قضية الطفل المغربي ريان بين أهمية القصة الإنسانية إعلامياً وأخلاقيات المهنة

الأخبار المُضللة والتصريحات المُفبرَكة ومقاطع الفيديو حظيت برواج في مواقع التواصل

عبد الصمد مطيع
عبد الصمد مطيع
TT

قضية الطفل المغربي ريان بين أهمية القصة الإنسانية إعلامياً وأخلاقيات المهنة

عبد الصمد مطيع
عبد الصمد مطيع

أثار رحيل الطفل المغربي ريان أورام، بعد تمضيته خمس ليالي عالقاً في بئر جافة بعمق 32 م، في قرية إغران بمحافظة شفشاون (شمال المغرب)، اهتمام وتعاطف وتضامن مختلف بلدان العالم. وتحولت المأساة من حادثة محلية إلى قصة عالمية، تصدرت اهتمامات كبريات وسائل الإعلام، وفرضت نفسها أولويةً على الصحافة العالمية.
ولكن، إذا كانت قضية ريان قد طويت بعدما وُري الثرى بقريته عقب جنازة مهيبة، فإن أسئلة حارقة بشأن تعاطي وسائل الإعلام ووسائط التواصل مع هذه القضية، ومدى تقيدها بمبادئ أخلاقيات المهنة، ظلت مفتوحة. هذه أمور ما زالت تسيل المزيد من المداد وتثير الكثير من النقاش، ليس فقط ما بين المهنيين وهيئاتهم التمثيلية، بل أيضاً في أوساط الرأي العام المحلي والدولي، خصوصاً في ظل ما رافق لجوء بعض المنابر الإعلامية والوسائط إلى بعض أساليب التضليل واختلاق الأخبار الزائفة والإثارة والتهويل والتعتيم.
الإعلامي المغربي عبد العزيز كوكاس قال لـ«الشرق الأوسط»، معلقاً على التعامل الإعلامي مع مأساة ريان، إن هذه الواقعة «أبرزت انحرافات كثيرة شابت عمليات التغطية الإعلامية للحادث، كانتشار الأخبار المضللة وصور ومقاطع فيديو، وتصريحات مفبركة، حظيت برواج كبير في صفوف مستعملي مواقع التواصل الاجتماعي». بيد أنه، في المقابل، نوه بالدور الإيجابي الذي قامت به العديد من وسائل الإعلام المغربية التي كانت حاضرة في قلب الحدث، ودأبت على مد الناس بالأخبار والمعلومات والتطورات المصاحبة لجهود إنقاذ ريان.

