوهات المختلفة التي ليست لصالح إسرائيل من شأنها أن تتطور في هذه المنطقة أيضاً، كلما احتدت الأزمة في أوكرانيا وعرض الأميركيون خطاً متصلباً ضد الروس. وعليه فإن المواجهة الحادة التي من شأنها أن تتطور بين الولايات المتحدة وروسيا قد تمس بالمصالح الإسرائيلية؛ بل وتؤثر على العلاقات مع روسيا أيضاً».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.