«إشراقات»... 100 عمل لـ24 فناناً إماراتياً وعربياً

المعرض الأول من نوعه في دبي منذ جائحة «كورونا»

لوحة «الأوركسترا»... من أعمال سعد يكن
لوحة «الأوركسترا»... من أعمال سعد يكن
TT

«إشراقات»... 100 عمل لـ24 فناناً إماراتياً وعربياً

لوحة «الأوركسترا»... من أعمال سعد يكن
لوحة «الأوركسترا»... من أعمال سعد يكن

في قاعة معرض سلطان العويس في دبي اجتمع 24 فناناً إماراتياً وعربياً في معرض هو الأول من نوعه منذ جائحة «كورونا». وتم انعقاد هذا المعرض بالتعاون بين مؤسسة العويس ومؤسسة آرت سول التي تقودها سمر رباطة التي قالت لـ«الشرق الأوسط»: «مع بداية عام 2022 مثّل معرض «إشراقات صورة جمالية عن المعنى الحقيقي للفن باجتماع باقة مميزة من أعمال راقية لـ24 فناناً تمّ اختيارهم بناء على إيمانهم بأهمية الفن والرسالة الحقيقية التي يؤديها في مجتمعاتنا ويعبر كل منهم بأسلوبه الفني المتميز والمعروف في دنيا الفن، لأن الفنانين المشاركين لهم باعهم الطويل في الرسم وأقاموا العديد من المعارض الفنية. لذلك نحن نسعى إلى أن تعبر مؤسستنا «روح الفن» عن أول ما تطمح له من مسيرتها في عالم الفن». وبالفعل تعد هذه التجربة المشتركة بين المؤسستين أول تجربة من نوعها لصياغة ثقافة بصرية ولتنشر رسالة اجتماعية مفادها أن المبادرات المشتركة تأتي غالباً في صالح الفن، حيث تتلاقى الخبرات والمبادرات بروح المغامرة البحثية الطموحة لتشكل معاً تجربة جديدة في إطار من العمل الجاد الدؤوب لتخدم الفن وترتقي بالذائقة الاجتماعية.
يشارك في هذا المعرض مجموعة من الفنانين المعروفين من مختلف البلدان العربية بأكثر من مائة عمل منوع بين رسم زيتي أو مائي أو خامات طبيعية أو منحوتات أو تكوينات فنية تتوزع في جوانب قاعة المعارض بمؤسسة العويس الثقافية طيلة أسبوع كامل.
ومن الفنانين الإماراتيين المشاركين في المعرض: الفنانة سلمى المري التي تجمع بين الرسم والتصوير والزخرفة في تجسيد عوالم التجريد الفني ووضوح التأثيرات الخطية على لوحاتها، التي يمتزج فيها العاطفي والتاريخي، والفنان الإماراتي فيصل عبد القادر الذي تعبر لوحاته عن التراث الإماراتي ويوثق هذا التراث بطريقة فنية كلاسيكية تجسد التراث، والفنان خليل عبد الواحد الذي قدم أدوات أستاذه الفنان عبد القادر الريس في عمل تركيبي فني، إخلاصاً لهذا الفن، فيما عرض الفنان عبد الرحيم سالم لوحات تتميز برسم كتل الجسم، وتجريدها إلى ألوان ورموز، معتمداً على التجريب والبحث. وشاركت أيضاً الفنانة عزة القبيسي التي استخدمت المواد والتقنيات المختلفة في لوحاتها، وخاصة المواد المحلية والطبيعية والمعادن.
ومن الفنانين العراقيين، شارك إحسان الخطيب الذي يمزج في لوحاته بين الرسم الزيتي والألوان المائية والفحم والقلم الرصاص، وشاكر الآلوسي الذي وظف التراث الشعبي الفولكلوري العراقي في لوحاته، وخاصة البغدادي منه، وهو ينتمي إلى المدرسة البغدادية في الرسم. والفنان علي رضا سالم، الذي يعتمد في لوحاته على تعدد الطبقات اللونية المتراكمة، والحفر في هذه الطبقات، مما يجعل لوحاته متميزة، وهو يعتمد أيضاً على تصادم الألوان التي تنتج حالات نفسية ومزاجية خاصة. أما الفنان محمد خالد السامرائي فهو يميل في لوحاته إلى التصميم والتشكيل في تقنيات حديثة. ومن الفنانين العراقيين الآخرين الفنان محمد فهمي، الذي يذهب بالتجريد إلى مدياته اللانهائية. فيما أبدع الفنان معتصم الكبيسي في النحت، وقدم ناطق الخلوصي جزءاً من منحوتاته البرونزية. واستطاع الفنان حسين السلوان أن يقدم الوجوه باعتبارها تعبيراً عن المشاعر والأفكار، مجسداً مقولة الشاعر العراقي بلند الحيدري: «في كل زوايا المرآة أرى بغداد».
ومن سوريا شارك في المعرض مجموعة من الفنانين وفي مقدمتهم الفنان سعد يكن، الذي شارك بلوحته «أوركسترا»، اللوحة المتحررة من الشكل، القادرة على إحداث الصدمة البصرية، مجسداً بذلك أزمات الإنسان المعاصر. أما الفنان صفوان أصلان فتميزت لوحاته بالوجدانية في استحضار الوجوه، معتمداً على الحلم والمخيلة والروح السوريالية المدهشة بجمالياتها الخاصة، وقدم فادي فاضل لوحات تميزت بالأسلوب الرمزي والتعبيري والسريالي في آنٍ واحد بتقنيات فنية عالية مثل لوحة عازفة التشيلو، وعرض النحات وائل فوزي هلال منحوتات بجماليات تجريدية وجدانية. أما وضاح السيد، فعرض لوحات عكست أجواء روحية غامضة.
المساهمات الأخرى توزعت بين الفنانة السعودية مهدية علي آل طالب بأجوائها الرمزية، والفنان المصري طاهر عبد العظيم بلوحته التي تجسد الفولكلور المصري العريق.



رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة
TT

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

ليس أكثر من قصائد الشعر بمختلف اللغات وفي شتى العصور، ولكن ما عسى الشعر أن يكون؟ يقول جون كاري (John Carey) أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة أوكسفورد في كتابه «الشعر: تاريخ وجيز» (A Little History of Poetry)، (مطبعة جامعة ييل، نيوهفن ولندن، 2020) إن «صلة الشعر باللغة كصلة الموسيقى بالضوضاء. فالشعر لغة مستخدمة على نحوٍ خاص، يجعلنا نتذكر كلماته ونثمنها». وكتاب كاري الذي نعرضه هنا موضوعه أشعار عاشت على الزمن منذ ملحمة جلجامش البابلية في الألفية الثالثة ق.م وملحمتي هوميروس «الإلياذة» و«الأوديسة» في القرن الثامن ق.م حتى شعراء عصرنا مثل الشاعر الآيرلندي شيمس هيني (تُوفي في 2013) والشاعرة الأفرو - أميركية مايا أنجيلو (توفيت في 2014) والشاعر الأسترالي لس مري (توفي في 2019).

ليس الشعر كما يظن كثيرون خيالاً منقطع الصلة بالواقع أو تهويماً في عالم أثيري عديم الجذور. إنه كما يوضح كاري مشتبك بالأسطورة والحرب والحب والعلم والدين والثورة والسياسة والأسفار. فالشعر ساحة لقاء بين الشرق والغرب، ومجال للبوح الاعترافي، ومراوحة بين قطبي الكلاسية والرومانسية، وأداة للنقد الاجتماعي، ومعالجة لقضايا الجنس والعرق والطبقة. إنه كلمات يختارها الشاعر من محيط اللغة الواسع ويرتبها في نسق معين يخاطب العقل والوجدان والحواس. فالشعراء كما تقول الشاعرة الأميركية ميريان مور يقدمون «حدائق خيالية بها ضفادع حقيقية».

وتعتبر الشاعرة اليونانية سافو (630 ق.م-570 ق.م) من جزيرة لسبوس أول شاعرة امرأة وصلت إلينا أشعارها في هيئة شذرات (القصيدة الوحيدة التي وصلت إلينا منها كاملة عنوانها «أنشودة إلى أفروديتي» ربة الحب). المحبوبة في قصائدها تفاحة حمراء ناضجة في شجرة عالية بعيدة المنال. أو هي زهرة جبلية يطأها الرعاة الأجلاف بأقدامهم فتترك أثراً أرجوانياً على الأرض. وفى قصيدتها المعروفة باسم «الشذرة 31» ترى صديقة لها تتحدث مع رجل وتضاحكه فتتولاها الغيرة ويثب قلبها في صدرها وتشعر كأن ناراً ترعى في بدنها فتعجز عن الكلام وتغيم عيناها وترتعد فرائصها (للدكتور عبد الغفار مكاوي كتاب صغير جميل عن «سافو شاعرة الحب والجمال عند اليونان»، دار المعارف، القاهرة).