القيَم المهنية مهددة
ولكن، لئن كان هذا الوضع يفرض على الصحافي ووسائل الإعلام إعادة مراقبة أسلوب تعبيرهم واحترام الحقائق، فإن هذا الأمر لم يعد مقتصراً على الصحافيين، بل يشمل كل أساليب النشر في الإنترنت. فهي مطالبة بدورها باحترام الحقيقة ومحاربة الأخبار الزائفة، لأن القيَم المهنية للصحافة، ومنها الموضوعية والحياد والتمسك بالحقائق، وإجلال الروح الإنسانية واحترام الآخرين والشفافية، غدت مهددة بسبب لعنة «الخوارزميات» والبحث عن السبق والربح السريع.
وهنا حكيم بلمداحي، مدير تحرير صحيفة «الأحداث المغربية» في لقاء مع «الشرق الأوسط»، يقول إن حادثة الطفل ريان شهدت تغطية إعلامية واسعة وربما غير مسبوقة بالنظر إلى حجم الواقعة. إذ تقاطرت وسائل الإعلام إلى مكان الحادث، بدءاً من بعض المواقع الإلكترونية وبعض الصحف المغربية والمنصات الرقمية، وسرعان ما توسع الحضور ليشمل كبريات الشبكات الإعلامية العالمية من تلفزيون وصحف ومواقع إخبارية.
وأوضح بلمداحي استناداً إلى دراسة لـ«المرصد الوطني للرأي العام الرقمي» جرى تقديمها الأسبوع الماضي في العاصمة المغربية الرباط. وذكر أنه كشف عن أن التفاعل الاستثنائي على الشبكات الرقمية مع مأساة ريان لامس حوالي مليار ونصف مليار شخص عبر العالم، وذلك من خلال 127 ألف تدوينة جرى نشرها، سواء على شكل مكتوب أو صورة أو فيديو.
وأضاف الإعلامي المغربي أنه «لا يمكن إغفال الطابع الإنساني في مأساة الطفل ريان، فكل عناصر التأثير والإثارة متوفرة: طفل صغير يسقط في بئر مهجورة، فيتجند شعب بكامله لإنقاذه، مع التفاصيل الدقيقة للعملية وما يحيط بها من معطيات جيولوجية وتقنية وعلمية وغيرها... كل هذا زاد من حجم الاهتمام بالحادث».
من جانب آخر، قال بلمداحي إن الانتباه إلى أن فاجعة الطفل ريان بيّن مجدداً أهمية الإعلام... سواءً في نشر المعلومة أو خلق حالة تحدٍ أمام المسؤولين. وكشفت أيضاً عن جانب آخر يخص أخلاقيات مهنة الصحافة. ويخلص إلى القول «إذا كانت الصحافة الجادة تشتغل وفق القواعد المهنية، وأدت دورها بالشكل المطلوب، فإن بعض المواقع الرقمية وما يسمى بصحافة المواطن خلقت وضعاً مؤسفاً يجب معالجته من طرف الهيئات الصحافية المهنية، لا سيما لجهة انتشار الأخبار الزائفة والسلوكيات التي لا تحترم الخصوصية».

تعامل مهني وخروقات
بدوريهما يتقاسم كل من عبد الصمد مطيع، الأستاذ الباحث في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط ومنسق ماستر إنتاج المضامين المسموعة والمرئية والرقمية، ونادية المهيدي الأستاذة الباحثة في المعهد ذاته، الرأي بكون وسائل الإعلام العمومي «توفقت في مواكبتها لحادث الطفل وتعاملت بمهنية، واستندت في نقلها لمجريات الأحداث على المصادر الموثوقة». فقد رأى مطيع أن الإعلام العمومي «كان حاضراً، وواكب عن كثب عملية الإنقاذ... وأثبت بالتالي قدرته على تغطية قضية الطفل ريان التي أظهرت مجموعة من نقاط القوة للوسط الإعلامي والمؤسساتي المغربي». وذهبت المهيدي في المنحى عينه، حين اعتبرت أنه كما كان الشأن في جائحة «كوفيد - 19»، «تمكن الإعلام العمومي من التعامل بجدية، ولم يبث أي خبر حول الحادث قبل أن يجري التأكد منه، وهذا بعكس الإعلام الإلكتروني الذي جعل حادث ريان المأساوي فُرجة بهدف الرفع من عدد النقرات».
ولفت مطيع إلى أن الإعلام الرقمي المحلي «أصبح مصدراً لمجموعة من القنوات الدولية التي كان بعض مراسليها مرابطين في الميدان، إلى جانب الإعلام العمومي، الذي قدم خدمات للتبادل الإعلامي مع قنوات منخرطة في التقديم والاستفادة من هذه الخدمة، وهو ما ساهم في تعبئة الرأي العام الوطني والدولي». إلا أنه استدرك قائلاً: «ولكن، لا يمكن أن ننكر أن هناك مجموعة من الأخطاء والخروق، سواءً من قبل بعض الصحافيين أو المؤثرين، أو حتى المواطنين العاديين المبحرين في الشبكة العنكبوتية... ومن هذه الخروق نشر الأخبار الكاذبة والمضللة، والمس بالحقوق المرتبطة بالحياة الشخصية والحق في الصورة».

الحاجة لتكوين أفضل
في سياقٍ موازٍ، بغض النظر عن الأفق الجديد الذي يفتحه هذا الحادث، خصوصاً على مستوى اهتمام وسائل الإعلام بتحويل مثل هذه الأحداث إلى قصص إنسانية، يلاحظ أن هذه القصص الإخبارية، تستأثر بشكل متزايد باهتمامات واسعة من لدن الجمهور مهما اختلفت درجات تطوره وتباعدت أمكنة وجوده الجغرافي. فهذا ما أبانته قضية الطفل ريان وقبله محمد الدرة، الصبي الفلسطيني الذي راح ضحية رصاص الاحتلال الإسرائيلي يوم 30 سبتمبر (أيلول) 2000 في قطاع غزة، إذ خلف نشر صورته إلى جانب والده لحظة مقتله استهجاناً وإدانة واسعة عند الرأي العام الدولي، وساهمت أيضاً في إثارة الانتباه للاضطهاد الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
وفي هذا الصدد، يقترح مطيع والمهيدي إيلاء المزيد من الاهتمام بمسألة التكوين (الإعداد) بتنظيم دورات تكوينية للقائمين على العملية التواصلية خلال الأزمات، سواءً كانوا إعلاميين أو مسؤولين عن عمليات التواصل، وإعداد بهذا الشأن دلائل للتغطية الإعلامية، تتضمن الممارسات الفُضلى، والأخطاء الواجب تفاديها أثناء التغطيات الإخبارية للأزمات. ولاحظ مطيع أن المحتويات التي أنتجت في هذا المجال «كانت محتشمة ومحدودة، في حين كانت ستكون متطورة بشكل أفضل لو أن الصحافيين تجاوزوا الشق الإخباري إلى الشق التحليلي... باعتماد تفسيرات علمية لما يحدث بعين المكان، كالطبيعة الجيولوجية والفيزيائية لمنطقة الحادث، والتداعيات الصحية التي يمكن أن يتعرض لها الطفل ريان في قعر البئر والظروف المناخية وتأثيرها على عملية الإنقاذ».
أما المهيدي فشددت على «ضرورة أن ينخرط البحث العلمي في دراسة هذه الظاهرة، وطرح الأسئلة الحارقة حول أداء الإعلام الجديد ومستوى تأطيره مع الاهتمام بالتربية على الإعلام الجديد وبالتكوين، وذلك بهدف تملك آليات العمل الصحافي». ولاحظت في هذا الشأن، أن العديد من شبكات التواصل ساهمت في «تناسل الإشاعات وفبركة أحداث مصطنعة وغير دقيقة»، خصوصاً في ظل غياب ناطق رسمي، وتأخر السلطات المعنية في تنظيم العملية التواصلية، رغم تسجيل بعض إيجابيات هذه الشبكات في مجال التواصل.
عودة إلى عبد العزيز كوكاس، فإن ما تقدم وإن كان يتجاوز دور الإعلاميين، فإنه يفرض بالمقابل تربية مواطنة اتجاه المجتمع ذاته وليس فقط الصحافيين المهنيين. المهيدي بقولها إن البعد الإنساني يعد عنصراً ومكوناً أساسياً في تعاطى الإعلام مع الأحداث، أكانت ذات طبيعة سياسية أو رياضية، وينسجم كثيراً مع الحوادث وتنمحي خلالها الخلافات والصراعات... مهماً كان نوعها وحجمها ومصدرها.


مقالات ذات صلة

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)
يوميات الشرق الملتقى يُعدُّ أكبر تجمع في السعودية للمؤثرين والخبراء وصناع المحتوى الرقمي (واس)

السعودية تطلق أول ملتقى لـ«صناع التأثير» في العالم

أعلن وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري إطلاق الملتقى الأول لصناع التأثير (ImpaQ)، الذي تستضيفه العاصمة الرياض يومي 18 و19 ديسمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر كرم جبر (الهيئة الوطنية للإعلام)

إغلاق قناة وإيقاف برنامجين في مصر بسبب «مخالفات مهنية»

هذه القرارات تطبيق فعلي للمعايير المهنية التي ينبغي التزام جميع القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية ومنصات ومواقع التواصل الاجتماعي الجماهيرية بها...