والشعر مشتبك بالدين كما هو الحال في غزليات الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي (من القرن الرابع عشر الميلادي) الذي لا نعرف الكثير عن حياته. نعرف فقط أنه حفظ القرآن الكريم في طفولته واشتغل خبازاً قبل أن يغدو من شعراء البلاط ودرس الصوفية على يدي أحد أقطابها. وهو يستخدم صور الحب والخمر كما يفعل المتصوفة رمزاً إلى الحب الإلهي والوجد الصوفي والنشوة الروحية المجاوزة للحواس. وقد غدت قصائده من كنوز اللغة الفارسية، ودخلت بعض أبياته الأمثال الشعبية والأقوال الحكمية، ولا يكاد بيت إيراني يخلو من ديوانه.

كذلك نجد أن الشعر يشتبك بكيمياء اللغة وقدرتها على الإيحاء ومجاوزة الواقع دون فقدان للصلة به. يتجلى هذا على أوضح الأنحاء في عمل الشاعر الرمزي الفرنسي أرتور رامبو من القرن التاسع عشر. فعن طريق تشويش الحواس والخلط بين معطياتها يغدو الشاعر رائياً يرى ما لا يراه غيره وسيتكشف آفاق المجهول. فعل رامبو هذا قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر، وذلك في قصائده «السفينة النشوى» (بترجمة ماهر البطوطي) و«فصل في الجحيم» (ترجمها الفنان التشكيلي رمسيس يونان) و«اللوحات الملونة» أو «الإشراقات» (ترجمها رفعت سلام). وبهذه القصائد غدا رامبو - ومعه لوتريامون صاحب ديوان «أغاني مالدورور» - أباً للسريالية في العقود الأولى من القرن العشرين.

والشعر مشتبك بالسياسة خاصة في عصرنا الذي شهد حربين عالميتين وحروباً محلية وصراعات آيديولوجية ما بين نازية وفاشية وشيوعية وليبرالية وديمقراطية وأصولية دينية، كما شهد المحرقة النازية وإلقاء أول قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي. وممن عاشوا أزمات هذا العصر الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت (1986-1901) الحائز جائزة نوبل للأدب في 1984. إنه في ديوانه المسمى «إكليل من السوناتات» (1956) يخاطب مدينته براغ التي أحالتها الحرب العالمية الثانية إلى ركام معبراً عن حبه لها وولائه لوطنه. وشعر سيفرت يقوم على استخدام المجاز. وقد جاء في حيثيات منحه جائزة نوبل أن شعره الذي يمتاز بالوضوح والموسيقية والصور الحسية يجسد تماهيه العميق مع بلده وشعبه.

ومن خلال الترجمة يتمكن الشعر من عبور المسافات وإقامة الجسور وإلغاء البعد الزمني، وذلك متى توافر له المترجم الموهوب القادر على نقل روح القصيدة ونصها. هذا ما فعله المترجم الإنجليزي آرثر ويلي (توفي في 1966) الذي نقل إلى الإنجليزية كثيراً من الآثار الشعرية والروائية والمسرحية الصينية واليابانية.

ومن أمثلة ترجماته هذه القصيدة القصيرة من تأليف الإمبراطور الصيني وو-تي (القرن الأول ق.م) وفيها يرثي حبيبته الراحلة:

لقد توقف حفيف تنورتها الحريرية.

وعلى الرصيف الرخامي ينمو التراب.

غرفتها الخالية باردة ساكنة.

وأوراق الشجر الساقطة قد تكوّمت عند الأبواب.

وإذ أتوق إلى تلك السيدة الحلوة

كيف يتسنى لي أن أحمل قلبي المتوجع على السكينة؟

ويختم جون كاري هذه السياحة في آفاق الشعر العالمي، قديماً وحديثاً، شرقاً وغرباً، بقوله إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على طرح الأسئلة على الكون، بغية إدراك معنى الوجود، أسئلة لا تجد إجابة في الغالب، ولكن هذا التساؤل - من جانب الفيلسوف والعالم والشاعر - يمثل مجد الإنسان ومأساته معاً.