محمد الكفراوي (القاهرة )

انطلاق المنتدى السعودي للإعلام 19 فبراير المقبل

المنتدى يُشكِّل فرصةً للشركات والأفراد للاطلاع على أحدث تطورات الإعلام (تصوير: بشير صالح)
المنتدى يُشكِّل فرصةً للشركات والأفراد للاطلاع على أحدث تطورات الإعلام (تصوير: بشير صالح)
TT

انطلاق المنتدى السعودي للإعلام 19 فبراير المقبل

المنتدى يُشكِّل فرصةً للشركات والأفراد للاطلاع على أحدث تطورات الإعلام (تصوير: بشير صالح)
المنتدى يُشكِّل فرصةً للشركات والأفراد للاطلاع على أحدث تطورات الإعلام (تصوير: بشير صالح)

تنطلق النسخة المقبلة من «المنتدى السعودي للإعلام» في الرياض بتاريخ 19 وتستمر حتى 21 فبراير (شباط) 2025، حسبما أعلن رئيسه محمد الحارثي خلال لقاء استضافه معرض «ميبكوم» العالمي بمدينة كان الفرنسية، بحضور مسؤولي كبرى شركات الإنتاج الدولية، والمتخصصين.

وعدّ الحارثي البُعد الدولي للمنتدى أحد أهم مسببات إعلانه في «مبيكوم»، بجانب المشاركة في معرض «IBC» للإنتاج الإعلامي والبث الرقمي، بمدينة أمستردام الهولندية، مشيراً إلى أن اللجنة المنظمة «تبذل جهوداً مضاعفة هذا العام لتقديم نسخة أفضل مما سبق، باعتبار كل نجاح تحدياً لنجاح أكبر».

وأكد أهمية تعزيز وصول المنتدى ومعرضه المصاحب «مستقبل الإعلام» (فومكس) لأكبر قدر من الجماهير مع جذب الشركات الدولية، لافتاً إلى أن المعرض الذي يعد الأكبر من نوعه في المنطقة، يجمع نحو 200 شركة من 30 دولة، ليكون منصة تفاعلية تستعرض أحدث التقنيات والابتكارات بالمجال.

وأضاف أن السعودية تشهد حراكاً مستمراً على الأصعدة كافة وبمختلف المجالات ضمن «رؤية 2030»، و«هو ما يعطي فرصاً أكبر للنمو الإعلامي، ونمو السوق الاستثماري في جوانب التقنية الإعلامية التي يركز عليها الحدث»، لافتاً إلى أن المنتدى يُشكِّل فرصة للشركات والأفراد لتطوير إمكاناتهم، والاطلاع على أحدث التطورات، والوجود بسوق نشط «يعدّ القلب النابض للمنطقة».

وأشار الحارثي إلى أن المنتدى سيشهد مبادرات يتم خلالها تفعيل الشراكات المحلية والدولية عبر مسارات عدة، منها «تمويلي» للمشاريع الناشئة، وأخرى وظيفية وتطويرية للمواهب الشابة والعاملين بالمجال الإعلامي؛ انطلاقاً من أدواره في دعم رأس المال البشري وتمكينه، منوّهاً بأهمية التعاون مع الشركاء الفاعلين لتحقيق الأهداف المشتركة.

وأبان أن «جائزة المنتدى» تهدف إلى تحفيز الكفاءات من الأفراد والشركات لتقديم أعمال متميزة تسهم في تعزيز صورة السعودية كمنصة إعلامية عالمية، مضيفاً أنها تتضمن 15 مساراً تخدم تعزيز روح المنافسة بين صناع المحتوى والمؤسسات للارتقاء بالقطاع، وتكريم المميزين.

وكشف أن الجائزة تتضمن هذا العام مساراً جديداً للتسامح بالتعاون مع مركز الحوار العالمي (كايسيد)؛ لدعم القيم الإنسانية، وتعزيز التفاهم والانفتاح على الثقافات المختلفة.

وأوضح الحارثي أن مراحل التطوير التي يشهدها المنتدى وفعالياته المصاحبة تأتي مع «عام التحول الإعلامي»، والحراك الذي يشهده القطاع، ليكون عبر مؤسساته ومخرجاته كافة مواكباً لمسار التنمية الوطنية، ورؤية المملكة الطموحة.